تجاوز منتدى "مبادرة مستقبل الاستثمار" (FII9) كونه حدثا سياسيا–اقتصاديا كبيرا ليصبح مساحة جيو-اقتصادية تبلور رؤية جديدة لـ"الشرق الأوسط"، تضع السلام والتنمية البشرية، والاستثمار في الانسان، والازدهار المستدام في صلب المعادلة، لتبتعد بذلك عن الرؤى القائمة على الهيمنة الأمنية أو المساومات السياسية المدمرة.
لم تعد "مبادرة مستقبل الاستثمار" مجرّد حاضنة لإبرام الصفقات الكبرى، بل تحوّلت إلى مختبر عالمي لإطلاق مبادرات تتجاوز حدود الأرقام، نحو تمكين المجتمعات وبناء تنمية مستدامة واقتصاد جديد يرتكز على المعرفة والابتكار والذكاء الاصطناعي. نموذج للتنمية يرسخ مفهوما متقدما للاقتصاد القائم على الارتقاء بالإنسان والتكنولوجيا معا، حيث تتقاطع الرؤية الاستثمارية مع القيم الإنسانية وصناعة المستقبل.
هذا ما ظهر مع الإعلانات التي رافقت انطلاقه رسميا في دورته التاسعة في الرياض اليوم. إن التضارب الجوهري في تعريف مستقبل المنطقة عاد ليفرض نفسه بقوة في الأشهر الأخيرة، فبين رؤية اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يسعى الى شرق أوسط قائم على السيطرة العسكرية وتصفية القضايا المحورية لضمان "أمنه" الأحادي، وبين رؤية القوى الإقليمية والدولية المتأرجحة بين السلام الاقتصادي المنفصل عن العدالة السياسية (كما في بعض الطروحات الأميركية)، تبرز في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" رؤية 2030 كنموذج ثالث يربط بناء الدول القادرة على السلم، بالاستثمار في الإنسان، وحمايته اقتصاديا، وصحيا وأمنيا.

ويجري العمل عبر "مبادرة مستقبل الاستثمار"، على إعادة رسم خريطة النفوذ الاقتصادي العالمي، لتتحول الرياض من عاصمة دولية للطاقة إلى مركز جيو-اقتصادي عالمي، وتصبح مختبرا لـ"عولمة جديدة" قوامها القدرات، والتكنولوجيا المتقدمة، والشراكات العابرة للمحاور السياسية.

