الهدنة التجارية الأميركية - الصينية... محطة في الحرب الباردة

يكمن نجاح المفاوضات في علاقات اقتصادية أكثر توازنا واستدامة بين أكبر اقتصادين في العالم

إيوان وايت
إيوان وايت

الهدنة التجارية الأميركية - الصينية... محطة في الحرب الباردة

ليست الهدنة التجارية التي توصلت إليها بكين وواشنطن سوى خطوة تكتيكية تلتقط خلالها الصين أنفاسها، وهي مجرد محطة جديدة في إطار المواجهة الاقتصادية الوجودية التي تخوضها الولايات المتحدة من خلال التعريفات القياسية وغير المسبوقة التي فرضتها على خصمها الأكبر. المفاوضات التي جرت بين الطرفين، وسيلة لحفظ ماء الوجه وكسب الوقت عبر مهلة جديدة.

حققت إدارة الرئيس ترمب ما تعتبره فوزا آخر في نهجها الحازم إزاء التجارة العالمية. لكن السؤال الأبرز هو: هل تشكل الهدنة السابقة، والاتفاق على إطار المحادثات الجديد، حلا فعليا لأي مشكلة؟

بعد أسابيع من التصعيد المتبادل على صعيد الرسوم الجمركية الذي تسبب بصدمة في الأسواق العالمية، خرج المفاوضون الأميركيون والصينيون من قاعة للمؤتمرات في جنيف يوم الحادي عشر من مايو/أيار بما يرقى إلى هدنة جمركية تستمر تسعين يوما. هللت الأسواق مرحبة. وتنفست الشركات الصعداء. وزعم السياسيون تحقيق انتصارات. وبالأمس أعن عن اتفاق على إطار للمحادثات لم تعرف تفاصيله بعد.

لكن تقييما رصينا يكشف أن هذه الهدنة عبارة عن نكسة لرؤية الرئيس ترمب في مضمار السياسات. هي لا تولد ما يكفي من الرسوم التي كان يأمل في أن يستعيض بها عن بعض الإيرادات المحلية، ولا تلحق بالصين "هزيمة" كما وعد مرارا. وتجد القوتان العظيمتان العالميتان نفسيهما الآن في وضع أكثر خطورة مقارنة بحال الخصمين المتنافسين في الحرب الباردة السابقة – البلدان متشابكان اقتصاديا لكنهما متخاصمان استراتيجيا، في غياب قواعد الاشتباك القابلة للتوقع التي كانت تمنع وقوع سوء تقدير كارثي في العلاقة بين واشنطن وموسكو. ذلك أن هذا الوقف المؤقت في التصعيد الجمركي ليس سوى استراحة في وضع يشبه على نحو متزايد حربا باردة جديدة بعيدة الأجل ومحفوفة بالأخطار، تفتقر إلى قابلية التوقع التي ميزت سابقتها في القرن العشرين.

كانت قمة جنيف أشبه بأداء مسرحي، وفرت للطرفين منصة لحفظ ماء الوجه، فلم يظهر أي منهما وكأنه تنازل أولا إذ تنازلا معا. وأتاح هذا "الاتفاق" المصمم لكل من واشنطن وبكين للتراجع عن موقف ضار اقتصاديا مع زعم تحقيق انتصار أمام جمهوريهما المحليين

دعونا لا نخطئ الظن: تمثل الشروط المتفق عليها في جنيف في مجال الرسوم الجمركية تهدئة مهمة. تراجعت الرسوم الجمركية الأميركية المفروضة على المنتجات الصينية من 145 في المئة إلى 30 في المئة فقط. وكذلك الرسوم الجمركية الانتقامية الصينية من 125 في المئة إلى 10 في المئة. وأقرت آلية للمناقشات حول المسائل الهيكلية. لكن الشروط ضحلة أيضا في شكل ملحوظ. على مدى ثلاث جولات من التصعيد السريع للرسوم الجمركية بهدف إجبار الصين على الاستسلام، ردت بكين ببساطة برسوم جمركية مطابقة في مقابل كل خطوة. وما لبث اجتماع جنيف أن حل مشكلة لم تكن تتطلب أي إنجاز ديبلوماسي – كان في إمكان الطرفين خفض رسومهما الجمركية من دون إجراء مفاوضات، وذلك بالطريقة نفسها التي رفعاها بها. كانت قمة جنيف أشبه بأداء مسرحي: لقد وفرت للطرفين منصة لحفظ ماء الوجه، فلم يظهر أي منهما وكأنه تنازل أولا إذ تنازلا معا. وأتاح هذا "الاتفاق" المصمم في صورة خاصة لكل من واشنطن وبكين التراجع عن موقف ضار اقتصاديا مع زعم تحقيق انتصار أمام جمهوريهما المحليين.

إيوان وايت

على الضفة الأميركية، يستحق وزير الخزانة سكوت بيسنت والممثل التجاري جاميسون الثناء على وقف الدوامة المقلقة الخاصة بالرسوم الجمركية المتبادلة التي هددت بتمزيق سلاسل الإمداد العالمية. لكن لنكن واضحين في شأن الأمور التي لم تتغير: لا يزال العجز التجاري الهيكلي الأميركي، والدعم الصيني للقطاعات، وإغلاق أميركا أمام الصين طريق الوصول إلى الرقائق المتقدمة، واعتماد بكين نموذج رأسمالية الدولة، كلها مسائل لا تحظى بأي معالجات جوهرية.

يشي الإطار الزمني المحدد بتسعين يوما بالكثير. ليس الاتفاق اتفاقا شاملا، بل مهلة مؤقتة تمنح كلا الاقتصادين مجالا لالتقاط الأنفاس مع تجنب الإحراج السياسي الذي يتسبب به تصادم اقتصادي غير منضبط. وتشير المدة المحدودة إلى أن أيا من الطرفين لا يتوقع حل المسائل الهيكلية العميقة خلال تلك الفترة – كلاهما ببساطة يكسبان الوقت.

هدنة تكتيكية في النزاع الوجودي

بالنسبة إلى بكين، لا تمثل هدنة جنيف إنجازا ديبلوماسيا بقدر ما تمثل وقفة تكتيكية في ما يسميه المسؤولون الصينيون في صورة متزايدة نزاعا وجوديا. أوجز شيا باولونغ، مدير المكتب الصيني لشؤون هونغ كونغ وماكاو، هذا المنظور في شكل صارخ في أبريل/نيسان، معلنا أن "الولايات المتحدة لا تستهدف رسومنا الجمركية، بل بقاءنا".

يهيمن هذا الإطار الوجودي على الخطاب الصيني في مجال السياسات. فبدلا من اعتبار الرسوم الجمركية مجرد أدوات اقتصادية، ترى بكين أنها أسلحة في حملة أميركية أوسع نطاقا تستهدف التسبب بانهيار الصين

يهيمن هذا الإطار الوجودي على الخطاب الصيني في مجال السياسات. فبدلا من اعتبار الرسوم الجمركية مجرد أدوات اقتصادية، ترى بكين أنها أسلحة في حملة أميركية أوسع نطاقا تستهدف التسبب بانهيار الصين. وفي حين أن هدنة التسعين يوما توفر متنفسا لشركات التصدير الصينية وتساعد في استقرار الأسواق، لا يملك سوى البعض في بكين أوهاما في خصوص إعادة ضبط العلاقات في صورة جوهرية. وفق تحذير أطلقه وانغ جيسي، الخبير الصيني البارز في الشؤون الأميركية لدى جامعة بكين، قد تكون المنافسة بين واشنطن وبكين "أكثر ديمومة وأوسع نطاقا وأكثر حدة من أي منافسة دولية أخرى عرفها التاريخ الحديث، بما في ذلك الحرب الباردة".

.أ.ف.ب
سيارات صينية من تصينع شركة شانجان، في غرب الصين، 17 نوفمبر 2024

وتبدو حسابات القيادة الصينية في قبول الخفض المؤقت للرسوم الجمركية حسابات براغماتية أكثر منها أيديولوجية. مع تصاعد التحديات الاقتصادية المحلية – بدءا من الأزمة العقارية إلى ارتفاع معدلات البطالة في صفوف الشباب – لا يمكن بكين أن تتحمل حربا جمركية ضروسا. ومع ذلك، تشير التنازلات المتواضعة في شأن المواد الأولية المستخدمة في إنتاج مخدر الفنتانيل إلى أن الصين لا تزال مترددة في معالجة المخاوف الأميركية شبه الثابتة من دون أن تنتزع منها أقصى قدر ممكن من النفوذ.

التضامن الوطني للمناورة الاقتصادية البرغماتية

تؤكد الرسائل التي توجهها بكين إلى الجمهور المحلي، الصمود والعزم بدلا من المصالحة. وتصور وسائل الإعلام الرسمية الهدنة على أنها دليل على أن التكتيكات الأميركية التصادمية تفشل في نهاية المطاف أمام التصميم الصيني. هذا السرد يخدم غرضا مزدوجا يتمثل في الحفاظ على التضامن القومي مع إتاحة مساحة للمناورة الاقتصادية البرغماتية.

يتلخص الأمر الأكثر دلالة على ذلك في أن المعلقين الصينيين يقارنون في شكل متزايد بين التوترات الحالية والحرب الباردة الأصلية، ولو مع تمييز حاسم. وفق ما أشار إليه وانغ جيسي في تحليلات سابقة، يمكن التوترات بين الولايات المتحدة والصين أن "تثير قلقا أكبر مقارنة بأي تشابه مع الحرب الباردة" بسبب التشابك الاقتصادي العميق بين البلدين وغياب قواعد الاشتباك الراسخة.

إنفوغراف: التعريفات الجمركية تخنق قطاع السيارات الأميركية

هذا التصور بدخول العلاقة بين البلدين مضمارا غير معروف سابقا – أكثر تقلبا من المواجهة التي عرفتها الحرب الباردة لكن بما لا يصل إلى حد النزاع العسكري – يشكل عامل دعم للنهج الذي تتبعه بكين إزاء الهدنة التجارية. لا تُعتبَر فترة التسعين يوما فرصة لمصالحة جوهرية بقدر ما يُنظَر إليها بوصفها مساحة لالتقاط الأنفاس لإعادة ضبط الاستراتيجيا في ما يعدّه المسؤولون الصينيون في صورة متزايدة تنافسا منهجيا بعيد الأجل تحدده دورات من التوتر والانفراج المؤقت.

يكمن جوهر المشكلة في العجز التجاري الأميركي الهائل الذي وصفه فريق ترمب بأنه "حالة طوارئ وطنية". وقد أكد الوزير بيسنت هذه النقطة، مشيرا إلى أن "الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري هائل بقيمة 1,2 تريليون دولار"

بالنسبة إلى بكين، الحسابات واضحة ومباشرة. مع تعرّض النمو المحلي إلى تهديد فعلي بسبب الأزمة العقارية وتصاعد ديون الحكومات المحلية، لم تستطع الصين تحمل مواجهة تجارية بعيدة الأجل مع كبرى أسواقها التصديرية. المصارف الاستثمارية التي كانت قد خفضت توقعات النمو الاقتصادي في الصين، ترفع الآن توقعاتها بحذر. مثلا، يتوقع مصرف "يو. بي. إس." الآن نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني عام 2025 بنسبة تتراوح بين 3,7 في المئة وأربعة في المئة، ارتفاعا من 3,4 في المئة كان قد توقعها قبل إبرام الاتفاق. هكذا يوفر الاتفاق للقادة الصينيين راحة مؤقتة، وليس حلا للتحديات الاقتصادية التي يواجهونها.

المسائل الهيكلية الكامنة من وراء استراتيجيا ترمب التجارية

كانت استراتيجيا الرئيس ترمب العدوانية في خصوص الرسوم الجمركية مدفوعة بالعديد من المخاوف الهيكلية التي عرفتها أيضا عهود الإدارات السياسية المتتالية، على الرغم من أن نهجه اتسم بالتأكيد بتصادمية أكبر. فشل نهج إدارة بايدن السابق المتمثل في وعظ الصين في غياب أي نفوذ اقتصادي كبير عليها في تحقيق اختراقات في المسائل الرئيسة. أما رغبة ترمب في استخدام الرسوم الجمركية كسلاح فاسترعت، على الأقل، انتباه بكين. بيد أن هذا الانتباه لا يُترجَم بالضرورة تنازلات صينية ذات مغزى.

.أ.ف.ب
وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، في البيت الأبيض، 30 مايو 2025

يكمن جوهر المشكلة في العجز التجاري الأميركي الهائل الذي وصفه فريق ترمب بأنه "حالة طوارئ وطنية". وقد أكد الوزير بيسنت هذه النقطة، مشيرا إلى أن "الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري هائل بقيمة 1,2 تريليون دولار"، وتسعى الإدارة إلى معالجته من خلال الرسوم الجمركية المتبادلة التي "تكفل تكافؤ الفرص للعاملين والمنتجين الأميركيين".

ما هي مصادر القلق الأميركي؟

1- الحواجز غير الجمركية: أشار وزير الخزانة بيسنت صراحة إلى دعم الصين العمالة والمنتجات الرأسمالية في ممارسة "صُدِّر أثرها إلينا وإلى بقية العالم". هذه الإعانات تولّد مجالا غير متكافئ يعاني المصنعون الأميركيون من المنافسة فيه.

2- نقاط ضعف سلسلة الإمداد: أكدت الإدارة الأميركية أهمية "إعادة صناعاتنا الاستراتيجية المهمة" إلى الولايات المتحدة باعتبارها مسألة من المسائل التي تتعلق بـ"الإرادة الوطنية". الرسوم الجمركية تؤدي دور وسيلة ضغط تستهدف إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية لصالح أميركا.

المنافسة على الرقائق

3- عدم التماثل في الوصول إلى الأسواق: أحد مصادر الإحباط الذي ينتاب باستمرار واضعي السياسات الأميركيين تمثّله السوق المحلية الصينية المتمتعة بحماية شديدة. بينما تتمتع الشركات الصينية بوصول غير مقيد نسبيا إلى المستهلكين الأميركيين وأسواق رأس المال الأميركية، تواجه الشركات الأميركية متاهة من العقبات التنظيمية والقيود الاستثمارية وعمليات نقل التكنولوجيا قسرا عند محاولة دخول الأسواق الصينية. يعتبر فريق ترمب الرسوم الجمركية وسيلة ضغط ضرورية لإتاحة القطاعات التي لا تزال محظورة، بما في ذلك الخدمات المالية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

4- المنافسة الاستراتيجية مع الصين: لعل الأهم من ذلك أن ترمب تحول من الموقف الدفاعي الذي اتخذه سلفه إلى استراتيجيا عدوانية تهدف إلى التفوق على الصين على الصعيد العالمي. يتجسد هذا التحول في إعلانه الأخير أن أي دولة تستخدم رقائق شركة "هواوي" ستُعتبَر منتهكة لقوانين مراقبة الصادرات الأميركية. وعلى عكس النهج الذي اتبعته الإدارة السابقة التي عزلت الرقائق الأميركية المتطورة عن الأسواق الدولية من خلال ضوابط تصدير، يسعى الرئيس ترمب إلى الاستفادة من قوة السوق الأميركية لعزل المنتجات الصينية في الأسواق العالمية. ويمثّل ذلك انتقالا جوهريا من الاحتواء إلى العزل – باستخدام الثقل الاقتصادي الأميركي لإجبار الدول الأخرى على الاختيار بين المنظومات التكنولوجية الأميركية أو الصينية، مع فرض عقوبات صارمة على الدول التي تختار المنظومة الصينية.

5- أزمة الفنتانيل: يعالج الاتفاق على وجه التحديد تدفق المواد الكيميائية الأولية المستخدمة في إنتاج الفنتانيل من الصين إلى عصابات المخدرات، وهذا مصدر قلق بعيد الأجل للمسؤولين الأميركيين. وقد أصبحت هذه المسألة ملحة في شكل متزايد إذ يتسبب الفنتانيل الآن في وفاة مئات الآلاف من الأميركيين سنويا.

6- آليات الإنفاذ: أشار مسؤولو ترمب إلى فشل الصين في احترام اتفاقية التجارة المبرمة عام 2020 في ظل إدارة ترمب الأولى، زاعمين أن بكين "تجاهلت التزاماتها" بمجرد تولي بايدن.

من خلال تأمين الرسوم الأساسية البالغة 10 في المئة، تكون بكين قد تفوقت في صورة فاعلة على حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين الذين اصطفوا بإخلاص لإجراء مفاوضات ثنائية مع واشنطن، مما جعل المسؤولين اليابانيين يعانون في شرحهم للمصنعين اليابانيين المحليين

يمثّل هذا النهج الشامل ابتعادا كبيرا عن سياسات الإدارات السابقة. بدلا من مجرد السعي إلى تحسينات تدريجية في شروط التجارة، تهدف استراتيجيا ترمب إلى إعادة هيكلة العلاقة الاقتصادية مع الصين في صورة أساسية – المطالبة بفتح الأسواق على النمط الأميركي، والعمل في الوقت نفسه على تقليص النفوذ التكنولوجي الصيني على مستوى العالم. ويبدو أن الإدارة الأميركية مقتنعة بأنها فقط من خلال استخدام النفوذ الاقتصادي الأميركي الكامل يمكنها التفوق على الصين في مراكز الاقتصاد العالمي القيادية.

الآثار المضاعفة عالميا للهدنة التجارية

تؤدي الهدنة الجمركية بين الولايات المتحدة والصين إلى آثار اقتصادية جانبية في أنحاء العالم كله. تواجه الآن مراكز التصنيع مثل الهند وفيتنام والمكسيك ضغوطا لتؤمن لنفسها شروطا جمركية مؤاتية في علاقاتها مع الولايات المتحدة. إذا قُيِّض للاتفاق التجاري المبسط المبرم بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة أن يقدّم أي درس قيّم، فالدرس هو أن واشنطن تجبر الدول في شكل فاعل على تهميش الصين استراتيجيا في الأسواق المحلية.

.أ.ف.ب
الرئيس الصيني شي جينغ بينغ بجانب الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ولايته الأولى، خلال اجتماعات مجموعة العشرين في أوساكا، اليابان، 28 يونيو 2019

وتجد دول العالم الأخرى الآن أن سياساتها التجارية إزاء الصين تمليها واشنطن في صورة فاعلة معتبرة إياها بمثابة ثمن للوصول إلى الأسواق الأميركية – وهذا شكل جديد من أشكال الإكراه الاقتصادي المقنّع بقناع الاتفاقات الثنائية.

بعد اتفاق جنيف، تجد طوكيو نفسها في وضع غير مستقر في شكل غير متوقع. فاليابان التي هرعت إلى واشنطن بحماسة ملحوظة للتفاوض على شروط مؤاتية، تراقب الآن كيف أصبحت ديبلوماسيتها الحذرة غير ذات صلة. على الرغم من الزيارات المتعددة ومناشدات رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا المباشرة للرئيس ترمب، تواجه اليابان حقيقة واقعية مفادها أن بضائعها المتجهة إلى الولايات المتحدة ستخضع إلى رسوم جمركية بنسبة 24 في المئة مقارنة بنسبة الـ10 في المئة فقط الخاصة بالبضائع الصينية (باستثناء رسوم الفنتانيل – التي تبلغ 20 في المئة) بعد الخفض المفاجئ للرسوم الجمركية. هذا الحرج الديبلوماسي – الذي يمثّل خفضا مذهلا بنسبة 14 في المئة، مقارنة بمنافستها الإقليمية – يُبرِز درسا مؤلما: لا تسفر التنازلات عن نتيجة أفضل مما يسفر عنه الانتقام.

الواقع أنه من خلال تأمين الرسوم الأساسية البالغة 10 في المئة، تكون بكين قد تفوقت في صورة فاعلة على حلفاء الولايات المتحدة الإقليميين الذين اصطفوا بإخلاص لإجراء مفاوضات ثنائية مع واشنطن، مما جعل المسؤولين اليابانيين يعانون في شرحهم للمصنعين اليابانيين المحليين السبب الذي جعل تعاونهم الإرادي يثمر نتائج أسوأ من سياسة حافة الهاوية التي تتبعها الصين.

ما يلفت النظر في شكل خاص في هذا الاتفاق، الطريقة التي أعاد بها تعريف ما يشكّل "أخبارا جيدة" في السياق العالمي ذي الزخم الكثيف. تحظى زيادة الرسوم الجمركية بنسبة 30 في المئة منذ يناير/كانون الثاني – التي لا تزال مرتفعة للغاية في ضوء المعايير التاريخية – باحتفاء الآن لمجرد أنها أقل كارثية من نسبة الـ145 في المئة.

استعداد الصين لتلبية المطالب الهيكلية الأميركية أو قدرتها على ذلك غير مؤكدين إلى حد كبير. والإطار الزمني المحدد بتسعين يوما قصير للغاية لمعالجة المشاكل الهيكلية المتجذرة التي تراكمت على مدى عقود

بالنسبة إلى الشركات الأميركية، قد يتبين لها أن عدم القدرة على التوقع قد يكون ضارا مثل الرسوم الجمركية نفسها. لقد واجهت الشركات بالفعل حربين تجاريتين كبيرتين مع الصين خلال السنوات السبع الماضية، مما يجعل التخطيط البعيد الأجل شبه مستحيل. الأسوأ من الرسوم المرتفعة هي الرسوم التي لا يمكن توقعها. يمكن الشركات أن تنجح في بيئة ذات رسوم مرتفعة أو منخفضة – لكن ليس في بيئة غير مستقرة.

نشاط ديبلوماسي منتظر في مهلة التسعين يوما الجارية

ستتميز الأشهر الثلاثة الجارية بنشاط ديبلوماسي مكثف وعدم يقين في السوق. لقد التزم كلا البلدين إنشاء آليات رسمية للمناقشة، سيمثّل فيها نائب رئيس الوزراء هي ليفينغ الصين بينما سيمثّل الوزير بيسنت والسفير غرير الولايات المتحدة.

ثمة مسألة عالقة: إن استعداد الصين لتلبية المطالب الهيكلية الأميركية أو قدرتها على ذلك غير مؤكدين إلى حد كبير. والإطار الزمني المحدد بتسعين يوما قصير للغاية لمعالجة المشاكل الهيكلية المتجذرة التي تراكمت على مدى عقود من الزمن، ولا سيما في ما يتعلق بفتح السوق الاستراتيجية الصينية.

.أ.ف.ب
حاويات البضائع المكدسة في ميناء جيرسي بالقرب من مانهاتن ، الولايات المتحدة الأميركية، 8 أبريل 2025

مع حلول فصل الصيف، يجب على المستثمرين والشركات وواضعي السياسات رؤية هذا الاتفاق كما هو: الاتفاق ليس حلا، بل هدنة مؤقتة في ما يشبه في شكل متزايد مزاحمة اقتصادية بعيدة الأجل بين نظامين متنافسين. لن يقاس نجاح هذا النهج من خلال ارتفاع الأسعار في الأسواق أو التصريحات السياسية، بل من خلال ما إذا كان سيؤدي في نهاية المطاف إلى علاقات اقتصادية أكثر توازنا واستدامة بين أكبر اقتصادين في العالم. ولا يزال الشك يساور المراقبين في هذا الصدد.

font change

مقالات ذات صلة