لقاءات نيويورك... فرصة ترمب لتحقيق "سلام معقول" في سوريا

الوضع اليوم ازداد خطورة مع تصرف إسرائيل بقدر أكبر من التهور

ا ف ب
ا ف ب
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي (يسار) يراقب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني (وسط) وهو يحيي المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توم باراك بعد توقيع اتفاق في دمشق في 16 سبتمبر 2025

لقاءات نيويورك... فرصة ترمب لتحقيق "سلام معقول" في سوريا

تشنّ إسرائيل حربا متعددة الجبهات لإعادة تشكيل موازين المنطقة، متجاوزة كل شيء تماما، من الأرواح البشرية إلى قواعد الحرب والأعراف الدولية والقيم الإنسانية المشتركة.

ولا يسعى نتنياهو وحلفاؤه في اليمين المتطرف إلى القضاء على "حماس" والفصائل الفلسطينية المسلحة الأخرى في غزة فحسب، بل يهدفون كذلك إلى تنفيذ عملية تطهير عرقي لإفراغ القطاع من سكانه الفلسطينيين، عبر إجبار أكبر عدد ممكن من سكانه البالغين نحو 2.3 مليون نسمة إلى الرحيل عنه.

وإذا ما قدّر الإسرائيليون أن القطاع أُفرغ بما يكفي من الفلسطينيين، فإنهم سيسعون إلى تنفيذ مشروع دونالد ترمب لتحويل غزة إلى "ريفييرا الشرق الأوسط"، عبر تشييد مبانٍ حديثة ومنتجعات سياحية فوق أنقاض حياة مئات الآلاف من البشر.

في مقال نشر في الصحافة التركية بتاريخ 4 أغسطس/آب، قلت: "إن إسرائيل طرف خارجي بالغ الأهمية سيؤثر في مستقبل سوريا، فهي تريدها ضعيفة ومفككة. ورغم أن إسرائيل وتركيا، اللتين عاشتا سنوات من العداء الشديد، تبدوان وكأنهما على وشك الاشتباك في أي لحظة، فإن قنوات الاتصال المباشر بينهما لم تُغلق، إذ لا يزال التواصل قائما بينهما، فيما تضطلع الولايات المتحدة بدور الوسيط وصانع السلام".

لكن الوضع اليوم ازداد خطورة مع تصرف إسرائيل بقدر أكبر من التهور. وأصبح خطر وقوع احتكاك مباشر عرضي بين تركيا وإسرائيل في الشريط السوري الضيق أكثر احتمالا. كما أن ضعف رد المجتمع الدولي يشجع إسرائيل على المضي قدما في سياساتها. وفي الوقت نفسه، بات الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتبادلان الاستهداف علنا.

كررت تركيا مرارا استعدادها لتقديم كل ما يلزم من دعم لدمشق في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. إلا أنها، وكما هو متوقع، لم تكشف عن طبيعة الوسائل التي تعتزم استخدامها لهذا الغرض

إذ يسعى نتنياهو إلى إقناع الإسرائيليين وداعميه في الخارج، ولا سيما في الولايات المتحدة، بأنه يواجه "زعيما إسلاميا متشددا يعادي إسرائيل واليهود".
في المقابل، يعمل الرئيس أردوغان على تعزيز مكانته في تركيا والمنطقة عبر تقديم نفسه كقائد إقليمي يتصدى للصهاينة المتطرفين الذين يرتكبون إبادة جماعية بحق الفلسطينيين ويسعون إلى تقسيم سوريا.

كررت تركيا مرارا استعدادها لتقديم كل ما يلزم من دعم لدمشق في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. إلا أنها، وكما هو متوقع، لم تكشف عن طبيعة الوسائل التي تعتزم استخدامها لهذا الغرض. غير أن الرئيس رجب طيب أردوغان جدّد موقف بلاده، فيما التقى رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركي إبراهيم قالين الرئيس السوري الشرع في دمشق قبل أيام قليلة.

أما إسرائيل فترى اليوم أن تركيا خصم لا يقل خطرا عن إيران، وتتعامل معها بوسائل متعددة، من بينها استهداف ما تعتبره نقاط ضعف تركية. ويُقال إن إسرائيل تقصف مواقع في سوريا يُعتقد أن أنقرة تنوي إقامة قواعد فيها، كما تعزز علاقاتها مع جماعات مناوئة لتركيا، وتسعى كذلك إلى تحريض الكونغرس الأميركي ضدها.

رويترز
ناقلات جنود مدرعة تقف خارج مجمع للفرقة 80 الجديدة للجيش السوري في شمال غرب سوريا، 3 يونيو 2025

لكن تركيا ليست كسائر الدول التي واجهتها إسرائيل، فهي دولة واسعة المساحة وكبيرة من حيث عدد السكان، وتتمتع بتقدم ملحوظ في مجال الصناعات الدفاعية، وجيشها كبير ويمتلك خبرة قتالية واسعة. وفوق ذلك، فهي عضو في حلف شمال الأطلسي، وهو ما يفترض أن يشكّل فارقا حاسما.

تُعدّ مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في الجمعية العامة للأمم المتحدة حدثا بارزا، إذ سيكون أول زعيم سوري يلقي خطابا في هذا المحفل منذ عام 1967

أما بالنسبة للوضع في سوريا:

- يبدو أن جميع الأطراف، سواء الخارجية أو الداخلية، بما فيها تركيا، تتفق على أن سوريا لم تعد قابلة للحكم بنظام مركزي قوي، وأن هيكلا إداريا يمنح بعض الصلاحيات للإدارات المحلية قد يشكّل خيارا قابلا للتطبيق. غير أن الخلافات ما زالت قائمة حول معايير هذا الهيكل الإداري وتعريفه.

- التقت الولايات المتحدة وسوريا والأردن مؤخرا في عمّان، حيث وقّعت الأطراف الثلاثة خارطة طريق تهدف إلى إرساء الاستقرار في السويداء، كما دعت الأمم المتحدة إلى اعتماد هذه الخارطة كوثيقة رسمية.

- أعلن الزعيم الدرزي الشيخ حكمت الهجري، بدعم من إسرائيل، رفضه الاعتراف بهذا الاتفاق. وتسعى إسرائيل إلى جعل جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح وخالية من القوات الحكومية المركزية وحلفائها، إلى جانب مطالب أخرى.

- تتواصل المفاوضات بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ودمشق، غير أن "قسد" تتمسك بما تصفه بـ"حماية حقوقها وعدم التفريط بمكتسباتها".

- أدلى المبعوث الأميركي الخاص بسوريا، توم باراك، بتصريحات دعا فيها "قسد" إلى التعقل والتوصل إلى اتفاق مع دمشق. غير أن "قسد" تعتقد أنه، وعلى الرغم من هذه التصريحات، فإن الولايات المتحدة لن تتخلى عنها، نظرا لدورها في مواجهة تنظيم "داعش" وإيران وخصوم آخرين محتملين.

- يواصل السفير باراك دبلوماسيته المكوكية سعيا إلى إبرام اتفاقات بين سوريا وإسرائيل، وبين دمشق والجماعات المتنازعة معها.

 وتأمل الولايات المتحدة أن يجري توقيع هذه الاتفاقات خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، المقرر أن تبدأ الأسبوع المقبل في نيويورك، حيث ستقدّمها بوصفها مساهمة جديدة من ترمب في خدمة السلام العالمي.

 قد يُوقّع اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل في نيويورك، وفي المقابل تستعد إلهام أحمد، رئيسة دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، للسفر إلى الولايات المتحدة. ومن المحتمل أن يصدر اتفاق أو بيان مشترك بين دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

 تُعدّ مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع في الجمعية العامة للأمم المتحدة حدثا بارزا، إذ سيكون أول زعيم سوري يلقي خطابا في هذا المحفل منذ عام 1967. ومن المتوقع أن يحظى الشرع وإدارته ببعض الدعم خلال كلمات الدول المشاركة، غير أن هذا الدعم سيقترن بتحذيرات وما يمكن اعتباره شروطا من نوع ما.

 وبالنظر إلى الهيكل القائم للأمم المتحدة، يبدو من غير الواقعي توقّع صدور قرارات ملزمة أو فعالة تجبر إسرائيل على وقف عدوانها ضد سوريا.

 وتواجه سوريا عوائق عديدة تحول دون استقرارها، من بينها التداعيات السلبية الناجمة عن "هيئة تحرير الشام"، غير أن التحدي الأكبر يظل متمثلا في السياسة الإسرائيلية التي تستهدف زعزعة استقرار البلاد.

ستعارض الولايات المتحدة بلا شك أي خطوات من هذا النوع ضد إسرائيل وستسعى إلى منعها، غير أن غياب الحلول الدبلوماسية سيقود إلى مزيد من العنف والحروب

قال الشرع إن إسرائيل شنّت منذ 8 ديسمبر/كانون الأول أكثر من ألف غارة جوية و400 عملية برية داخل الأراضي السورية.

وتشهد واشنطن ونيويورك في الوقت الراهن واحدة من أكثر الفترات السياسية ازدحاما خلال العام. حيث رفع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني علم بلاده فوق مبنى السفارة السورية في واشنطن، ثم التقى نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لاندو. وأفادت التقارير بأن الجانبين ناقشا عدة قضايا، من بينها متابعة اتفاق 10 مارس/آذار بين دمشق و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

ومن المقرر أن يستضيف الرئيس دونالد ترمب نظيره التركي رجب طيب أردوغان في البيت الأبيض يوم 25 سبتمبر/أيلول. وستتناول المحادثات قضايا ثنائية تتعلق بالتجارة والتعاون العسكري، إلى جانب ملفات سوريا وغزة وإسرائيل. ومن المرجح أن تكون هذه المحادثات صعبة ومعقدة.

 أ ف ب
تسير مركبات عسكرية إسرائيلية على طول السياج الحدودي إلى داخل إسرائيل، بالقرب من بلدة مجدل شمس، في مرتفعات الجولان التي ضمتها إسرائيل، في 17 يوليو 2025

وإدراكا منه أن الولايات المتحدة هي الطرف الوحيد القادر على الضغط على إسرائيل للقبول بحل معقول، سيحرص أردوغان على تذكير الرئيس ترمب بأن سياسات نتنياهو تضع واشنطن في موقف بالغ الصعوبة، وأنه من خلال إذكاء العداء وتهيئة بيئة خصبة للتطرف والتنظيمات مثل "داعش"، لا يجعل ذلك مستقبل إسرائيل أكثر أمنا بل أكثر خطورة.

في هذه المرحلة، يجب إرغام إسرائيل على قبول سلام معقول يضمن لها الأمن أيضا.
ورغم أن ذلك قد يبدو مستبعدا، فإن إقدام جامعة الدول العربية و"منظمة التعاون الإسلامي" والاتحاد الأوروبي على خطوات جماعية مثل تعليق العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، ووقف العلاقات الاقتصادية والتجارية، والاعتراف بدولة فلسطين، سيشكّل إحدى أبرز وسائل الضغط في هذا السياق.

وستعارض الولايات المتحدة بلا شك أي خطوات من هذا النوع ضد إسرائيل وستسعى إلى منعها، غير أن غياب الحلول الدبلوماسية سيقود إلى مزيد من العنف والحروب، فضلا عن تعميق مشاعر الإحباط واليأس.

font change

مقالات ذات صلة