اقتصاد غزة... 70 سنة للعودة إلى "7 أكتوبر"

دمرت اسرائيل اقتصاد القطاع ومرافقه ومستشفياته في 6 أشهر

إيوان وايت
إيوان وايت

اقتصاد غزة... 70 سنة للعودة إلى "7 أكتوبر"

سبعون خريفا قد تحتاج اليها غزة لتعود إلى إيقاعها ما قبل حرب 7 أكتوبر/تشرين الأول، حين كانت سجنا مفتوحا، يكتنفه شيء من الأمن والأمان واقتصاد مثقل بالحرمان.

هذه هي الخلاصة التي توصل إليها تقرير لـ"أونكتاد" في يناير/كانون الثاني 2024 واصفا الواقع الاقتصادي في غزة من جراء الغزو الدامي والمستمر منذ ستة أشهر، تحول فيها القطاع إلى أكوام من الركام والحطام البشري قد يكون عصيا على الترميم في هذه المرحلة. هي المرة الأولى التي يجتمع فيها أكثر من 85 في المئة من سكان غزة، أكثر المناطق اكتظاظا بالسكان في العالم، في أرض أكثر ضيقا في رفح لا تتجاوز مساحتها 64 كيلومترا مربعا، مهددة بالقصف والإبادة في أي لحظة، وهي المرة الأولى تدمر فيها المستشفيات أمام أعين العالم ويقتل من فيها أو يعتقل، وهي المرة الأولى يطارد فيها الجوعى اللاهثون وراء كسرة خبز، ويطلق عليهم النار إن أخطأهم صندوق إعانة ما من دولة أجنبية ما ولم يردهم قتلى.

حرب ليس لها مثيل في الإجرام تبثها شاشات الكوكب وتشهد عليها مراكز الأمم المتحدة والمسؤولين الكبار فيها. مئات مليارات الدولارات، إن توافرت، لن تعيد أهلها وأرضها وتاريخها وذكرياتها الى ما كانت عليه، بعد تدمير عجلة الحياة والانتاج فيها عن بكرة أبيها، كما ولن تداوى الفواجع والمآسي بحفنة طحين من هنا أو بمبضع جراح من هناك.

شهدت غزة محطات عديدة من الهمجية الإسرائيلية والصراعات المزمنة منذ عام 2008، حولتها على مدى نحو عقدين من الزمن، إلى منطقة كوارث إنسانية يعتمد 80 في المئة من سكانها على المساعدات الدولية. وكانت أشد تلك المحطات عدوان عام 2014، قبل أن تتحول ذكراه إلى "نزهة"، مقارنة بالحرب الأخيرة المدمرة التي سوّت القطاع بالأرض، وأوقعت حتى كتابة هذه الكلمات حصيلة غير مسبوقة من القتلى تخطت 38 ألف قتيل و71 ألف جريح وفقا للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (أنظر الإنفوغراف أدناه)، أي أكثر مما حصدته حرب أوكرانيا منذ عامين حتى اليوم بين قتيل وجريح، أو أربعة أضعاف عدد القتلى الإجمالي في كل العمليات العسكرية الإسرائيلية السابقة على القطاع منذ عام 2007، معظمهم من النساء والأطفال. هذا عدا التهجير الجماعي غير المسبوق من شمال القطاع إلى جنوبه.

الاقتصاد المستحيل بلا أهله

يستحيل الحديث عن اقتصاد في أرض قتل فيها هذا العدد المهول من الأطفال والنساء والأطباء والممرضين، الصحافيين والموظفين والعمال والتجار والبنائين والشباب والشابات. هؤلاء كلهم، عماد أي اقتصاد، قتلوا عن سابق تصور وتصميم، وبقصد قتل عصب الاقتصاد والحياة.

ديانا استيفانيا روبيو

إذا ما قيض لمن سينجو من أهل غزة، العودة والصمود، فإن المسافة التي سيقطعها ما تبقى من الشعب النازف طويلة، وطويلة جدا، وشاقة، ومفخخة بالمصالح السياسية والاقتصادية، وهو سيدفع ثمنها على أقساط، والآتي قد يكون أعظم، خصوصا في ظل السعي الحثيث لـ"اغتيال" وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، "الأونروا"، وانهاء دورها التاريخي ومعانيه ومفاعيله السياسية.

ماذا حصدت غزة بعد "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر؟

باختصار، تسونامي جرف البنى التحتية والمباني السكنية والأخضر واليابس، فتبخرت رؤوس الأموال ومقومات الإنتاج والزراعة، ودمرت المراكز التجارية والمصانع، وحرقت المحاصيل والأشجار المثمرة. طحن القصف الإسرائيلي الهمجي كل شيء؛ مرافق التعليم ومراكز الرعاية الصحية والمستشفيات والعيادات (أنظر الإنفوغراف) والبنى التحتية من شبكات الكهرباء والإنترنت وقنوات الري وأنظمة ضخ المياه والصرف الصحي، مع ما يعني ذلك من انعدام للنظافة وانتشار للأمراض ومن أخطار كبيرة على الصحة العامة.

لا معنى للأرقام في غزة

قدر خبراء لدى "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أي بعد أقل من شهر على بدء الحرب الواسعة النطاق على غزة، أن ما أسقط على القطاع من متفجرات يوازي تأثير قنبلتين ذريتين، وقد يكون أقوى نظراً للتطورات التكنولوجية التي تؤثر على فاعلية القنابل. فباعتراف إسرائيل، قصفت غزة بـأكثر من 25 ألف طن من المتفجرات بعدد قياسي من القنابل يتجاوز 10 كيلوغرامات من المتفجرات لكل فرد، وهو ما يفوق وزن القنبلتين الذريتين اللتين أسقطتهما الولايات المتحدة على هيروشيما وناغازاكي في اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية في أغسطس/آب 1945، والذي قدر بنحو 15 ألف طن من المتفجرات. علما أن مساحة هيروشيما تبلغ 900 كيلومتر مربع، في حين أن مساحة غزة لا تتجاوز 360 كيلومترا مربعا.

أ.ف.ب.
أنقاض المباني في المنطقة المدمرة حول مستشفى الشفاء في غزة في 3 أبريل/نيسان 2024.

منذ فرض الحصار على غزة عام 2007، تراجعت مستويات المعيشة فيها وفقا لـ"أونكتاد"، حتى بات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في القطاع يوازي 28 في المئة فقط نظيره في الضفة الغربية في عام 2022، أي ما قيمته 1,257 دولارا، وتراجع إلى نحو 930 دولارا فقط في 2023 بسبب الحرب. وتراجعت حصة الناتج المحلي لغزة المنخفضة أصلا من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني إلى 14 في المئة فقط عام 2023 لتبلغ نحو ملياري دولار في نهاية العام، من 31 في المئة في عام 2006، قبل الحصار، إلى 17 في المئة في عام 2022.

وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تسببت الضربة القاسية التي تلقاها الاقتصاد الفلسطيني بخسارة الناتج المحلي الإجمالي لغزة ما لا يقل عن 25 في المئة من قيمته عام 2023، وهي بالطبع كارثة ممتدة هذه السنة، إذ لن يتمكن القطاع من استئناف أي نشاط اقتصادي طبيعي مباشرة بعد وقف الحرب. ولن يكون التعافي سهلا بعد كل هذا الدمار الهائل، وفظائع الأشهر الستة المنصرمة التي أوصلت الاقتصاد والمجتمع إلى قاع سحيق ما دون نقطة الصفر.

الناظر إلى غزة، لا يرى إلا الجوع والدمار والموت المحتم، حيث يقترب واحد من كل أربعة أفراد من المجاعة، أي ما لا يقل عن 576 ألف إنسان

لا معنى للغة الأرقام أمام هذا المشهد المفجع الذي يتخطى كل ما خزنته بيانات الذكاء الاصطناعي بالتأكيد، فأرقام الدمار والخسائر ورقعة القصف والغارات وعددها، هي "داتا" جديدة على ذاكرة هذا الذكاء، فهل يصدق أنه في العصر الذهبي للتحول الرقمي، هناك نحو 1,9 مليون شخص مشردون داخل أرضهم، المحظوظون منهم يتخذون من مرافق "الأونروا" والمدارس والمستشفيات وقاعات الزفاف والمراكز الاجتماعية مأوى لهم، فيما يخيم آخرون في العراء، ويستخدم التجويع سلاحا في وجههم مع منع إسرائيل إيصال أي نوع من المساعدات إليهم.  

المجاعة تطال واحدا من كل أربعة غزاويين

الناظر إلى غزة، لا يرى إلا الجوع والدمار والموت المحتم، حيث يقترب واحد من كل أربعة أفراد من المجاعة، أي ما لا يقل عن 576 ألف إنسان. كما أن لكل حرب تداعياتها الإقليمية المقلقة، عبر عنها أكثر من مرة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وفي رسالته الأخيرة إلى مجلس الأمن، متخوفا من الانهيار الكامل لما تبقى من نظام الدعم الإنساني في غزة وعواقبه الوخيمة التي قد تكون مدمرة على أمن المنطقة بأكملها.

أ.ف.ب.
رمضان كريم... سيدة فلسطينية وسط مظاهر المجاعة، رفح 14 مارس/آذار 2024.

توقف اقتصاد غزة عن العمل مع اندلاع الحرب في الربع الأخير من العام المنصرم، ولا أفق واضحا لما يمكن أن تؤول إليه الأمور حتى اليوم. ما يمكن تسميته بـ"النشاط الاقتصادي" المعدوم، لا يتجاوز "اقتصاد الكفاف" أو اقتصاد مقارعة الجوع والعطش والمرض والصدمات النفسية وانقطاع الدواء وترك الجرحى والمرضى وحديثي الولادة لمصيرهم، وغيرها من العواقب الإنسانية المتراكمة التي أدت في الأساس إلى استغلالها ونشوب هذه الحرب. 

في سيناريو احتساب معدل نمو سنوي نسبته 0,4%، تستعيد غزة مستويات الناتج المحلي الإجمالي قبل الحرب بحلول عام 2092، أي بعد 7 عقود من اليوم!

تقرير لـ"أونكتاد"

بناء عليه، تتوقع "أونكتاد"، في أفضل السيناريوهات، ومع افتراض انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية في القطاع وبدء إعادة الإعمار فورا، وارتفاع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10 في المئة في المتوسط سنويا، بالتزامن مع نمو سكاني سنوي بنسبة 2,8 في المئة، أن يعود نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في غزة إلى مستواه في عام 2022 بحلول عام 2028. 

وفي تقديرات أكثر واقعية، يفيد تقرير "أونكتاد" أن معدل نمو سنوي نسبته 0,4 في المئة، من شأنه أن يسمح لغزة باستعادة مستويات الناتج المحلي الإجمالي قبل الحرب بحلول عام 2092، أي بعد سبعة عقود من اليوم!

فاتورة كارثية تسديدها يحتاج "مشروع مارشال"

خلاصة اقتصادية واحدة مريرة يعنيها حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية للقطاع، هي استحالة تحقيق الانتعاش والتنمية في غزة من دون بذل جهود جبارة وسريعة من جانب المجتمع الدولي لتأمين مستويات عالية من التمويل، لا تقل عن مستوى "مشروع مارشال" - المشروع الاقتصادي لإعادة إعمار أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية - ويقدرها تقرير "أونكتاد" بعشرات مليارات الدولارات على مدى السنوات القليلة المقبلة، بهدف إعادة ما يشبه الحياة الاجتماعية والاقتصادية الطبيعية إلى القطاع. وذلك مقارنة بـ460 مليون دولار فقط خسائر اقتصادية بسبب حرب عام 2014 بحسب البنك الدولي، و2,5 مليار دولار في 2008 وفقا لـ"أونكتاد" التي قدرت قيمة الأصول المتضررة من حربي 2012 و2014 بنحو 2,7 مليار دولار، في وقت قيمت السلطة الفلسطينية تكلفة إعادة الإعمار بنحو 3,9 مليارات دولار. 

أ.ف.ب.
"سوق العيد" بين حطام المباني في غزة، 27 مارس/آذار 2024

يبقى التعويل على استعادة السلام مطلبا أساسيا وأولوية مطلقة، دونها تفاقم للفقر وانعدام سبل التنمية من حرمان التعليم وخدمات البنية التحتية الأساسية التي لن تزداد إلا سوءا مع استمرار العمليات العسكرية. وقد كررت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا أن "التوقعات القاتمة للاقتصاد الفلسطيني تزداد سوءا مع استمرار الحرب". فمن تحديات قطاع غزة الاقتصادية والتنموية، تكوينه الديموغرافي وحقيقة أن نصف سكان القطاع هم من الأطفال، الذين يحتاجون إلى "تعويض وإعادة بناء" نفسي قبل كل شيء. 

الضفة الغربية لم تنج من الخسائر

لا بد من الإشارة، الى أن الضفة الغربية دخلت حلقة الحرب والعقاب تكافلا وتضامنا، وهي تكبدت حتى اللحظة خسائر مادية كبيرة تبخرت معها كل توقعات النمو للعام المنصرم الذي كان يعد عام التعافي بعد انكماش كبير في الاقتصاد الفلسطيني ككل بنسبة 12 في المئة بسبب جائحة "كوفيد-19". وعوضا من النمو المنتظر، الذي توقع البنك الدولي أن يبلغ 3 في المئة عام 2024، يتوقع الآن انكماشا إجماليا بنسبة 6 في المئة، على افتراض أن شدة الحرب ستنخفض في السنة الجارية.

وقد تأثر اقتصاد الضفة منذ اليوم الأول للحرب بسبب وقف إسرائيل اعطاء التصاريح للعمال الفلسطينيين من الضفة البالغ عددهم 160 ألف عامل يمثلون نحو 20 في المئة من القوة العاملة، و20 ألفا من غزة، معظمهم من العمال اليوميين، للعمل داخل الأسواق الإسرائيلية، وهم يساهمون بنحو 3 مليارات دولار سنويا في الاقتصاد الفلسطيني، أو نحو 15 في المئة من الدخل القومي. فمن دون إيجاد فرص عمل لهؤلاء العمال على المدى القصير، قد ترتفع البطالة إلى أكثر من 30 في المئة في الضفة، وهي وصلت بالفعل إلى 80 في المئة في القطاع.

كذلك، ينتظر أن تعاني الضفة من غياب قسري للزوار والسياح عن أسواقها ومواقعها السياحية، لتخسر بذلك نحو 1,5 مليار دولار كان ينفقها هؤلاء. وتأثرت الزراعة بشكل كبير، إذ لم يتمكن المزارعون من حصد نتاجهم من موسم الزيتون والحمضيات، وهي، أي الزراعة، تشكل مع السياحة 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الضفة. أما الشلل الأكبر في الاقتصاد الفلسطيني، إن حصل، فسيتأتى فعليا من وقف التحويلات الشهرية للعائدات الضريبية إلى خزانة السلطة الفلسطينية، الذي هدد به وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش. وهذه العائدات تشكل شريان الحياة للموازنة العامة والمصدر الأساس لتمويل رواتب نحو 150 ألف موظف والنفقات التشغيلية للسلطة الفلسطينية التي تصل إلى نحو 300 مليون دولار شهريا.

اهتزاز علامة "إسرائيل" التجارية

أما بالنسبة الى إسرائيل، فلا تستقيم المقارنة بين تداعيات الحرب على عملاق عسكري واقتصادي وتكنولوجي، يحظى بدعم مفتوح من الولايات المتحدة وغيرها من الدول، وبين "ميني-اقتصاد" فلسطيني منهك ومحاصر لسنوات ثم مدمر. على الرغم من ذلك، فإن التحديات الاقتصادية الحالية والمقبلة التي تواجهها الدولة العبرية كبيرة وعميقة، لا سيما لجهة انخفاض الإنتاج الزراعي والصناعي المحلي الذي تأثر بطبيعة الحال باستدعاء مئات آلاف جنود الاحتياط من داخل إسرائيل وخارجها، ومنع العمال الفلسطينيين من من دخول إسرائيل. إضافة الى تأثر شركات التكنولوجيا بشكل أساسي، وقرارات شركات عدة نقل أعمالها الى دول مختلفة.

جنوب لبنان: 331 قتيلا وألف جريح، 100 ألف نازح، تدمير 9 آلاف وحدة سكنية، 75% من المزارعين فقدوا مصدر دخلهم ومنطقة الجنوب منكوبة زراعيا لسنوات

نجيب ميقاتي، رئيس الحكومة اللبنانية

قد يبدو الشيكل في وضع مريح حتى الساعة وفي ارتفاع متواصل في مقابل الدولار، وهو يسجل 3,7 شيكلات للدولار الواحد، على الرغم من خفض وكالة "موديز" التصنيف الائتماني السيادي لإسرائيل، وتضخم العجز المالي المتوقع أن يصل إلى 6,6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة الجارية. قد يعود ذلك جزئيا إلى تسجيل إسرائيل فائضا في الحساب الجاري في الربع الثالث من عام 2023 بلغ 5,8 مليارات دولار، ونشاط المؤسسات المالية من بينها السوق المالي الذي لا يزال جاذبا للاستثمارات، وتدخل البنك المركزي الاسرائيلي لدعم العملة.

غيتي
متظاهرون يحملون لافتة "أنقذوا اقتصادنا" أمام بورصة تل أبيب، إسرائيل، في 18 يوليو/تموز 2023.

إلا أن هذه النتائج لا تأخذ في الاعتبار المستجدات الحالية التي أدت إلى اهتزاز علامة "إسرائيل" التجارية، ولا بد للعاملين السلبيين السابقين، أن يثقلا كاهل الشيكل نظرا الى القدر الكبير من عدم اليقين حيال الأحداث الجارية في قطاع غزة وعلى الجبهة الشمالية التي قد تؤدي إلى حرب شاملة مع "حزب الله" اللبناني، والصراعات الداخلية المحتملة، مما قد يفرض واقعا مغايرا في المرحلة المقبلة. وسيفضل المستثمرون توظيف أموالهم في أسواق دول أكثر استقرارا داخليا وعلى مستوى الجغرافيا السياسية. ووفقاً لتقديرات، قد يتكبد الاقتصاد الاسرائيلي خسائر قد تصل إلى حد 10 في المئة من الناتج المحلي بحلول نهاية عام 2024، ما يوازي نحو 50 مليار دولار، إذا ما اقتصرت الحرب على غزة ولم تتعد مدتها سنة واحدة.

لبنان دفع ثمنا باهظا... والخوف من الأعظم

وليست الدول المجاورة لفلسطين، لبنان والأردن ومصر، بمنأى من التداعيات الاقتصادية للصراع الدائر، خصوصا إن طال أمد الحرب إلى أجل غير مسمى. والقطاع السياحي من أكثر المتضررين في هذه الدول من جراء استمرار الحرب. فبحسب تقديرات للـ"إسكوا" والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (UNDP)، في بداية هذه الحرب، قد تخسر هذه الدول مجتمعة ما قيمته 18 مليار دولار من ناتجها المحلي مع استمرار الحرب لمدة 6 أشهر، ما يوازي تراجعا بنسبة 4 في المئة، وقد استمرت ستة أشهر فعلا، ولم تكن هذه التقديرات تحتسب الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي لحقت من جراء القصف المتواصل لجنوب لبنان ولا حسابات شلل الملاحة في البحر الأحمر وانعكاساتها على واردات قناة السويس.

أ.ف.ب.
نموذج من مشاهد القصف الاسرائيلي اليومي في جنوب لبنان منذ 7 أكتوبر. دخان قذيفة يتصاعد من قرية كفركلا في 8 فبراير/شباط 2024.

وفيما تشير تقارير أولية الى تدمير أكثر من تسعة آلاف وحدة سكنية على طول الشريط الحدودي للجنوب اللبناني، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، القطاع الزراعي في الجنوب قطاعا منكوبا، وقال في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، قبل ثلاثة أيام، "أن هناك نحو 100 ألف نازح من قرى الجنوب و331 شهيدا ونحو ألف جريح، والكارثة الكبرى هي في الأضرار الحاصلة في القطاع الزراعي حيث هناك 800 هكتار تضررت بشكل كامل، و340 ألف رأس ماشية فقدت ونحو 75 في المئة من المزارعين فقدوا مصدر دخلهم النهائي. وأنا أرى وجوب أن نعلن منطقة الجنوب منكوبة زراعيا، خصوصا أن هذه المشكلة ستنسحب على السنوات المقبلة، الأمر ذاته ينسحب على القطاع التربوي، حيث هناك نحو 75 مدرسة مغلقة نهائيا، ناهيك عن ملف إعادة إعمار ما تهدم وأولوية البحث عن مصادر التمويل".

شلل الشحن في البحر الأحمر

وفي التداعيات الاقتصادية المباشرة دوليا، أسفرت الهجمات الحوثية على الناقلات التجارية في البحر الأحمر عن اضطراب كبير في الملاحة العالمية، لا سيما عبر قناة السويس التي تكبدت خسائر فادحة، ولا تزال، وارتفعت تكاليف الشحن وانخفضت الحركة التجارية عبر مضيق باب المندب والقناة بنسبة 50 في المئة تقريبا في السنة الجارية وفقا لبيانات "بورت ووتش" التابع لصندوق النقد الدولي.

ويرتقب أن يكون النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دون التوقعات على الرغم من تحسن نمو الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بالعام المنصرم، بحسب الصندوق الذي يتوقع أن تنمو اقتصادات المنطقة بنسبة 2,9 في المئة في 2024، بانخفاض مقداره نصف نقطة مئوية عن توقعاته في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم.

حرب على الأطفال ... و"اليوم التالي" قاتم 

يقول المفوض العام لـ"أونروا" فيليب لازاريني، "هذه الحرب هي حرب على الأطفال. إنها حرب على طفولتهم ومستقبلهم". 
استنتاج يشكل منطلقا لأي دراسة عن مآلات الحرب وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية ومخلفاتها لاحقا. فعدد الأطفال الذين قتلوا في غزة في الأشهر الأخيرة، والذي يناهز 15 ألف طفل (أنظر الإنفوغراف)، يفوق عدد الأطفال الذين قُتلوا خلال أربع سنوات من الصراع في كل أنحاء العالم. واقع "يفضح" البعد الاستراتيجي للحرب التي تشنها إسرائيل على غزة وما يرسم لهذا القطاع من خطط إبادة وتجويع وتهجير تسمى زورا وخداعا "اليوم التالي"، تضمن مستقبلا قاتما للأطفال تحديدا الذين يحملون حلم فلسطين منذ نعومة أظفارهم.

font change

مقالات ذات صلة