طوني المعلوف يروي يوميات بلده عبر الرسوم المتحركة

"إنستاغرام" بوابته للإبداع والانتشار

@elmaalouf/Instagram
@elmaalouf/Instagram
لقطة من مقطع ريل لطوني معلوف على إنستاغرام

طوني المعلوف يروي يوميات بلده عبر الرسوم المتحركة

"أنا صراحة عايش كل نهار بنهارو يعني ما بفكر بكرا بس أوعى شو في، هيدا بالنسبة لإلي، ولكن ما تنسي كمان إنه أنا ما عاد عندي أمل قدك. يعني بعمرك لازم يكون عندك أمل اكتر ...".

"هلق أنا عندي...".

"أي وين رايحة فيه.. أستعمليه دغري".

جرى هذا الحديث، قبل 8 سنوات تقريبا، بين الفنان الراحل زياد رحباني وإحدى الطالبات في لقاء بإحدى الجامعات اللبنانية، وعاد هذا المقطع إلى التداول بعد وفاة زياد في 26 يوليو/ تموز الماضي.

تظن للوهلة الأولى عند سماع التسجيل أن هذا حوار من مسرحية ما، وليس حوارا عفويا، لكنني من خلال هذه الجملة تحديدا، تعرفت الى الفنان طوني المعلوف، عبر فيديو جسد فيه هذا الحديث، من خلال رسم يصور زياد مع الطالبة في رحلة بسيارة أجرة في العاصمة بيروت، ويختم الفيديو بأغنية فيروز "في أمل إيه في أمل".

لفتني الفيديو كثيرا، ودفعني إلى تصفح صفحة معلوف على "إنستاغرام" وأبدأ بمشاهدة الفيديو تلو الآخر، وقد جذبني منها على وجه الخصوص تلك الفيديوهات التي تستعمل أغنيات أحبها، مثل أغنية "عصفور طل من الشباك" لأميمة الخليل، أو فيديو وأغنية "جدي يا جدي يا شيخ الشباب"، لفيروز.

من هو طوني المعلوف؟

بدأ طوني المعلوف دراسته في التصميم الداخلي، الاختصاص الأقرب بالنسبة إليه إلى الرسم، بما أن هذا الأخير والفن عموما "لا يطعم خبزا"، وهذا ما أثبت عكسه لاحقا عندما بدأ بالرسم، ولكن لكي يؤمن وظيفة ثابتة تتيح له مدخولا جيدا، جمد موهبته مؤقتا لإكمال دراسته، وبعدها بدأ بالعمل المكتبي في الاختصاص الذي درسه.

المصادفة هي المحرك الأساس للأفكار والفيديوهات بحسب ما يقول، إذ يسمع مسرحية أو يرى حدثا في الشارع أو أغنية، فيؤلف الفكرة سريعا برأسه

في المكتب، كان المعلوف يرسم عند الانتهاء من عمله الى حين انتهاء الدوام، ولم يكن يعير تلك الرسومات أي أهمية، بل يتخلص منها عند الخروج من المكتب، حتى اتخذ قرارا قبل بضع سنوات، بأن ينشرها على صفحته الخاصة على "إنستاغرام". لم يكن هناك بعد خاصية "الريل"، وكان لديه بضعة عشرات من المتابعين، غالبيتهم من أصدقائه، ولقيت حينها رسومه صدى إيجابيا بين معارفه، الأمر الذي شجعه على الرسم والنشر أكثر.

"تطورت الصفحة شيئا فشيئا"، يقول المعلوف، "مع ملاحظات من هنا ونقد من هنالك"، حتى أصبح أكثر دقة ومعرفة بهويته واتجاهه.

@elmaalouf/Instagram
لقطة من مقطع ريل لطوني معلوف على إنستاغرام

كانت الصور بادئ الأمر عبارة عن "اسكتش"، أو كاريكاتور، وجسدت في أكثر الأحيان صورة حقيقية التقطها بنفسه، وأضاف إليها صورة كاريكاتورية.

الفيديو طريق أوسع للإنتشار

"الريل" على "إنستاغرام" وتقنية الـ"زوم"، كما يقول المعلوف، هما أكثر ما ساعدا أعماله في الانتشار، خاصة في السنوات الأخيرة. وهو لا يستعمل تقنية تحريك الشخصية، فالشخصية في فيديوهاته غالبا شبه جامدة، تتحرك مع الصورة فقط.

@elmaalouf/Instagram
لقطة من مقطع ريل لطوني معلوف على إنستاغرام

قبل تقنية "الريل" كانت اكثر أعمال المعلوف صورة فحسب، يعبر فيها عن حدث في لبنان، ويضيف إليها أحيانا أغنية تتناسب مع الموضوع، ومع دخوله عالم "الريل" أصبح للأغنية دور أكبر، وفي الفترة الأخيرة أدخل تقنية "الفويس أوفر"، مثل فيديو زياد رحباني الذي يبدأ بعبارة قالها زياد، وينتهي بعبارة كتبها زياد وغنتها فيروز، ويعتبر المعلوف أن هذه التوليفة توصل سريعا رسالة جميلة وبسيطة.

المصادفة هي المحرك الأساس للأفكار والفيديوهات بحسب ما يقول، إذ يسمع مسرحية أو يرى حدثا في الشارع أو أغنية، فيؤلف الفكرة سريعا برأسه، ليعود وينفذها عندما تكتمل كل عناصر القصة، من الجملة إلى الصورة فالأغنية.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Tony Maalouf (@elmaalouf)

ولكن هل يكثر المعلوف من استعمال عبارات زياد رحباني، التي تضمن انتشارا كبيرا بسبب شعبيته الواسعة، وهي عبارات مستلة من مسرحياته المعروفة التي يحفظها اللبنانيون عن ظهر قلب؟

يرد على هذا السؤال بالقول إنه لا يستعين بالرحباني حصرا، بل بأي جملة تسترعي انتباهه، فاستعمل مثلا جملة قالتها راهبة فرنسية تدعى سور ايمانيول، تقول فيها: "يلا"، ردا على سؤال ما هي أجمل كلمة لديك، وهذا العمل لاقى انتشارا واسعا أيضا.

لا أحبذ الخوض في السياسة، وأعتقد انها تحد أفكاري، وهذا ليس خوفا من الجدال، بل بعد عن مشاكل السياسة في لبنان

نسأله، هل تشعر بأنك تجمل واقعا غير موجود في أعمالك؟ يجيب المعلوف: "كلا، أعبر عن بعض الأمور الحزينة في لبنان، مثل انفجار 4 أغسطس/ آب، ولكني عبرت عنه بشيء من الأمل، هناك دائما رسالة أمل في أعمالي، وأحرص على هذا الأمر، أحب الأمور المفرحة أكثر، ولذلك تعكس أعمالي هذه الرؤية، أريد أن أفرح الناس، لا أن أزيد همومهم، كذلك أحاول الابتعاد عن المواضيع السياسية الحادة، التي تؤدي إلى انقسامات، ممكن أن أعبر عن قضية ما في أعمالي، ولكن لا أحبذ الخوض في السياسة، وأعتقد انها تحد أفكاري، وهذا ليس خوفا من الجدال، بل بعد عن مشاكل السياسة في لبنان".

@elmaalouf/Instagram
لقطة من مقطع ريل لطوني معلوف على إنستاغرام

لا يصنف معلوف نفسه بأنه رسام كاريكاتور، ورغم ذلك يقول إنه تأثر بالفنان الراحل بيار صادق الذي اشتهر برسومه الكاريكاتورية التلفزيونية في تسعينات القرن الماضي، إلا أنه يعتبر أن شخصيات "ديزني" كان لها التأثير الأكبر عليه، وبعدها قام بجهد كبير ليصنع خطه الخاص.

وهذا الخط الذي أسس له، بدأ يتم التعرف الى رسوماته من خلاله، يقول إن الناس صاروا يعرفون أعماله من دون ضرورة وجود اسمه عليها، وهو ما يؤكد تأسيسه هوية محددة خاصة به.

الذكاء الإصطناعي والتواصل الاجتماعي

لا يشكل الذكاء الإصطناعي هاجسا أو خوفا للمعلوف، بل يعتبره عاملا مساعدا لا أكثر، إذ أن التكنولوجيا عموما لا تستطيع خلق محتوى مبتكر. ويعتبر أنه "يجب تسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة الفن، مثل الإنترنت تماما، فعلى الفنان مواكبة التطور وإلا أصبح خارج المنافسة".

أما بالنسبة إلى منصات التواصل الاجتماعي، فهي ترتبط بعوامل عدة، مثل الجمهور المستهدف ونوعية العمل، والهدف من الصفحة التي تنشر أعمالا فنية، وغير فنية، فكيف يتعامل مع هذا العالم؟

Reuters
مشهد عام للمباني السكنية في ضاحية بيروت الجنوبية وسط التوتر بين حزب الله وإسرائيل، كما يظهر من بعبدا، 11 نوفمبر 2024

يقول المعلوف في هذا السياق، إنه ينشر أحيانا أعمالا لا يتوقع انتشارها ونجاحها، ويحدث عكس ذلك تماما، مثل فيديو جدي، والعكس صحيح أيضا لأعمال لا تنتشر كثيرا كان توقع أن تلقى رواجا بين متابعيه. لكنه لا يحزن عندما لا ينتشر فيديو، بقدر ما يحاول فهم السبب.

أما عن التفاعل فيقول إنه يفرح عندما يتلقاه من متابعيه أو عند نجاح فيديو معين، لكنه يفرح اكثر عندما يأتي هذا التقدير من زملائه الرسامين، أو من أشخاص لديهم معرفة بهذا الفن، إذ يصبح التقدير دافعا كبيرا له للاستمرار.

يجب تسخير الذكاء الاصطناعي لخدمة الفن، مثل الإنترنت تماما، فعلى الفنان مواكبة التطور وإلا أصبح خارج المنافسة

لم يكن المعلوف يتوقع أن يصيب النجاح الذي أصابه، ويؤكد أنه يعمل من دون تخطيط أو تصور مسبق ولا يدري إلى أين ستقوده هذه التجربة، فالمسألة برمتها ارتجالية، لكنه يحاول ألا يستعمل أغنيات مستهلكة جدا، مثل أغنية فيروز "حمرا سطيحاتك حمرا"،  التي يعتبرها غير  مستهلكة، ولقد تبين له أن الكثير من الناس لا يعرفونها.

أما عن مراحل صناعة العمل، فيقول إن الأغنية تعلق بذهنه مثل أي شخص، وعندها يبدأ العمل ليبني لها السيناريو، مثل أغنية "عصفور طل من الشباك"، عندما سمعها، جلب "الآيباد" وبدأ برسم مادة تشبه الأغنية، والأمر الأهم بالنسبة إليه أن يكون مقطع الأغنية قصيرا وينتهي قبل انتهاء مدة الفيديو التي لا تتجاوز الدقيقة والنصف دقيقة.

font change

مقالات ذات صلة