وزير الاقتصاد اللبناني عامر البساط لـ"المجلة": لا نقبل بمقاربة اقتصادية تمس بالسيادة الوطنية

في مقابلة خاصة مع "المجلة" تحدث وزير الاقتصاد اللبناني عامر البساط عن اتجاهات الاقتصاد بعد 6 سنوات على الانهيار، ومطالب صندوق النقد الدولي، وما سيحمله "مؤتمر بيروت 1" قريبا.

Eduardo Ramon
Eduardo Ramon

وزير الاقتصاد اللبناني عامر البساط لـ"المجلة": لا نقبل بمقاربة اقتصادية تمس بالسيادة الوطنية

ما هي النتائج التي عاد بها الوفد اللبناني من اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين؟ ما هي شروط صندوق، وماذا عن الشروط السياسية المرتبطة بالمساعدات الدولية، وماذا يرتقب لبنان من مؤتمر "بيروت 1" الاقتصادي المنتظر؟

عن هذه الأسئلة وغيرها أجاب وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني عامر البساط، وأكد ان الجهات الدولية تتعامل مع لبنان في الملف الاقتصادي، "وفق معايير إصلاحية ومالية واضحة، لا وفق اعتبارات سياسية". وقال، " لا نقبل بأي مقاربة تمس بسيادة القرار الوطني"، وأوضح "ان الاولوية هي بناء اقتصاد أكثر توازنا وعدالة واستدامة".

وأشار الى ان "لبنان يعمل على إعادة تفعيل قنوات التعاون مع الدول العربية والدول الصديقة، وعلى استعادة العلاقة الطبيعية بين لبنان والمغتربين اللبنانيين، الذين يملكون شبكات وعلاقات ومؤسسات واستثمارات عالمية". وعشية انعقاد مؤتمر “Beirut One” الاستثماري في 18 و19 من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وعنوانه "الثقة المستدامة"، لفت الوزير البساط الى ان هدف المؤتمر، هو "تقديم فرص استثمارية حقيقية في البنى التحتية، والقطاعات الانتاجية والخدماتية، بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبقيمة تتجاوز 7.5 مليارات دولار، في برنامج استثماري أولي".

أجرت "المجلة" حوارا مع الوزير البساط، بعيد عودته من اجتماعات الخريف السنوية لصندوق النقد الدولي، في واشنطن، وقبيل المهرجان الاستثماري “Beirut One” المنتظر في بيروت لدعم الاقتصاد اللبناني، وكان اللقاء على النحو التالي:

ما هي أبرز النتائج التي خرجتم بها من اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدوليين؟

- اجتماعات واشنطن كانت جيدة وبناءة. ونقلت النقاشات التي كانت قد بدأت منذ أشهر الى مركز متقدم أكثر. وتركزت على بحث السبل العملية لإعادة تنشيط القطاعات الإنتاجية ومعالجة التحديات البنيوية في الاقتصاد اللبناني. ناقشنا ملفات الكهرباء والاتصالات وإعادة هيكلة القطاع المالي، وكان هناك تجاوب إيجابي من البنك الدولي والصناديق العربية والجهات المعنية بالتمويل المباشر.

الأولوية هي بناء اقتصاد أكثر توازنا وعدالة واستدامة. لا نقبل بأي مقاربة تمس بسيادة القرار الوطني، والجهات الدولية تتعامل معنا وفق معايير إصلاحية ومالية واضحة، لا وفق اعتبارات سياسية

وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني عامر البساط

أما في خصوص صندوق النقد الدولي، فالنقاشات مستمرة على مستوى تقني متقدم. لم نصل بعد إلى صيغة نهائية، لكن هناك تقدم في المسار، ويتم التحضير لجولة لاحقة من النقاشات بشكل مهني وجدي. هدفنا هو الوصول إلى اتفاق واقعي وعادل يحمي الاستقرار ويضع التعافي على أسس قابلة للتنفيذ.

الثقة أولا 

هل هناك شروط سياسية مرتبطة بالمساعدات الدولية؟

-الطرح الذي نناقشه مع المؤسسات الدولية تقني ومرتبط بالملفات الاقتصادية والاجتماعية. الأولوية هي بناء اقتصاد أكثر توازنا وعدالة واستدامة. لا نقبل بأي مقاربة تمس بسيادة القرار الوطني، والجهات الدولية تتعامل معنا وفق معايير إصلاحية ومالية واضحة، لا وفق اعتبارات سياسية.

وزارة الاقتصاد اللبنانية

كيف تقيّم الوضع الاقتصادي اللبناني؟ وهل هناك رؤية واضحة للتعافي؟

- لنكن واقعيين، الأزمة لا تزال عميقة نتيجة تراكمات بدأت منذ عام 2019، لكن هناك مؤشرات تحسّن في بعض القطاعات مثل السياحة والخدمات والعقارات. التقديرات الأولية تشير إلى نمو يقارب 5 في المئة في عام 2025، مدفوعا بدينامية القطاع الخاص.

ومع ذلك، الطريق طويلة وهذا النمو لا يزال غير كافٍ ما لم يستند إلى إصلاحات مالية ومصرفية وإلى انتقال تدريجي من اقتصاد يعتمد على الاستيراد إلى اقتصاد يدعم الإنتاج والتصدير. نحن نعمل مع مجلس الوزراء على رؤية اقتصادية متوسطة المدى تتضمن خطوات واضحة سيتم عرضها في مؤتمر BEIRUT ONE.

مؤتمر BEIRUT-1 يأمل بـ7.5 مليارات دولار

ما هي خطة الحكومة لإعادة الثقة بالنظام المالي وجذب الاستثمارات؟ وماذا في برنامج مؤتمر "BEIRUT ONE"، وماذا تتأملون منه؟

-إعادة بناء الثقة تبدأ أولا من مسار الإصلاح المالي وتنشيط الاقتصاد الحقيقي، لكن الجزء المكمل والأساس هو فتح نافذة واضحة أمام الاستثمار المنتج.
من هنا يأتي دور مؤتمر "BEIRUT ONE"، فهو ليس مؤتمرا شكليا، بل منصة لتقديم فرص استثمارية حقيقية في البنى التحتية والقطاعات الإنتاجية والخدماتية، بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وبقيمة تتجاوز 7.5 مليارات دولار في إطار برنامج استثماري أولي.

مؤتمر BEIRUT ONE يعكس هذا التوجه بشكل مباشر، فهو يجمع الدولة اللبنانية والقطاع الخاص اللبناني والاغتراب اللبناني والمستثمرين العرب والدوليين في منصة واحدة. والهدف تأسيس شراكات إنتاجية طويلة الأمد

وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني عامر البساط

هذه الخطوة تهدف إلى إعادة وصل لبنان برأس المال العالمي بطريقة مستدامة، وإظهار أن الإصلاح بدأ، وأنه يمكن البناء على الزخم وتحويل الثقة من مفهوم نظري إلى وقائع استثمارية قابلة للتنفيذ.

المسار واضح بالنسبة لنا: إصلاحات بنيوية، ومشاريع جاهزة، وشراكات مع القطاع الخاص، وضمانات مؤسساتية.
وبذلك يعود المستثمر ليجد بيئة أعمال أكثر استقرارا ووضوحا، بدل الغموض الذي هيمن خلال السنوات الماضية.

الرهان على المغتربين والمستثمرين العرب

كيف يمكن لبنان الاستفادة من شراكاته الخارجية؟

-الشراكات الخارجية ليست مسألة تمويل فقط، بل مسألة موقع ودور. نجح لبنان تاريخيا حين كان منفتحا على محيطه ويلعب دور الجسر بين الأسواق. لهذا نعمل اليوم على إعادة تفعيل قنوات التعاون مع الدول العربية والدول الصديقة، وعلى استعادة العلاقة الطبيعية بين لبنان واغترابه الذي يملك شبكات وعلاقات ومؤسسات واستثمارات عالمية، يمكن أن تعود لتصب في الاقتصاد اللبناني. ويعكس مؤتمر BEIRUT ONE هذا التوجه بشكل مباشر، فهو يجمع الدولة اللبنانية والقطاع الخاص اللبناني والاغتراب اللبناني والمستثمرين العرب والدوليين في منصة واحدة. والهدف تأسيس شراكات إنتاجية طويلة الأمد.

X
رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، يستقبل وزير الاقتصاد اللبناني عامر البساط في بغداد، 19سبتمبر 2025

الفكرة ليست دعوة لعودة "الدعم الخارجي"، بل لإعادة تقديم لبنان كوجهة مربحة قائمة على الكفاءة والموهبة والربط الإقليمي. ببساطة، نحن لا نبحث عن تمويل موقت، بل عن شركاء في بناء مرحلة اقتصادية جديدة.

التضخم والأسعار والأمن الغذائي

يعاني اللبنانيون الأمرين من انهيار سعر الليرة اللبنانية، ما الآليات المعتمدة في وزارة الاقتصاد لضبط الأسعار والتضخم؟

- تعمل الوزارة على ضبط الأسعار عبر مسارين متوازيين:
الأول، هو تعزيز المنافسة ومنع الاحتكار من خلال تطبيق قانون المنافسة وتفعيل منظومة حماية المستهلك. وذلك إلى جانب الجولات الرقابية على الأسواق التي تقوم بها مديرية حماية المستهلك بالتعاون مع الجهات القضائية والأمنية، لضمان الشفافية في التسعير، وعدم التلاعب بهوامش الربح.

أما المسار الثاني، فهو تسهيل انسياب السلع إلى السوق من خلال تسريع إجراءات الاستيراد والإفراج عن البضائع عند وصولها، بما يضمن عدم تأخر السلع وتجنب أي نقص قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

 نحن حاليا في مرحلة إعداد خطة متكاملة لتوزيع الإهراءات في ثلاثة مواقع، بيروت والشمال والبقاع، ضمن رؤية وطنية لتعزيز قدرة لبنان على التخزين الاستراتيجي للأمن الغذائي

وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني عامر البساط

والهدف هو الحفاظ على توازن السوق وتأمين حماية فعلية للمستهلك ضمن إطار مستدام.

كيف تتم متابعة ملف الأمن الغذائي والدوائي؟

-ملف الأمن الدوائي هو من اختصاص وزارة الصحة. وهناك تنسيق مستمر معها، كلٌّ في نطاق صلاحياته. أما في ما يتعلق بالأمن الغذائي، فنحن نعمل وفق مقاربة تقوم على ضمان توفر الغذاء بأسعار عادلة وجودة عالية.

أولا، نسهّل الوصول إلى الغذاء من خلال تطوير الإجراءات اللوجستية للمستوردين وتبسيط إخراج البضائع من المرافئ عبر مكننة عمل الوزارة.
ثانيا، هناك تنسيق دائم مع وزارتي الصناعة والزراعة عبر لجان مشتركة تعمل على:

دراسة حاجة السوق بدقة، دعم وتنمية الإنتاج المحلي، وحماية المستهلك من أي ممارسات ضارة.

.أ.ف.ب
الدولار العملة المتداولة والمعتمدة يوميا في الأسواق اللبنانية، وسط بيروت 19 يناير 2023

بالإضافة إلى ذلك، نحن حاليا في مرحلة إعداد خطة متكاملة لتوزيع الإهراءات في ثلاثة مواقع، بيروت والشمال والبقاع، ضمن رؤية وطنية لتعزيز قدرة لبنان على التخزين الاستراتيجي. ثم على تأمين استقرار الإمدادات الغذائية على المدى الطويل.

هل هناك نية لتفعيل أو تعديل القوانين الخاصة بحماية المستهلك والمنافسة؟

-نعم، هذا من أولوياتنا. هناك تعديلات على قانون حماية المستهلك قيد المتابعة في مجلس النواب تتضمن تشديد العقوبات وتحسين آليات الرقابة. وبمجرد إقرار القانون ستصدر المراسيم التطبيقية بسرعة. أما قانون المنافسة، فنعتبره أساسيا لضبط الأسعار وتعزيز الشفافية. نعمل على تعيين هيئة المنافسة واستكمال المراسيم التنفيذية وإنشاء وحدة متخصصة داخل الوزارة. هدفنا هو الانتقال إلى تطبيق كامل وفعّال للقانون خلال العام 2026.

الاستثمار في القطاعات الإنتاجية

ما هي خطط الوزارة لدعم القطاعات الإنتاجية؟

-الهدف من دعم القطاعات الإنتاجية هو تثبيت فرص العمل داخل لبنان وتعزيز القيمة المضافة المحلية، بدل الاعتماد شبه الكامل على الاستيراد. لذلك نعمل على تهيئة بيئة عمل تشجع الإنتاج والاستثمار المحلي من خلال إزالة العقبات التنظيمية والإدارية التي تواجه المؤسسات، وتبسيط المعاملات، وتحديث بعض الأطر التشريعية بما يجعل الكلفة التشغيلية أكثر قابلية للمنافسة.

لبنان لا يحتاج أن يكون الأكبر، بل أن يكون الأكثر كفاءة في القيمة التي يقدمها. ومتى توافرت الثقة والمؤسسات الفاعلة، يمكن هذا الدور أن يعود بقوة وبشكل متجدد

وزير الاقتصاد والتجارة اللبناني عامر البساط

كما نركز على تحسين الربط بين المنتجين والأسواق داخل لبنان وفي الخارج. كما دعم سلاسل التوريد بما يسمح للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالوصول إلى أسواق جديدة. هذه المقاربة تقوم على تشجيع الإنتاج حيث تكون الكفاءة موجودة فعلاً وليس عبر دعم عشوائي أو غير مستدام.

وسيتم خلال مؤتمر "BEIRUT ONE" تخصيص مساحة مهمة لعرض فرص استثمارية جاهزة في القطاعات الإنتاجية أمام القطاع الخاص المحلي والاغتراب والمستثمرين الدوليين، الامر الذي يسمح بالانتقال من النقاش النظري إلى شراكات فعلية قابلة للتنفيذ.

أي دور اقتصادي مرتجى للبنان؟

بعد كل ما جرى، هل يمكن لبنان استعادة دوره كمركز اقتصادي ومالي في المنطقة؟

-نعم، ولكن بصيغة جديدة تتناسب مع التحولات الاقتصادية في المنطقة والعالم. لم يعتمد لبنان تاريخيا على الاقتصاد الثقيل أو الإنتاج الضخم، بل على ميزة نوعية تتمثل في الطاقة البشرية، والقدرة على الابتكار، والمرونة في بناء المبادرات الصغيرة والمتوسطة ذات القيمة المضافة.

رويترز
مقر البنك العربي وسط العاصمة بيروت، 15 أبريل 2025

هذا ما أكدناه سابقا، وهو ما يميز الاقتصاد اللبناني في جوهره. هناك امتداد لبنان الطبيعي ليس فقط داخل حدوده، بل عبر شبكة واسعة من الاغتراب، وروابط عميقة بالأسواق الإقليمية والدولية. هذه الشبكة تشكل رافعة مهمة لإعادة التموضع الاقتصادي في مجالات مثل:

الخدمات المتخصصة، التكنولوجيا وريادة الأعمال، والصناعات الإبداعية، والسياحة الثقافية، والطبية والتعليمية.

استعادة الدور لا تعني تكرار النموذج المالي السابق، بل إعادة بناء الثقة على أسس ثلاثة:

استقرار تشريعي وتنظيمي، اقتصاد منتج قادر على المنافسة وبيئة أعمال تشجع الاستثمار طويل الأمد.

هذا التوجه سيكون حاضرا بشكل واضح في مؤتمر "BEIRUT ONE"، حيث ستعرض فرص استثمارية عملية في قطاعات يمتلك فيها لبنان ميزة تنافسية طبيعية، ويعاد وصل لبنان برأس المال العالمي على أسس شراكات مستدامة وليست ظرفية.

لبنان لا يحتاج أن يكون الأكبر، بل أن يكون الأكثر كفاءة في القيمة التي يقدمها. ومتى توافرت الثقة والمؤسسات الفاعلة، يمكن هذا الدور أن يعود بقوة وبشكل متجدد.

font change

مقالات ذات صلة