ماذا بعد "كوب 28"... الكرة في ملعب أذربيجانhttps://www.majalla.com/node/307181/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%83%D9%88%D8%A8-28-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%84%D8%B9%D8%A8-%D8%A3%D8%B0%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%AC%D8%A7%D9%86
بعد اختتام مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين "كوب 28" وانتهاء المفاوضات بعد نقاشات حادة دامت نحو أسبوعين حول الطاولة الإماراتية في "إكسبو دبي". كيف يمكن تقييم النتائج؟ وما الذي حصل فعلا؟
لنعد بالزمن قليلًا الى الوراء، قبل أن تحتدم المفاوضات ومن ثم تخفت بعد صدور البيان الختامي، ويعود معظم الحضور إلى دولهم، وتهدأ المنطقة الخضراء؛ التي ضجت بالزوار خصوصا عند حديقة الفرسان، لا بد من تسجيل مبادرة جديدة في هذا المؤتمر وهو، انطلاق أول جناح للأديان في "COP 28"، يدعو إلى تآزر جهود ممثلي الأديان لحماية الكوكب وتحقيق التقدم في العمل المناخي، وهي مبادرة جاءت في ظروف دقيقة يمر بها الشرق الاوسط .
لكن لا يخفى أنه طغت على هذه الدورة من "COP 28" أصداء الحروب والصراعات في المنطقة، واستقبلت الإمارات العربية المتحدة ضيوفها في فترة حرجة جدا يمر بها العالم عموما، مملوءة بالنزاعات، من حرب غزة الى الحرب الروسية الأوكرانية، وتوتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة، وقد بذلت الكثير من الجهود لاحتواء هذه الصراعات، واستحداث لغة الحد الأدنى للتفاهم بين الأطراف جميعا.
استقبلت الإمارات المؤتمر في فترة حرجة يمر بها العالم، مملوءة بالنزاعات، من حرب غزة الى الحرب الروسية الأوكرانية، وتوتر العلاقات بين الصين والولايات المتحدة
تظهر هذه الصراعات في أشكال عدة، منها التظاهرات الداعمة للقضية الفلسطينية، والمناداة بالعدالة الاجتماعية، كجزء من العدالة المناخية. وبرزت في الجناح الأوكراني نشاطات تظهر حجم المشاكل البيئية التي طاولت أوكرانيا بعد الحرب الروسية.
كواليس الساعات الأخيرة
على الجانب الآخر، كانت غرف المفاوضات تضج بالمشاحنات والتوترات، التي تجلت في الساعات الأخيرة من المؤتمر. ربما لا يدرك زوار المنطقة الخضراء والفاعليات الجانبية ما كان يحدث في كواليس المنطقة الزرقاء...
أعضاء منظمة السلام الأخضر يجتمعون لالتقاط صورة حول لافتة كتب عليها "سننهي الحفريات"، خلال قمة المناخ.
قبل أن يختتم المؤتمر بـ 24 ساعة، كان المشهد في مدينة "إكسبو دبي" مختلفا بعض الشيء؛ معظم أجنحة الوفود في المنطقتين الزرقاء والخضراء أضحت فارغة، بعدما عاد معظمهم إلى بلدانهم مع انتهاء الفاعليات، في مؤتمر تجاوزت أعداد حضوره 65 ألف مشارك من مختلف الجنسيات حول العالم، وهو الأعلى حضورا في تاريخ الأمم المتحدة.
أما في مركز الإعلام، فالحركة والنقاشات كانت كثيرة في جو مشحون بالتوتر والقلق. الجميع في حالة تأهب، ينتظر النسخة النهائية من نص التقييم العالمي الأول الذي اعتمده الأطراف على وقع تظاهرات لناشطين مناخيين بالقرب من المركز الإعلامي، في محاولة للضغط على المفاوضين لإصدار قرارات منصفة في ما يتعلق بالوقود الأحفوري.
جاء التعليق الأول على النص، الذي أطلق عليه اسم "اتفاق الإمارات"، من الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغير المناخ (UNFCCC)، سايمون ستايل، الذي قال "إن هذه النتيجة هي بداية النهاية، على الرغم من أننا لم نطو صفحة عصر الوقود الأحفوري في دبي". تضمن النص الأخير للتقييم العالمي 196 بندا، وطرح أهم مخرجات "COP 28"، منها هدف "الانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري" الذي لاقى شعبية كبيرة، لكن علامات الاستفهام ظلت مرتسمة حول الكيفية التي سيتحقق فيها هذا الهدف، حيث يرى بعض الخبراء ضرورة تعزيز معاهدة مضاعفة الطاقة المتجددة ثلاث مرات في حلول 2030.
ما هو "التقييم العالمي"؟
من المفيد الاشارة هنا الى التقييم العالمي "GST"، المدرج في المادة 14في اتفاق باريس، التي تدعو إلى تقييم التقدم المحقق على المدى الطويل في هذا الاتفاق، وهو ما يشار إليه بـ"عملية استخلاص الحصيلة العالمية".
"التقييم العالمي" يتضمن تقييم التقدم في جهود العمل المناخي لوضع أهداف جديدة متطورة وأكثر فاعلية للحد من ظاهرة الاحترار العالمي. كانت هذه المرة الأولى على الإطلاق التي يُجرى فيها التقييم العالمي في "إكسبو دبي" بموجب اتفاق باريس.
منذ اليوم الأول، انشىء صندوق الخسائر والأضرار بصورة رسمية، وبادرت الإمارات العربية المتحدة متعهدة بدفع مبلغ 100 مليون دولار؛ لتمويل الصندوق، وبعدها مباشرة تعهدت ألمانيا بدفع المبلغ نفسه، وهذا يساوي 200 مليون دولار، وهو الحد الأدنى ليقبل البنك الدولي بتولي إدارة الصندوق. وقد نجحت رئاسة المؤتمر، إلى جانب بعض الدول الأخرى، في تقديم تعهدات لتمويل الصندوق، إلى أن زاد إجمالي التمويل على 700 مليون دولار.
لكن السؤال الأهم، ماذا بعد؟ فهناك حاجة إلى 400 مليار دولار لمعالجة الخسائر والأضرار. فضلًا عن تطوير الصندوق وتحديد من يحتاج إلى تمويل ومن المسؤول عن الدفع. لذلك، تم تشكيل لجنة من 26 فردا، غالبيتهم من الدول النامية، لمناقشة تلك الترتيبات خلال مؤتمر الأطراف في دورته التاسعة والعشرين "COP 29" في باكو، عاصمة أذربيجان.
من المنتظر أن يتم إلزام الدول المتقدمة والمسؤولة تاريخيا عن الانبعاثات، مثل الولايات المتحدة والصين والدول الاوروبية، تقديم تعهدات مالية تسد احتياجات الصندوق. مع ذلك، من خلال النظر في تاريخ المؤتمر، قد يستمر التفاوض لسنوات حتى يتم إطلاق تمويل الصندوق. وقد أتمت الإمارات مهمة قيادة المفاوضات في شأن إنشاء الصندوق، بعدما استطاعت مصر في "COP 27" أن تحصل على موافقة الأطراف لإنشائه. وهذا ما يشير الى تعاقب السنين في انتظار النتائج العملية على الأرض.
انشىء صندوق الخسائر والأضرار، لكن ماذا بعد؟ فهناك حاجة إلى 400 مليار دولار، فضلًا عن تطوير الصندوق وتحديد من يحتاج إلى تمويل ومن المسؤول عن الدفع
معضلة أسواق الكربون
أثارت فكرة أسواق الكربون جدالًا واسعا، عندما ظهرت في المادة 17 من بروتوكول كيوتو عام 1997، ثم شغلت المادة 6 في اتفاق باريس. حاولت مؤتمرات الأطراف السابقة حل تلك المعضلة، وعُقدت آمال كبيرة على إتمام تلك المهمة في "COP 28"، لكن الأطراف لم يتفقوا على نهج فاعل لإدارة أسواق الكربون.
ببساطة، تنتقل الكرة إلى "COP 29"، ربما يكون الأطراف قد طوّروا حلولًا جديدة يمكن طرحها على طاولة أذربيجان. فأسواق الكربون تحتاج إلى حذر عند العمل عليها حتى لا تصبح أداة من أدوات الغسل الأخضر.
خلال اختتام قمة الأمم المتحدة للمناخ "COP28"، في 13 ديسمبر 2023، في دبي.
الهدف العالمي للتكيف (GGA): تمويل محبط
وُضع الهدف العالمي للتكيف في المادة 7 من اتفاق باريس، وهو يعنى بكيفية تحقيق العالم للتكيف مع التغيرات المناخية التي صارت أمرا واقعا يجب التعامل معه. لكن يبدو أنّ "COP 28"، لم يحسم قضية التكيف، حتى مع صدور تقرير فجوة التكيف، قبل المؤتمر بـ 28 يوما، الذي أشار إلى زيادة الحاجة إلى التمويل. بالنسبة إلى بعض القادة، منهم مؤسس مركز "باور شيفت أفريكا" ومديره محمد عدو، جاء نص التقييم ضعيفا، ولم يحدد اجراءات التكيف المطلوبة ولم يقدم أي معلومات في خصوص التمويل.
تاليا، من المتوقع أن يعمل الأطراف على هدف تمويل التكيف في أذربيجان، ووضع تفاصيل إضافية، خصوصا بعد إحالة معظم قضايا التمويل على "COP 29".
حظيت قضية الغذاء والزراعة باهتمام كبير، وصدر "إعلان الإمارات في شأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية"، الذي وقّعته 159 دولة، وتضمن توسيع نطاق أنشطة التكيف من أجل تعزيز القدرة على الصمود في مواجهة التغيرات المناخية، ودعم الفئات الضعيفة، خصوصا النساء والأطفال والشباب، والحفاظ على الأراضي والنظم البيئية وحمايتها، بالإضافة إلى تعزيز صحة التربة. وتعهد الأطراف بتقييم التقدم الجماعي المحرز في هذه المعاهدة خلال "COP 29".
يبدو أنّ هناك الكثير من الآمال المرجوة من "29 COP" في أذربيجان، الذي سينعقد في باكو بين 11و 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2024. وبذلك، ينتقل مؤتمر الأطراف إلى مفترق الطرق بين أوروبا الشرقية وآسيا الغربية، بعدما حط رحاله لعامين على التوالي في بلادنا العربية.
