خلال السنوات التي قضيتها في العمل على العلاقات الأميركية-السعودية كمسؤول أميركي، أدهشتني الطريقة التي بدأت بها العديد من اجتماعاتي مع السعوديين. فقبل الخوض في تفاصيل الأمن الإقليمي أو المنافسة التكنولوجية، كان السعوديون الجالسون قبالتي يشرعون بالحديث، والابتسامة على وجوههم، عن ذكرياتهم أيام دراستهم في الجامعات الأميركية، وعن رموز الفرق الرياضية الجامعية، عن المدن الجامعية، وحتى عن المنافسات الكروية، مع أن بعضهم لم يرجع إليها ثانية منذ عقود، لكن الصلة بقيت قائمة، وشكلت الرابط الخفي الذي أبقى شراكتنا متماسكة، إذ ظلت هذه الصلات تشد نحو 700,000 سعودي ممن تلقوا تعليمهم في بلادنا، إلى مجتمعاتنا وبلادنا التي استضافتهم.
واليوم، مع تطوير واشنطن والرياض علاقاتهما والارتقاء بها، بدءا من الذكاء الاصطناعي إلى مسائل الدفاع، وانتهاء بالكوميديا الارتجالية، فهذا هو الوقت المناسب أيضا لتجديد الطموح في مجال التعليم العالي.
رأس المال البشري
لا ينبغي أن تأخذ شراكتنا التعليمية الشكل الذي كانت عليه في السابق. فالمملكة العربية السعودية تركز على نحو صائب على تطوير مؤسسات وقدرات محلية ذات مستوى عالمي. مع ذلك، ومع إطلاق "رؤية 2030" العنان للمواهب الشابة، فإن كلا الجانبين سيستفيد من جمع الاستثمارات الطموحة في رأس المال البشري مع الاستثمارات في الرقائق الدقيقة والصفقات الضخمة.
لطالما كان التعليم العالي أحد أهم الجسور بين بلدينا. فقد افتتحت أول بعثة ثقافية سعودية في الولايات المتحدة عام 1951. وأصبح واحد من أوائل الحاصلين على منحة دراسية سعودية في أميركا، أول وزير للبترول والثروة المعدنية في المملكة.
وفي عام 2005، أطلقت المملكة برنامج الملك عبد الله للمنح الدراسية، الذي أرسل في ذروته زهاء 100 ألف سعودي للدراسة في جميع أنحاء أميركا، حيث عملت على تدريب قادة المستقبل وبناء صداقات علمت كلا المجتمعين أن ينظرا واحدهما إلى الآخر، لا عبر الصور الكاريكاتورية النمطية، بل كشريكين متكافئين. كما ساعد هذا البرنامج في صمود العلاقة بين البلدين في وجه العديد من التحديات، ودفع السعوديين والأميركيين إلى التعامل بعضهم مع بعض باستمرار، على نحو يعود بالنفع على الجانبين، سواء في الشؤون الديبلوماسية أو الأمن أو الثقافة.






