السعودية حجر الزاوية في رؤية ترمب الإقليمية

في خريف هذا العام، طرأ عامل جديد قلب موازين التهديدات في نظر العديد من دول الشرق الأوسط، ونعني بها الضربة الجوية التي نفذتها إسرائيل في العاصمة القطرية الدوحة

رويترز
رويترز
ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان والرئيس الاميركي دونالد ترمب يتبادلان مذكرات التفاهم اثناء اجتماعهما في الرياض في 13 مايو

السعودية حجر الزاوية في رؤية ترمب الإقليمية

واشنطن- حين يحل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ضيفا على العاصمة الأميركية واشنطن في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني للقاء الرئيس دونالد ترمب، ستكون الملفات المطروحة للنقاش بين الجانبين كثيرة ومتداخلة. فإلى جانب متابعة ما تم التأسيس له خلال زيارة ترمب إلى المملكة في مايو/أيار الماضي من أطر تعاون ثنائي متقدمة في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا، بما فيها الذكاء الاصطناعي، تظل القضايا الأمنية الإقليمية العالقة حاضرة بقوة على جدول الأعمال.

وتتصدر مسألة الضمانات الأمنية أو الاتفاق الدفاعي مع الولايات المتحدة، وهو موضوع قديم جديد تسعى الرياض إلى تحقيقه منذ سنوات. ففي مارس/آذار 2023، وبعد إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران في اتفاق رعته الصين في بكين، عمدت الرياض إلى تكثيف الجهود للحصول على ضمانات أمنية أميركية، في خطوة تعكس استمرار شكوك دول كثيرة تجاه نوايا الجمهورية الإسلامية الإيرانية، خاصة في ظل شبكة شركائها الإقليميين التي تضم الحوثيين و "حزب الله" وميليشيات متعددة في سوريا والعراق، ضمن ما عُرف بـ "محور المقاومة".

ذاك كان المشهد قبل عامين، أما اليوم فالصورة مختلفة تماما. ففي عام 2025، تغير المشهد الإقليمي بشكل جذري خلال فترة قصيرة نسبيا. فقد تلقت إيران ضربات قاصمة لقدراتها العسكرية وبرنامجها النووي خلال حرب استمرت اثني عشر يوما في يونيو/حزيران، شنتها إسرائيل بدعم مباشر من الولايات المتحدة. وفي العام السابق، انهارت استثمارات إيران طويلة الأمد في "حزب الله" اللبناني ونظام الأسد في سوريا، ما أدى إلى تقويض استراتيجيتها الإقليمية، ووضع النظام الإيراني في أضعف حالاته منذ "ثورة" عام 1979.

على أن ذلك لا يعني أن النظام الإيراني قد هزم بالكامل، فهو لا يزال يحتفظ بقدرات ملموسة على إثارة الاضطرابات في المنطقة، سواء بشكل مباشر أو عبر وكلائه المنتشرين في أكثر من ساحة. وهذا ما يجعل الاتفاقات الأمنية مهمة، ويعزز من أهمية المحادثات بين السعودية واميركا في هذا التوقيت الحرج.

الاضطراب الإقليمي الناجم عن العمليات العسكرية الإسرائيلية

في خريف هذا العام، طرأ عامل جديد قلب موازين التهديدات في نظر العديد من دول الشرق الأوسط، ونعني بها الضربة الجوية التي نفذتها إسرائيل ضد قيادات من حركة "حماس" في العاصمة القطرية الدوحة في التاسع من سبتمبر/أيلول. وقد أثار عدم منع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب هذه الضربة، رغم كون قطر شريكا خليجيا أساسيا للولايات المتحدة، صدمة واسعة النطاق في أرجاء المنطقة والعالم.

وكان ترمب قد زار قطر في ربيع هذا العام، حيث قدمت له الحكومة القطرية طائرة فاخرة كهدية، إلا أن واشنطن لم تتمكن من حماية الدوحة من ضربتين متتاليتين من جيرانها، الأولى من إيران في يونيو/حزيران، والثانية من إسرائيل في سبتمبر/أيلول. وقد تزامنت هذه الضربة مع تصعيد إسرائيلي واسع شمل اجتياحا بريا لمدينة غزة، وغارات متواصلة في لبنان وسوريا واليمن، ما عمق الشكوك حول قدرة الولايات المتحدة على كبح جماح إسرائيل، وزاد من توجس دول كثيرة إزاء جدوى المظلة الأمنية الأميركية التي تعتمد عليها دول المنطقة.

تحمل زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى العاصمة الأميركية واشنطن في نوفمبر فرصة استراتيجية لتعزيز العلاقات الثنائية بين الرياض وواشنطن على أكثر من صعيد

وقد حفزت الضربة الإسرائيلية ضد قطر رد فعل سريع من دول الشرق الأوسط، إذ استضافت الدوحة بعد أسبوع فقط قمة استثنائية جمعت قادة من العالمين العربي والإسلامي، بمن فيهم إيران، للتعبير عن التضامن مع قطر والتنديد بالهجوم الإسرائيلي. ورغم أن البيان الختامي للقمة جاء غنيا بالخطاب السياسي، إلا أنه افتقر إلى خطوات عملية ملموسة. ومع ذلك، عزز مجلس التعاون الخليجي التزامه بتبادل المعلومات الاستخباراتية، وحدث خطط الدفاع المشترك، بما في ذلك أنظمة الإنذار المبكر للصواريخ الباليستية، في خطوة تعكس توجها نحو تكامل دفاعي أكبر طالما شجعته الولايات المتحدة.
وفي مؤشر إضافي على سعي دول المنطقة لتنويع شراكاتها الأمنية، وقعت السعودية اتفاقا دفاعيا مشتركا مع باكستان يعكس إدراكها المتزايد لحجم التهديدات المتغيرة وضرورة توسيع خيارات الردع.

رويترز
مبنى اصابه الدمار بعد غارة اسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة في 9 سبتمبر

لكن نتائج الضربة الإسرائيلية تٌوّجت بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى في مطلع أكتوبر/تشرين الأول. وقد تحركت إدارة ترمب بسرعة لطمأنة قطر بشأن العلاقة الأمنية، واستخدمت استياءها من الضربة الإسرائيلية كورقة ضغط لدفع إسرائيل وحماس نحو اتفاق كان قيد النقاش منذ أشهر. وخلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرابعة إلى البيت الأبيض في ولاية ترمب الثانية، نجح ترمب في انتزاع اعتذار رسمي من نتنياهو عن الضربة، مع تعبيره عن الأسف لسقوط ضحايا.
وجاء جزء من تطمينات واشنطن لقطر في صورة أمر تنفيذي صدر في أواخر سبتمبر/أيلول، ينص على أن "أي هجوم مسلح يستهدف أراضي أو سيادة أو بنية تحتية حيوية لدولة قطر سيعتبر تهديدا للسلام والأمن القومي الأميركي"، ويلزم الولايات المتحدة باتخاذ "كافة الإجراءات القانونية والمناسبة، بما في ذلك الدبلوماسية والاقتصاد، وإذا اقتضى الأمر، الوسائل العسكرية، للدفاع عن مصالح الولايات المتحدة ودولة قطر واستعادة السلام والاستقرار".
ورغم أن الأمر التنفيذي يعد خطوة رمزية مهمة، إلا أنه لا يحمل الوزن القانوني لاتفاقية أمنية رسمية تتطلب مصادقة مجلس الشيوخ الأميركي. ومع ذلك، فإن سرعة إصدار هذا القرار تعكس إدراك إدارة ترمب لحجم الضرر الذي ألحقته الضربة الإسرائيلية بثقة الشركاء الإقليميين في المظلة الأمنية الأميركية.

فما المأمول من المحادثات السعودية الأميركية؟


تحمل زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى العاصمة الأميركية واشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني فرصة استراتيجية لتعزيز العلاقات الثنائية بين الرياض وواشنطن على أكثر من صعيد. فهذه الزيارة تأتي استكمالا للزخم الذي شهدته العلاقات خلال زيارة الرئيس دونالد ترمب إلى المملكة في مايو/أيار، والتي أرست أسس تعاون متقدم في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا، بما فيها الذكاء الاصطناعي.
لكن أي تقدم في هذه الأطر سيكون ذا جدوى اذا بني على أساس صلب. ولهذا، يرجح أن يشكل الأمر التنفيذي الذي أصدرته إدارة ترمب مؤخرا لتوفير ضمانة أمنية لقطر نموذجا أوليا لما قد يتفق عليه بين السعودية والولايات المتحدة في الأسابيع المقبلة.

رغم حالة عدم اليقين التي طبعت الأشهر التسعة الأولى من ولاية ترمب الثانية، فإن الشرق الأوسط ظل يحظى بأولوية واضحة في أجندة الرئيس، سواء في الخطاب أو الفعل

ورغم تصاعد القلق في السنوات الأخيرة بشأن مدى موثوقية الولايات المتحدة واستقرار سياساتها، نتيجة لتقلبات الإدارات المتعاقبة والتجاذبات الحادة في الداخل الأميركي، فإن واشنطن لا تزال الشريك الاستراتيجي المفضل للسعودية. فالقوة العسكرية الأميركية تبقى الأقدر عالميا، كما أن شبكة تحالفاتها الأمنية في الشرق الأوسط تمنحها قدرة مضاعفة على دعم دفاعات المملكة، تماما كما حدث في أزمة الخليج عامي 1990–1991 حين واجهت المنطقة تهديدا مباشرا من نظام صدام حسين.

رويترز
ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان والرئيس الاميركي دونالد ترمب اثناء مراسم استقبال الرئيس ترمب في مطار الرياض في 13 مايو

ولا تقترب أي من القوى العالمية المنافسة، كالصين أو روسيا، من مستوى الالتزام الأميركي أو من قدراته العسكرية والسياسية في المنطقة، رغم ما يثار من شكوك وتساؤلات.
ومع ذلك، فإن التوصل إلى اتفاق أمني شامل بين الرياض وواشنطن يبدو مستبعدا في صورة معاهدة رسمية، لأسباب عدة، أبرزها الوضع السياسي في الولايات المتحدة منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول بسبب الخلافات حول أولويات الإنفاق الداخلي، وهي أزمة لا تلوح لها نهاية قريبة. وبعد تجاوز أزمة الاغلاق، فإن الانقسام الحاد داخل مجلس الشيوخ يجعل من الصعب تأمين دعم واسع لمعاهدة رسمية، ما يرجح صدور أمر تنفيذي يعزز التزام واشنطن بأمن المملكة، إلى جانب الإعلان عن خطوات إضافية لتعميق التعاون العسكري، بما في ذلك صفقات تسليح جديدة.
وعلى الرغم من حالة عدم اليقين التي طبعت الأشهر التسعة الأولى من ولاية ترمب الثانية، خصوصا على صعيد السياسات الداخلية، فإن الشرق الأوسط ظل يحظى بأولوية واضحة في أجندة الرئيس، سواء في الخطاب أو في الفعل. ولا تزال العلاقة الثنائية بين السعودية والولايات المتحدة تمثل حجر الزاوية في سياسة ترمب الإقليمية، وهو ما يتوقع أن يتجلى في خطوات ملموسة لتعزيز هذه العلاقة.

font change

مقالات ذات صلة