معظّم بيغ... "المقاتل العدو" الذي يتظاهر من أجل أطفال غزة

سجين سابق في غوانتانامو

غيتي
غيتي
معظم بيغ يتحدث إلى النشطاء المؤيدين للفلسطينيين الذين تجمعوا خارج المحاكم الملكية للعدل في 4 يوليو 2025 في لندن

معظّم بيغ... "المقاتل العدو" الذي يتظاهر من أجل أطفال غزة

عندما اعتقلت شرطة لندن أكثر من 460 شخصا خلال تجمع مؤيد لفلسطين في ساحة البرلمان مؤخرا، كان من بينهم رجل في السابعة والخمسين، سبق له أن أمضى فترة من السجن في معتقل غوانتانامو الشهير: معظّم بيغ. وقبل لحظات من توقيفه، قال في كلمة أمام الحشد: "ليست القضية قضية حركة (فلسطين أكشن)، بل قضية أطفال غزة ورجالها ونسائها، قضية دولة ترتكب جريمة إبادة جماعية".

لم يكن اعتقال بيغ حدثا عابرا، بل تتويج لأيام من التخطيط الدقيق. أراد المنظمون من خلاله إرسال رسالة واضحة مفادها أن المتظاهرين قادرون على تحدي الشرطة ورفض قرار الحكومة بتصنيف حركة "فلسطين أكشن" منظمة إرهابية. وأكدت شرطة العاصمة أن العملية كانت أكبر حملة اعتقالات مرتبطة بحدث واحد خلال عقد على الأقل، مشيرة إلى أن عددا كبيرا من المشاركين رفعوا لافتات تؤيد الحركة. وقد نُقل جميع الموقوفين إلى مراكز تسجيل في وستمنستر، بينما أفرج عمن ثبتت هوياتهم بشرط أن لا يشاركوا في فعاليات مماثلة مستقبلا.

في البداية بدا أن مظاهرة حركة "فلسطين أكشن" جاءت عفوية، إذ توافد المئات عند الساعة الواحدة ظهرا أمام البرلمان، كل منهم يحمل لافتة يدوية تعلن دعمه للجماعة المحظورة. غير أن ما كشفته صحيفة "التلغراف" مؤخرا أظهر نقيض ذلك. فقد سبق المظاهرة اجتماع عقد في برمنغهام، شاركت فيها مجموعات من بينها منظمة "كيج إنترناشيونال" (Cage International)، التي يشغل بيغ نفسه فيها منصب مدير التواصل، ومجموعة "دافع عن هيئات المحلفين"، لتنظيم المظاهرة. ودعا بيغ الجالية المسلمة إلى المشاركة في هذا التحرك الاحتجاجي، قائلا: "نحن من الجالية المسلمة، لنا حضور ضخم في هذه المدينة، ويجب أن نشرك قادتنا وأئمتنا وأحباءنا، ومن هم في مراكز القوة، للانضمام. فالقوة في العدد. توقفوا عن الجبن، فالجبناء لا ينتصرون في المعارك".

ولد معظم بيغ في 5 يوليو/تموز 1968 في سباركهيل بمدينة برمنغهام، وهو بريطاني من أصل باكستاني. احتجزته الحكومة الأميركية خارج إطار القضاء في منشأة باغرام العسكرية في أفغانستان ومعسكر اعتقال خليج غوانتانامو في كوبا لما يقرب من ثلاث سنوات. فقد اعتقلته المخابرات الباكستانية في منزله بباكستان في فبراير/شباط 2002، ثم سلمته إلى ضباط الجيش الأميركي، الذين احتجزوه أولا في مركز باغرام، قبل نقله إلى غوانتانامو حيث بقي حتى يناير/كانون الثاني 2005.

رفع بيغ، وبريطانيون آخرون كانوا محتجزين في غوانتانامو، دعوى قضائية ضد الحكومة البريطانية، اتهموها بالتواطؤ في الإساءة والتعذيب اللذين تعرضوا لهما أثناء احتجازهم لدى الولايات المتحدة

وصفت السلطات الأميركية بيغ بانه "مقاتل عدو"، مدعية أنه عضو في تنظيم "القاعدة"، وأنه جنّد أفرادا وجمع أموالا لمعسكرات تدريب تابعة للتنظيم، وتلقى تدريبا عسكريا فيها لمحاربة القوات الأميركية أو الحليفة. غير أن بيغ أقر بأنه أمضى وقتا في معسكرين غير تابعين لـ"القاعدة" في أفغانستان في أوائل التسعينات، وأنه قدّم دعما ماليا لمقاتلين في البوسنة والشيشان، لكنه نفى أي تورط في أعمال إرهابية.

يزعم بيغ أنه تعرّض للإساءة من قبل الحراس خلال احتجازه في منشأة باغرام، وأنه شاهد ضربا مميتا أودى بحياة اثنين من المحتجزين. في ذلك الحين، نفى المتحدثون باسم الجيش الأميركي رواية بيغ، غير أن تحقيقا عسكريا أُجري عام 2005 حول الإساءات في باغرام خلص إلى أن الرجلين لقيا حتفهما بالفعل نتيجة سوء معاملة الحراس الأميركيين.

غيتي
معظم بيغ (وسط الصورة) يحمل وردة صفراء ولافتة كُتب عليها "أنا أعارض الإبادة الجماعية - أنا أدعم العمل من أجل فلسطين" في ساحة البرلمان في 9 أغسطس 2025 في لندن

وسط تصاعد الغضب الشعبي في المملكة المتحدة بشأن احتجاز مواطنين بريطانيين، تدخلت الحكومة البريطانية عام 2004 نيابة عن مواطنيها المحتجزين في خليج غوانتانامو. وفي 25 يناير/كانون الثاني 2005، أذن الرئيس جورج بوش بالإفراج عن بيغ دون توجيه تهم، رغم اعتراضات من وزارة الدفاع الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي.

رفع بيغ، إلى جانب مواطنين بريطانيين آخرين كانوا محتجزين سابقا في غوانتانامو، دعوى قضائية ضد الحكومة البريطانية، اتهموها فيها بالتواطؤ في الإساءة والتعذيب اللذين تعرضوا لهما أثناء احتجازهم لدى الولايات المتحدة. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2010، أعلنت الحكومة البريطانية التوصل إلى تسوية مالية خارج المحكمة مع 16 محتجزا سابقا، من بينهم بيغ.

حظر حركة "فلسطين أكشن" أعقب حادثة وقعت في يونيو، عند تخريب طائرتين عسكريتين في أوكسفوردشاير، مما تسبب في أضرار بلغت قيمتها سبعة ملايين جنيه إسترليني

بعد إطلاق سراحه، تحول بيغ إلى معلق إعلامي حول التدابير الأميركية والبريطانية والدولية في مجال مكافحة الإرهاب. وشارك في فعاليات ولقاءات متحدثا عن تجاربه في غوانتانامو ومرافق احتجاز أخرى. وفي عام 2022، أُبلغ بإمكانية استعادة جواز سفره البريطاني، بعد ثماني سنوات من مصادرته بسبب رحلتين أجراهما إلى سوريا.

ينص قرار حظر حركة فلسطين، الذي نفذته وزيرة الداخلية يفيت كوبر في يوليو/تموز، على أن العضوية في الجماعة أو دعمها يشكلان جريمة جنائية بموجب قانون مكافحة الإرهاب لعام 2000، يُعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى 14 عاما. ولكن الحركة مُنحت في أغسطس/آب إذنا بالطعن في الحظر، بعدما رأت المحكمة العليا أن هناك قضية تستحق المراجعة. ومن المقرر إجراء مراجعة قضائية في نوفمبر، في وقت تستمر فيه الاحتجاجات بشكل متواصل حتى ذلك الحين.

وكان قرار حظر حركة "فلسطين أكشن" قد أعقب حادثة وقعت في يونيو/حزيران، عندما جرى تخريب طائرتين عسكريتين في قاعدة راف بريز نورتون في أوكسفوردشاير، مما تسبب في أضرار بلغت قيمتها سبعة ملايين جنيه إسترليني.

غيتي
اعتقلت الشرطة البريطانية الكاتب والناشط السياسي، معظم بيغ، أثناء مظاهرة في ساحة البرلمان، في 9 أغسطس 2025

قال بيغ في تصريح: "هذا الفعل لا يتعلق بحركة فلسطين، بل بقضايا أوسع تمس الكيفية التي تقيّد بها تشريعات مكافحة الإرهاب الحريات الأساسية وتقوّض سيادة القانون، وهو ما سلطت عليه منظمة كيج إنترناشيونال الضوء طوال 22 عاما. لا شك أن هذه القوانين استُغلت، ويتواصل استغلالها، لقمع حرية التعبير، وبناء بنية قمعية تُهدد حرياتنا المدنية".

في المقابل، أوضح متحدث باسم وزارة الداخلية أن وزيرة الداخلية بيّنت بوضوح أن حظر حركة فلسطين لا يتعلق بفلسطين، ولا يؤثر على حرية الاحتجاج دفاعا عن حقوق الفلسطينيين، بل ينطبق فقط على المنظمة المحددة والضيقة، التي لا تعكس أنشطتها ولا تمثل الآلاف من الأشخاص في مختلف أنحاء البلاد، ممن يواصلون ممارسة حقوقهم الأساسية في الاحتجاج على قضايا متعددة.

font change