الهند تواصل صعودها الى قمة التجارة العالميةhttps://www.majalla.com/node/325357/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%86%D8%AF-%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%84-%D8%B5%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D9%82%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%A9
في خطاب ألقاه بمدينة مانشستر البريطانية في أوائل مارس/آذار الماضي، وفي ظل التحولات الاستراتيجية التي يشهدها العالم، قال وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار: "في نهاية المطاف، نرى أن العالم يزخر بالفرص أكثر من التحديات". وأكد في حديثه إلى مجتمع الأعمال البريطاني أن الهند تتطلع إلى تعزيز التجارة العالمية، وتوسيع آفاق التنقل بما يرتقي بالبنية التحتية اللوجستية ويعزز تدفق المنتجات والخدمات عبر الحدود ويدعم مختلف أشكال التبادل مع دول العالم. ويبدو أن شعار "الهند تصعد" الذي غالبا ما تستخدمه حكومة ناريندرا مودي في نيودلهي، هو تجسيد لذلك، ويعكس الرؤية الجريئة بأن تحتفل البلاد بالذكرى المئوية لاستقلالها في سنة 2047 وقد أصبحت في مصاف الدول المتقدمة.
كيف يبدو سجل أداء الهند في التجارة العالمية، وأين تكمن الفرص الجديدة التي تنتظرها في سنة 2025؟
الاتحاد الأوروبي شريك استراتيجي للهند
يعد الاتحاد الأوروبي، وفقا لمعظم التقديرات، أكبر شريك تجاري للهند. ففي سنة 2023، بلغت قيمة السلع التي صدرتها الهند إلى الاتحاد الأوروبي نحو 65 مليار يورو والخدمات 28.5 مليار يورو. وقد تضاعفت تقريبا تجارة السلع بين الجانبين خلال العقد المنصرم، في حين تضاعفت تجارة الخدمات خلال ثلاث سنوات فحسب. وهناك مزيد من الفرص المتاحة في المستقبل.
سيكون الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي والهند من أهم الشراكات في هذا القرن وأكبر صفقة من نوعها في أي مكان في العالم
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين
وتسعى الهند والاتحاد الأوروبي إلى إبرام اتفاق تجارة حرة قبل نهاية السنة الجارية. وفي زيارة حديثة لنيودلهي، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، مستخدمة مبالغة شبيهة تقريبا بمبالغات ترمب، إن ذلك الاتفاق سيكون من "أهم الشراكات في هذا القرن" و"أكبر صفقة من نوعها في أي مكان في العالم".
من المتوقع أن يشمل الاتفاق بعض الصناعات الرئيسة التي تقود النمو التكنولوجي والابتكار، مثل أشباه الموصلات، والذكاء الاصطناعي، والطاقة النظيفة. أما على صعيد الصناعات التقليدية، فيأمل الاتحاد الأوروبي في الاستفادة من خفض التعريفات الجمركية على صادراته من المركبات والنبيذ والويسكي إلى الهند، في حين تأمل الأخيرة أن يفتح ذلك آفاقا جديدة أمام منتجاتها في قطاعي الدواء والنسيج.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يزوران مفاعل إيتر النووي، جنوب فرنسا بالقرب من مارسيليا، 12 فبراير 2025
لكن هناك مخاوف تساور الجانب الهندي في شأن تأثير دخول السلع الزراعية الأوروبية المدعومة إلى السوق على المزارعين المحليين. في حين يرغب الاتحاد الأوروبي في التمسك باللوائح البيئية الصارمة وضرائب الكربون على الصلب والألمنيوم والأسمنت، الأمر الذي ربما يثقل كاهل الصناعة الهندية.
لكن الجانبين يبذلان جهودا حثيثة للتوصل إلى اتفاق، ومن المرجح أن تشهد سنة 2026 فجرا جديدا في التجارة بين الهند والاتحاد الأوروبي، مما سيجعل وتيرة النمو الحالية تبدو ضئيلة قياسا على ما هو مقبل.
المملكة المتحدة لتوقيع اتفاق مع نيودلهي
مع أن المملكة المتحدة ليست من بين أكبر عشرة شركاء تجاريين للهند، فقد شهدت سنة 2025 تطورات تسعى لتغيير هذا الواقع. ففي فبراير/شباط المنصرم، زار وزراء من حكومة كير ستارمر نيودلهي لإعادة إطلاق المحادثات في شأن عقد اتفاق تجاري بين المملكة المتحدة والهند. وقال وزير الأعمال والتجارة جوناثان رينولدز إن ذلك "أمر بديهي" إذ ينتظر أن تصبح الهند ثالث أكبر اقتصاد في العالم خلال السنوات الثلاث المقبلة.
وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز، مع وزيرة المالية الهندية نيرمالا سيتارامان، لندن، 9 أبريل 2025
لا يتوقع أن يكون للاتفاق التجاري الذي يجري التفاوض في شأنه أثر كبير على معظم الصادرات الهندية إلى المملكة المتحدة، التي تستفيد أصلا من التعريفات الجمركية المنخفضة. وتشمل تلك الصادرات الأدوية والألماس وقطع غيار الآلات وغيرها، وقد بلغ مجموعها نحو 6.8 مليارات دولار في سنة 2024. لكن ينتظر أن تستفيد منتجات أخرى مثل المنسوجات والملابس والسيارات والسجاد، وبعض أصناف الفواكه مثل العنب والمانغا، من خفض التعريفات الجمركية. وقد مثلت هذا السلة من السلع ما مجموعه 6.1 مليارات دولار من الصادرات في سنة 2024. وتسعى المملكة المتحدة أيضا، على غرار الاتحاد الأوروبي، للاستفادة من خفض التعريفات على الويسكي الإسكتلندي والنبيذ، بالإضافة إلى المعادن والسيارات والآلات.
تعد الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكبر للهند، إذ بلغت التجارة بينهما نحو 129 مليار دولار في سنة 2024. في المقابل، لا تكاد الهند تدخل قائمة أول عشرة شركاء تجاريين للولايات المتحدة
من المسائل الخلافية المحتملة في هذه المفاوضات آليات تسوية النزاعات، إذ تفضل الهند منح الأولوية للخيارات القضائية المحلية، في حين تفضل المملكة المتحدة إبقاء التحكيم الدولي بمثابة خيار أول لشركاتها. ويمكن أن يؤدي التوصل إلى اتفاق في هذا الصدد إلى تعزيز تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بين الجانبين.
الولايات المتحدة تحديات وفرص
يمثل ولع دونالد ترمب بالتعريفات الجمركية مشكلة واضحة بطبيعة الحال في أي حديث عن التجارة. وعشية زيارة رئيس الوزراء الهندي للولايات المتحدة في فبراير/شباط المنصرم، وصف ترمب الهند بأنها "مسيئة للغاية" للعلاقات التجارية، لكنه أتبع ذلك بامتداح مودي بأنه "رجل رائع".
عند النظر إلى الدول بشكل منفصل بدلا من الاتحادات الاقتصادية، تعد الولايات المتحدة الشريك التجاري الأكبر للهند، إذ بلغت التجارة الإجمالية بينهما نحو 129 مليار دولار في سنة 2024. في المقابل، لا تكاد الهند تدخل قائمة أول عشرة شركاء تجاريين للولايات المتحدة، مع أن الدول الثلاث الأولى، أي المكسيك وكندا والصين، قد يتراجع ترتيبها في القائمة في أعقاب الموجة الأخيرة من التعريفات الجمركية. ويمكن أن تمنح تلك الموجة فرصا جديدة للهند لتعزيز صادراتها إلى الولايات المتحدة، لا سيما الإلكترونيات والتكنولوجيا والمجوهرات.
نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس، يلتقي برئيس الوزراء الهندي اريندرا مودي، على هامش قمة الذكاء الاصطناعي، باريس، 11 فبراير 2025
للدولتين خصم مشترك، أي الصين، تريدان إبقاءه تحت السيطرة. لكن ترمب عبّر صراحة عن انزعاجه من العجز التجاري مع الهند، الذي تضاعف من 24.2 مليار دولار في نهاية ولايته الرئاسية الأولى إلى 45.7 مليار دولار في مستهل ولايته الثانية. وتصدر الهند ما تزيد قيمته على 25 مليار دولار من الأحجار شبه الكريمة والآلات الكهربائية والأدوية إلى الولايات المتحدة، بينما تتصدر أنواع الوقود المعدني واللؤلؤ والمفاعلات النووية وغيرها من السلع قائمة الواردات.
الهند معروفة بتعريفاتها الحمائية
الهند أيضا معروفة بتعريفاتها الجمركية الحمائية في بعض القطاعات، وهو ما يعده ترمب غير عادل. ومع أن زيارة رئيس الوزراء مودي للبيت الأبيض حظيت بترحيب واسع ووصفت بأنها ناجحة إلى حد كبير، فإن مودي لم يحصل على كل ما أراده من حيث الاتفاق التجاري.
وقد أشاد به الرئيس الأميركي ووصفه بأنه "مفاوض أفضل" منه، وأضاف مودي بمهارة إلى هذا المزيج صفقة دفاعية للحصول على طائرات "إف-35 " وفتح الأبواب أمام خدمة "ستارلينك" التابعة لإيلون ماسك. لكن دونالد ترمب رد على ذلك برغبة واضحة في أن تكون بلاده أكبر مورّد للنفط والغاز إلى الهند، وأن تفتح أجزاء أخرى من السوق الهندية أمام السلع والخدمات الأميركية.
كانت الولايات المتحدة والهند في طريقهما لإبرام اتفاق يهدف إلى رفع التبادل التجاري السنوي إلى 500 مليار دولار بحلول عام 2030، قبل أن يلقي تسلم ترمب الرئاسة بظلاله على هذه المساعي.
يشكل الخليج العربي وجهة استراتيجية أخرى متنامية الأهمية للتجارة الهندية. وقد تجسد ذلك بوضوح من خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، للمملكة العربية السعودية
وقد صرح الزعيمان، في أعقاب اجتماعهما في فبراير/شباط المنصرم، بأن المرحلة الأولى من اتفاق تجارة ثنائي يعود بالنفع على الطرفين، ستنجز في غضون سبعة أو ثمانية أشهر. وفي مارس/آذار، التقى وزير التجارة والصناعة الهندي بيوش غويال بالممثل التجاري الأميركي المعين حديثا جاميسون غرير، وسط مؤشرات واضحة الى تسارع وتيرة المحادثات، ويرجح أن تباشر الهند قريبا خفض بعض تعريفاتها الجمركية لتسهيل التبادل التجاري مع الولايات المتحدة في السنوات المقبلة. بل أفادت تقارير بأنه انتهى من تحديد مرجعيات المفاوضات وسيتم تطويرها بشكل أكبر بهدف الاقتراب من اتفاق تجاري ضمن فترة تعليق التعريفات التي حددها ترمب لمدة 90 يوما.
دول الخليج تمثل سوقا استراتيجية للتجارة الهندية
يشكل الخليج العربي وجهة استراتيجية أخرى متنامية الأهمية للتجارة الهندية. وقد تجسد ذلك بوضوح من خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، للمملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي، حيث شكلت تلك الزيارة قوة دفع رئيسة للعلاقات التجارية بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي، وأسفرت عن توقيع العديد من اتفاقيات التعاون في مجالات الطاقة والتكرير، والتكنولوجيا، والاتصالات، والبتروكيماويات، والزراعة، والصناعات المتقدمة، والبناء.
ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود يستقبل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، في قصر السلام في جدة، 22 أبريل 2025
كما جاءت الزيارة في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي اضطرابات بسبب الرسوم الجمركية الأميركية، مما يدفع العديد من الدول لتقوية العلاقات التجارية المشتركة. وفي هذا السياق، يُعد مجلس التعاون الخليجي أحد أبرز الشركاء التجاريين للهند، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما 162 مليار دولار في سنة 2024، منها نحو 84 مليار دولار مع دولة الإمارات العربية المتحدة بدعم من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي وقعها البلدان في فبراير/شباط 2022، و44 مليار دولار مع المملكة العربية السعودية.
ثمة روابط تاريخية بين الجانبين، وتضم دول الخليج جاليات واستثمارات هندية كبيرة، لا سيما في دولة الإمارات. وفي وقت سابق من هذا العام، قال وزير الشؤون الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار في كلمة ألقاها في أبوظبي إن كثيرا من الأشخاص لا يدركون مدى قوة هذه العلاقات، وأشار إلى أن "الطاقة هي البعد الأكثر وضوحا، لكن هناك ما هو أكثر من ذلك بكثير. لدينا مصالح كبيرة في الأسمدة والطاقة والمياه والماس والدفاع والأمن السيبراني. وتتنوع مشاريعنا من المطارات والموانئ والسكك الحديد إلى الفوسفات والهيدروجين الأخضر والصلب والكابلات البحرية". وهناك نمو واضح في هذه العلاقة التجارية أيضا، مع أن نسبته ربما تكون أكثر تواضعا إذ بلغت 10.5 في المئة في السنوات الخمس الماضية.
عجز هندي مع روسيا والصين
تواجه الهند عجزا تجاريا مع قوتين اقتصاديتين كبيرتين هما روسيا والصين. فقد استفادت الهند من الوقود المنخفض التكلفة خلال الحرب الروسية في أوكرانيا، فاستوردت ما تزيد قيمته على 60 مليار دولار من السلع من روسيا، في حين لم تتعد صادراتها إليها 4 مليارات دولار. غير أن العجز التجاري مع الصين أكبر من ذلك – تخطت قيمة الواردات 100 مليار دولار في سنة 2023 في حين بلغت قيمة الصادرات 16.6 مليار دولار فحسب.
صعود الهند التجاري جلي في توسع شراكاتها
في غضون ذلك، يبرز صعود الهند في التجارة العالمية من خلال اتساع نطاق شركائها التجاريين وتوازن أرقام التبادل التجاري في ما بينهم. فعند استعراض كل دولة على حدة، نجد أن الولايات المتحدة هي الوحيدة التي تزيد نسبة صادرات الهند إليها على 10 في المئة، أي 17.7 في المئة. وعند النظر في الاتحاد الأوروبي ككتلة واحدة، نجد أن نسبة صادرات الهند إليه مماثلة، في حين تقل نسبة صادراتها إلى مجلس التعاون الخليجي قليلا عن ذلك وتبلغ 12.9 في المئة. أما من ناحية الواردات، فإن الصين تتصدر القائمة بنسبة 15 في المئة، تليها روسيا بنسبة 9.1 في المئة، في حين تبلغ واردات كل من مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي 14.5 في المئة و12.1 في المئة على التوالي.
حاويات الشحن في ميناء موندرا الهندي، 11 يناير 2024
يرسم ذلك صورة لدولة يرغب جميع اللاعبين الكبار في العمل معها، واقتصاد مهيأ لتحقيق طفرة في التجارة العالمية والنمو. في حين تبدي الهند بقيادة ناريندرا مودي ارتياحا متزايدا لدورها الجديد لاعبا عالميا على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وقد أوجز الوزير جايشانكار ذلك في الخطاب نفسه الذي ألقاه بمدينة مانشستر في مارس/آذار: "عندما تنظر الهند إلى العالم، فإنها تنظر إليه بثقة".