مئة يوم على الحرب الأطول

أبرز الأحداث والتحولات منذ 7 أكتوبر

AFP
AFP
تصاعد ألسنة اللهب بعد انفجار صاروخ في مدينة غزة خلال غارة جوية إسرائيلية في 8 أكتوبر 2023

مئة يوم على الحرب الأطول

عبرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عتبة المئة يوم، وهي بذلك الحرب الأطول بين إسرائيل والفلسطينيين والعرب منذ عام 1948. لكن هذه الحرب التي أطلقت عليها إسرائيل اسم "السيوف الحديدية" ردا على عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وقتل فيها 1200 اسرائيلي، ليست استثنائية في طول أمدها وحسب، بل أيضا في عدد الضحايا الفلسطينيين المدنيين الذين ناهز الـ24 ألفا، إضافة إلى ما يزيد على 60 ألف جريح، في وقت يواجه فيه قطاع غزة "كارثة إنسانية" بحسب توصيف المنظمات الأممية في ظل توقف الاتصالات ونقص المواد الغذائية ووقود التدفئة والأدوية والمستلزمات الطبية الأخرى، خصوصا أن إسرائيل قننت في الأيام القليلة الماضية دخول شاحنات المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

في غضون ذلك، ومع انتقال الحرب إلى "المرحلة الثالثة" التي من المفترض أن تشهد كثافة نارية أقل مقابل تكثيف إسرائيل للعمليات الموضعية لاستهداف مقرات "حماس" وقياداتها، ولاسيما في جنوب القطاع بعدما قالت إنها "فككت الهيكل العسكري" للحركة في شماله، مع هذا الانتقال يبدو أن احتمالات توسع الحرب في غزة إلى نزاع إقليمي أصبحت أعلى من ذي قبل، مع تصاعد وتيرة الهجمات المتبادلة بين إسرائيل و"حزب الله" على الحدود بين لبنان وإسرائيل، كذلك شكلت الضربات الغربية ضدّ الحوثيين في اليمن تحولا في مسار التطورات في البحر الأحمر، لكن حتى الآن يبدو أن اتساع الصراع ليس حتميا بالقياس إلى مواقف اللاعبين الأساسيين، ولاسيما واشنطن وطهران، ولكنه يظل واردا في أي لحظة تبعا لتدحرج التطورات الميدانية.

إلى ذلك، لم تتضح بعد الآفاق الزمنية للحرب، ففي حين قال الجيش الإسرائيلي إن الحرب ستستمر طيلة عام 2024، يزداد الحديث عن تناقضات داخل إسرائيل، ولاسيما بين الجيش والحكومة، في سياق قراءة حاضر الحرب ومآلاتها، وهو ما قد يؤثر على تطوراتها خصوصا في ظل الضغط الأميركي على تل أبيب للبحث في "اليوم التالي" للحرب. في وقت يعود الحديث فيه عن صفقة جديدة لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار بين "حماس" وإسرائيل برعاية قطرية ومصرية وأميركية، ويشاع أنها ستشمل هذه المرة هدنة لثلاثة أشهر وهو ما قد يكون حاسما لناحية تحديد سقف زمني للحرب بحكم الأمر الواقع. وكان مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أعلن الجمعة التوصل إلى اتفاق بوساطة قطرية لإيصال أدوية "في الأيام المقبلة" إلى الرهائن الذين ما زالوا محتجزين في قطاع غزة، ويبلغ عددهم 132 بعد أن تمّ تأكيد مقتل 25 رهينة، وأُطلق سراح نحو 100 منهم خلال الهدنة في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وهو ما يمكن اعتباره توطئة لصفقة أكبر. بينما تتواصل التحذيرات من نوايا إسرائيل لتهجير فلسطينيي غزة، وآخرها جاء من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

إلى ذلك، هناك ترقب لقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي التي تنظر في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضدّ إسرائيل متهمة إياها بارتكاب "إبادة" ضدّ الفلسطينيين.

وفي الآتي أبرز الأحداث والتحولات خلال مئة يوم من الحرب المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023:

في 16 أكتوبر/تشرين الأول، قال الرئيس الأميركي إن إسرائيل سترتكب خطأ فادحا إذا احتلت غزة

استفاقت المنطقة فجر السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على واقع جديد مختلف تماما عما سبقه، إذ شكل هجوم "حماس" المزدوج، بريا وجويا، على منطقة "غلاف غزة" تحولا مفصليا في تاريخ المنطقة، ليس فقط بالنسبة للصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل، بل أيضا بالنسبة إلى البيئة الاستراتيجية الإقليمية برمتها؛ حيث أعاد الهجوم الذي أطلقت عليه "حماس" اسم "طوفان الأقصى" خلط الأوراق كلها في المنطقة، وحتى على مستوى العالم. وهو ما يجعل هذا الحدث الاستثنائي في تاريخ المنطقة حدثا عالميا أيضا بالنظر إلى تداعياته على الساحة الدولية، خصوصا مع الدخول الأميركي منذ اللحظة الأولى للهجوم الفلسطيني على خط المعركة، من خلال اتصال الرئيس جو بايدن برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو داعما إياه في الهجوم المضاد الذي أطلقته إسرائيل.
وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول أعلنت إسرائيل رسميا أنها في حالة حرب واستدعت 300 ألف جندي احتياط، لـ"القضاء على قدرات حماس وإنهاء حكمها في غزة"، في وقت أعلن فيه الجيش الإسرائيلي أن "حزب الله" استهدف مواقع له في مزارع شبعا، وهو ما بدأ ينذر باحتمالات توسع الحرب خارج قطاع غزة.

AP
فلسطينيون ومسلحون من "حماس" ينقلون يافا أدار، (85 عاما)، إلى غزة بعد اختطافهامن منزلها في مستوطنة "نير أوز"، في 7 أكتوبر 2023

في تطور لافت وكترجمة ميدانية أولى للدعم الأميركي لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، أعلن وزير الدفاع الأميركي أنه أمر بتحريك حاملة الطائرات "جيرالد فورد" إلى شرق المتوسط، "لتعزيز جهود الردع الإقليمي"، في ظل الخشية من توسع الصراع من خلال دخول الميليشيات الموالية لإيران على خط المعركة على غرار ما فعل "حزب الله" في مزارع شبعا. 
وعلى وقع ارتفاع عدد القتلى الإسرائيليين في عملية "حماس" على "غلاف غزة"، وكذلك عدد الرهائن الذين اختطفتهم "حماس" ومعها فصائل فلسطينية أخرى، أبرزها "الجهاد الإسلامي" من داخل إسرائيل، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي في اليوم الثالث للحرب فرض حصار "كامل" على قطاع غزة يشمل قطع الكهرباء والماء عنه، ومنع دخول المواد الغذائية والوقود إليه، وقال: "نحارب حيوانات بشرية ونتصرف تبعا لذلك". وهو ما دلّ على محاولة الحكومة الإسرائيلية، استخدام كل الأدوات السياسية والدعائية الممكنة لشيطنة ليس حركة "حماس" وحسب بل كل فلسطينيي قطاع عزة، وذلك لتبرير القصف العنيف وغير المسبوق على القطاع.
وبالتوازي، حذرت واشنطن طهران من التورط في الصراع، في وقت نفى فيه المرشد الإيراني علي خامنئي ضلوع إيران في هجوم "حماس" على إسرائيل، وقال إنه عمل فلسطيني بحت، وهو ما رسم ملامح مبكرة للاستراتيجية الإيرانية للتعامل مع الحرب، بحيث لا تشهد تورطا إيرانيا مباشرا بل عبر "الوكلاء".

ردع أميركي

في 12 أكتوبر/تشرين الأول وصلت حاملة الطائرات الأميركية "جيرالد فورد" إلى شرق المتوسط، كما قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن واشنطن لا تضع شروطا على استخدام إسرائيل للأسلحة التي تزودها بها أميركا، في وقت بدأ فيه الجيش الإسرائيلي يهدد بالانتقال إلى المرحلة الثانية من الحرب، أي الهجوم البري على قطاع غزة.
في هذا الوقت كانت أعداد القتلى الفلسطينيين جراء القصف الإسرائيلي تواصل ارتفاعها بوتيرة يومية، وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد ضحايا الهجمات الإسرائيلية في غزة والضفة تجاوز 1572 قتيلا، بينما أمرت إسرائيل 1,1 مليون فلسطيني يقيمون في شمال القطاع بالنزوح نحو جنوبه خلال مهلة 24 ساعة، في حين دعت الأمم المتحدة إسرائيل إلى التراجع عن أمر الإجلاء محذرة من كارثة إنسانية. وهذا ما أعطى إشارة واضحة عن نوايا إسرائيل تهجير غالبية سكان شمال القطاع، وهو ما سيشكل موضع سجال لاحق ومديد بين تل أبيب وكل من القاهرة وعمّان. 
وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول قالت إسرائيل إن الحرب قد تمتد لشهور، في وقت أفادت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل تأجيل الهجوم البري على غزة إلى حين إنشاء ممر إنساني، وهو ما سيكون موضع تناقض لاحق بين واشنطن وتل أبيب على مدى نحو أسبوعين.

كما أعلن وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن من الرياض، في إطار جولته الأولى في المنطقة منذ بدء الحرب، أن بلاده تعمل مع المملكة العربية السعودية على حماية المدنيين وإيصال المساعدات إلى غزة، كما دعت الصين، في أول موقف لها من الحرب، الولايات المتحدة إلى لعب دور مسؤول بين إسرائيل و"حماس".
لاحقا أعلنت إسرائيل وجود 126 رهينة إسرائيليين بيد "حماس" فضلا عن الرهائن الأجانب، وقالت إن عدد القتلى في صفوف جنودها بلغ 279 جنديا. 
وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول، قال الرئيس الأميركي إن إسرائيل سترتكب خطأ فادحا إذا احتلت غزة، وقال بلينكن إن فكرة طرد الفلسطينيين من غزة محكومة بالفشل، في وقت غادرت فيه حاملة الطائرات الأميركية "آيزنهاور" محطة "نورفولك" البحرية في فرجينيا لكي تنضم إلى الحاملة "فورد" في البحر الأبيض المتوسط.
وبعد إفشال فيتو أميركي بريطاني فرنسي، مشروع قرار روسي في مجلس الأمن لإقرار هدنة إنسانية، بدا أن التطورات في قطاع غزة متجهة إلى مزيد من التصعيد، في وقت وصل فيه عدد القتلى الفلسطينيين منذ بدء الحرب إلى 2800 شخص، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

في 27 أكتوبر/تشرين الأول صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة على مشروع عربي مشترك ﻟ"هدنة إنسانية فورية" في قطاع غزة

إلى ذلك، حذر المرشد الإيراني علي خامنئي لاحقا من نفاد صبر "المقاومة"، إذا تواصل قصف إسرائيل لقطاع غزة، وهو ما أشار إلى تصعيد في عمليات الميليشيات الموالية لإيران في المنطقة ضد أهداف إسرائيلية وأميركية، بينما جددت واشنطن التأكيد على أنه ليس لديها أي دليل في هذه المرحلة على ضلوع متزايد لإيران في الحرب.
وعشية وصول الرئيس الأميركي إلى إسرائيل لتقديم الدعم لها في حربها على غزة، والسعي للحيلولة دون اندلاع صراع إقليمي أوسع، وقع مئات القتلى الفلسطينيين في هجوم على المستشفى الأهلي المعمداني في غزة، وفي حين اتهمت الفصائل الفلسطينية إسرائيل بالوقوف وراء هذا القصف، أعلنت الأخيرة أن صاروخا أطلقته حركة "الجهاد الإسلامي" سقط في المستشفى المذكور.

REUTERS
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع الرئيس الأميركي جو بايدن في إسرائيل

في التطورات السياسية أسقط فيتو أميركي مشروع قرار تقدمت به البرازيل في مجلس الأمن يدين الحرب بين إسرائيل و"حماس"، وفي حين صوتت 12 دولة لصالح القرار امتنعت روسيا عن التصويت.
إلى ذلك، أكدت وزارة الدفاع الأميركية أن سفينة حربية أميركية كانت تبحر قريبا من اليمن اعترضت ثلاثة صواريخ ومسيرات يرجح أنها كانت تستهدف إسرائيل. وفي السياق نفسه، أكد مصدران أمنيان أن مسيرات وصواريخ استهدفت مساء قاعدة "عين الأسد" الجوية التي تستضيف قوات أميركية ودولية في العراق، في مؤشر واضح على دخول الميليشيات الموالية لإيران سواء في اليمن أو العراق على خط المعركة. 

أسبوعان على الحرب

وبعد مرور أسبوعين على اندلاع الحرب أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة عن ارتفاع عدد القتلى الفلسطينيين إلى 4 آلاف، بينما بلغ إجمالي عدد الجرحى أكثر من 13 ألفا، نحو نصفهم من النساء والأطفال. كما خرجت 7 مستشفيات في قطاع غزة عن الخدمة. كما أطلقت "حماس" سراح رهينتين أميركيتين، هما: جوديث تاي رعنان (59 عاما)، وابنتها ناتالي (17 عاما)، في مؤشر إلى إمكان البحث في تسوية موسعة لاحقا، كما عدت خطوة "حماس" محاولة للتأكيد على دور قطر في قضية إطلاق الرهائن في لحظة تزايد فيها التشكيك في هذا الدور من قبل الإعلام الأميركي. 
وفي 21 أكتوبر/تشرين الأول انعقدت قمة "القاهرة للسلام" لبحث سبل إنهاء الحرب ومنع تحولها إلى حرب إقليمية، وكانت مصر قد دعت إليها يوم 15 أكتوبر/تشرين الأول، لكن مستوى الحضور لم يكن بالقدر المتوقع، لكنها شكلت فرصة لمصر للتأكيد على رفضها تهجير فلسطينيي القطاع و"تصفية القضية الفلسطينية"، كما كانت هناك مطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار، وهو ما لم يتحقق بطبيعة الحال. 
في الموازاة منح الضوء الأخضر لدخول 20 شاحنة مساعدات عبر معبر رفح إلى قطاع غزة بعد أيام من الجدال الدبلوماسي بسبب الشروط الإسرائيلية، لكن عدد الشاحنات الذي سمح له بالمرور لم يمثل سوى نسبة ضئيلة للغاية من المطلوب في غزة، حيث كانت تنفد إمدادات الغذاء والمياه والأدوية والوقود. كما سمح بخروج الدفعة الأولى من الرعايا الأجانب.
كذلك أعلن البنتاغون أنه سيرسل حاملة الطائرات "يو إس إس آيزنهاور" إلى الشرق الأوسط، ونشر بطاريات "ثاد"، و"باتريوت" في المنطقة.
وبعد يومين أطلقت "حماس" سراح رهينتين أخريين وهما مسنتان إسرائيليتان "لدواع إنسانية ولسوء حالتهما الصحية". 
وانتقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إسرائيل، وقال إن هجوم "حماس" في 7 أكتوبر/تشرين الأول "لم يأت من فراغ"، وهو ما أثار غضب إسرائيل. كما اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى إسرائيل إحياء "التحالف الدولي" لمحاربة "حماس"، وهو ما أثار انتقادات فلسطينية وعربية له، ما دفعه إلى التراجع عن دعوته بعدما تبين أنها غير واقعية، وتطرح تساؤلات عن الموقف الفرنسي من الحرب لناحية التمايز الفرنسي التاريخي في مقاربة قضايا الشرق الأوسط. 
وفي 25 أكتوبر/تشرين الأول فشل مجلس الأمن في تبني مشروع قانون روسي لوقف إطلاق النار بسبب فيتو أميركي وبريطاني، كما سقط مشروع أميركي يدعو لهدنات قصيرة لإدخال مساعدات بفيتو روسي وصيني. وفي الموازاة أعلن بايدن أنه "لا عودة للوضع الذي كان قائما يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول بين إسرائيل والفلسطينيين".
وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول نفذت القوات الإسرائيلية أكبر هجوم على غزة منذ بدء الحرب مع استخدام الدبابات وقوات المشاة، ولاحقا قال المتحدث باسم رئيس الأركان الإسرائيلي إن القوات البرية الإسرائيلية توسع عملياتها داخل غزة، في إشارة إلى بدء هجوم بري.
وبعد يوم واحد حددت تل أبيب مستشفى "الشفاء" هدفا لها بعد اتهام قيادة "القسام" بالتحصن تحته، وهو ما كذبته "حماس". وأعلن مسؤول عسكري أميركي عن قصف أهداف خاصة بالميليشيات المدعومة من إيران في سوريا ردا على الهجمات التي شنتها على قواعد أميركية في سوريا والعراق.
كما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة على مشروع عربي مشترك ﻟ"هدنة إنسانية فورية"، في قطاع غزة. وقام وفد من "حماس" بزيارة موسكو تزامنا مع وجود نائب وزير الخارجية الإيراني هناك.
وفي 28 أكتوبر/تشرين الأول أعلن نتنياهو بداية المرحلة الثانية من الحرب وأن إسرائيل "ستدمر العدو فوق الأرض وتحتها". ونظمت مظاهرات حاشدة تطالب بوقف الحرب في عواصم عربية وغربية كان أكبرها في لندن، وهو ما عكس تنامي النقمة في الشارع الغربي ضد الهجوم الإسرائيل الأمر الذي سيترك تأثيرات لاحقا على الحكومات الغربية في مقاربتها للحرب. 
وأعلن رئيس حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار أن الحركة مستعدة لإبرام صفقة تبادل للأسرى مع إسرائيل. كما أعلنت الجامعة العربية أنها تلقت طلبا من دولة فلسطين والمملكة العربية السعودية لعقد دورة غير عادية لمجلس الجامعة على مستوى القمة برئاسة السعودية في الرياض يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني.
وفي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني بدأ إجلاء الأجانب من غزة مقابل خروج جرحى فلسطينيين إلى المستشفى الميداني المصري في رفح وإدخال المساعدات إلى القطاع بموجب صفقة مع "حماس". كما جمد الأردن علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل حتى انتهاء الحرب.

في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت إسرائيل و"حماس" التوصل إلى اتفاق لوقف القتال لمدة أربعة أيام بمساعٍ قطرية ومصرية وأميركية

وأعلن رئيس المكتب السياسي لـ"حماس"، إسماعيل هنية، عن الاستعداد للمفاوضات السياسية المؤدية لحل الدولتين، وأن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية.
وفي حين أعلنت إسرائيل عن البدء في عزل مدينة غزة وشمالها عن بقية القطاع، ارتفع عدد القتلى في غزة إلى أكثر من 9 آلاف.
وفي 3 نوفمبر/تشرين الثاني وصل وزير الخارجية الأميركية إلى إسرائيل للدفع باتجاه تنفيذ "هدن إنسانية" في زيارة هي الثانية له منذ بدء الحرب وشملت دولا عدة في المنطقة. كما ألقى الأمين العام لـ"حزب الله"، كلمة هي الأولى له منذ بدء الحرب، ولم يعلن فيها تصعيد المواجهة مع إسرائيل، وجاءت مواقفه متطابقة على نحو كامل مع المواقف الإيرانية من الحرب والتي كان يعبر عنها وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان.
وبحث وزراء خارجية ست دول عربية وقف الحرب مع وزير الخارجية الأميركي في عمان، لكن الأخير رفض وقف النار وأيد "هدنا إنسانية".
وفي تصريح مستغرب قوبل بردود فعل عربية غاضبة على نطاق واسع، هدد وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، بإسقاط قنبلة ذرية على غزة كـ"أحد الاحتمالات القائمة".
وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني أعلن نتنياهو أن إسرائيل ستتولى لفترة غير محدّدة "المسؤولية الأمنية الشاملة" في قطاع غزة بعد الحرب، وهو ما قوبل برفض فلسطيني وأميركي.

خريطة طريق عربية

وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني انعقدت القمة العربية الإسلامية التي استضافتها السعودية في عاصمتها الرياض، وأدانت في بيانها الختامي العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ودعت إلى كسر الحصار على غزة والسماح بدخول قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية إلى القطاع، ووقف صادرات الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل، ورفضت أي طروحات تكرس فصل غزة عن الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وأكدت على أن أي مقاربة مستقبلية لغزة يجب أن تكون في سياق العمل على حل شامل يضمن وحدة غزة والضفة الغربية أرضا للدولة الفلسطينية. كما دعت لعقد مؤتمر دولي للسلام، في أقرب وقت ممكن، تنطلق من خلاله عملية سلام ذات مصداقية على أساس القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، وهو ما عد خريطة طريق عربية وإسلامية لحل الصراع في غزة، في لحظة ازدياد الكلام الأميركي عن "اليوم التالي" للحرب.

AP
فلسطينيون يسيرون وسط الدمار بمدينة غزة في 24 نوفمبر 2023، بعد دخول وقف إطلاق النار المؤقت حيز التنفيذ

بعد يومين توغلت الدبابات الإسرائيلية في مدينة غزة صوب مستشفى الشفاء الذي يعالج فيه نحو 650 مريضا، وهو ما أثار ردود فعل شعبية وسياسية واسعة حول العالم. ولاحقا دخلت القوات الخاصة الإسرائيلية إلى المستشفى الذي قالت تل أبيب إن "حماس" تقيم مركزا قياديا تحته، لكنها لم تظهر على نحو وثيق براهين تؤكد مزاعمها.
وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني، قال الرئيس الأميركي في مقال نشره في "واشنطن بوست" إنه يعمل من أجل شرق أوسط لا مكان فيه لحركة "حماس"، وطالب بتوحيد قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة تحت حكم السلطة الفلسطينية، بينما صدرت مواقف إسرائيلية رافضة لهذا الطرح، خصوصا من قبل اليمين المتشدد الذي يراعيه نتنياهو للحفاظ على ائتلافه الحكومي.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلنت إسرائيل و"حماس" التوصل إلى اتفاق لوقف القتال لمدة أربعة أيام بمساعٍ قطرية ومصرية وأميركية، وقضت الصفقة بإطلاق "حماس" سراح 50 رهينة من أصل نحو 240 مقابل إطلاق سراح 150 من النساء والأطفال الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، إضافة إلى السماح بدخول المساعدات الإنسانية والطبية والوقود إلى غزة، على أن يجري تمديد الهدنة ليوم إضافي مقابل كل 10 رهائن آخرين يُطلق سراحهم. وقد تم تمديد الهدنة مرتين، الأولى ليومين والثانية ليوم واحد. 
وفور انتهاء الهدنة مع اقتراب الحرب من دخول شهرها الثالت استأنفت إسرائيل هجومها على قطاع غزة، ودارت معارك عنيفة داخل أكبر مُدن القطاع وفي محيطها. وبعدما ركز الجيش الإسرائيلي هجومه البري ضد "حماس" في مرحلة أولى بشمال غزة، وسع عملياته إلى جنوب القطاع، حيث يحتشد نحو مليوني مدني باتوا محاصرين في بقعة تضيق مساحتها تدريجيا. وارتفع عدد القتلى الفلسطينيين إلى 17487، نحو 70 في المئة منهم من النساء والأطفال دون 18 عاما، وفق آخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة التابعة لـ"حماس" في 8 ديسمبر/كانون الأول.
وفي مؤشر متقدم على تبدّل في المقاربة الأميركية للحرب، وبروز تناقضات بين واشنطن وتل أبيب حيالها، شدّد وزير الخارجية الأميركي على "وجوب أن تجعل إسرائيل من حماية المدنيين أولوية"، مشيرا إلى "وجود تفاوت بين النية المعلنة والنتائج". كما شدد الرئيس الأميركي في اتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي على "الحاجة الماسة" لحماية المدنيين مع احتدام القتال، داعيا إلى إنشاء ممرات إنسانية "لفصل السكان المدنيين عن حماس".

في 8 ديسمبر/كانون الأول صوّت مجلس الأمن على قرار لـ"وقف إطلاق نار إنساني فوري" بعدما وجه الأمين العام للأمم المتحدة رسالة إلى المجلس استخدم فيها "المادة 99"

وفي 8 ديسمبر/كانون الأول صوّت مجلس الأمن الدولي على قرار لـ"وقف إطلاق نار إنساني فوري" في قطاع غزة. وأتت عملية التصويت بعدما وجه الأمين العام للأمم المتحدة رسالة إلى مجلس الأمن استخدم فيها صراحة "المادة 99" من ميثاق المنظمة الأممية التي تتيح له "لفت انتباه" المجلس إلى ملف "يمكن أن يعرّض السلام والأمن الدوليين للخطر"، وهو ما أثار حفيظة إسرائيل. 
ومنذ بدء الحرب، قُتل 264 فلسطينيا على الأقل بنيران الجيش الإسرائيلي أو مستوطنين في مناطق مختلفة من الضفة، على ما أفادت وزارة الصحة الفلسطينية.
ووسط المخاوف المتزايدة من تحول النزاع إلى حرب إقليمية، وجه نتنياهو تحذيرا إلى "حزب الله"، مهددا بيروت وجنوب لبنان، بمصير غزة وخان يونس.
وكانت الأنظار قد بدأت بالاتجاه إلى الداخل الإسرائيلي لرصد التناقضات الآخذة في الظهور بين القيادات الإسرائيلية حيال إدارة الحرب، ولاسيما بين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بعدما كان الأخير قد رفض عقد مؤتمر صحافي مشترك مع نتنياهو في تل أبيب.
إلى ذلك بدت الولايات المتحدة أكثر إلحاحا في طرح مقاربتها لـ"اليوم التالي" ولاسيما بعد طرح نائبة بايدن، كامالا هاريس، خلال مشاركتها في مؤتمر "كوب-28" في الإمارات العربية المتحدة، أهداف إدارتها الرئيسة بعد انتهاء حرب إسرائيل على غزة، وقالت إن هناك خمسة مبادئ تحكم النهج الأميركي حاليا: لا تهجير قسريا للشعب الفلسطيني، لا إعادة احتلال لغزة، لا حصار، لا تقليص في الأراضي، لا استخدام لغزة كمنصة للإرهاب. كما قالت: "نريد أن نرى غزة والضفة الغربية موحدتين تحت السلطة الفلسطينية، ويجب أن تكون الأصوات والتطلعات الفلسطينية في قلب هذا العمل". وهو ما لاقى رفضا من غالبية الطيف السياسي الإسرائيلي.

"المرحلة الثالثة" 

ومع اقتراب الحرب من اجتياز عتبة الثمانين يوما ازداد الحديث عن "انعطافة" في مسارها، وهو ما سمي "المرحلة الثالثة"، والتي دفعت باتجاهها بشكل رئيس الضغوط الأميركية على إسرائيل بضرورة الانتقال إلى مرحلة جديدة من القتال يكون عنوانها الأساسي تقليص الكثافة النارية للتخفيف من الضحايا المدنيين الذين بدأ عددهم يدنو من العشرين ألفا، على أن تنفذ إسرائيل عمليات "جراحية" ضد بنية "حماس" وقياداتها، لكن ذلك لم يمر دون تجاذب إسرائيلي أميركي حول المدة التي يجب أن يستغرقها الانتقال إلى "المرحلة الثالثة"، في وقت بدا أن واشنطن تستعجل تل أبيب لتقريب موعد هذا الانتقال بينما خرجت مواقف إسرائيلية منتقدة لهذا الضغط الأميركي.

AP
خلال جنازة صالح العاروري، أحد كبار قادة "حماس"، وقياديين آخرين في الحركة، ببيروت في 4 يناير

في موازاة التحضير الأميركي والإسرائيلي للانتقال إلى "المرحلة الثالثة" مع بدايات العام الجديد، تصاعدت المخاوف بشأن اتساع رقعة الحرب ولاسيما في البحر الأحمر، حيث كثّف "الحوثيون" من استهدافاتهم للسفن التجارية المارة هناك، إذ هاجموا حتى مطلع يناير/كانون الثاني 25 سفينة حاويات، ما دفع 18 شركة شحن إلى تغيير مسارها حول رأس الرجاء الصالح، في حين نشرت واشنطن قوات بحرية لاعتراض المقذوفات الموجهة نحو إسرائيل، وشكلت تحالف "حارس الازدهار" مع أكثر من 20 دولة لحماية ممرات الشحن.
وفي 3 يناير/كانون الثاني، أصدرت الولايات المتحدة واثنتا عشرة دولة أخرى إنذارا مكتوبا للحوثيين، جاء فيه: "سيتحمل الحوثيون مسؤولية العواقب إذا استمروا في تهديد الأرواح والاقتصاد العالمي والتدفق الحر للتجارة في الممرات المائية الحيوية في المنطقة".
وفي جنوب لبنان، تصاعدت حدة القصف المتبادل بين "حزب الله" وإسرائيل التي بدت أكثر استعدادا لتنفيذ ضربات هجومية ضد "حزب الله"، وقد تمثلت ذروة هذه الضربات في اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي في حركة "حماس" صالح العاروري يوم 2 يناير/كانون الثاني بقصف مكتب تابع للحركة في الضاحية الجنوبية لبيروت التي تعد المعقل الأساسي لـ"حزب الله" في لبنان. وقد أدى الهجوم الإسرائيلي إلى مقتل قياديين ميدانيين آخرين في "حماس" إضافة إلى ثلاثة مرافقين كانوا داخل الشقة مع العاروري. وبعد يومين توعد حسن نصرالله إسرائيل بأن اغتيال العاروري لن يمر دون عقاب. وفي رد وصفه "حزب الله" بـ"الأولي" على اغتيال العاروري قصف الحزب قاعدة ميرون الجوية الإسرائيلية في عمق نحو 8 كيلومترات بـ62 صاروخا، لكن إسرائيل ردت بعدها باغتيال القيادي في الحزب وسام طويل في 8 يناير/كانون الثاني، والذي قيل إنه قائد فرقة "الرضوان" في "حزب الله" التي تنتشر على الحدود مع إسرائيل. وفي العراق قتلت غارة أميركية في 4 يناير/كانون الثاني قياديا في "حركة النجباء" الموالية لإيران.
كل تلك التطورات في البحر الأحمر ولبنان والعراق تدفع إلى السؤال عن الاحتمالات المتزايدة لاتساع الصراع أو على الأقل ارتفاع وتيرة المواجهات في "بؤر الاشتباك" خارج غزة.

أعلن الجيش الإسرائيلي في مطلع يناير/كانون الثاني أنه استكمل تفكيك "الإطار العسكري" لـ"حماس" في شمال قطاع غزة

الشهر الرابع

في غضون ذلك، ومع اقتراب الحرب من دخول شهرها الرابع، وصل كل من وزير الخارجية الأميركي ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في زيارتين منفصلتين إلى المنطقة، لـ"محاولة وقف امتداد الحرب إلى لبنان والضفة الغربية وممرات الشحن في البحر الأحمر". 
وكشفت مصادر إسرائيلية النقاب عن خطة عسكرية ترمي إلى شق قطاع غزة إلى قسمين؛ شمال وجنوب، والعمل على احتلاله لزمن مؤقت لكنه غير محدود. وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن الحديث يجري عن ممر يشق القطاع نصفين، عبر إنشاء طريق عسكري فقط، وإقامة محطات رقابة وحواجز على طولها تعمل على منع عودة الغزيين الذين هجروا الشمال إلى الجنوب، في وقت كانت قد طرحت في إسرائيل أفكار عن "التهجير الطوعي" للفلسطينيين إلى خارج القطاع، وهو ما رفضته الدول العربية وحتى الولايات المتحدة، كما عبر عن ذلك بلينكن خلال زيارته الرابعة إلى المنطقة منذ بدء الحرب، والتي بدت أنها محاولة أميركية للدفع باتجاه ترتيبات "اليوم التالي"، ومن ذلك تصريحه بعد لقائه رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله يوم 10 يناير/كانون الثاني أن بلاده تدعم "تدابير ملموسة" لإقامة دولة فلسطينية.

AFP
جنديان إسرائيليان يسيران أمام المنازل التي دمرها مسلحو "حماس" في "كيبوتس بئيري" بإسرائيل في 14 أكتوبر 2023

كانت "منظمة التحرير الفلسطينية" قد رفضت الخطط التي اقترحتها إسرائيل بشأن مستقبل غزة، مع ظهور انقسامات أيضا داخل الحكومة الإسرائيلية حول رؤيتها لما بعد الحرب. وقالت المنظمة إن "مستقبل قطاع غزة يحدده الشعب الفلسطيني، وليس إسرائيل".
من جهتها، كانت إسرائيل قد أشارت على عتبة الشهر الثالث لبداية الحرب إلى توجهها لتقليص قواتها في شمال غزة الذي تراجعت فيه حدة القتال، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه استكمل تفكيك "الإطار العسكري" لـ"حماس" هناك، وأنه "يركز الآن على تفكيك حماس في وسط وجنوب قطاع غزة". وأضاف المتحدث باسمه أن "القتال سيستمر خلال عام 2024، وفق خطة لتحقيق أهداف الحرب، وهي تفكيك حماس في الشمال والجنوب"، بينما ناهز عدد القتلى من الجنود الإسرائيليين منذ بدء الهجوم البري على القطاع في أكتوبر/تشرين الأول الماضي المئة والتسعين قتيلا، في حين تقول إسرائيل أنها قتلت نحو 8500 عنصرا من "حماس".

font change

مقالات ذات صلة