حرب التعريفات مستعرة وترمب ويلوّح بمعاقبة روسيا

أزمة ثقة بين أوروبا وواشنطن... والعلاقات في أسوأ مراحلها منذ الحرب العالمية الثانية

AL Majalla
AL Majalla

حرب التعريفات مستعرة وترمب ويلوّح بمعاقبة روسيا

لا تزال الحروب التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترمب مستعرة منذ خمسة أشهر، من دون تفرقة واضحة بين الحلفاء والشركاء، تحت شعار "أميركا أولا". وتضغط قراراته الأحادية على حركة التجارة والمبادلات الدولية، التي تواجه بدورها تهديدات أمنية متزايدة في طرق الملاحة البحرية، بفعل الحروب الإقليمية المتصاعدة، مما قد يدفع الاقتصاد العالمي نحو مأزق جديد عنوانه "الرسوم الجديدة" المزمع تطبيقها بدءا من أغسطس/آب المقبل.

وفي خطوة تصعيدية، توعد ترمب روسيا بـ"فرض رسوم جمركية قاسية جدا" عليها وعلى حلفائها التجاريين، إذا لم يُحسَم النزاع في أوكرانيا خلال 50 يوما. وقال في تصريحات صحافية من البيت الأبيض: "خاب ظني جدا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كنت أظن أننا سنتوصل إلى اتفاق قبل شهرين. وإذا لم نتوصل إلى اتفاق في غضون 50 يوما، فالأمر بسيط جدا: سنفرض رسوما جمركية بنسبة 100 في المئة". وتشمل قائمة الحلفاء التجاريين لروسيا الصين، وبيلاروسيا، وكازاخستان، وأرمينيا، وفيتنام، وصربيا، وكوريا الشمالية.

المديونية الفيديرالية قد تصل إلى 36 تريليون دولار في نهاية 2025، ما يعادل تقريباً ثلث الاقتصاد العالمي، نتيجة الخلل الهيكلي في الميزان التجاري. وقد بدأت آثار ذلك تنعكس على أسواق المال الأميركية

وتشير التسريبات إلى أن معظم دول العالم قد تخضع إلى رسوم جمركية تتراوح بين 10 في المئة و50 في المئة، على أن يطبَّق متوسط بنسبة 30 في المئة على الغالبية. وتشمل هذه الدول الاتحاد الأوروبي، كندا، المكسيك، البرازيل، دول جنوب شرق آسيا، اليابان، وعدداً من الدول العربية، وأميركا اللاتينية وجنوب أفريقيا. كذلك لوّح ترمب بإبقاء رسوم مرتفعة على المواد الأولية مثل النحاس والألمنيوم والصلب، إضافة إلى إمكان فرض عقوبات جمركية جديدة على مجموعة "بريكس".

العجز التجاري في اتساع

تشير بيانات "ترايدينغ إيكونوميكس" إلى أن العجز التجاري الأميركي الصافي بلغ 71.5 مليار دولار في مايو/أيار الماضي، بينما بلغ العجز الإجمالي نحو 87 مليار دولار. وسجلت الصادرات تراجعا بنسبة أربعة في المئة إلى 279 مليار دولار، بعدما كانت 290.5 مليار دولار في أبريل/نيسان. وسُجِّل عجز مع الاتحاد الأوروبي بقيمة 22.5 مليار دولار، ومع فيتنام بنحو 15 مليار دولار، ومع الصين بحوالى 14 مليار دولار، ومع المكسيك بواقع 13.5 مليار دولار.

.أ.ف.ب
حاويات البضائع المكدسة في ميناء جيرسي بالقرب من مانهاتن ، الولايات المتحدة الأميركية، 8 أبريل 2025

أما التقرير السنوي الصادر عن لجنة التجارة الخارجية في الكونغرس، فقد أفاد بأن العجز التجاري الإجمالي للولايات المتحدة بلغ 1.39 تريليون دولار للسلع المستوردة، بينما حققت صادرات الخدمات فائضا بقيمة 308.8 مليار دولار، مما يجعل العجز الصافي الأميركي يناهز تريليون دولار، أي ما يعادل ميزانية وزارة الدفاع.

وتُتوقع مديونية فيديرالية تصل إلى 36 تريليون دولار في نهاية 2025، ما يعادل تقريبا ثلث الاقتصاد العالمي، نتيجة الخلل الهيكلي في الميزان التجاري. وقد بدأت آثار ذلك تنعكس على أسواق المال الأميركية، مع تراجع ثقة المستثمرين في ظل التهديدات الأوروبية بفرض رسوم مماثلة على المنتجات الأميركية.

العجز التجاري الأميركي بلغ 71.5 مليار دولار في مايو/أيار 2025، وسط تراجع في الصادرات وزيادة في الواردات

وخلال الربع الأول من السنة الجارية، ارتفعت قيمة الواردات الأميركية إلى تريليون دولار، بزيادة 158 مليار دولار عن الفترة نفسها من عام 2024، فيما لم ترتفع الصادرات بسوى مقدار 21 مليار دولار لتبلغ 539 مليار دولار. ويُعزَى معظم النمو في الصادرات إلى الطائرات، والتجهيزات الدفاعية، والتقنيات المتقدمة. ووفق مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي، فإن العجز في الحساب الجاري توسّع بنسبة 44.3 في المئة ليبلغ نحو 450 مليار دولار، مقارنة بـ312 مليارا في الربع الأخير من 2024.

توتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي

تكشف البيانات التجارية أن الخلل لا يكمن فقط في الرسوم الجمركية، بل في تنافسية الصادرات الأميركية نفسها. فالولايات المتحدة، على رغم كونها القوة الاقتصادية الأولى عالميا، لم تعد الأولى صناعيا، إذ سبقتها الصين، كما لم تعد السوق الاستهلاكية الكبرى، إذ تفوّق عليها الاتحاد الأوروبي، ولا حتى الأكثر تنافسية إنتاجيا، إذ تتفوق عليها دول جنوب شرق آسيا، وكوريا الجنوبية، واليابان.

أ.ف.ب.
أعلام أميركا والاتحاد الأوروبي خلال القمة الأميركية الأوروبية في مقر الاتحاد ببروكسيل، 15 يونيو 2025

وتُقدَّر قيمة التبادل التجاري الأميركي مع بقية العالم بنحو ثمانية تريليونات دولار في نهاية 2025، منها 4.8 تريليون دولار للواردات و3.2 تريليون دولار للصادرات، وفق تقديرات المكتب التجاري الأميركي، أي ما يعادل 24 في المئة من إجمالي التجارة العالمية للسلع والخدمات.

غير أن سيناريو الرسوم الجمركية يبدو عديم الجدوى اقتصاديا، خصوصاً مع توقعات بعجز تجاري إجمالي يصل إلى 1.6 تريليون دولار، مما سيكون له أثر سلبي مباشر في الدين العام الأميركي. هذا العجز، إلى جانب معدلات الفوائد المرتفعة على سندات الخزينة، قد يحرم الدول النامية والصاعدة من فرص التمويل التفضيلي، ويضغط على الطبقة الوسطى داخل أميركا، مع خطر اتساع رقعة الفقر وانعدام الاستقرار الاجتماعي.

أشارت المفوضية الأوروبية في تقريرها لعام 2024 إلى أن حجم التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بلغ نحو 1.9 تريليون دولار (1680 مليار يورو)، أي ما يعادل 30 في المئة من التجارة العالمية و43 في المئة من الناتج العالمي. وقد استورد الاتحاد منتجات وتجهيزات أميركية بقيمة 390.7 مليار دولار، في مقابل صادرات بلغت 620.8 مليار دولار، مما يجعل أميركا الوجهة الأولى لصادرات الاتحاد بنسبة 20.6 في المئة.

توتر متصاعد بين واشنطن وبروكسيل بسبب إنفاق "الناتو" وفائض تجاري أوروبي يفوق 230 مليار دولار

غير أن بروكسيل تسجل عجزا تجاريا مع الصين التي تستحوذ على 21.3 في المئة من واردات أوروبا. وتصف مصادر أوروبية العلاقات الحالية مع واشنطن بأنها تمر بمرحلة فتور غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية، وتشهد خلافات تمتد من الاقتصاد إلى السياسة الدفاعية، خصوصا في ما يتعلق بتمويل "الناتو" ودعم أوكرانيا.

وتشير تقارير إعلامية أميركية إلى أن ترمب يفضّل التفاوض أولا مع دول آسيا الوسطى والجنوبية، مثل الهند، قبل التفرغ لمحادثات شائكة مع الاتحاد الأوروبي، الذي يتمتع بثقل اقتصادي لكنه يعاني من تباينات داخلية في المصالح. وتؤكد مصادر أوروبية أن ترمب لم يُبدِ الحماسة نفسها لإنهاء الحرب في أوكرانيا كما أبداه في الضغط لوقف التصعيد بين إسرائيل وإيران، أو التوسط لوقف إطلاق النار في غزة، تمهيدا لمرحلة سياسية جديدة في الشرق الأوسط.

توترات داخل "الناتو" وخلاف مع مدريد

وقد شهدت قمة "الناتو" في لاهاي انقسامات حول مقترح أميركي لرفع مساهمات الحلف إلى خمسة في المئة من الناتج المحلي لكل دولة. ورفضت إسبانيا وبعض الدول هذا المقترح، معتبرة إياه مضرّا ببرامجها الاجتماعية. وتقدَّر تكلفة "الناتو" حاليا بنحو 1.5 تريليون دولار، تتحمل الولايات المتحدة منها الثلثين.

رويترز
صورة جماعية لزعماء حلف شمال الأطلسي في قمة الناتو في لاهاي، هولندا في 25 يونيو 2025

وتقود ألمانيا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين جهودا للتوصل إلى اتفاق مع واشنطن يحمي المصالح الأوروبية، وتعتبر فرض رسوم بنسبة 30 في المئة على صادرات السيارات الألمانية تهديدا مباشرا لقطاع حيوي. وبلغت صادرات ألمانيا إلى أميركا نحو 163 مليار دولار، تليها إيرلندا بـ103 مليارات، في حين تتصدر المكسيك (510 مليارات)، ثم الصين (462 مليارا)، ثم كندا (422 مليارا).

اختراق فيتنامي ومخاوف من التفاف آسيوي

توصلت إدارة ترمب إلى اتفاق تجاري مع فيتنام يقضي بإلغاء الرسوم على الصادرات الأميركية، في مقابل فرض رسوم تتراوح بين 20 في المئة و40 في المئة على المنتجات الفيتنامية وفقا لقواعد المنشأ. وتُعَدّ هذه خطوة مهمة في منطقة جنوب شرق آسيا، التي تضم أكثر من 647 مليون نسمة، وناتجا إجماليا يقدّر بأربعة تريليونات دولار. وتتهم واشنطن الصين باستخدام بعض هذه الدول كمنفذ غير مباشر لتمرير صادراتها نحو السوق الأميركية. وتشير بيانات وزارة التجارة الأميركية إلى أن حجم التجارة مع فيتنام قفز من أقل من ثلاثة مليارات دولار عام 2001 إلى 150 مليار دولار في 2024، بعدما تحوّلت العلاقة الثنائية إلى "شراكة استراتيجية شاملة".

وباتت السوق الأميركية تمثّل نحو ثلث صادرات فيتنام، التي تشمل الملابس، الأحذية، الأجهزة، والآلات. وبلغ الفائض التجاري الفيتنامي لصالح هانوي 123.5 مليار دولار في 2024، وأكثر من 39 مليار دولار خلال الربع الأول من 2025.

font change

مقالات ذات صلة