القمة العربية... اختبار صعب للعراق

عوامل عدة تعرقل طموحات السوداني في تحويل القمة إلى نقطة تحوّل في السياسة الخارجية

رويترز
رويترز
صورة جماعية لقادة وممثلي الدول العربية المشاركة في قمة بغداد في 17 مايو 2025

القمة العربية... اختبار صعب للعراق

بغداد - تستضيف العاصمة العراقية بغداد القمة العربية الرابعة والثلاثين، وسط أجواء مشحونة بالأزمات السياسية الإقليمية والانقسامات الداخلية التي تعاني منها بعض الدول العربية، ورغم الطموح العراقي إلى تعزيز دوره العربي وإعادة بناء الجسور مع الجوار الخليجي، تبدو القمة مهددة بمستوى تمثيل منخفض.

القمة هي الرابعة التي تستضيفها بغداد عبر تاريخها بعد قمم 1978 و1990 و2012، وهي الثانية في ظل النظام السياسي الحالي الذي تشكل بعد عام 2003. وتُعد قمة 2012 الأقل حضورا وتمثيلا في تاريخ القمم العربية.

يلفت الانتباه في هذه القمة الغياب المتوقع لمعظم قادة الخليج العربي. وتضم قائمة الحضور العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وكذلك وجهت دعوة لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز للحضور كضيف شرف، بسبب دعمه للقضية الفلسطينية.

أجندة القمة ستركز على عدد من الملفات الساخنة، أبرزها العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، والتطورات في لبنان وسوريا واليمن، والصراع الدائر في السودان إضافة إلى مقترحات لتعزيز العمل الاقتصادي المشترك وتطوير آليات التعاون الأمني. وقد قال فرهاد علاء الدين، مستشار رئيس الوزراء العراقي، إن بغداد تسعى إلى صياغة رؤية عربية موحدة إزاء هذه القضايا.

يعود ضعف التمثيل الخليجي، إلى التوتر بين العراق والكويت، على خلفية قرار المحكمة الاتحادية العراقية في عام 2023 بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين البلدين في عام 2012، الذي أثار امتعاضا واسعا في الكويت ودول الخليج العربي، هذا الموقف أعاد إلى الواجهة واحدة من أكثر القضايا حساسية في العلاقات العراقية-الخليجية، التي كانت قد بدأت تشهد بعض الانفراج بعد عام 2003.

يعود ضعف التمثيل الخليجي إلى التوتر بين العراق والكويت، على خلفية قرار المحكمة الاتحادية العراقية في عام 2023 بإلغاء اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الموقعة بين البلدين في عام 2012

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قاد خلال الأسابيع الماضية حملة دبلوماسية حثيثة، استهدفت رفع مستوى المشاركة العربية، خصوصا من دول الخليج العربي، وأجرى اتصالات مباشرة مع بعض القادة في محاولة لتأكيد أهمية القمة، لأنه يعوّل على أن تكون هذه القمة فرصة لإعادة تموضع العراق ضمن النظام العربي، خصوصا بعد تراجع الدور الإيراني في المنطقة العربية، وتأكيد عودته إلى لعب دور محوري، بعد سنوات من العزلة والانشغال بالصراعات الداخلية، لكن المواقف المتباينة داخل العراق، والانقسامات السياسية، لا تزال تضعف هذا المسعى.

أ.ف.ب
لقاء جمع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية العراقي فؤاد حسين في بغداد قبيل انعقاد القمة العربية الرابعة والثلاثين في ١٧ مايو

وقال وزير الخارجية العراقية الأسبق، هوشيار زيباري، إن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة قدما طعنا لدى المحكمة الاتحادية، من أجل إعادة النظر في قرارها الخاص بخور عبد الله، مشيرا إلى أن هناك أطرافا متنفذة لا تريد للعراق أن يكون جزءا من الحضن العربي، لذلك تأجلت عقد جلسة المحكمة الاتحادية بإعادة النظر في قضية خور عبد الله إلى ما بعد القمة العربية.

وأنتقد زيباري الأحزاب العراقية، التي فتحت جبهات مع الأردن ولبنان وسوريا والكويت، بسبب "الإرهاب الفكري" الذي بدأ يفرض سيطرته داخل البلد.  

مشاركة سوريا

ملف مشاركة سوريا شكّل نقطة خلاف أخرى في مسار التحضيرات، ففي البداية، كانت الحكومة العراقية مترددة في توجيه دعوة رسمية للرئيس السوري أحمد الشرع، تحت ضغط من قوى شيعية داخلية تعارض انفتاحا سريعا على دمشق، خصوصا في ظل مذكرات قضائية عراقية تطاله بسبب انتمائه السابق لتنظيم "القاعدة"، لكن ضغوطا من بعض العواصم العربية، التي هددت بعدم المشاركة في حال استبعاد عضو من الجامعة العربية، دفعت بغداد إلى مراجعة موقفها وتوجيه الدعوة رسميا،  ورغم ذلك، فإن الشرع أبلغ بغداد بعدم الحضور، لعدم إحراج السوداني داخليا.

أ.ب
نائب وزير الخارجية العراقي محمد بحر العلوم، يلتقي وزير الخارجية السوري أسعد شيبان قبيل انعقاد القمة العربية الرابعة والثلاثين في بغداد، العراق، ١٦ مايو

على الأرض، بذلت الحكومة العراقية جهودا كبيرة لتجهيز العاصمة لاستقبال الوفود، إذ خصصت مبلغ 180 مليون دولار، وافتُتحت فنادق جديدة، وأُعيد تأهيل عدد من الطرق، وجرى نشر قوات أمنية كبيرة في محيط المقار الرسمية والفنادق الكبرى.

وفي الوقت نفسه، قررت السلطات منع المظاهرات خلال فترة انعقاد القمة، وهددت باعتقال أي جهة تنظم احتجاجات، ويأتي ذلك في ظل دعوات أطلقتها قوى سياسية معارِضة، خصوصا من داخل المكون الشيعي، للتظاهر تزامنا مع انعقاد القمة، في محاولة لاستغلالها سياسيا مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.

الشرع أبلغ بغداد بعدم الحضور، لعدم إحراج السوداني داخليا

وأثارت الحكومة العراقية جدلا داخليا بعد إعلانها إرسال شحنات من الحنطة إلى دول مثل سوريا ولبنان وتونس واليمن، إذ رأى معارضوها في هذه الخطوة محاولة غير مباشرة لضمان حضور قادة هذه الدول للقمة، في وقت يعاني فيه العراق من أزمات اقتصادية ومعيشية متراكمة.

وقد دافعت الحكومة عن هذه المبادرة باعتبارها تعبيرا عن تضامن إنساني وتفعيلا للدور العربي للعراق، إلا أن توقيت التبرعات فتح الباب أمام انتقادات حادة من قوى سياسية محلية وعربية.

وقال فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الحكومة العراقية، لـ"المجلة"، إن العراق منح لتونس 50 ألف طن من الحنطة، لتعزيز العلاقات بين البلدين، وكذلك 300 ألف طن إلى سوريا، مؤكدا أن ذلك ليس له أي علاقة بموضوع حضور القادة إلى القمة العربية، مشيرا إلى أن إنتاج العراق يبلغ أكثر من 6 ملايين طن سنويا وهو يكفينا.

وأضاف أن العراق أكمل جميع الاستعدادات للقمة العربية التي ستناقش قضايا مهمة تهم الشارع العربي، وتمثل فرصة لبغداد لتثبيت موقعها الإقليمي.

أ.ف.ب
رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أثناء لقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس قبل انعقاد القمة العربية الرابعة والثلاثين في بغداد، ١٦ مايو

ورأى رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، أن العراق يخوض عبر هذه القمة اختبارا سياسيا إقليمياً مهماً.

وقال الشمري لـ"المجلة"، إن الوضع الداخلي العراقي، بما فيه الانقسامات داخل البيت الشيعي، والمشاكل بين بغداد وبعض العواصم، كلها عوامل تعرقل طموحات السوداني في تحويل القمة إلى نقطة تحوّل في السياسة الخارجية للعراق.

وأشار إلى أن القمة العربية في بغداد تمثل فرصة رمزية للعراق لإعادة التفاعل مع النظام العربي، لكن محدودية الحضور، واستمرار الخلافات الثنائية، والصراعات الداخلية، تجعل من القمة اختبارا صعبا أكثر منها إنجازا دبلوماسيا مضمونا، مبينا أن بغداد تنظر إلى حل القضية الفلسطينية بشكل مختلف عن الدول الأخرى، مما يعني عدم القدرة على صياغة قرار موحد في هذا الملف.

إن قمة بغداد تجعل العراق يخرج من العزلة الطويلة التي عاشها طيلة فترة تسعينات القرن الماضي من حصار اقتصادي خانق، وما أعقب عام 2003 من فوضى أمنية وصراعات طائفية واحتلال أميركي وهيمنة التدخلات الخارجية التي جعلت الكثير من العرب يبتعدون عنه، إلا أنه بدأ يعيد بناء علاقاته المتينة مع الدول العربية رغم وجود التدخلات الإيرانية.

font change

مقالات ذات صلة