اللقاء الأخير بين بوتين وبوش... توافق ضد إيران وخلاف حول أوكرانيا وتوسيع "الناتو" (3 من 3)https://www.majalla.com/node/328900/%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D9%88%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA/%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%8A%D8%B1-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A8%D9%88%D8%B4-%D8%AA%D9%88%D8%A7%D9%81%D9%82-%D8%B6%D8%AF-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%88%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%AA%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%B9
بعد نشر وثيقتين سريتين حول مباحثات الرئيسين الأميركي جورج بوش والروسي فلاديمير بوتين عامي 2001 و2005، ومحاولات الرئيسين بناء علاقات تعاون في مجال محاربة الإرهاب، وقضايا التسليح، ومنع الانتشار النووي، والقضايا الاقتصادية، تعرض "المجلة" في الحلقة الثالثة لتسريبات حول الاجتماع الأخير بين الرئيسين في 2008 على شواطئ البحر الأسود والذي شهد على ثلاث حروب كانت روسيا طرفا فيها أعوام 2008 و2014 و2022.
وعلى عكس الأجواء الاحتفالية في منتجع "بوتشاروف روتشي" الرئاسي في سوتشي على البحر الأسود، اتسمت نبرة الحوارات بالجدية وطرح القضايا الخلافية بوضوح في الاجتماع الأخير بين الرئيسين جورج بوش الابن وفلاديمير بوتين في 6 أبريل/نيسان 2008.
وخيمت أجواء التوتر على الاجتماع الذي عقد مباشرة بعد يومين من اختتام قمة "بوخارست" لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفيها قاد بوش شخصيا حملة لدعوة أوكرانيا وجورجيا للحلف.
أجرى الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش (يسار) والرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات في مقر الرئاسة نوفو أوغاريوفو خارج موسكو، في 8 مايو 2005.
توافق حول ملف إيران
لم تظهر أجواء التوافق والانسجام إلا في الملف الإيراني، وأجمع الطرفان على النتائج الإيجابية للجهود المشتركة في الملف النووي الإيراني، وواصل الزعيمان تبادل المعلومات بشأنه.
في مقابل التوافق حول إيران، بدا اختلاف وجهات النظر واضحا في معظم القضايا المتراكمة بين البلدين من الدرع الصاروخية، إلى قضايا التوازن الاستراتيجي
وبعد طرح وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس موضوع إيران، أكد بوتين أن "الأمور هناك تحت السيطرة. أحيانا توجد حالات تعاون يحاولون متابعتها بصورة سرية لا تكون واضحة للحكومة. سنعثر عليهم وسيعاقبون". وكشف بوتين أن الحديث يدور عن موقع آراك، موضحا أن الأمر يتعلق بأن هناك أشخاصا "يرغبون في كسب قليل من المال"، وأن الأجهزة الروسية تحدد هذه الحالات.
وامتدح بوش خطة روسيا بشأن الملف النووي الإيراني ووصفها بأنها "محكمة جدا". وزاد: "يسألني الناس أحيانا: هل تستطيع العمل مع بوتين؟ فأجيبهم: هاكم الدليل، هو من قاد المسار في ملف إيران، وأنا اتبعت نهجه".
استعراض معدات عسكرية خلال تدريب عسكري للقوات البرية التابعة للحرس الثوري في منطقة أراس، بمحافظة أذربيجان الشرقية، إيران، في 17 أكتوبر 2022.
وفي موضوع بيع "منظومة صواريخ إس-300" أعرب بوش عن تقديره لقرار بوتين أن يكون البيع مشروطا، وبعد تأكيده أن العقد الموقع قبل أربعة أعوام لم ينفذ، أثنى بوتين على وصف بوش للإيرانيين بأنهم "يتصرفون بلا عقلانية"، وقال الرئيس الروسي عن الإيرانيين: "إنهم مهووسون تماما". وبعدما أعرب بوش عن أمله في "ظهور أشخاص عقلانيين" يمكن الحديث معهم، قال بوتين: "ما فاجأني عندما كنت هناك (في إيران) هو أنهم، رغم هوسهم بأيديولوجيتهم، مثقفون بحق. فقد تلقوا تعليما جامعيا وينتمون إلى بيئة أكاديمية، بمن فيهم أحمدي نجاد وحاشيته ورئيس البرلمان. إنهم ليسوا أشخاصا بسطاء أو متخلفين فكريا، وقد فاجأني ذلك كثيرا".
وفي مقابل التوافق حول إيران، بدا اختلاف وجهات النظر واضحا في معظم القضايا المتراكمة بين البلدين من الدرع الصاروخية، إلى قضايا التوازن الاستراتيجي، وصوغ معاهدة محدثة حول الحدّ من الأسلحة الاستراتيجية، والتنسيق بين الجيشين لتلافي أي أخطاء كارثية. كما أوضح بوتين بإسهاب أسباب رفضه انضمام أوكرانيا وجورجيا للحلف.
اعترض بوتين على انضمام جورجيا لـ"الناتو" لأن القيادة في تبليسي ربما ستحاول تحت غطاء الانضمام لـ"الناتو" شنّ حرب على الإقليمين الانفصاليين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية
وفي الاجتماع عرض بوتين رؤية روسيا المعارضة لنشر عناصر من منظومة الدفاع الصاروخي الأميركية في بولندا وجمهورية التشيك، موضحًا بإسهاب سبب اعتبار موسكو هذه الخطوات تهديدًا لأمنها. وأظهر جواب بوش اهتمامه بموقف روسيا وحججها لكنه لا يتعهد بأي تغيير في موقفه، ويعلق: "سأقول للصحافة إنكم تعارضون فكرة إنشاء مواقع في جمهورية التشيك وبولندا. ومن المهم أن يدرك الناس أن هناك خلافا لا يزال قائما حول هذه المسألة، لكن من المهم أيضا أن يرى شعبانا أننا نعمل على التوصل إلى اتفاق يقوم على الشفافية وتدابير حقيقية لبناء الثقة".
ويشير الأرشيف إلى أن نبرة الاجتماع تختلف اختلافًا جذريًا عن محادثاتهما الأولى في أوائل العقد الأول من الألفية الثانية، حين تحدث الزعيمان عن التعاون الشامل وأكدا على أهمية العلاقات الشخصية القائمة على الثقة.
وبالانتقال إلى نتائج قمة بوخارست، أعرب بوتين بحزم عن معارضته لانضمام أوكرانيا وجورجيا المحتمل إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو). وقال: "أود التأكيد على أن انضمام دولة مثل أوكرانيا إلى حلف (الناتو) سيخلق منطقة صراع طويلة الأمد لنا ولكم، مواجهة طويلة الأمد." وردا على سؤال بوش عن الأسباب يقول بوتين إن "أوكرانيا دولة شديدة التعقيد، وليست أمة نشأت بصورة طبيعية، بل كيان مصطنع تشكّل في الحقبة السوفياتية. بعد الحرب العالمية الثانية". ويذكر بوتين أن غرب أوكرانيا هو أراض حصلت عليها أوكرانيا من بولندا ورومانيا والمجر، بينما الجزء الشرقي حصلت عليه أوكرانيا من روسيا في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي إضافة إلى شبه جزيرة القرم في 1956. ويشير إلى أن 17 مليونا من أصل 45 مليون شخص يعيشون في أوكرانيا هم روس. وبعد العرض التاريخي والإشارة إلى عدم وجود توافق في داخل أوكرانيا على الانضمام إلى "الناتو"، وأن "انضمام أوكرانيا إلى (الناتو) ينطوي على تهديد بنشر قواعد وأنظمة عسكرية جديدة على مقربة من حدودنا، ويخلق حالة من عدم اليقين ومصادر إضافية للتهديد"، شدد بوتين على أن "روسيا ستسعى إلى الحدّ من قدرة الحلف على التوسع، بالاعتماد على القوى المناهضة له داخل أوكرانيا".
كما اعترض بوتين على انضمام جورجيا لـ"الناتو" لأن القيادة في تبليسي ربما ستحاول تحت غطاء الانضمام لـ"الناتو" شنّ حرب على الإقليمين الانفصاليين أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية.
ولم يدخل بوش في جدال مع بوتين حول توسع الحلف، وقال: "من الجوانب التي أقدّرها فيك أنك عبّرت عن موقفك أمام حلف شمال الأطلسي دون تردد، وهو أمر يستحق الإعجاب. لقد استمع الحاضرون بانتباه وفهموا موقفك بوضوح. كان موقفا قويا ومعبّرا".
الاستقبالات الدافئة في تكساس وموسكو والبيت الريفي في موسكو ومنتجع سوتشي لم تكن كافية لمنع الانزلاق إلى ما شهدناه من سباق للتسلح وصراعات على النفوذ
اللافت أن لغة الاحترام والتفهم كانت حاضرة في الاجتماع الأخير بين الرئيسين اللذين عقدا 20 لقاء ثنائيا بين 2000 و2008. وفي المقابل بات واضحا أن عدم حل القضايا المتراكمة في هذه الفترة كان سببا في اتباع روسيا مسارا مختلفا ينطلق من الاعتماد على القوة للدفاع عن مصالحها في محيطها السوفياتي أولا، ومنع تقدم "الناتو" وهو ما ظهر في حرب جورجيا بعد أربعة أشهر من آخر لقاء بعدما شعرت روسيا بأن "الناتو" يضيق الحصار عليها. وفي وقت لاحق احتلت شبه جزيرة القرم في 2014، ودعمت الانفصاليين في مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك في العام ذاته لتعود وتشن حربا شاملة على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، بعد رفض "الناتو" والولايات المتحدة بحث نص معاهدتين للضمانات الأمنية تقدمت بهما في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021، وعودة الحلف إلى حدود 1997.
وربما تكون جملة كوندوليزا رايس في نهاية الاجتماع الأخير كاشفة وتختصر طبيعة العلاقات والنقاشات بين بوتين وبوش، فعند الحديث عن البيان المشترك للقمة قالت رايس: إذن نستخدم كلمة "تبديد المخاوف" ونحذف الأقواس حول كلمة "تعاون". فاللقاءات انتقلت من آمال عريضة لبناء علاقات طيبة على أساس الاحترام المتبادل بين البلدين، والتعاون في مكافحة الإرهاب ومنع الانتشار النووي إلى عرض كل طرف مواقفه على الآخر. الاستثناء الوحيد كان التعاون المثمر في الملف النووي الإيراني، وفيما تبقى كشفت الأحداث التالية أن الاستقبالات الدافئة في تكساس وموسكو والبيت الريفي في موسكو ومنتجع سوتشي لم تكن كافية لمنع الانزلاق إلى ما شهدناه من سباق للتسلح وصراعات على النفوذ بين القوتين العظميين.
يقف أفراد عسكريون أمام طائرة الإنذار والتحكم E-3A التابعة لحلف الناتو في مقر قيادة قوة الإنذار والتحكم المحمول جواً التابعة للحلف في غيلينكيرشن، غرب ألمانيا، في 13 نوفمبر 2025.
المذكرة الحرفية لمحضر الاجتماع الأخير بين بوش الابن وبوتين
الموضوع: اجتماع مع رئيس روسيا (غير مصنفة - غ.م)
المشاركون: الولايات المتحدة
• الرئيس
• بيل بيرنز، سفير الولايات المتحدة لدى روسيا
• كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية
• ستيفن هادلي، مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي
• جودي أنسلي، نائبة مساعد الرئيس ونائبة مستشار الأمن القومي للشؤون الإقليمية
• نيك سوركين، مترجم
روسيا
• فلاديمير بوتين، رئيس روسيا
• سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي
• يوري أوشاكوف، سفير روسيا لدى الولايات المتحدة
• سيرغي بريخودكو، مستشار السياسة الخارجية
• إيغور نيفيروف، مدون ملاحظات
• يوري غارييف، مترجم
التاريخ والوقت والمكان: 6 أبريل/نيسان 2008، الساعة 10:00 إلى 11:00 صباحا
المقر الرئاسي لرئيس روسيا، بوتشاروف روتشي، القاعة المستديرة، سوتشي، روسيا
الرئيس بوتين: أود أن أرحب بكم جميعا مجددا. لقد استعددنا لهذا الاجتماع وهذه الزيارة منذ فترة طويلة وبجهد مكثف. وقد استند هذا التحضير إلى مقترحات كوندوليزا بشأن الإطار الاستراتيجي للعلاقات الثنائية، وأرى أن هذه فكرة جيدة. بطبيعة الحال، هناك بعض الخلافات بيننا، ونحن نعيها، لكن من المهم تعزيز ما تحقق من إنجازات إيجابية، وهذا هو الاتجاه الصحيح.
في عام 2002 وقعنا إعلان موسكو، وإذا تمكنا اليوم من تقديم وثيقة للتوافق عليها، فسيمثل ذلك خطوة صحيحة. الوثيقة التي نعمل عليها اليوم تُلخص ما تحقق من إنجازات إيجابية خلال السنوات القليلة الماضية. وفي الوقت ذاته، تعكس الاتفاقية مواضع الخلاف بيننا، لكنها تفعل ذلك بأسلوب منفتح وشفاف، وتؤكد مجددا استعدادنا للتعامل مع هذه الاختلافات.
ومن الطبيعي أن تُعد قضية الدفاع الصاروخي من أعقد القضايا. لم نحقق تقدما كبيرا في هذا المجال، غير أنني ألاحظ أن شركاءنا الأميركيين ينظرون بصراحة وانفتاح إلى مخاوفنا. نحن نُدرك أن الأهم هو ضمان الشفافية والمراقبة المستمرة للمواقع في جمهورية التشيك وبولندا. حين زارتنا كوندوليزا ووزير الدفاع غيتس في موسكو، أخبرتهما بأن من المهم جدا بالنسبة لنا أن نطّلع على ما يجري في تلك المواقع بشكل يومي وفي كل لحظة. وقد أخبرت التشيك والبولنديين بذلك أيضا. لا يتعلق الأمر بالتعدي على سيادتهم، بل من الطبيعي أن نعرف ما يجري، وما إذا كان موجّها ضدنا. الأمر واضح وبسيط.
الجيش يشاركنا هذا الرأي، حتى الجيش الأميركي. لن أخوض في التفاصيل، فليتولاها الخبراء. القضية الجوهرية هنا هي ما إذا كان لخبرائنا وصول كامل إلى المواقع، أم إن وجودهم يقتصر على السفارة ويحتاجون إلى إذن لزيارة المواقع من حين لآخر. وما له أهمية بالغة أيضا هو توسيع نطاق التبادل وتعميق التعاون بين خبرائنا من الجانبين. أرى أننا لا ينبغي أن نتخلى عن هذه الفكرة، لا سيما أن هناك اهتماما بها من جانب الجيش الأميركي. وفي الوقت نفسه، ندرك أيضا أن للموقع الثالث أبعادا عالمية، لا إقليمية فحسب.
وفي ما يتعلق بمعاهدة الحد من الأسلحة الاستراتيجية (ستارت)، هناك جزء مخصص لها. ناقشنا هذه القضية بالتفصيل مع زملائنا الأميركيين، وأعتقد أنه ينبغي أن يكون هناك قدر من الفهم لشواغلنا. من الواضح أن الانسحاب من أي نوع من الضوابط المفروضة على الرؤوس النووية أمر بالغ الخطورة.
الرئيس: ينبغي أن نعمل على هذه المسألة. يقلقني غياب الشفافية في ما يبدو أنه إطلاق نووي، ما قد يؤدي إلى حالة من الذعر الشديد. يجب أن نجد حلا لهذا الأمر. دعني أقول فقط إنني أتفهم شواغلكم.
الرئيس بوتين: أعتقد أننا أحرزنا تقدما في هذا المجال مع الولايات المتحدة، لكننا لا نملك اتفاقا مماثلا مع الصين، فهي ترفض زيادة تبادل الإشعارات الخاصة بعمليات الإطلاق.
الرئيس: نعم، سيكونون مصدر خطر خلال بضع سنوات.
الرئيس بوتين: السيد لافروف يتولى مناقشة هذه المسألة معهم، لكن لم يُحرّر اتفاقا بعد. ومع ذلك، فإن موقفنا في علاقاتنا مع الولايات المتحدة واضح تماما. فإطلاق صاروخ من غواصة في شمال أوروبا لا يستغرق أكثر من ست دقائق ليصل إلى موسكو.
الرئيس: أفهم ذلك. (غ.م)
الرئيس بوتين: لقد وضعنا مجموعة من تدابير الرد، وهو أمر لا يدعو للارتياح. فخلال بضع دقائق ستكون قدراتنا الكاملة على الرد النووي في حالة إطلاق.
الرئيس: أعلم. (غ.م)
الرئيس بوتين: وإذا تحدثنا عن عمليات إطلاق من مناطق أخرى من المحيطات، فعلينا احتساب مسارات الصواريخ، وهو أمر بالغ التعقيد. وأدرك أنه قد لا تتاح أحيانا فرصة أخرى لتنفيذ عمليات حاسمة مثل استهداف بن لادن في تورا بورا، ومع ذلك لا بد من إيجاد ترتيبات تضمن تفادي أي التباس.
الرئيس: يرى بعضهم في ذلك أداة مهمة، غير أنني أتفهم مخاوفكم من احتمال أن يُساء فهمها. لا أرغب في وضع أحد في موقف يستدعي استجابة فورية من النظام بأسره، فذلك يخلق احتمالا لوقوع خطأ. وأتفق معكم في هذا الشأن.
الرئيس بوتين: أعتقد أنه رغم كل الصعوبات، يمكن للخبراء التوصل إلى اتفاق، غير أن الأمر في جوهره يتعلق بالثقة. وندرك أيضا أن بعض عمليات مكافحة الإرهاب قد تُنفَّذ دون أن تُعلن عنها الأجهزة إلا في اللحظة الأخيرة، ومع ذلك لا بد من التوصل إلى آلية ما لتنظيم هذا الأمر.
الرئيس: أقلق بشأن من سيخلفوننا في السلطة. يجب أن نضع تفاهما ما دمنا نحافظ على علاقتنا المنفتحة، حتى لا يبالغ من سيأتي بعدنا في رد الفعل. ولهذا السبب تُعد هذه الاتفاقية بالغة الأهمية. والنقطة التالية تتعلق باتفاقية التعاون النووي (123)، وهي تطور مهم للغاية.
وزير الخارجية لافروف: لم نحصل عليها بعد، لكننا سنحصل عليها. (غ.م)
الرئيس: كنت قد فهمت أنها ستُوقّع بحلول نهاية أبريل/نيسان. وفي ما يتعلق بمعاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا، آمل أن نستطيع مساعدتكم في هذا الملف. أنا أتفهم تماما ما ذكرته في حلف "الناتو"، ومنطقك واضح جدا. تحدثنا في السيارة عن إحالة المعاهدة إلى مجلس الشيوخ والمبادرة بالمصادقة عليها أولا. غير أنني لا أرغب في طرحها في خضم المعركة الانتخابية الرئاسية، ولا أريد أن تتحول روسيا إلى قضية انتخابية، لأن العلاقة بين بلدينا أهم من ذلك بكثير.
فيما يتعلق بالدفاع الصاروخي، أرى أن ما سيهم الناس هو الشفافية وتدابير بناء الثقة، إضافة إلى فكرة دراسة إنشاء نظام دفاع صاروخي إقليمي تستفيد منه روسيا كما يستفيد الآخرون. وأعتقد أنه متى اقتنعت الحكومة بأن هذا النظام لا يستهدفكم، فستدرك روسيا أن نظاما إقليميا من هذا النوع يمكن أن يتعامل مع أي طرف متهور في الشرق الأوسط قد يحصل على صاروخ مزود برأس نووي. وستلاحظون أن هذا النظام لا يمكنه اعتراض أكثر من صاروخ أو اثنين، وأنتم تمتلكون ترسانة أكبر بكثير. على أي حال، هذا هو جوهر بناء الثقة.
سأقول للصحافة إنكم تعارضون فكرة إنشاء مواقع في جمهورية التشيك وبولندا. ومن المهم أن يدرك الناس أن هناك خلافا لا يزال قائما حول هذه المسألة، لكن من المهم أيضا أن يرى شعبانا أننا نعمل على التوصل إلى اتفاق يقوم على الشفافية وتدابير حقيقية لبناء الثقة. وأرى أن أهمية ذلك تكمن في أنه سيدفع أي رئيس أميركي مقبل إلى العمل مع روسيا. نحن نُمهّد لتهيئة الظروف التي تدفع من سيأتون بعدنا إلى مواصلة العمل ضمن الإطار الذي رسمناه. علينا إيجاد مسار يمضي بالعلاقات مع روسيا قُدما. لا أريد أن يأتي رئيس أميركي ويقول إنه لا حاجة لنا بعلاقة مع روسيا؛ فنحن في أمسّ الحاجة إلى هذه العلاقة، ولهذا أُقدّر لقاءكم بنا.
الرئيس بوتين: ما قلته للتو بالغ الأهمية. على مدى العقود الماضية، كان العالم أكثر أمانا بفضل توازن محدد في القوى. وقد أبلغني القادة العسكريون بما يلي: "كان هناك توازن وردع نووي متبادل، أما اليوم فيرى العسكريون أن الأميركيين سيقيمون مظلة دفاع صاروخي تجعلهم يشعرون بأنهم لا يُقهرون".
فما الذي يمكننا فعله إذن؟ إما أن ننشئ مظلة مماثلة، أو نطوّر أنظمة هجومية خاصة بنا لتجاوز دفاعاتهم. إن بناء نظام دفاع صاروخي مكلف للغاية، بينما الأسهل والأقل تكلفة هو تطوير نظام هجومي جديد قادر على اختراق دفاعاتكم وإغراقها. وقد بدأ القادة العسكريون يقدّمون لي بالفعل مقترحات تبدو لي في غاية القسوة، أشعر بالذعر حين أقرأها. وإذا لم نُنشئ إطارا للتعاون بيننا في هذا المجال، فسنجد أنفسنا منخرطين في سباق تسلّح من هذا النوع. (سري)
الرئيس: لهذا السبب يُعد الأمر في غاية الأهمية. ولن تشعروا بالاطمئنان حتى نُثبت لكم ذلك عمليا. نيتنا أن نُجري عملية أو عمليتين لإطلاق صواريخ، لمواجهة تهديد محتمل من كوريا الشمالية أو إيران أو أي مصدر آخر قد يظهر. علينا أن نطمئن خبراءكم عبر توضيح الحقائق لهم، ولهذا تُعد الشفافية أمرا أساسيا. رؤيتي تقوم على تعاون عملي مشترك، وآمل أن تكون هذه الخطوة بداية لتحقيق ذلك.
الرئيس بوتين: حسنا. أود الآن أن أكرر ما قلته لكوندي (كوندوليزا رايس) وغيتس في موسكو بشأن توسيع حلف شمال الأطلسي. لن يكون في هذا جديد عليك، ولا أنتظر ردا؛ إنما أود أن أعبّر عنه بوضوح. أود أن أؤكد أن انضمام بلد مثل أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي سيخلق، على المدى الطويل، حالة من الصراع والمواجهة المستمرة بيننا وبينكم.
الرئيس: لماذا؟ (غ.م)
الرئيس بوتين: يعيش في أوكرانيا نحو 17 مليون روسي، أي ما يقارب ثلث السكان. وأوكرانيا دولة شديدة التعقيد، وليست أمة نشأت بصورة طبيعية، بل كيان مصطنع تشكّل في الحقبة السوفياتية. بعد الحرب العالمية الثانية، حصلت أوكرانيا على أراض من بولندا ورومانيا والمجر، وهو ما يشكّل تقريبا كامل غرب البلاد. وفي عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، ضُمّت إلى أوكرانيا أراض من روسيا تمثّل الجزء الشرقي منها. وفي عام 1956 نُقلت شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا. إنها دولة أوروبية كبيرة نسبيا يبلغ عدد سكانها نحو 45 مليون نسمة.
ويعيش فيها أناس ذوو ذهنيات متباينة إلى حدّ كبير. فإذا ذهبت إلى غرب البلاد، ستجد قرى لا تُسمع فيها سوى اللغة المجرية، ويرتدي سكانها قبعاتهم التقليدية، بينما ترى في شرقها أشخاصا ببدلات رسمية وربطات عنق وقبعات. وينظر قسم كبير من الشعب الأوكراني إلى حلف شمال الأطلسي بوصفه منظمة معادية.
وهذا الوضع يطرح أمام روسيا التحديات التالية: فهو ينطوي على تهديد بنشر قواعد وأنظمة عسكرية جديدة على مقربة من حدودنا، ويخلق حالة من عدم اليقين ومصادر إضافية للتهديد. لذلك، ستسعى روسيا إلى الحدّ من قدرة الحلف على التوسع، بالاعتماد على القوى المناهضة له داخل أوكرانيا، وستجد نفسها في مواجهة أزمات متكررة هناك.
ولِمَ ذلك؟ ما مغزى انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي؟ وما الفائدة التي سيجنيها الحلف أو الولايات المتحدة؟ لا يمكن أن يكون هناك سوى سبب واحد، وهو ترسيخ مكانة أوكرانيا ضمن العالم الغربي. غير أنني لا أرى في ذلك منطقا مقنعا، وما زلت أحاول فهم دوافعه.
ومع تباين مواقف شرائح السكان من مسألة عضوية الحلف، قد تنقسم البلاد ببساطة. كنت أقول دائما إن هناك جزءا مؤيدا للغرب وآخر مؤيدا لروسيا. والآن يتولى السلطة هناك قادة من التيار الموالي للغرب، وما إن وصلوا إلى الحكم حتى انقسموا فيما بينهم. إن النشاط السياسي في أوكرانيا يعكس تماما هذا الانقسام داخل المجتمع. فالمسألة الحقيقية ليست انضمام أوكرانيا إلى الحلف، بل ضمان قدرتها على الاعتماد على نفسها، وتعزيز اقتصادها.
سبعون في المئة من السكان ضد حلف شمال الأطلسي. قالت لي كوندي (كوندوليزا رايس) إن السكان في سلوفاكيا وكرواتيا كانوا معارضين في البداية ثم أصبحوا مؤيدين. ما نعارضه هو انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، لكن على أي حال ينبغي أن ننتظر إلى أن تؤيد الأغلبية ذلك، ثم نسمح لهم بالانضمام، لا العكس.
أما في ما يتعلق بجورجيا، فهم يعتقدون أنه تحت مظلة حلف شمال الأطلسي يمكنهم استعادة وحدة أراضيهم. ولكن هل هذا هو المسار الصحيح؟ أن نوسع المظلة العسكرية للحلف ونسمح ببدء عمليات عسكرية في أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية؟ إن ذلك سيشعل هناك حرب عصابات شبيهة بما حدث في أفغانستان. وهل سيخوض الحلف حربا هناك؟ بالطبع لا. ينبغي حمل الجورجيين على معالجة مشكلاتهم الداخلية بوسائل أخرى، وسيفعلون ذلك إذا أُجبروا عليه. فهناك مشكلات إثنية متجذرة منذ قرون.
نحن مستعدون لمساعدتهم في استعادة وحدة أراضيهم، ولكن بطرق تضمن شعور الأقليات الصغيرة بالأمان. أما إذا حاولوا إخافة الناس بتهديدهم بقدوم حلف شمال الأطلسي، فلن ينجح ذلك، ولن يكون بوسعهم تحقيقه أصلا. سترون الناس ينزلون من الجبال ويطلقون النار في كل اتجاه، أناس يرتدون ملابس شبيهة بأولئك الذين رقصوا لكم الليلة الماضية. روسيا تعرف هذه المنطقة جيدا، وتعمل على بناء صداقات هناك.
حين اندلعت الحرب هناك قبل نحو عشر سنوات، أوقف المقاتلون الشيشان عملياتهم ضد روسيا وجاءوا للقتال في جورجيا، وارتُكبت فظائع مروّعة ضد الجورجيين. قضينا على أحد قادتهم قبل عامين، لكن ما زال هناك كثيرون غيره. نحن لم نرسلهم إلى هناك، لكنهم كانوا جميعا في المنطقة عندما اندلعت الحرب.
ينبغي حث جورجيا على معالجة هذه القضية بوسائل سلمية. فالسماح لها بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي لن يؤدي إلا إلى تشجيعها على معالجتها بالوسائل العسكرية، أي باللجوء إلى القوة. وبالنسبة إلى روسيا، تظل هناك دائما مخاطر تتمثل في نشر قواعد عسكرية وأنظمة تسليح جديدة على مقربة من حدودنا. وهذا هو جوهر موقفنا من هذا المسار. ولا أتوقع ردا.
الرئيس: من الجوانب التي أقدّرها فيك أنك عبّرت عن موقفك أمام حلف شمال الأطلسي دون تردد، وهو أمر يستحق الإعجاب. لقد استمع الحاضرون بانتباه وفهموا موقفك بوضوح. كان موقفا قويا ومعبّرا.
الرئيس بوتين: سأضيف أمرا آخر الآن. لا أستبعد أن تتحسن العلاقات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي في المستقبل، بالتوازي مع تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا.
الرئيس: ما يقلقني هو أن العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا قد لا تتحسن أكثر مما هي عليه بيني وبينك. سيظهر التاريخ أنها جيدة جدا. لست متأكدا من المجموعة التالية، ليس ميدفيديف، بل من سيأتي بعدي. آمل أن نستطيع، أنت وأنا، أن نكون مثالا على كيفية تجاوز المشكلات.
الرئيس بوتين: أوافق. ما أعنيه هو أنه إذا تحقق مثل هذا التحسن فسيجري النظر إلى كثير من المشكلات التي نهتم بها الآن على نحو مختلف في المستقبل. أعتقد أن بعض القضايا لا تحتاج إلى استعجال.
أود أن أتناول بإيجاز مسألة التعاون في المجال النووي السلمي. نحن بحاجة إلى إطار ينظّم هذا التعاون، أي إلى اتفاق بين الحكومتين. وقد ذكرتَ في رسالتك أن مثل هذا الاتفاق سيُوقَّع.
الرئيس: سينجز ذلك قبل انتهاء رئاستك. (غ.م)
الرئيس بوتين: ربما تستطيعون من جانبكم العمل مع الكونغرس. (غ.م)
الرئيس: نريد إنجازه الآن. أعتقد أنه سيلقى ترحيبا.
الوزيرة رايس: كنا نحتاج إلى حل مسألة تتعلق بإيران. أعتقد أننا حللناها. كنا قلقين من أن نواجه مشكلات مع الكونغرس.
الرئيس بوتين: الأمور هناك تحت السيطرة. أحيانا توجد حالات تعاون يحاولون متابعتها بصورة سرية لا تكون واضحة للحكومة. سنعثر عليهم وسيعاقبون.
الرئيس: أين يجري هذا؟ (غ.م)
الوزيرة رايس: آراك. (غ.م)
الرئيس بوتين: هناك أشخاص يرغبون في كسب قليل من المال من هذا، لكننا نحدد تلك الحالات.
الرئيس: أقول للناس، فيما يخص إيران، إن خطتكم كانت محكمة جدا. فعندما يقول القادة الإيرانيون إنهم يريدون طاقة نووية لأغراض مدنية، نردّ قائلين: "حسنا، هذا حقكم". ثم تقول روسيا: "إليكم الوقود، وبالتالي لا حاجة إلى التخصيب. وإذا أصررتم على ذلك، فسيعني أنكم لا تسعون إلى طاقة مدنية بل إلى ما هو أبعد منها".
يسألني الناس أحيانا: "هل تستطيع العمل مع بوتين؟" فأجيبهم: "هاكم الدليل، هو من قاد المسار في ملف إيران، وأنا اتبعت نهجه". لقد كان ذلك الموقف الصائب.
الرئيس بوتين: هذا ما قلته لهم في إيران عندما قالوا إنهم يبنون محطة نووية جديدة وأنهم يحتاجون إلى وقود. سألت متى سيكملون المحطة. إنه مشروع طويل الأمد. نحن نبني بوشهر منذ 15 عاما. قلت: "لن تكملوا محطة جديدة خلال 15 عاما، فلماذا تبنون قدرات التخصيب الآن؟".
الرئيس: تحدثت أنا وأنت عن منظومة "إس-300" وقلت إنك ستنتظر لترى كيف سيتصرفون، بيع مشروط، وأنا أقدر ذلك.
الرئيس بوتين: لدينا عقد معهم وُقِّع قبل أربعة أعوام لكنه لم يُنفذ بعد.
الرئيس: أقدر ذلك. يتصرفون بلا عقلانية.
الرئيس بوتين: إنهم مهووسون تماما.
الرئيس: نأمل أن يبدأ ظهور أشخاص عقلانيين. أنت تتحدث إليهم ونحن لا نتحدث. نأمل أن يظهر مزيد من الأشخاص العقلانيين، ونود أن تكون لدينا علاقة أفضل. (سري)
الرئيس بوتين: ما فاجأني عندما كنت هناك هو أنهم، رغم هوسهم في أيديولوجيتهم، مثقفون بحق. فقد تلقوا تعليما جامعيا وينتمون إلى بيئة أكاديمية، بمن فيهم أحمدي نجاد وحاشيته ورئيس البرلمان. إنهم ليسوا أشخاصا بسطاء أو متخلفين فكريا، وقد فاجأني ذلك كثيرا.
الرئيس: (مخاطبا الوزيرة رايس ووزير الخارجية لافروف) هل انتهيتما من صياغة النص؟ اذهبا أنتما واعملَا عليها. (سري)
الوزيرة رايس: نحن قريبون جدا. (مخاطبة وزير الخارجية لافروف) لدي اقتراح لك. (سري)
الرئيس: هل ستكون في الاجتماع مع ميدفيديف؟ (سري)
الرئيس بوتين: لا، أريدك أن تتحدث معه شخصيا. (سري)
الرئيس: لن أحتاج إلى وقت طويل. (سري)
الوزيرة رايس: إذن نستخدم كلمة "تبديد المخاوف" ونحذف الأقواس حول كلمة "تعاون". (سري)