واشنطن- حين يحل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ضيفا على العاصمة الأميركية واشنطن في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني للقاء الرئيس دونالد ترمب، ستكون الملفات المطروحة للنقاش بين الجانبين كثيرة ومتداخلة. فإلى جانب متابعة ما تم التأسيس له خلال زيارة ترمب إلى المملكة في مايو/أيار الماضي من أطر تعاون ثنائي متقدمة في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا، بما فيها الذكاء الاصطناعي، تظل القضايا الأمنية الإقليمية العالقة حاضرة بقوة على جدول الأعمال.
وتتصدر مسألة الضمانات الأمنية أو الاتفاق الدفاعي مع الولايات المتحدة، وهو موضوع قديم جديد تسعى الرياض إلى تحقيقه منذ سنوات. ففي مارس/آذار 2023، وبعد إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في اتفاق رعته الصين في بكين، عمدت الرياض إلى تكثيف الجهود للحصول على ضمانات أمنية أميركية، في خطوة تعكس استمرار شكوك دول كثيرة تجاه نوايا الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة في ظل شبكة شركائها الإقليميين التي تضم الحوثيين و "حزب الله" وميليشيات متعددة في سوريا والعراق، ضمن ما عُرف بـ "محور المقاومة".
ذاك كان المشهد قبل عامين، أما اليوم فالصورة مختلفة تماما. ففي عام 2025، تغير المشهد الإقليمي بشكل جذري خلال فترة قصيرة نسبيا. فقد تلقت إيران ضربات قاصمة لقدراتها العسكرية وبرنامجها النووي خلال حرب استمرت اثني عشر يوما في يونيو/حزيران، شنتها إسرائيل بدعم مباشر من الولايات المتحدة. وفي العام السابق، انهارت استثمارات إيران طويلة الأمد في "حزب الله" اللبناني ونظام الأسد في سوريا، ما أدى إلى تقويض استراتيجيتها الإقليمية، ووضع النظام الإيراني في أضعف حالاته منذ "ثورة" عام 1979.
على أن ذلك لا يعني أن النظام الإيراني قد هزم بالكامل، فهو لا يزال يحتفظ بقدرات ملموسة على إثارة الاضطرابات في المنطقة، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلائه المنتشرين في أكثر من ساحة. وهذا ما يجعل الاتفاقات الأمنية مهمة، ويعزز من أهمية المحادثات بين السعودية واميركا في هذا التوقيت الحرج.
الاضطراب الإقليمي الناجم عن العمليات العسكرية الإسرائيلية
في خريف هذا العام، طرأ عامل جديد قلب موازين التهديدات في نظر العديد من دول الشرق الأوسط، ونعني بها الضربة الجوية التي نفذتها إسرائيل ضد قيادات من حركة "حماس" في العاصمة القطرية الدوحة في التاسع من سبتمبر/أيلول. وقد أثار عدم منع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذه الضربة، رغم كون قطر شريكا خليجيا أساسيا للولايات المتحدة، صدمة واسعة النطاق في أرجاء المنطقة والعالم.
وكان ترمب قد زار قطر في ربيع هذا العام، حيث قدمت له الحكومة القطرية طائرة فاخرة كهدية، إلا أن واشنطن لم تتمكن من حماية الدوحة من ضربتين متتاليتين من جيرانها، الأولى من إيران في يونيو/حزيران، والثانية من إسرائيل في سبتمبر/أيلول. وقد تزامنت هذه الضربة مع تصعيد إسرائيلي واسع شمل اجتياحا بريا لمدينة غزة، وغارات متواصلة في لبنان وسوريا واليمن، ما عمق الشكوك حول قدرة الولايات المتحدة على كبح جماح إسرائيل، وزاد من توجس دول كثيرة إزاء جدوى المظلة الأمنية الأميركية التي تعتمد عليها دول المنطقة.

