تعيش منطقة المشرق العربي، تحديدا سوريا ولبنان، على وقع فوضى الأحداث والتصريحات والمواقف. وأما الأردن ففي موقف ترقب حذر بين أوضاع الجنوب السوري وأوضاع الضفة الغربية، بينما العراق يعيد قراءة خرائط النفوذ بعد المواجهة الإيرانية الأميركية، في وقت لا تزال غزة تخضع لمنطق العنف الإسرائيلي في حرب من دون أفق حتى من المنظور الإسرائيلي.
والواقع أنه لا يكاد يمر يوم واحد من دون صور الدم والتهجير والجوع، وبعدما كانت غزة طيلة الأشهر الماضية وما زالت المسرح الرئيس لهذه المشاهد المفزعة، فإن مشاهد العنف الطائفي في سوريا يبدو أنها تمتلك قدرة تنافسية معتبرة عندما يتعلق الأمر بثارات وأحقاد قديمة وتعصب ديني ليس سوى نتاج عقود من التجهيل والعنف وإلغاء السياسة.
والمرعب والخطير ليس العنف وحده بل الاحتفال به وكأنه إنجاز، وهو سلوك يترسخ أكثر فأكثر ولا يحتكره غلاة اليمين الصهيوني المتطرف، بل أيضا يجد نماذج عدة على مستوى المنطقة وفي محطات متفرقة آخرها ما يجري في سوريا حيث يبدو أن المجازر ترتكب لكي يتم تصويرها وتوثيقها كعمل بطولي ومدعاة فخر واعتزاز.
وبات لا يكفي القول إن ما نشهده في سوريا هو نتيجة لنصف قرن من العنف شهد آخر 15 سنة أدمى الحروب الأهلية في المنطقة مع نحو نصف مليون قتيل وملايين النازحين والمشردين فضلا عن الآلاف المؤلفة للمختفين والمعتقلين في أسوأ سجون العالم على الإطلاق. هذا كله مفهوم ولا يمكن إغفاله عند معاينة المشهد السوري وتحليله وفهمه، لكن التوقف عند هذا الفهم بات عقبة كأداء أمام فهم ما يحصل في سوريا وما يمكن أن يحصل مستقبلا إذا لم تتم محاصرة هذا الوعي العنفي الذي يبدو يوما بعد يوم أنه متأصل وليس وليد سلوك عابر أو ردود أفعال فردية.
ففي حالة كهذه يختلط الفردي بالجماعي فلا يعود التمييز بينهما مفيدا أو ممكنا، إذ إن الاعتبار الرئيس من كل ذلك هو أن ثمة مجتمعا يتأسس على العنف وليس على أي قيم إيجابية أخرى. وهذه انتكاسة خطيرة للتغيير في سوريا والذي ذهب بنظام تأسس على العنف وترهيب المجتمع، فهل يكون التغيير قد اقتصر على انتقال أدوات العنف من طرف إلى آخر؟