على مدى يومين حافلين بالأحداث والترقب كانا أشبه بالدراما المفتوحة، كانت علاقة قطر بالولايات المتحدة الأميركية تتعرض لاختبار شديد، على خلفية قيام طائرات إسرائيلية بقصف قيادات كبار زعماء حركة "حماس" في الدوحة، قبيل اجتماع لهم كان مفترضا أن يُجرى لاحقا مع وفد أميركي.
هول المفاجأة كان واضحا ومفهوما بإعلان قطري غاضب على لسان رئيس وزراء الإمارة الخليجية ووزير خارجيتها الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، يستنكر الفعل الإسرائيلي بوصفه "تهديدا خطيرا لأمن وسلامة المواطنين والمقيمين في قطر" ويشير إلى استعداد الأخيرة "لاتخاذ كافة الوسائل القانونية والدبلوماسية لمحاسبة المسؤولين عن هذا الهجوم". تصاعدت نبرة الغضب هذه ضد هذا الهجوم الإسرائيلي الذي أدى إلى مقتل خمسة فلسطينيين ورجل أمن قطري وصفه المسؤول القطري في تصريح ثان بأنه "إرهاب دولة... لقد تعرضنا للخيانة".
في هذه الأثناء دخلت الولايات المتحدة في مرحلة "احتواء الأضرار"، إذ وجدت نفسها فجأة عالقة بين حليفين مهمين لها في المنطقة اعتدى أحدهما على الآخر على نحو فاضح ولا يمكن تبريره، في الوقت الذي يساعدها هذا هذا الحليف لتحقيق اختراق سياسي ينهي حربا دموية يمكن أن تقدمه أميركا كانتصار دبلوماسي لها.
كان جزءا من "احتواء الضرر" الإعلانُ الأميركي، على لسان الناطقة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، بأن أميركا علمت بالهجوم عبر مصادرها العسكرية ونقلت تحذيرا منه إلى القطريين الذين أكدوا تلقيهم هذا التحذير لكن على نحو متأخر فيما كانت القنابل الإسرائيلية تسقط في عاصمة بلادهم. من جانبها، ذكرت إسرائيل أنها أعلمت أميركا مقدما بنيتها شن الضربة، فيما يبدو تصرفا أحاديا من إسرائيل، لم تتشاور فيه مع الولايات المتحدة بل اكتفت بأخبار متأخرة، في تكرار لسلوكها عندما شنت الهجوم الجوي الذي قتلت فيه زعيم "حزب الله" اللبناني، السيد حسن نصرالله، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. أيضا، ليس ثمة تأكيد لحد الآن بخصوص وضع زعماء الحركة المستهدفين، خالد مشعل وخليل الحية وزاهر جبارين ومحمد درويش.
لحد الآن، ما يبدو مؤكدا لجهة الوقائع هو فشل العملية العسكرية في تحقيق هدفها. لكن بعيدا عن تفاصيل هذا الحدث المهم وخباياه التي سيظهر المزيد منها في الفترة المقبلة، الأكثر أهمية فيه من الوقائع هو الدوافع والنتائج.
إسرائيل بين نصف الفشل ونصف النجاح
ترتبط معظم الدوافع الإسرائيلية بشن ضربة الدوحة بالحاجات السياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التي يضعها الرجل في إطار استراتيجي أوسع يخفي الطابع الشخصي لهذه الحاجات. يريد نتنياهو حربا مفتوحة دون سقوف زمنية تُدار على أساس تحقيق أهداف طويلة الأمد، على نحو شبيه بما قامت به الولايات المتحدة على نطاق عالمي بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في إطار "الحرب على الإرهاب" الذي فكك "الأعداء" ولم يلتزم بمواعيد زمنية، إذ كانت الأولوية الأميركية هي إنهاء المهمة بنجاح وليس توقيت هذه الإنهاء (لهذا يُكثر نتنياهو في خطابه من تشبيه مهمة إسرائيل بعد السابع من أكتوبر بمهمة أميركا بعد الحادي عشر من سبتمبر).
يعني هذا أنه لا جدوى من "اتفاق أكفاء" مع "حماس" ينهي الحرب، لأن مثل هذا الاتفاق يمنع حكومة نتنياهو من ادعاء تحقيق النصر عبر الهزيمة المعلنة لـ"حماس" بغض النظر عن أثمانها من الضحايا المدنيين الفلسطينيين. لكن نتنياهو كان يواجه ضغط حليفه وحليف إسرائيل الأقوى، الولايات المتحدة الأميركية التي تضغط بشدة للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق، وفتحت لأجل ذلك مسارا تفاوضيا مباشرا مع "حماس" أغضب الإسرائيليين الذين يعتقدون أن مثل هذا المسار يكافئ "حماس"، المنظمة التي تصنفها أميركا إرهابية وينبغي أن لا تجلس معها وجها لوجه وتفاوضها.