كما كان مرجحا لم يتأخر رد "حماس" على خطة الرئيس دونالد ترمب لإنهاء حرب غزة عن المهلة التي كان قد حددها لهذا الرد والتي لا تتجاوز الأيام الأربعة. وكما كان مرجحا أيضا فإن رد "حماس" جاء بصيغة "نعم، ولكن". أي أنها وإن أعلنت استعدادها لتلسيم الرهائن الإسرائيليين، أحياء وجثامين، وفق خطة ترمب، وموافقتها على تسليم إدارة قطاع غزة إلى هيئة فلسطينية مستقلة من التكنوقراط، غير أنها ربطت "قضايا أخرى تتعلق بمستقبل قطاع غزة وحقوق الشعب الفلسطيني الأصيلة، بموقف وطني جامع فلسطيني"، وهو ما يشمل مسألة سلاح "حماس". بالتالي فإن رد الحركة الفلسطينية لم يأخذ بخطة ترمب كما هي إلا أنه فتح الباب للتفاوض على نقاطها المفصلية، ما يعني أن الخطة نفسها ستكون خاضعة لأخذ ورد، وهو ما يبدو أنه يعكس أيضا موقف دول عربية وإسلامية كانت جزءا رئيسا من إنتاج تلك الخطة. ولذلك فمن المتوقع أن يكون وقف إطلاق النار وبدء التفاوض على "تفاصيل" إطلاق الرهائن أول الطريق نحو مفاوضات طويلة ومعقدة لإنتاج حل نهائي في غزة، ولكنها مفاوضات لن تكون خالية من المطبات والخروقات وإن كان الدفع العربي والإسلامي والدولي لخطة ترمب، فضلا عن افتخار ترمب نفسه بهذا "الانجاز"، سيجعل من انهيار المفاوضات أمرا مستبعدا وإن كان ممكنا في حدود معينة بالنظر إلى تعقيدات المشهد الانتقالي الذي تعيشه المنطقة.
وكانت أطراف كثيرة ووازنة عربية ودولية وإسلامية انخرطت في خطة دونالد ترمب لإنهاء الحرب في غزة، ما يدفع في المقابل إلى التفكير في من يمكن أن يعارضها، وبطبيعة الحال فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو أن إيران لن تكون راضية أو موافقة على الخطة، وهي لم تكن جزءا من العملية التفاوضية التي سبقتها ولم يظهر أثر لمفرداتها في البنود التي تضمنتها. لكن إيران التي تتعرض لضغوط كبيرة مع إعادة تفعيل العقوبات الأممية عليها والمعروفة بـ"آلية الزناد" أو "سناب باك"، والتي تتحسب لهجوم إسرائيلي جديد ضدها ربما يكون خلال ثلاثة أشهر بحسب التسريبات الإسرائيلية، لا تمتلك الكثير من الخيارات للرد على "استبعادها" من المفاوضات ومن "خطة الـ20" بخلاف ما كانت عليه حالها قبل نحو ثلاثة عقود عندما استخدمت أدواتها الأمنية والعسكرية والسياسية لبناء مسار مواز لـ"مؤتمر مدريد"، ولاسيما بعد التوقيع على "اتفاق أوسلو"، من خلال دعم "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"حزب الله" في لبنان.
كان ذلك إيذانا مبكرا بالصعود الإقليمي لإيران، حتى قبل الغزو الأميركي للعراق الذي فتح الباب واسعا أمامها للتوسع على امتداد المنطقة من بغداد إلى دمشق وبيروت وصنعاء، العواصم العربية الأربع التي ادعت إيران في عز سطوتها أنها تسيطر عليها، ولكن سبحان مغير الأحوال، فإنّ عملية "طوفان الأقصى" كانت بداية لمسار معاكس للنفوذ الإيراني في المنطقة، وكأن السحر انقلب على الساحر، وبصورة لم تكن تخطر ببال. والحال فإن تعويل إيران لأكثر من ثلاثة عقود على "حماس" ودعمها المتواصل لها، وإن شهدت العلاقة بين الطرفين بعض التذبذب بالنظر إلى موقف "حماس" من نظام بشار الأسد، كل ذلك لم يضمن لطهران حضورا مباشرا في المفاوضات بشأن "اليوم التالي" للحرب فلسطينيا وإقليميا، ولكن مرة جديدة لا بد من السؤال عن كيفية تصرف إيران حيال خطة ترمب؟ وهل يعد موقف "الجهاد الإسلامي" السلبي منها مؤشرا إلى تصميم طهران على مناكفتها وتخريبها؟
ولكن ما الأدوات المتبقية لإيران، بعد إضعاف وكلائها الإقليميين وبعد الهجوم الإسرائيلي-الأميركي ضدها والذي شكل محطة مفصلية في مسيرة نظامها الإسلامي؟

