علي الحازمي لـ"المجلة": هناك حراك شعري في غالبية بلدان الخليجhttps://www.majalla.com/node/327655/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%B9%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D8%B2%D9%85%D9%8A-%D9%84%D9%80%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D9%87%D9%86%D8%A7%D9%83-%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%83-%D8%B4%D8%B9%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%BA%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%84%D8%AF%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC
منذ بداياته، ظل الشاعر السعودي علي الحازمي وفيا لصوته الشعري، باحثا في اللغة عن مساحة تنصت إلى رهافة الروح وقلق الوجود.
أصدر سبع مجموعات شعرية من أبرزها "خسران" (2000)، "الغزالة تشرب صورتها" (2004)، "مطمئنا على الحافة" (2009)، "غصن وحيد للغناء" (2023) ، وقد ترجم بعضها إلى لغات عديدة، منها الإسبانية والفرنسية والإنكليزية، وحصد جوائز عربية وعالمية، آخرها جائزة المترجم الأدبي لعام 2025 من جامعة تكساس الأميركية عن الترجمة الإنكليزية لديوانه "شارع في جدار". حول انشغالاته الشعرية ومشاريعه الجديدة، كان هذا الحوار معه.
في ديوانك الأحدث "غصن وحيد للغناء"، تتجاور الرومانسية مع الحداثة في الصور والموضوعات. كيف تفسر هذا التداخل الذي يطبع صوتك الشعري؟
لعلي، في كل مجموعة شعرية جديدة، أحاول أن أقدم عملا مختلفا عما سبقه من الأعمال، والمطلع على تجربتي الشعرية، خلال أكثر من ثلاثة عقود، يستطيع أن يلمس ذلك. لذا تجدني عادة في حاجة إلى أربع أو خمس سنوات لإصدار مجموعة شعرية جديدة، أتعامل مع الكتابة الشعرية، منذ أن بدأتها، بكثير من الحذر والمسؤولية، أعمل بهدوء على كتابة قصائدي، وعلى كل عمل جديد أن يقنعني، على المستوى الشخصي، بجودته وأهميته، وإلا كان مصيره سلة المهملات.
أما في خصوص ما أشرت إليه حول تجاور الرومانسية مع الحداثة في الديوان، فلا أرى أن هناك تعارضا ما في المسألة، إذا علمنا علم اليقين أن الشعر يستمد طاقته الجمالية والروحية من الإنسان، ومن أحلامه وآماله وهمومه، ومن كل ما يتوق الى ملامسته. إن العاطفة بكل نيرانها وجليدها، وقود الشعر والشاعر بلا شك، وليس جديدا أن تلقي بظلالها على النص الشعري، لذا نجدها، في أوقات كثيرة، قادرة على تطويع البناء والشكل الخارجي لمصلحتها دائما.
غلاف ديوان "غصن وحيد للغناء"
خيط داخلي
ما الذي يدفعك الى اختيار موضوعات بعينها وتكثيفها داخل النص، وهل ثمة خيط داخلي يربط بين مجموعاتك الشعرية السبع؟
ليس هناك أمور محسومة أو منتهية في الكتابة الشعرية، فلحظة الكتابة بكل ما فيها من هطول وصفاء، تظل في الغالب غامضة وعصية على الشاعر نفسه، ومع ذلك أستطيع القول إنني أحاول في المقام الأول أن أكتب ما أشعر به، وأستمد الموضوعات من كل ما يحيط بي، من هذا العالم من حولي، العالم الذي تتسع دوائره مع مرور الوقت، مثلما أحاول في الوقت ذاته أن أشارك الآخرين أحلامهم وآلامهم بالكتابة عنها.
غلاف ديوان "الغزالة تشرب صورتها"
أما عن الشق الثاني من السؤال، فأجد أن هذا الخيط الذي يربط غالبية مجموعاتي لا يبتعد عادة عن الإنسان، بما يحمل ويحلم ويتوق إليه في هذا الوجود، وهناك رابط رفيع قد يلمسه القارئ في ما أكتب، لا يقل أهمية عما سبق، وهو محاولة صوغ الأمل أو إحيائه داخل النص الشعري، رغم كل الخيبات التي تطوق أجنحة الفؤاد.
غلاف ديوان "خسران"
كيف تنظر إلى القصيدة اليوم، بين التمسك بجذور الغنائية التقليدية والانفتاح على أسئلة الحداثة والتجريب؟
الشعر هو الشعر، والقصيدة الجيدة هي تلك التي تفرض نفسها على الشاعر والمتلقي، لذلك لا ألغي أي شكل من أشكال الكتابة الشعرية، وأظل منفتحا على كل تجلياتها. إن تنوع الشكل الكتابي للقصيدة هو مصدر ثراء للشعر بلا شك، ولعل أكثر ما أهتم به هو أن يكون الشاعر وفيا لزمنه وذاته ويومياته، ومع مرور الوقت واتساع أفق التجربة، يجد الشاعر نفسه غير معني بتلك الأسئلة التي تدار حول الحداثة، ويصبح على الأرجح منقادا لذلك الهتاف الآتي من مفازات قصية بالروح، كما أن سنوات الكتابة الشعرية هي الأخرى تلقي بظلالها على أفق الشاعر، فهي بالضرورة قادرة على تشكيل وعيه ولغته الشعرية الخاصة، وتمتلك ذلك القدر من السطوة على مسألة الكتابة لديه، من خلال تحولها الى رقيب فني ولغوي وجمالي، أثناء عملية الاشتغال الشعري ذاته.
غلاف مجموعة "طريق عبر الجدران"، ترجمة حمدي الجبري الى الإنكليزية
الشعر والعالم
ترجمت مختارات من شعرك إلى لغات عدة، إضافة إلى صدور ديوانك "شارع في جدار" بالإنكليزية. كيف تقرأ أثر الترجمة في وصول صوتك إلى القارئ العالمي؟
بكل تأكيد، الترجمة مهمة لوصول الصوت الشعري إلى ضفاف بعيدة من العالم، كما أن التقدير الذي لمسته من الحضور والمتلقين في الأمسيات الشعرية بمهرجانات الشعر في العالم، ومن خلال القراءات النقدية التي نشرت في مواقع ومجلات أدبية عالمية عن أعمالي المترجمة، يجعلني أشعر بالكثير من الرضا والامتنان لأصدقائي المترجمين، الذين أجدهم بلا شك شركاء في أي نجاح حظيت به أعمالي. وعندما أعود بالذاكرة الى سنوات بعيدة وأتذكر الكتاب الأول الذي ترجم لي الى الإسبانية، أبصر بوضوح أنني لم أكن مهتما حينها بمسألة ترجمته، وهذا خطأ فادح مني أتمنى ألا أكون قد ندمت عليه.
في رأيك، هل يحظى الأدب السعودي اليوم باهتمام نقدي كاف؟
النقد في وجه عام غير مواكب للإصدارات الأدبية في السعودية والعالم العربي عموما، لعلي لا أعرف حقيقة ما الأسباب التي تقف خلف ذلك. ومع ذلك هناك عدد من النقاد في السعودية، وهم قلة لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة، نكن لهم كثيرا من المحبة والتقدير لجهودهم المخلصة في التفاعل والكتابة، حول ما يصدر في المشهد المحلي من أعمال أدبية وفنية بشكل عام.
قريبا ستصدر "أنطولوجيا الشعر السعودي" المترجمة إلى الإيطالية التي أعددتها بالتعاون مع المترجم المغربي الرداد شراطي، وتضم قصائد لـ 66 شاعرا وشاعرة. ماذا يعني لك هذا المشروع؟ وما الذي أردت إيصاله من خلال هذه الأنطولوجيا؟
الشعر السعودي بلا شك يستحق أن يترجم إلى لغات عديدة من العالم، وإنجاز هذا العمل وصدوره سوف يحقق لي بهجة غامرة على المستوى الشخصي. إنه ثمرة جهد عظيم قام به مترجم العمل الأستاذ الرداد شراطي في السنوات العديدة الماضية. شعرت في وقت من الأوقات أن من واجبي المساهمة في تقديم عمل يضم أصواتا شعرية متميزة من بلدي. لا أخفيك أن هناك تعطشا ما كنت ألمسه من خلال مشاركاتي بمهرجانات الشعر في العالم.
تعطش لدى غالبية القراء ومحبي الشعر في العالم لقراءة الشعر العربي تحديدا، ولعلنا نستطيع رصد التقدير والاحتفاء، من خلال التفاعل مع ما يقدمه الشعراء العرب من نصوص شعرية، خلال الملتقيات والمهرجانات الشعرية العالمية. أتمنى أن تلقى هذه الأنطولوجيا كل التقدير والاحتفاء في الأوساط الثقافية الايطالية، وأن تجد لها مكانا مميزا في لغة دانتي وقلوب محبي الشعر في إيطاليا.
غلاف مجموعة "فراشات موشومة"، ترجمة كلوديا بيتشّينّو الى الإيطالية
الشعر ديوان العرب؟
في ظل فورة الرواية عربيا، وتحول العديد من الشعراء إلى كتابتها. الا يزال الشعر ديوان العرب من وجهة نظرك؟
بكل تأكيد، فالشعر كان وسيظل ديوان العرب. حضرت الرواية في فترة من الفترات، لكنها حاليا تشهد تراجعا ملحوظا على مستوى العالم، في زمن طغيان الميديا والاشتغال على الصورة والتقنيات البصرية. سيظل الشعر هو الشعر رغم كل الظروف والويلات التي تطوق وجدان العالم، وثباته في مواجهة المتغيرات في يومياتنا مرتبط بانحيازه الرهيف الى الحياة والجمال والأمل، إنه يستمد تلك الطاقة الجمالية والروحية الكامنة في أعماقه من حاجة الإنسان إليه في المطلق.
غلاف ديوان "الآن في الماضي"
ما الذي يجعل الشاعر مخلصا للشعر، رغم تراجع الاهتمام الجماهيري به، مقارنة بالرواية؟
"تراجع الاهتمام الجماهيري بالشعر"، هذا القول لا نسمع به إلا في البلدان العربية، والحقيقة عكس ذلك. هناك احتفاء بالغ بالشعر في كثير من عواصم ومدن العالم، احتفاء يستطيع الشاعر أن يلمسه ويشعر به من خلال مشاركاته في مهرجانات الشعر العالمية، وحتى على مستوى الخليج العربي هناك حراك شعري رائع في غالبية المدن الخليجية.
وبالنسبة الى إخلاص الشاعر للشعر، فذلك نابع من حاجته الماسة إليه، وإلى الأثر المضيء الذي يتركه في المخيلة والوجدان.
شاركت في العديد من الملتقيات والمهرجانات الشعرية العالمية. كيف ترى حضور الصوت الشعري السعودي في هذه الفضاءات الدولية؟
الحقيقة أن عددا قليلا من شعراء السعودية أتيحت لهم فرصة المشاركة في مهرجانات الشعر في العالم، ولا أعرف عن الأسباب، لكنني دائما ما رأيت مسؤولية كبيرة تقع على الشاعر ذاته في هذه المسألة، عليه أن يتواصل مع الأصدقاء ذوي الصلة بترجمة الشعر لترجمة بعض قصائده، كما عليه أن يسعى إلى نشر نصوصه المترجمة عبر المجلات والمواقع الأدبية المهتمة بالشعر في العالم، وهي عادة ترحب بكل الأصوات الشعرية من جهات الأرض كافة، لم تعد هناك صعوبات تذكر في مسألة التواصل مع الآخر، في ظل السوشيال ميديا ومواقع التواصل، التي صار العالم معها قرية كونية صغيرة.
أفق مستقبلي
بعد سبع مجموعات شعرية وترجمات واحتفاء نقدي، كيف ترى ملامح مشروعك الشعري اليوم؟ وإلى أي أفق ترغب أن يأخذك الشعر مستقبلا؟
ما زلت أحلم بأمور كثيرة تخص الشعر، أشعر بأنني لا أزال في البدايات، ورغم كل السنوات التي انقضت رفقة هذا الطائر الجميل، إلا أنني لا أزال أجلس لكتابته بنفس حيرتي ودهشتي الأولى، من مصلحة الشعر دائما ألا نشعر بالرضا تجاه ما نكتب.
إنه نهر متجدد ومتدفق بالمشاعر والآمال، يحتاج إلى الكثير من القراءة والكثير من مصافحة العالم والحياة. وأنت تكتب من أعماقك السحيقة، عليك أن ترى ذاتك الشعرية من خارجها، عليك أن تكون في المكانين في الوقت ذاته، لذلك لا يجب بأي حال من الأحوال أن نشعر بطمأنينة ما أثناء كتابة الشعر.
علي الحازمي
ما الذي لا يزال يقلقك كشاعر، ويدفعك الى الاستمرار في الكتابة، وهل تفكر في كتابة نصوص تتجاوز الشعر إلى أشكال أدبية أخرى؟
القلق هو وقود الشاعر بلا شك، كما أن شعور عدم الرضا والتوق الى المستقبل يجعلان الشاعر في تنافس مستمر مع ذاته ووقته وأحلامه، كل هذه الضغوط قد تكون في أحيان كثيرة من مصلحة الشعر. وبالنسبة إلى الجزء الأخير من السؤال، أظن أنني أفضل دائما أن أكون في فضاء الشعر قارئا وكاتبا له، لأنني وبكل بساطة لا أجد نفسي في أي فضاء غيره، كما أن تجربة كتابة شكل أدبي جديد بعد كل هذه السنوات، تجربة محفوفة بالأخطار، لذلك أفضل أن أستمتع بقراءة كل الأشكال الأدبية من كتابها. إن الكاتب المخلص لفنه هو من يستحق منا ذلك القدر من التقدير والاحترام.