في جديدها "الفرح العدو"، الصادرة أخيرا عن دار نشر "ستوك" الفرنسية ضمن سلسلة "ليلتي في المتحف"، تقدم الكاتبة الجزائرية المقيمة في باريس، كوثر عظيمي، عملا أدبيا يمزج ببراعة بين السيرة الذاتية والتاريخ الجماعي، مستلهمة من ليلة أمضتها أمام لوحات الرسامة الجزائرية العالمية باية محيي الدين في "معهد العالم العربي" بباريس.
حاولت عظيمي في هذا الكتاب تجاوز سرد الذكريات الشخصية، إلى استكشاف عميق للتناقضات التي شكلت الجزائر ما بعد الاستعمار، حيث يصبح الفرح نفسه عدوا في سياق الفقدان والعنف والذاكرة المكبوتة. فمن خلال 132 صفحة نسجت عظيمي خيوطا تربط بين قصتها العائلية، سيرة باية كرمز للإبداع الجزائري، وبين الأحداث التاريخية الكبرى مثل استقلال 1962 والعشرية السوداء في التسعينات، لتروي ببساطة حميمة كيف تحول الاستقلال إلى فوضى داخلية، مما يجعل الكتاب إضافة قيمة إلى الأدب الجزائري المعاصر.
عظيمي، المولودة في 1986 بمدينة الجزائر التي غادرتها في سن المراهقة لتستقر في فرنسا، تعود في هذا العمل إلى جذورها بأسلوب يجمع بين الشعرية والتحليل النفسي. الكتاب يبدأ بليلة نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، حيث تعثر الكاتبة على صورة عائلية تعيدها إلى طفولتها في عنابة عام 1992، وسط الإرهاب الذي ألقى بظلاله على الجزائر. هذا المشهد يفتح الباب لتدفق الذكريات، حيث تكتب عظيمي: "تلك الليلة من نوفمبر 2022، عندما فتحت الدفتر الذي أحتفظ به جانبا، انزلقت صورة على أرضية البلاط الرمادي في معهد العالم العربي. الصورة مؤرخة بتاريخ 4 أغسطس/ آب 1992. في الخلف، كتب والدي بمداد أزرق: عنابة". هكذا، يصبح الفرح "عدوا" لأنه يذكر بالخسارات، كما يعبر عن ذلك اقتباس كاتب ياسين في أولى صفحات العمل: "لا ميت ولا قاتل، أخفي خسائرنا أمام الفرح العدو".
ليلة في حضرة باية
يتميز الكتاب بإطاره الفريد: ليلة واحدة أمضتها عظيمي في "معهد العالم العربي" أمام معرض لوحات باية محيي الدين، الرسامة الجزائرية التي اكتشفتها مارغريت كامينا في الأربعينات. باية، اليتيمة التي بدأت الرسم في سن الثالثة عشرة، تصبح مرآة لعظيمي، ترمز إلى الفرح الإبداعي في وجه الاستعمار والعنف. تروي عظيمي كيف أغلقت أبواب المتحف، تاركة إياها وحدها مع لوحات باية: "الأبواب تغلق خلفي، ونحن الآن وحدنا، باية وأنا".


