"مواجهة مباشرة" روسية - أوكرانية في تركيا... دون اختراقات

لم يُعقد اجتماع رباعي يضم واشنطن وموسكو وكييف وأنقرة

رويترز
رويترز
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يرأس اجتماعًا بين المفاوضين الأوكرانيين والروس في إسطنبول، تركيا، 16 مايو

"مواجهة مباشرة" روسية - أوكرانية في تركيا... دون اختراقات

شهد هذا الأسبوع تطورات لافتة على عدة أصعدة، مع ارتفاع الآمال بإمكانية التوصل إلى اتفاق بين روسيا وأوكرانيا لإنهاء الحرب، إلى جانب زيارة رسمية ناجحة ومنظمة للرئيس الأميركي إلى الخليج ورفع العقوبات التي طال انتظارها عن سوريا.

اجتمع ممثلون عن روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة في إسطنبول، حيث عُقدت في 16 مايو/أيار محادثات ضمن صيغتين ثلاثيتين منفصلتين: الولايات المتحدة- أوكرانيا- تركيا، وروسيا- أوكرانيا- تركيا. وترأس الوفد الأميركي وزير الخارجية ماركو روبيو، بينما قاد الوفد الأوكراني وزير الدفاع، ومثّل روسيا فلاديمير ميدينسكي، أحد مستشاري بوتين، أما الجانب التركي فمثله وزير الخارجية هاكان فيدان.

كانت هذه هي المرة الأولى منذ عام 2022 التي تجتمع فيها الدول المتحاربة وجها لوجه في اجتماع ترأسه وزير الخارجية التركي، لكن لم يُعقد اجتماع رباعي يضم الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا وتركيا.

وقال ترمب للصحافيين أثناء جولته في المنطقة: "لن يحدث شيء ما لم أجتمع أنا وبوتين". ويبدو أن هذا التصريح يعكس الواقع، إذ إن المفاوضات التي جرت في إسطنبول، رغم مناقشة الأطراف لمواقفها وشروطها، فإن مفتاح النجاح يبقى بيد الزعيمين.

ورغم أسلوبه السياسي غير التقليدي، والجاف والمهدد في كثير من الأحيان، يحرز ترمب تقدما على جبهات متعددة. وكان قد كرر خلال حملته الانتخابية، أنه سينهي الحرب بين روسيا وأوكرانيا خلال 24 ساعة من توليه منصبه. إلا أن الحرب لم تنتهِ خلال يوم، غير أنه وبعد الحادثة الصادمة بين ترمب وفريقه وزيلينسكي في المكتب البيضاوي في فبراير/شباط، والتي اعتُبرت من أكثر الأحداث درامية وغموضا في تاريخ العلاقات الدولية، انطلقت بداية جديدة.

أوضح ترمب أن أوكرانيا، لا يمكن أن تصبح عضوا في حلف شمال الأطلسي، وأوقف إمدادات الأسلحة. والتقى المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، ببوتين في موسكو، بعد شهر من اجتماع مجموعات الخبراء من الولايات المتحدة وروسيا في الرياض في مارس/آذار لمناقشة تحسين العلاقات الثنائية وإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.

شارك ترمب رسالة على "إكس" أعلن فيها أن يوم الخميس قد يكون "يوما عظيما لروسيا وأوكرانيا" معربا عن أمله أن تتوقف المجازر

ووقع الوزيران الأميركي والأوكراني في أبريل/نيسان اتفاقية الموارد المعدنية، التي حددت شروط الاستثمار المشترك في الموارد الطبيعية الأوكرانية، بما في ذلك العناصر الأرضية النادرة والنفط والغاز، مما مكّن ترمب من إخبار ناخبيه بأن المليارات التي أنفقتها الولايات المتحدة على الحرب في أوكرانيا قد أثمرت عوائد ملموسة.

ويوم السبت الماضي، اقترح قادة ما يُعرف بـ"الخماسية الأوروبية"- أوكرانيا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وبولندا- وقفا غير مشروط لإطلاق النار لمدة 30 يوما بدءا من 12 مايو/أيار، ورد بوتين بإعلان وقف لإطلاق النار، واقترح إجراء محادثات مباشرة بين أوكرانيا وروسيا في إسطنبول يوم 15 مايو.

وأعقب ذلك حركة دبلوماسية مكثفة. تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هاتفيا مع بوتين وزيلينسكي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ونشر زيلينسكي رسالة على حسابه في "إكس" قال فيها إنه سينتظر بوتين في تركيا يوم الخميس، معبرا عن أمله أن لا يبحث عن أعذار هذه المرة.

رويترز
وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يتحدث مع نظيره الأميركي ماركو روبيو قبل المحادثات الثلاثية بين تركيا والولايات المتحدة وأوكرانيا في إسطنبول، تركيا، 16 مايو

كما شارك ترمب رسالة على "إكس" أعلن فيها أن يوم الخميس قد يكون "يوما عظيما لروسيا وأوكرانيا" معربا عن أمله أن تتوقف المجازر. وأضاف: "سأواصل العمل مع الطرفين لضمان تحقيق ذلك. أسبوع كبير قادم".

وقد تزامنت هذه التطورات مع جولة ترمب في الشرق الأوسط، التي شملت السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، ومع اجتماع غير رسمي لوزراء خارجية حلف شمال الأطلسي استضافته تركيا في أنطاليا، وقد تأكد عقد الاجتماع في إسطنبول، لكن مستوى الحضور ظل غامضا.

مع النهج الذي تتبعه إدارة ترمب، باتت أوكرانيا الآن مستعدة لإبرام اتفاق سلام، لكن الاتفاق على شروطه يبدو صعبا

وأعلن أردوغان استعداد تركيا لاستضافة الزعماء لإجراء محادثات سلام، وفي لحظة ما راود الأمل البعض، بأن ينضم ترمب إلى بوتين وزيلينسكي في إسطنبول من خلال تعديل جدول جولته الشرق أوسطية، لكن بوتين لم يحضر بنفسه ولم يُرسل وزير خارجيته لافروف، بل أوفد مستشاره فلاديمير ميدينسكي. أما من الجانب الأوكراني، وبعد اجتماع دام ساعتين وأربعين دقيقة مع الرئيس أردوغان في أنقرة، فقد أعرب الرئيس زيلينسكي للصحافيين عن خيبة أمله من تركيبة الوفد الروسي، لكنه قال إنه سيرسل مع ذلك وفدا إلى إسطنبول، احتراما لترمب وأردوغان، ولإظهار التزامه بالسلام بشكل واضح. وأضاف زيلينسكي أنه يعتقد أن بوتين لا يريد إنهاء الحرب.

وكانت تركيا قد أطلقت مبادرة دبلوماسية مع بداية الحرب في عام 2022، حيث قامت بالوساطة بين روسيا وأوكرانيا في أنطاليا وإسطنبول، وتوسطت في اتفاقيات ممر الحبوب عبر البحر الأسود وتبادل الأسرى. وقد اقترب الطرفان من التوصل إلى اتفاق آنذاك، لكن الجهود باءت بالفشل، وألقى الروس باللوم على الأوكرانيين، وحلفائهم الغربيين الذين شجعوهم على مواصلة القتال. ولم يجتمع مسؤولو البلدين وجها لوجه منذ ذلك الحين.

وخلال الحرب، تكبد الطرفان خسائر فادحة. ولا تزال أوكرانيا تواصل القتال وتلحق خسائر كبيرة بروسيا، لكن الميزة الأكبر لروسيا تاريخيا- وهي قدرتها على حشد أعداد لا حصر لها من الجنود- عادت لتكون عاملا حاسما. واستعادت روسيا اليد العليا على الأرض، كما فشلت العقوبات الدولية في كسر الاقتصاد الروسي، فيما لا تزال الآلة الحربية الروسية تدور بفعالية.

وفي ظل هذه الظروف، ومع النهج الذي تتبعه إدارة ترمب، باتت أوكرانيا الآن مستعدة لإبرام اتفاق سلام، لكن الاتفاق على شروطه يبدو صعبا. فروسيا لا تنوي إعادة شبه جزيرة القرم التي احتلتها في 2014، ولا دونيتسك ولوغانسك وزابوروجيا وخيرسون التي احتلتها في 2022. وقد ضمت روسيا هذه المناطق، وتواصل الإصرار على أن لا تصبح أوكرانيا عضوا في حلف شمال الأطلسي، وأن لا يتمركز الحلف قرب الأراضي الروسية، وأن يتم تفكيك الهياكل المعادية لروسيا داخل أوكرانيا.

بدأت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، التي دخلت مرحلة من البرود في عهد الرئيس بايدن، تشهد دفئا في عهد ترمب

أما أوكرانيا، فربما تكون قد أدركت أنه من غير الممكن استعادة معظم الأراضي التي فقدتها، لكنها غير مستعدة للتنازل عنها لروسيا بالشروط التي تفرضها. كما يدرك زيلينسكي أن عضوية أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي، باتت احتمالا بعيدا جدا، لكنه يصر على الحصول على "ضمانات أمنية" ويرغب أيضا في الاندماج مع الغرب بطريقة ما، مثل عضوية الاتحاد الأوروبي إن تعذر عليه الحصول على عضوية الحلف.

وفي الرياض، المحطة الأولى من جولته الشرق أوسطية، أعلن ترمب قراره برفع العقوبات عن سوريا، وفي اليوم التالي التقى بالرئيس السوري أحمد الشرع. وفي 15 مايو، التقى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بوزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ووزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني في أنقرة. ووصف روبيو الاجتماع بأنه "ودي وبنّاء" وهو ما أكده أيضا المسؤولون الأتراك.

وخلال جولته الخليجية، أبرم ترمب صفقات بمليارات الدولارات في مجالات مبيعات الأسلحة والاتفاقيات التجارية، واتفاقيات استثمار مستقبلية في الولايات المتحدة.

رويترز
رئيس وزراء ألبانيا إدي راما يرحب بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال قمة المجموعة السياسية الأوروبية في ميدان سكاندربغ في تيرانا، ألبانيا، 16 مايو

وفي تطور رئيس آخر، بدأ نتنياهو اختبار أعصاب ترمب، ومع ذلك لا يزال يدافع عن مصالح إسرائيل. وقد كانت مبادرات ترمب تجاه سوريا مشروطة بأمن إسرائيل، ويُقال إن تحسين العلاقات مع إسرائيل وتوسيع اتفاقات أبراهام شكّلا جزءا مهماً من محادثاته مع سوريا ودول الخليج.

وإلى جانب قادة الخليج والرئيس الشرع، كان الرئيس أردوغان نجما هذه الأيام أيضا. وقد بدأت العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، التي دخلت مرحلة من البرود في عهد الرئيس بايدن، تشهد دفئا في عهد ترمب. ويصف الرئيس ترمب أردوغان بأنه قائد مهم وصديق، وينخرط معه في عدد من القضايا بما في ذلك سوريا وأوكرانيا.

وفي وقت يتعرض فيه أردوغان وحكومته لضغوط داخلية وخارجية، وسط اتهامات بالابتعاد عن الديمقراطية والتوجه نحو الحكم الاستبدادي، جاءت صداقة ترمب، والفرص التي مهدت الطريق لبناء صورته بوصفه وسيط سلام كطوق نجاة لأردوغان.

font change