ما الرمزية التي تحيط بوفاة زعيم "فاغنر"؟

جاء تحطم الطائرة في الوقت الذي حُصرت فيه أنشطة "فاغنر" في الخارج

Getty/ Majalla
Getty/ Majalla

ما الرمزية التي تحيط بوفاة زعيم "فاغنر"؟

هناك الكثير من التشابه والرموز الغريبة المحيطة باحتمال مقتل يفغيني بريغوجين، رئيس شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة. ومع ذلك، يجب الانتباه لاستخدام مصطلح "احتمالية"، إذ لا يمكننا أن نستبعد بشكل قطعي احتمال أن يكون زعيم المرتزقة قد قام بترتيب أمر وفاته بنفسه، مع الأخذ في الاعتبار ميله لتوظيف أشباه له.

أولا، توقيت وقوع حادث التحطم لطائرة رجل الأعمال الذي تمرد حديثا، حيث جاء بالضبط بعد شهرين من التمرد، وعلى بعد 50 كيلومترا من منزل فلاديمير بوتين في فالداي.

ثانيا، تشير تقارير إلى أن اسم رئيس المنظمة، والتي يسميها مرتزقتها بالأوركسترا، قد ظهر في قوائم ركاب الطائرة المتحطمة في نفس اللحظة التي حضر فيها بوتين حفلا تكريميا بمناسبة الذكرى الثمانين للانتصار في معركة كورسك أثناء الحرب العالمية الثانية وكان على خشبة المسرح بجوار الأوركسترا الحقيقية.

ثالثا، وقع حادث تحطم الطائرة في اليوم التالي لإعفاء الجنرال سيرغي سوروفيكين، المعروف بارتباطه ببريغوجين والذي اختفى عن الأعين مباشرة بعد التمرد، وتعيين اللواء فيكتور أفزالوف كقائد عام مؤقت للقوات الجوفضائية الروسية والتي تجمع بين الطيران والدفاع الجوي في النظام العسكري الروسي الحديث.

AFP
النيران تشتعل في حطام طائرة بريغوجين قرب قرية كوجينكينو في اقليم تفير بين موسكو وسانت بطرسبورغ في 23 اغسطس

رابعا، جرت في اليوم السابق للحادث أول زيارة رسمية لوفد عسكري روسي برئاسة نائب وزير الدفاع يونس بك يوفكوروف إلى ليبيا. التوضيح الرسمي حول الزيارة هي أنها كانت للتفاوض مع قائد الجيش الليبي خليفة حفتر عقب نتائج منتدى الجيش 2023 العسكري والذي أقيم في موسكو. لكن وفقا للمعلومات غير الرسمية، ذهب يوفكوروف لمناقشة مصير فاغنر في ليبيا، حيث يوجد مرتزقتها في كثير من المنشآت. يذكر أن يوفكوروف هو واحد من الجنرالات الذين شاركوا في المفاوضات مع بريغوجين أثناء تمرده في يونيو/حزيران الماضي.

الأهمية تكمن في أن حادث تحطم الطائرة قد وقع عشية عيد استقلال أوكرانيا، مما أعطى المحللين السياسيين الموالين للحكومة الروسية سببا لمناقشة احتمال وجود عملية عسكرية استخباراتية أوكرانية على الأراضي الروسية.

يشير مسار تحطم طائرة بريغوجين إلى عطل مفاجئ في كامل أنظمة التحكم بالطائرة، والذي لربما نتج عن انفجار داخلي أو عطل حرج في الأنظمة.

تحطم الطائرة وقع عشية عيد استقلال أوكرانيا، مما أعطى المحللين السياسيين الموالين للحكومة الروسية سببا لمناقشة احتمال وجود عملية عسكرية استخباراتية أوكرانية على الأراضي الروسية

يشير مسار تحطم طائرة بريغوجين إلى عطل مفاجئ في كامل أنظمة التحكم بالطائرة، والذي لربما نتج عن انفجار داخلي أو عطل حرج في الأنظمة.

يتحدث السيناريو الأول عن أن الطائرة أسقطت بواسطة صاروخ مضاد للطائرات. ويدعم هذا السيناريو شهادات من شهود عيان زعموا أنهم سمعوا صوت انفجارين، إضافة إلى مسار السقوط الحاد للطائرة، ووجود ثقوب صغيرة يعتقد أنها ناجمة عن شظايا تم العثور عليها في حطام طائرة رجل الأعمال، ووجود قاعدتين جويتين كبيرتين في خوتيلوف وميغالوف، وكلاهما مجهز بآليات الدفاع الجوي في محيطهما.

AFP
دبابة لمجموعة "فاغنر" تعبر شارعا في مدينة روستوف الروسية في 24 يونيو الماضي

ومع ذلك، فإن الأدلة المصورة ومقاطع الفيديو المتاحة لا تسمح لنا فعليا بتمييز طبيعة الضرر بدقة. إضافة إلى ذلك، عندما تتعرض الطائرة لصاروخ مضاد للطائرات، فإنها عادة ما تشتعل، وبحسب الفيديو الذي لم يتسنى لنا التأكد من صحته بعد، لم يظهر سوى أثر أبيض، والذي قد يكون مجرد آثار للبخار. يمكننا فورا استبعاد فكرة استخدام أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الأكتاف، إذ إن مداها لا يتجاوز الخمسة كيلومترات، بينما كانت الطائرة تحلق على ارتفاع 8534 مترا، وذلك بحسب المعلومات التي حصلنا عليها من موقع مراقبة الطيران "فلايت رادار-24" (Flightradar24).

أما السيناريو الثاني، فيتحدث عن انفجار عبوة ناسفة موجودة على متن الطائرة، على الرغم من أن طائرة الأعمال تلك وكالعادة خضعت للفحص الدقيق بما في ذلك الفحص باستخدام الكلاب. وبالنظر إلى أسلوب حياة كل من بريغوجين، وخبرة كل من مؤسس شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة ديمتري أوتكين المعروف بفاغنر، ورئيس الأمن فاليري تشيكالوف– اللذين أعلن أيضا عن مقتلهما بشكل رسمي–  فإن احتمال زرع عبوة ناسفة في الطائرة ليس بالأمر البسيط، خصوصا أن بريغوجين كان عائدا من مالي إلى موسكو على متن طائرة نقل تم تزويدها بالوقود في دمشق، وقام بالتغيير إلى طائرته الخاصة في العاصمة الروسية. ويعتبر تأخير الرحلة بسبب الإصلاحات الغريبة أبعد ما يكون عن كونه نتيجة لعمل تخريبي، بل على العكس، فإن هذه الفكرة تناقض أصلا هذا السيناريو.

أما عن سيناريوهات صاروخ أطلق بالخطأ باتجاه الهدف، أو عطل فني في الطائرة، أو إقلاع الطائرة من مدرج الطيران في وضع الصمت اللاسلكي (كحالة إقلاع الطائرات المقاتلة لاعتراض الأهداف)، أو ضربة صاعقة أدت إلى انفجار خزان الوقود، فهي جميعها سيناريوهات تقع ضمن نطاق الأخطاء الإحصائية، ومن الصعب أن يصدقها أحد، بالنظر إلى طبيعة بريغوجين.
 

السيناريو الثاني يتحدث عن انفجار عبوة ناسفة موجودة على متن الطائرة، على الرغم من أن طائرة الأعمال تلك وكالعادة خضعت للفحص الدقيق بما في ذلك الفحص باستخدام الكلاب

ومع ذلك، فإن سيناريو الأيادي الأجنبية لا يفيد الكرملين، فهو يشير إلى احتمالية وجود مشاكل أمنية كارثية. إذ ما زالت موسكو مترددة للغاية في التعليق على الهجمات على القواعد الجوية العسكرية باستخدام الطائرات المسيرة قصيرة المدى والتي لا يمكن إطلاقها من الأراضي الأوكرانية، إضافة إلى الحرائق المفتعلة والتي جرت في مراكز التجنيد العسكرية المنتشرة في كثير من المناطق الروسية. إلا أن المحللين السياسيين المؤيدين للحكومة بدأوا فورا بالتسويق لهذا السيناريو، مستندين إلى حقيقة أنه سيكون من الأسهل بكثير على السلطات الروسية قطع رأس "فاغنر" أثناء وجود بريغوجين في أفريقيا، بدلا من أن تقوم بذلك على الأراضي الروسية.

AP
بريغوجين في آخر ظهور له في مقطع فيديو من مكان غير محدد يُعتقد انه في افريقيا في 22 اغسطس

وكما تؤكد عالمة السياسة تاتيانا ستانوفايا، على أنه أيا كانت أسباب تحطم الطائرة، فإن الجميع سينظرون إليه باعتباره عملا انتقاميا، وهو أمر لا يقيم له الكرملين أي وزن على أي حال. وكتبت ستانوفايا: "من وجهة نظر بوتين، وكذلك الكثير من المسؤولين الأمنيين والعسكريين، يجب أن يكون موت بريغوجين درسا لجميع الأتباع المحتملين".

ومع ذلك، لا يمكننا استبعاد السيناريو الذي يتحدث عن مسرحية الموت كليا، ففي النهاية، اختفاء بريغوجين المقصود عن الأنظار، سيكون له نفس التأثير الذي سيخلفه موته الفعلي على تلك المنظمة العسكرية، نظرا إلى البنية ذات الطابع الشخصي لمجموعة فاغنر. ولكن عودة بريغوجين المحتملة إلى الحياة ستكون أيضا صعبة التصديق، إذ إنه من الدهاء فعل ذلك لإثبات أحقيته في مواجهته مع القيادة العسكرية للبلاد، أو لكشف شبكة تخريبية فيها. 

وبغض النظر عن الرواية الرسمية، سيغلف الغموض قضية وفاة بريغوجين، كما حدث في القضية الشهيرة للجنرال الروسي ليف روخلين عام 1998، والذي مات نتيجة إطلاق النار عليه من قبل زوجته المحبة أثناء خلاف عائلي، وذلك بحسب الرواية الرسمية.

من هذا المنطلق، تجدر الإشارة إلى أن تصفية رأس الهرم في "فاغنر" حدثت في وقت كانت فيه قوات المجموعة، والتي حافظت على ولائها لبريغوجين، تنسحب نحو بيلاروسيا وبعض الدول الأخرى، بما فيها سوريا وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث نُفذت عمليات انتقال واسعة للعناصر. ونتيجة لذلك، تم حظر وجود فاغنر نظريا في روسيا وإبقاؤه في الخارج فقط، لمنع التنظيم من تدبير أي عصيان جديد داخل روسيا، والحصول على دعم العناصر المستاءة في صفوف الجيش الروسي.
 

موت بريغوجين وأوتكين الفعلي يجعل من بقاء مجموعة فاغنر بشكل مستقل أمرا صعبا للغاية

هناك رغبة باعتبار أن التخطيط لسيناريو كهذا يقوم على تحييد التهديد الذي يمثله بريغوجين بدأ منذ البداية، أي في أيام التمرد، عند الموافقة على خطة انسحاب فاغنر نحو بيلاروسيا.

وبغض النظر عما سبق، فإن موت بريغوجين وأوتكين الفعلي يجعل من بقاء مجموعة فاغنر بشكل مستقل أمرا صعبا للغاية. فمن دون وسائل البقاء والاستمرار نظرا لإنهاء عدد من عقود المجموعة نتيجة لموت الموقعين عليها، ومع وجود تهديدات محتملة بالملاحقة القضائية الجنائية للمرتزقة المتورطين في الملف السوري أو الليبي، فإن أي كلام عن "حرمة مبادئ الأخوة" سيبقى حبرا على ورق، وسيصبح انتقال المرتزقة إلى شركات التعاقد العسكري الخاصة والتي تشرف عليها وزارة الدفاع الروسية أمرا ضروريا، وليس أمرا واقعا فحسب.
 

font change

مقالات ذات صلة