"مهرجان الجزائر الدولي" يعرض 100 فيلم ترفع شعار قضايا الشعوب العادلة

28 دولة ضيفة بينها فلسطين وكوبا

 مهرجان الجزائر الدولي للفيلم
مهرجان الجزائر الدولي للفيلم
ملصق الطبعة 12 من مهرجان الجزائر الدولي للفيلم

"مهرجان الجزائر الدولي" يعرض 100 فيلم ترفع شعار قضايا الشعوب العادلة

في وسط العاصمة الجزائرية، يسع المتجول أن يلحظ النوارس تحلق تحت سماء زرقاء في شتاء مشمس على مقربة من شريط البحر المتوسط ومنشآت الميناء. أحد هذه الطيور بدا ملحا في دورانه ضمن حلقات فوق تقاطع شارعين يحملان اسمين لافتين يعبران عن الانتصار للعدالة في وجه القمع وإعلاء الكرامة الإنسانية في وجه الخضوع: ديدوش مراد وفيكتور هوغو. الأول هو احد مناضلي ثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي الذي دام 132 عاما وخلف مئات آلاف القتلى والجرحى ودمارا للمنشآت واستنزافا ممنهجا للموارد، والثاني هو كاتب فرنسي عابر للثقافات دان جرائم بلاده و"النفاق"، حافرا في الوجدان كلماته عن الاستعمار الذي "يزرع الموت ويحصد البؤس".

توفي مراد عن 28 عاما وكرمته بلاده، كما فعلت مع مئات الثوار من النساء والرجال الذين تشهر هوياتهم صورا وأسماء في شوارع العاصمة وداخل منشآتها وفضاءاتها العامة. ومات هوغو قبلها بعدما دان في مذكراته وفي كتابه الاشهر "البؤساء" كل مظاهر "القمع باسم القانون". وبقي اليوم نورس ماثل يعبر الأزمنة، ناصع البياض، بمثابة خاتم، يجمع الثقافتين، فوق بناء غطي بالكامل برسم غرافيتي فيه زخرفات عربية وأمازيغية، يمتد بشكل لافت وسط واجهات عمارة أوروبية كولونيالية، تختزن هي أيضا تأثيرات موريكسية وأفريقية.

هذا التنوع الحضري الكبير، الذي يجعل من مدينة الجزائر متحفا ثقافيا مفتوحا، يشبه بشكل واثق، تنوع جنسيات وثقافات وخلفيات الأفراد والجماعات المجتمعين على نبذ الاستعمار والهيمنة بكل أشكالها، تاريخيا وحاضرا، وهو ملمح عضوي من روح الجزائر المقاومة، التي يسعى "مهرجان الجزائر الدولي للفيلم"، للسنة الـ 12، الى عكسها، حية ونابضة في ذاكرة الجيل وقلبه.

خريطة وطنية

على مدى أسبوع، شاهدت وفود سينمائية من 28 بلدا برمجة ضمت 100 فيلم من أنواع مختلفة. احتلت فلسطين قلب الاهتمام بحضور أفلامها والعاملين في سينماها، بينما حل وفد آخر كـ"ضيف شرف" من خلف المحيط، ومن أزمنة، قد تبدو للوهلة الأولى بعيدة، إلا أنها غير شاحبة البتة: هو الضيف الكوبي الذي عبر بأفلام مرممة تعتبر من علامات سينما النضال من اجل الحرية في العالم.

نوقن أن الصورة ليست مجرد إطار: إنها موقف، وأن الكاميرا أداة للمحبة والمقاومة والأمل

نبيلة رزيق

كان لافتا أيضا، في موازاة غزارة الأفلام التي صنع جزء غير قليل منها في الجزائر، الثراء الذي ميز أكثر من 50 ورشة عمل ومحاضرة وندوة واجتماعا، حشدت الكثير من الشباب من طلاب معاهد السينما والسمعي والبصري، توزعت على "سوق السينما" و"مختبرها" وعلى قاعات روعيت في انتقائها عوامل الجغرافيا والمعنى: "ابن زيدون" و"كوزموس" فوق هضبة على مقربة من نصب الشهيد الشهير ومتحفي الجيش والمجاهد، "السينماتيك" و"الجزائرية" و"المسرح البلدي" في وسط المدينة المزدحم بالبضائع وخيالات التاريخ وينابيع الإلهام الإبداعي.

 مهرجان الجزائر الدولي للفيلم
ضيفة المهرجان المخرجة الكوبية ليزيت فيلا توقع مطبوعات سينمائية كوبية للطلاب في الجزائر

يحيل اسم الصالة الأولى على شاعر أندلسي ذائع الصيت كان شاهدا على تقلبات سياسية كثيرة في عصره، لم تمنعه من الانتصار للحب كقيمة نهائية عابرة للتوتر، وتفرد الصالة الثانية مجسمات لأبطال خوارق وديناصوارت من أجواء هوليوودية عند مدخلها، بينما يخزن السينماتيك (متحف الافلام الذي تأسس مباشرة بعد الاستقلال) 60 ألف نسخة من الأفلام والوثائق المحفوظة المتعلق جلها بالجزائر، وتحفظ "الصالة الجزائرية" أصداء التصفيق لأفلام سينما السبعينات التي أبرزت مخرجين جزائريين مرموقين على الساحة الدولية، ويهدر المسرح البلدي بقصص عن المقاومة الثقافية في زمن "العشرية السوداء" الجزائري حيث سقطت البلاد في عتمة التوتر الأمني والعمليات الإرهابية (1991-2002). كل تلك المعاني حاضرة أيضا في القماشة السردية للأفلام التي أتت من تونس والسودان ومصر ولبنان والسودان وروسيا والبوسنة والهرسك وتركيا والبرازيل وإيطاليا ودول أخرى.

 مهرجان الجزائر الدولي للفيلم
"سينماتيك الجزائر" هو متحف تأسس بعد الاستقلال ويحفظ ذاكرة البلاد السينمائية

"تهدف كل أشكال الاستعمار، التي عرفناها سابقا ونشهدها اليوم أيضا بشكل شرس، إلى طمس الهوية. وعلى النقيض، يجهد الفن من أجل توثيقها. السينما الجزائرية ولدت لتلك الغاية، من رحم الاستعمار، وواجهته، ونشرت رواية الاستقلال وتضحياته، وهي، إلى اليوم، لا تتخلى عن صفتها الملتزمة، وتظل ملهمة لأجيال من  المخرجين في الداخل والخارج"، يشرح مهدي بن عيسى، محافظ المهرجان، لـ"المجلة".

 مهرجان الجزائر الدولي للفيلم
مهدي بن عيسى محافظ المهرجان: وظيفة السينما هي اظهار رد فعل ضد البروباغندا

 بينما تفيد المديرة الفنية نبيلة رزيق بأن المهرجان يحتفل تحديدا بموضع تلاق على جسر يربط بين "من يصنع الحلم وبين من يؤمن به": "نوقن أن الصورة ليست مجرد إطار: إنها موقف، وأن الكاميرا أداة للمحبة والمقاومة والأمل. عبر المهرجان، ندعو العالم لاكتشاف الجزائر، وطن فخور، غني بالشعوب والذكريات والصور، وسينما تدافع عن قضايا العدالة والحرية وكرامة الإنسان في كل مكان".

 مهرجان الجزائر الدولي للفيلم
تؤمن نبيلة رزيق المديرة الفنية للمهرجان بأن الكاميرا يجب ان تظل اداة مقاومة من اجل القضايا العادلة

أفلام الجزائر

ذلك الاكتشاف تتيحه 6 أفلام جزائرية حديثة حلت في "المسابقة الرسمية" ورسمت خريطة جغرافية ونفسية لجزائر اليوم. في "ورقة نقدية من فئة 200 دينار" (لمين عمار خوجة، 2024)، لعبة نفسية بين الغربة والغرابة، وبين الفن والحب في حديقة عامة في العاصمة تولد فيها أشباح الذات الداخلية وتتجسد ظلالا متحركة. أما في "رقية" (يانيس كوسيم، 2025) فيقترب المشاهد بحذر وأسى من محيط العاصمة مستعيدا مأساة سني الإرهاب الذي لا يفرقه مخرج الفيلم عما مورس في حق الشعب الفلسطيني خلال تاريخه والشهور الأخيرة. سبق عرض الشريط في المهرجان ظهوره ضمن "أسبوع النقاد" في "مهرجان البندقية السينمائي" حيث صوب كوسيم من على المسرح ضد "جرائم نتنياهو".

فيلم "بين وبين" (محمد لخضر تاتي، 2025)، يرتحل بنا خارج العاصمة الى مناطق حدودية يمارس عبرها تهريب البضائع والزمن والمشاعر، في شرق الجزائر، ليطرح أسئلته عن "السلطة الرجولية" والحب. بينما يستعيد "عشاق  الجزائر" (محمد شارف الدين قطيطة، 2024) قصة حب مختلط من أربعينات القرن الماضي، تحيل على أزمنة "المجاهدين" في جبال الثورة الجزائرية، ونرى لقطات خلابة لأراضي تيزي أوزو مغطاة بثلج لا تشبه برودته مشاعر الحب الدافئة التي غلفت الفيلم. ومن الحقبة ذاتها يستلهم "حدة" (أحمد رياض، 2025) قصة واقعية ليعيد تأكيد دور النساء في تحرير الوطن، وتحديدا فئة الممرضات الطبيات اللواتي سمين آنذاك باسم "الحوريات". وتكتمل ثلاثية الأفلام الجزائرية الطويلة الحديثة التي تحدثت عن الثورة مع فيلم تحريك ثلاثي الأبعاد ربط النضال الجزائري بالنضال التونسي، وهو "الساقية" (نوفل كلاش، 2024)، حيث قصة صداقة بين طفلين داخل قرية ساقية سيدي يوسف الحدودية التي عاقبها الاحتلال الفرنسي نهاية خمسينات القرن الماضي جماعيا على مساندتها الثوار فدكها ارضا، مخلفا مئات القتلى والجرحى.

عد دخول الجزائر إلى ملعب السينما نوعا من أنواع المقاومة ضد المستعمر الفرنسي الذي احتكر صناعة السينما، وحولها إلى أداة بروباغندا لخدمة سياساته الاستيطانية

لا تحبس صبية جزائرية في منتصف عشرينياتها دموعها في مواجهة شاشة عرض الفيلم الجزائري الكلاسيكي "وقائع سنوات الجمر" (محمد الأخضر حامينا، 1974) الخارج وقتها من "مهرجان كان الدولي" بسعفة ذهبية ومن إعادة عرضه في "الكلاسيكيات" هذا العام بتكريم جديد للنسخة المرممة. يتكرر المشهد في صالة أخرى مع فيلم "حرب الجزائر" (جيلو بونتيكورفو، 1965) الذي صور مباشرة بعد الاستقلال وفي أماكن أحداثه الحية مثل منطقة "القصبة" (المدينة الجزائرية التاريخية) وأحياء وسط المدينة طوال 10 شهور حشدت 30 ألف مشارك من الجموع أمام الكاميرا، والذي جلب عرض نسخته المرممة أجيالا مختلفة من زائري السينما بدت الذاكرة شعلة نابضة لا تذوي في وجدانهم مهما توالت السنون. تموضع هذا الفيلم ضمن موجة من الأفلام الجزائرية عرفت بـ"أفلام الثورة والتحرير" سيمتد تأثيرها إلى يومنا هذا، ولو أنها عرفت ذروتها لعقد بين منتصف ستينات القرن الماضي ومنتصف سبعيناته، وتميزت بمشاركات لمخرجين غير جزائريين: "بنادق الحرية" لجمال شندرلي ومحمد الاخضر حامينا (1961)، "صوت الشعب" لمحمد الاخضر حامينا (1961)، "خمسة رجال وشعب" لرونيه فوتيه (1962)، "سلم حديث العهد" لجاك شاربي (1962)، "فجر المعذبين" لأحمد راشدي (1965)، "الليل يخاف من الشمس" (1965) لمصطفى بديع، "الأفيون والعصا" لأحمد راشدي (1969)، و"دورية نحو الشرق" لعمار العسكري (1971) وغيرها. وكان المصري يوسف شاهين قد شارك بدوره عبر فيلمه "جميلة بو حيرد" (1958).

 مهرجان الجزائر الدولي للفيلم
حضور حاشد لجمهور الشباب الوفي لذاكرة بلاده في جلسات المهرجان

جهود رقمنة وترميم للشرائط

يسعى "مهرجان الجزائر الدولي للفيلم" لأن يكون شريكا رئيسا في دعم ونشر جهود رقمنة وترميم أرشيف السينما الجزائرية. وقد خصص عرضه الافتتاحي، نسخة هذا العام، لشريط مرمم لفيلم "غطاسو الصحراء" (1952) لطاهر حناش (1898-1956) الذي يعتبر رائدا لسينما الجزائر، وأحد رواد السينما العربية الأوائل، كونه دخل المجال من باب التصوير الفيلمي منذ ثلاثينات القرن الماضي.

 مهرجان الجزائر الدولي للفيلم
المخرج الجزائري مرزاق علوش مسلما شهادات مشاركة في السوق السينمائية للمهرجان

في تلك المرحلة عد دخول الجزائر إلى ملعب السينما نوعا من أنواع المقاومة ضد المستعمر الفرنسي الذي احتكر صناعة السينما، وحولها إلى أداة بروباغندا لخدمة سياساته الاستيطانية وقمع أهالي الجزائر وتجريدهم من حقوقهم ونهب موارد الاقتصاد، إلى درجة أن فرنسا فككت الاستوديو الأكبر للإنتاج وأخذه جنودها معهم بعد رحيلهم عن أرض البلاد.

 مهرجان الجزائر الدولي للفيلم
لعب نبيل ديجواني دورا في رقمنة فيلم "غطاسو الصحراء" الجزائري النادر

"غطاسو الصحراء" الذي يقيمه الخبراء اليوم بأنه "تحفة سينمائية جزائرية" في تاريخ سينما العالم، يروي قصة الشيخ علي وابنه منصور، اللذين ينقذان واحة الصحراء من الجفاف، ومع مرور الوقت، تحل الآلات الحديثة محل مهنتهما. كرم المهرجان عبر عرضه مصاحبا بموسيقى أوركسترالية جزائرية بعزف حي، جيل الرواد "الذي صنع بصمة الجزائر الإنسانية قبل ما يقارب قرنا من الزمن". يقول نبيل ديجواني، الباحث وصانع الأفلام الجزائري، مؤسس "الأرشيفات الرقمية للسينما الجزائرية": "ترميم الفيلم يعني في الدرجة الأولى إنقاذه... وهنا يتم إنقاذ ذاكرة تاريخ وجسر للمستقبل".

لطالما قالوا لي: أنت ألمانية، فكيف تجروئين أن تكوني مع الفلسطينيين، ولطالما أجبت: بالضبط لأنني ألمانية، تحتم مسؤوليتي الاخلاقية علي الانحياز إلى العدالة

مونيكا موير

داخل البهو الخارجي لـ"سينماتيك" (متحف الجزائر)، علقت صورة لشاهين مع مؤسس المكان، الى جانب عشرات صور الأفيشات والشخصيات المرتبطة بالافلام المشار اليها أعلاه وأفلام أخرى. بعد 60 عاما من تأسيسه لا يزال هذا المكان جاذبا لصناع وعشاق الفن السابع، ومتمتعا بلياقة مقاومة تجعله قادرا على مقاومة مجموعة تحديات تبدأ من الامكانات والتقنية، وشيوع المشاهدة عبر المنصات مقابل الارتماء في احضان المقاعد المخملية، من دون أن ننسى قنبلة وضعت في أحد ممراته في زمن "العشرية السوداء" التي اعتبر الفن فيها منبوذا و"حراما": "كان السينماتيك يقفل أبوابا حديدية لحماية مشاهدي الفيلم داخل صالاته، ولطالما خاض المخرجون حوارات جريئة وصاخبة ضد المتعصبين للدفاع عن قيمة السينما والفن الإنسانية والحضارية"، يسترجع مسؤول القاعة مراد بن طيبوني بعض ذكريات المكان في حديثه مع "المجلة"، مدللا على قيمته التاريخية المتجددة حيث شهد في العام الجاري 300 عرض سينمائي حتى فترة نهاية سبتمبر/ أيلول فقط.

 مهرجان الجزائر الدولي للفيلم
يقول المشرف على السينماتيك مراد بن طيبوني

شكل "سينماتيك" الجزائر أيضا محجة لصناع الافلام العالميين المتضامنين مع القضية الفلسطينية. تتذكر المخرجة والناشطة الألمانية مونيكا مورير (1942-) التي كرمها المهرجان اسما وحضورا، فترة الثمانينات، بعرض فيلم "فلسطين تحترق" (1982) وتقول في حديث مع "المجلة": "لطالما ألهمت الجزائر وعيي الإنساني". قبل تلك الزيارة، كانت مورير دمغت مسيرتها بندبة لا تزال ظاهرة على رأسها اليوم، اكتسبتها من ضربة وجهها اليها شرطي فرنسي أثناء مشاكرتها في تظاهرة "ضد سياسات التعذيب الفرنسية في الجزائر"، وأيضا بتماس مع القضية الفلسطينية عبر بوابة بيروت التي قصدتها بداء من عام 1977 مع "أفلام فلسطين" التي كانت جزءا من الإعلام الموحد لمنظمة التحرير الفلسطينية. في تلك الفترة، وعلى مدار خمس سنوات، صنعت ستة أفلام وثائقية (16 ملم) مع المقاومة الفلسطينية وعنها.

 مهرجان الجزائر الدولي للفيلم
جمهور حاشد قصد 100 فيلم عرضها المهرجان

وبعد تعاون ناجح في فيلمي "الحرب الخامسة" (1979) و"الهلال الأحمر الفلسطيني" (1980)، تعاونت مورير مرة أخرى مع المخرج العراقي سمير نمر لصنع فيلم "إصرار" الذي صوّر في بيروت وعرض أثناء الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، ووثّق وحشية الحصار والهجمات العشوائية، وكذلك إرادة بقاء الناس على قيد الحياة: "كان إيقاع الفيلم متزامنا مع إلحاح صفارات الإنذار، ونقل الإحساس بالخسائر البشرية الناجمة عن العنف إلى عالم أوسع". خلال العام ذاته صنعت فيلمها "لماذا؟"، وظل هذا السؤال ناطقا ضد الظلم وهي تتحرك في ممرات المهرجان بخفة وتوقد لافتين لامرأة تجاوزت الثمانين: "لطالما قالوا لي: أنت ألمانية، فكيف تجروئين أن تكوني مع الفلسطينيين، ولطالما أجبت: بالضبط لأنني ألمانية، تحتم مسؤوليتي الاخلاقية علي الانحياز إلى العدالة".

فلسطين في الواقع والسينما

"افلام فلسطين" حمل لواءها، بمنهجية ومقاربة مختلفة ومتشعبة، خلال السنوات الأخيرة، السينمائي حنا عطا الله، مؤسس "أيام فلسطين السينمائية" التي خرجت من الأرض المحتلة إلى العالم كله، وحققت رقما قياسيا في الانتشار في دورتها الماضية، عبر 1043 عرضا لمجموعة افلام فلسطينية بثت خلال يوم واحد (2 نوفمبر/ تشرين الثاني، ذكرى وعد بلفور) في دول توزعت على العالم أجمع. من بين تلك الافلام، "يد الهية" (ايليا سليمان، 2002) و"جنين جنين" (محمد بكري 2002) و"لما شفتك" (آن ماري جاسر، 2012) و"حالة عشق" (كارول منصور ومنى الخالدي، 2024).

الحرب هي حرب صورة وسرديات وسرديات مضادة في الدرجة الأولى وهذا ما يجعلنا مقبلين كل يوم على السينما كأداة لتعزيز الوعي 

حنا عطا الله

أنتج عطا الله فيلم "شكرا لأنك تحلم معنا" (ليلى عباس، 2024) الذي عرض في "الجزائر الدولي" ضمن المسابقة الرسمية وترك تأثيرا بليغا في الجمهور. يصور الفيلم قصة حياة عائلية محورها أختان تعيشان في مدينة رام الله والضغوط التي تتعرضان لها على مستويات عدة، مثل الأمومة والزواج والعمل والتربية، واقتراحات تبدو بسيطة لكنها عميقة لإمكان النجاة أو اكتساب الأمل. ويقدم الفيلم مقاربة غير معهودة في سينما فلسطين، بإقصاء صورة الضحية المدماة لصالح الإنسان العصري الراغب بالحياة وتدبير شوؤن يومياته من دون أن يفقد حقه في مقاومة الظلم.

يقول عطا الله في حديث مع "المجلة": "في عالم ما بعد الإبادة التي لم تضع أوزارها بعد، وحيث تعرت جميع الأوهام الشائعة حول حقوق الإنسان وفي الأخص الأطفال والنساء، يتأكد أكثر من أي وقت مضى أن الحرب هي حرب صورة وسرديات وسرديات مضادة في الدرجة الأولى، وهذا ما يجعلنا مقبلين كل يوم على السينما كأداة لتعزيز الوعي. وهي، بلا أدنى شك، تتخذ صورا بهية وآسرة، حين تمتزج بين فلسطين والجزائر".

font change