يبدو شعار "في حب السينما" الذي يرفعه مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في دورته الخامسة إطارا معرفيا أكثر منه مجرد شعار براق. خمس سنوات على تأسيس مهرجان سينمائي دولي على أرض المملكة وفي قلب مدينة جدة الساحلية، نجح خلالها في ترسيخ منطق الاحتفاء بالسينما عبر بناء تقاليدها وشبكات تأثيرها. هذا العام استمرت المنهجية ذاتها من خلال قائمة تكريمات لنجوم عالميين، بدءا من تقديم النجم فان ديزل لتكريم النجم السير مايكل كين الذي امتدت تجربته الثرية إلى أجيال عدة، مرورا برشيد بوشارب وسيغورني ويفر وستانلي تونغ، وصولا إلى النجمة الفرنسية صاحبة الحضور الآسر والبصمة اللافتة جولييت بينوش، بالإضافة إلى حضور باقة من الأسماء العالمية التي تشارك يوميا في جلسات "ماستر" عبر سوق المهرجان، بما يعزز فكرة الحوار بين تجارب أيقونية صنعت اختلافها وتميزها. وهذا ما أكده وزير الثقافة السعودي الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود، وجمانا الراشد الرئيس التنفيذي لـ "المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام" (SRMG) رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي، في ملخص كلمتيهما عن أهمية السينما في موقع الرؤية، وقدرة المهرجان على إرساء دعائم متينة أخرى في البناء الثقافي الوطني.
أما فيصل بالطيور، الرئيس التنفيذي للمهرجان، فأكد في كلمته أن اختيار فيلم "العملاق" من كتابة وإخراج المخرج روان أثال، جاء كمدخل إلى قضية تناقش صورة العربي في المشهد العالمي، وأزمة الهوية والموهبة وثمن التجربة، من خلال قصة الملاكم اليمني الأصل، نجم التسعينات الأسطوري نسيم حميد، الذي يؤدي دوره الممثل أمير المصري ويشاركه البطولة النجم بروس بروسنان، وقد تضاعف أثر الاختيار بحضور صاحب الحكاية نسيم حميد بين الضيوف. تتشابك هذه اللحظات الافتتاحية من تكريمات وكلمات وحضور دولي، لتعكس مزاجا ثقافيا عنوانه "حب السينما"، كما يعلن شعار المهرجان.
هنا قراءة في أربعة من الأفلام التي عرضت في الأيام الأولى من المهرجان، على أن تليها قراءة تالية.
"العملاق"
يبدو هذا اللقب بالخط العريض عنوانا تمجيديا أو وصفا جسديا، لكنه في العمق توصيف دقيق لرجل يجد نفسه داخل مفارقة قاسية، فكلما تضخمت صورته في الخارج، تقلصت معرفته بذاته في الداخل.
يبدأ الفيلم بخط سردي مهندس عن بداية نشأة علاقة إنسانية معقدة، بين مدرب وتلميذ في لحظة تاريخية صنعت لدى كثيرين صورة لبطولة عربية قاومت الصور النمطية. غير أن الفيلم لا ينشغل بالأسطورة، بل يختار الدخول إلى عمق العلاقة. شخصية المدرب بريندان إينغل التي يؤديها بروس بروسنان أشبه بملامح الأب الروحي الذي يستجيب لمناشدة والدة نسيم له في حمايته من التعرض للأذى في المدرسة، فيجد المدرب نفسه منخرطا في حماية هذا الفتى بما يتجاوز مهنته. تتسع حلبة التدريب، إلى مساحة وجدانية تجمع بين الاثنين.






