حرب غزة ومخاطر "إدارة الصراع"

كثيرة هي الصراعات المجمدة التي يبدو أن العالم قد نسيها

AFP
AFP
الدخان يتصاعد من منطقة قريبة من الحدود بين إسرائيل وقطاع غزة عقب غارة إسرائيلية في 20 نوفمبر

حرب غزة ومخاطر "إدارة الصراع"

من المرجح أن تتجاوز الهزات الارتدادية لحرب غزة كلا من إسرائيل وفلسطين لسنوات قادمة، لتصل إلى السياسة الداخلية الأوروبية والبريطانية، فيما قد تدفع الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم ما إذا كان انسحابها الاستراتيجي من الشرق الأوسط خطوة حكيمة.

أما في المجتمع الدولي الأوسع، فقد بدأنا نتعلم الدروس من الصراع، مع تركيز خاص على أهمية إحياء عملية السلام الإسرائيلية- الفلسطينية. وفي الآونة الأخير أكد الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وحتى البابا، على التزامهم بحل الدولتين، مما يشير إلى أنهم قد يدفعون في هذا الاتجاه مرة أخرى بعد انتهاء الحرب في نهاية المطاف.

بيد أن هناك درسا آخر أوسع نطاقا ينبغي تعلمه. فاندلاع الحرب في غزة يرجع في جزئه الأكبر إلى إهمال الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني طيلة العقود الأخيرة. وعلى الرغم من موافقة المجتمع الدولي على السعي إلى حل الدولتين في التسعينات، فإن عملية السلام لم تحقق نتائجها؛ فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وعلى الأخص تلك التي قادها رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، أبدت اهتماما بإدارة الصراع أكثر منها بحل هذا الصراع. ومع تراجع العنف إلى حد ما وغياب أنباء الصراع عن عناوين الأخبار الدولية، بات القادة الغربيون على الأخص في حالة تواطؤ مع إسرائيل في رغبتها بتهميش الصراع بدلاً من حله، بينما يغضون الطرف في الوقت نفسه عن الضغوط المتزايدة المفروضة على الفلسطينيين الغاضبين.

أظهرت حرب غزة كما أظهرت الحرب الأخيرة على ناغورنو كاراباخ، أن الصراعات، وفي كثير من الأحيان، لا يمكن "إدارتها" إلى ما لا نهاية

ومع ذلك، فإن "إدارة الصراع" ليست وقفا على الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، حيث إن كثيرا من الأطراف المتحاربة عالميا يفضلون هذا النهج. إلا أن حرب غزة أظهرت لنا، كما أظهرت لنا الحرب الأخيرة على ناغورنو كاراباخ، أن الصراعات- وفي كثير من الأحيان- لا يمكن "إدارتها" إلى ما لا نهاية. علاوة على ذلك، هناك كثير من الصراعات الأخرى "المجمدة" ما زالت تهدد بالانفجار، ويمكن أن تؤدي إلى صدمات شبيهة بصدمات غزة.

إدارة إسرائيل للصراع

ثمة جدل كبير في أوساط الباحثين والمعلقين حول مدى التزام الحكومات الإسرائيلية بعملية السلام. فعندما وقع إسحاق رابين على اتفاقات أوسلو مع ياسر عرفات عام 1993، أشاد المجتمع الدولي بالاتفاق بوصفه خطوة أولى نحو "حل الدولتين". إلا أن العقود التالية شهدت انهيار هذه العملية، حيث ألقى كثيرون باللوم على "حماس" في الجانب الفلسطيني، وعلى حزب الليكود بزعامة بنيامين نتنياهو في الجانب الإسرائيلي، من حيث خروج هذه العملية عن مسارها. 
وقد تساءل البعض: أي نوع من حل الدولتين بالضبط، ذاك الذي يفضله رابين نفسه، نظرا لغموضه في القضايا الرئيسة مثل القدس وحق العودة، بالإضافة إلى أن بناء المستوطنات في الضفة الغربية زاد في عهده حتى بعد اتفاق أوسلو. أما بعد اغتيال رابين عام 1995، فقد فضل خلفاؤه في الغالب إدارة الصراع بدلا من حله، باستثناء إيهود باراك وإيهود أولمرت اللذين انخرطا في مبادرات سلام جادة.

وقد اتخذت إدارة الصراع أشكالا مختلفة؛ وفي الرد على الانتفاضة الثانية، مثلا، بنت حكومة أرييل شارون حاجز السلام في الضفة الغربية ذا السمعة السيئة الآن، وهو جدار من الإسمنت المسلح يبلغ ارتفاعه 9 أمتار في كثير من الأماكن. ومن وجهة نظر شارون، حقق ذلك هدفه، إذ انخفض عدد العمليات الانتحارية من 73 في الفترة 2000-2003 إلى 12 فقط في الفترة 2003-2006. وعلى نحو مماثل، اختار شارون الانسحاب من غزة من جانب واحد عام 2005. وكان ذلك ممارسة لإدارة الصراع بدلا من حله. ولأن شارون كان مدركا أن عدد الفلسطينيين سيفوق دوما عدد المستوطنين الإسرائيليين في قطاع غزة، وهم بالتالي عرضة للهجوم، فقد اختار شارون ترحيلهم– بل نقل الكثير منهم إلى الضفة الغربية في واقع الأمر. وكما هو الحال مع بناء الجدار، فقد كانت هذه إجراءات أحادية الجانب، وهي طريقة شارون المفضلة للتعامل مع الصراع بدلا من التفاوض مع السلطة الفلسطينية. وبينما ستحاول الولايات المتحدة إحياء حل الدولتين اعتمادا على خريطة الطريق التي وضعها جورج دبليو بوش للسلام، بدا في الوقت نفسه أن واشنطن وحلفاءها الغربيين- بامتناعهم عن الضغط بشكل فعال على شارون لحمله على المشاركة فيها- يؤيدون استراتيجية إسرائيل المتزايدة في إدارة الصراع.

EPA
فلسطينيون يتفقدون الأضرار بعد عملية للجيش الإسرائيلي في مخيم بلاطة بالضفة الغربية في 19 نوفمبر

وقد بات اللجوء إلى هذا النمط أمرا متكررا. فحروب إسرائيل المتكررة مع "حماس"، بعد استيلائها على غزة عام 2007، نظر إليها قبل هذا العام على أنها عملية "قص شعر" يقوم بها الجيش الإسرائيلي؛ وهي طريقة لمعاقبة المسلحين الفلسطينيين بسبب شنهم غارات أو صواريخ على إسرائيل، ولتدمير ما يكفي من قدراتهم العسكرية بما يضعف إرادتهم للهجوم مرة أخرى لبضع سنوات قادمة. وفي الوقت نفسه، استمر بناء المستوطنات في الضفة الغربية والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية تخللها فترات توقف من حين لآخر بناء على طلب من الولايات المتحدة، ولكن من المؤكد أن هذا التوقف كان في أحسن أحواله عابرا تحت قيادة نتنياهو.

لو تنبه نتنياهو إلى الأحداث التي وقعت قبل شهر في أذربيجان، لخفف قليلا من غلوائه ورضاه عن نفسه

وعلى الصعيد الدولي، أدت إدارة نتنياهو للصراع إلى محاولته أن يحظى بالموافقة على تخليه الفعلي عن عملية السلام. وقد حقق تقدما كبيرا في هذا المنحى خلال رئاسة دونالد ترمب؛ ففي البداية، نقلت واشنطن سفارتها إلى القدس واعترفت على ما يبدو بالنصف الشرقي من المدينة ومرتفعات الجولان المحتلة كأراضٍ إسرائيلية، على الرغم من أن في ذلك انتهاكا للقانون الدولي. ثم توسط ترمب في عقد اتفاقات إبراهام بين إسرائيل وأربع دول عربية، ويبدو أنها قبلت هي أيضا الوضع الراهن لإدارة الصراع.

REUTERS
خلال لقاء نتنياهو وبايدن بتل أبيب في 18 أكتوبر

وكما نعرف اليوم أثبت هذا النهج بالطبع أنه مجرد سراب. فلم تنجح الغارات الإسرائيلية على غزة بين حين وآخر في إضعاف أو ردع "حماس" بما فيه الكفاية، مما سمح لها بشن هجماتها في أكتوبر/تشرين الأول 2023. يضاف إلى ذلك، أن الحصار المستمر على غزة والنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية، عدا عن فشله في تهدئة الفلسطينيين، جعل الإحباط يتراكم في نفوسهم طيلة عقود.

سابقة ناغورنو كاراباخ

لو تنبه نتنياهو إلى الأحداث التي وقعت قبل شهر في أذربيجان، لخفف قليلا من غلوائه ورضاه عن نفسه. في الواقع، وكما كتبت ناتالي توتشي، مديرة "المعهد الإيطالي للشؤون الدولية"، في صحيفة "الغارديان" على نحو تنبؤي قبل أيام من الهجوم الذي شنته "حماس" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان "من الأفضل للإسرائيليين أن يتعلموا دروس الصراع الأرميني- الأذري". وكانت الحرب بين أرمينيا وأذربيجان- وحتى أكثر من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني- "مجمدة" لعقود من الزمن. ولكن مرة أخرى، فضل الطرف المحارب الأقوى (ظاهريا) وحلفاؤه الدوليون الرئيسون إدارة الصراع بدلا من حله. ولكن في عام 2020 أولا، ومرة أخرى عام 2023، انفجرت الحرب التي لم تكن قد وجدت لها حلا بعد.

REUTERS
امرأة مسنة وطفلان يجلسون على أمتعتهم قبل مغادرة ناغورنو كاراباخ في 25 سبتمبر

وقد اندلعت الحرب في البداية عام 1988 حينما بدأ الاتحاد السوفياتي في الانهيار. وخاضت الجمهوريتان السوفياتيتان السابقتان، أرمينيا وأذربيجان، حرباً في المقام الأول على منطقة ناغورنو كاراباخ، الواقعة ضمن جمهورية أذربيجان المعلنة حديثا ولكن فيها أقلية عرقية أرمينية. وبمساعدة روسيا، حققت أرمينيا بحلول عام 1994 نصرا ساحقا، استولت فيه ليس على ناغورنو كاراباخ فقط، بل على سبع مناطق أخرى في أذربيجان أيضا. ونتج عن ذلك تهجير أكثر من 850 ألف شخص من الاثنية الأذرية من منازلهم. ومع ذلك، رفضت حكومة ناغورنو كاراباخ الأرمينية المعلنة من جانب واحد الجهود اللاحقة للتوصل إلى حلول تفاوضية، متمسكة بخيارها المفضل بالاستقلال الكامل عن أذربيجان. وحذت أرمينيا، التي احتلت عسكريا جزءا كبيرا من أذربيجان الغربية حذوها، إذ فضلت يريفان وحلفاؤها في موسكو إدارة الصراع بدلا من السعي إلى حله.

كان على إسرائيل تجنب تكرار أخطاء حكومتي ناغورنو كاراباخ وأرمينيا؛ أي التفاوض وهما في موقف قوي بدلا من افتراض أن هيمنتهما أبدية

إلا أن أذربيجان، وبعد أن تمتعت بطفرة نفطية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين واستثمرت بكثافة في الدفاع، شنت حملة عسكرية كبيرة عام 2020. كان من نتائجها أن جميع المناطق الأذرية التي احتلتها أرمينيا، إما انتزعت منها أو تنازلت عنها لباكو بعد استسلامها، باستثناء ناغورنو كاراباخ. ثم في سبتمبر/أيلول من هذا العام، هاجم الجيش الأذري ناغورنو كاراباخ، وسرعان ما هزم قوات الحكومة المعلنة من جانب واحد، الأمر الذي أدى إلى غزو المنطقة بالكامل. وحلت حكومة ناغورنو كاراباخ نفسها وفرت الغالبية العظمى من الإثنية الأرمنية التي تعيش هناك وعددها 120 ألف شخص، واستقر معظمها تقريبا في أرمينيا.

REUTERS
قوافل السيارات والشاحنات التي يستقلها أرمن نازحون من ناغورنو كاراباخ باتجاه أرمينيا

لقد أشارت توتشي أن على إسرائيل أن تتجنب تكرار أخطاء حكومتي ناغورنو كاراباخ وأرمينيا؛ أي التفاوض وهما في موقف قوي بدلا من افتراض أن هيمنتهما ستدوم إلى الأبد. لكن الدرس المستخلص من كلا النزاعين يمكن توسيعه ليشمل المجتمع الدولي الأوسع أيضا. لأن الجهات الخارجية الفاعلة ولا سيما الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة بدرجة أقل، لم تركز إلا قليلا على السعي إلى حل تفاوضي لمشكلة ناغورنو كاراباخ، مما سمح للصراع بالتفاقم تحت السطح عقودا من الزمن قبل أن ينفجر في نهاية المطاف، على النحو الذي يحدث الآن أيضا في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني.

برميل البارود السوري

عديدة هي الصراعات الأخرى "المجمدة"، حيث يبدو أن الأطراف المتحاربة وحلفاءهم الخارجيين والمجتمع الدولي قد فضلوا إدارة الصراع بدلا من حله. غير أنها جميعا تحمل القدرة على الانفجار فجأة بالطريقة نفسها التي حدثت في ناغورنو كاراباخ وفي غزة. ويقع أحد هذه الصراعات إلى الشمال الشرقي من إسرائيل. فقد اندلعت الحرب الأهلية المُدوّلة في سوريا عام 2011، لكن آخر قتال كبير انتهى عام 2020. ومنذ ذلك الحين، ساد هدوء نسبي، مع تقسيم سوريا إلى مناطق سيطرة ثلاث. والمنطقة الأكبر تخضع لسيطرة الرئيس السوري بشار الأسد بدعم من حليفيه إيران وروسيا. ويخضع الشمال الشرقي لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وهي قوة يهيمن عليها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، يخضع الشمال لسيطرة فلول المتمردين الذين عارضوا الأسد أول مرة عام 2011 بدعم من تركيا؛ وهي ميليشيات مستقلة يهيمن عليها جهاديو "القاعدة" السابقون: "هيئة تحرير الشام" حول إدلب، و"الجيش السوري الحر" الممول من تركيا في الشمال الأبعد.

الأسد وحلفاؤه، مثل الأرمن أو إسرائيل، في موقع قوة نسبية، ولم يُبد لا هو ولا حلفاؤه أي استعداد للقبول بتسوية

ومع ذلك، لم يجرِ التوصل إلى اتفاق بين هذه الأطراف المتنازعة، على الرغم من المبادرات المختلفة  التي حاولت حل الأزمة على نحو دائم، حيث أطلقت الأمم المتحدة عمليتي جنيف وفيينا بهدف تشكيل حكومات توافقية من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى الإطاحة بالأسد، أو تقليص سلطته على الأقل. 
ولكن بعد دخول روسيا الحرب عام 2015، سهّلت الانتصارات العسكرية التي حققتها موسكو (وطهران) على الأسد أن يتبوأ مقعد القيادة، واتبعت دمشق بدلا من الحل استراتيجية إدارة الصراع. كما أن عملية آستانه التي قادتها موسكو، وأنشأت نظاما ثلاثي الوساطة روسية- تركية- إيرانية، للحد من العنف، سمحت للأسد فعلياً بتعزيز قبضته على معظم أنحاء سوريا مع الابقاء على آخر المتمردين في إدلب. وبالمثل، فإن وجود الولايات المتحدة في الشرق بعد هزيمة تنظيم "داعش" وفر الحماية لقوات سوريا الديمقراطية.

AFP
بشار الأسد خلال مقابلة صحفية بدمشق في فبراير 2016

ومع أن وتيرة القتال قد خفّت منذ عام 2020، فلم يقدم الأسد سوى محاولات قليلة لدفع عملية الحل إلى الأمام؛ فالأسد وحلفاؤه، مثل الأرمن أو إسرائيل، في موقع قوة نسبية، ولم يُبد لا هو ولا حلفاؤه أي استعداد للقبول بتسوية. بل أصر الأسد مرارا على أنه سوف يستعيد "كل شبر" من سوريا. ومع ذلك، كما أشار البروفيسور فابريس بالانش في معهد واشنطن، فإن إدلب تشبه قطاع غزة من نواحٍ عديدة؛ فهي أيضا تهيمن عليها مجموعة من المتطرفين (هيئة تحرير الشام)، تشرف على سكان فقراء يبدو أن العالم قد نسيهم إلى حد كبير. ولكنها- مثلها في ذلك مثل "حماس"- لم يزل بمقدورها أن تسعى إلى استئناف الصراع. والهجوم بطائرة مسيرة على حفل تخرج عسكري سوري في أكتوبر/تشرين الأول، أدى إلى مقتل 89 شخصا، لم يعلن أحد مسؤوليته عنه، لكن الكثيرين يشتبهون في "هيئة تحرير الشام"، مما يشير إلى أن الصراع ما زال قادرا على الاشتعال من جديد. 
وعلى نحو مماثل، يظل مصير شرق سوريا على المحك، حيث تشن تركيا هجمات متكررة على مواقع قوات سوريا الديمقراطية، لأن أنقرة تعتبر قيادتها الكردية إرهابية بسبب صلتها بحزب العمال الكردستاني. لقد غزت أنقرة بالفعل شمال سوريا ثلاث مرات لإبعاد المسلحين عن حدودها ويمكنها أن تضرب مرة أخرى. ولكن يبدو أن المجتمع الدولي على الرغم من ذلك ينظر إلى سوريا بوصفها مشكلة الأمس. وثمة افتراض بأن الوضع الراهن سيبقى على حاله إلى أجل غير مسمى، غير أن الأدلة الواردة من أماكن أخرى تشير إلى أن هذا غير مرجح إلى حد كبير.

حرب غزة، وقبلها الاشتباكات حول ناغورنو كاراباخ، تظهر أن مثل هذه الإدارة للصراع قد تكون استراتيجية معيبة

كثيرة هي الصراعات الأخرى المجمدة التي يبدو أن العالم قد نسيها. وفي أماكن أخرى من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا تزال الحروب الأهلية في ليبيا واليمن بعيدة كل البعد عن الحل، وقد تنفجر في جولات جديدة من القتال. وفي مناطق أبعد من هذه المناطق، تنطوي الحركات الانفصالية غير المعترف بها، مثل ناغورنو كاراباخ، على إمكانية تجدد القتال؛ فتطالب كل من ترانسنيستريا في مولدوفا وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا في جورجيا وشمال قبرص في قبرص، باستقلالها. وتفتخر بوجود لاعبين خارجيين أقوياء مثل روسيا وتركيا، مما يزيد من احتمال أن تؤدي المحفزات الخارجية والداخلية إلى إثارة حروب "ساخنة". وهناك بطبيعة الحال الصراعات الأكبر والأكثر رعبا التي لم تجد حلا لها بعد بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وبين الصين وتايوان.
خلاصة القول إن من غير المرجح أن تنفجر أي من هذه القضايا بعنف في المستقبل القريب، إلا أنها جميعها باقية من دون حل. ويبدو أن الأطراف الرئيسة المتحاربة والمجتمع الدولي الأوسع قد فقدوا اهتمامهم بالسعي إلى إيجاد حل لها، وهم يتوقعون بدلا من ذلك أن يستمر الوضع الراهن على حاله. لكن حرب غزة، وقبلها الاشتباكات حول ناغورنو كاراباخ، تظهر أن مثل هذه الإدارة للصراع قد تكون استراتيجية معيبة. فالمظالم التي يتصورها البشر نادرا ما يمكن تجنبها إلى أجل غير مسمى، كما لا يمكن التخلص منها بسهولة.

font change

مقالات ذات صلة