حروب الشرق الأوسط والتركيز على الأهداف البعيدة

مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر

Nash Weerasekera
Nash Weerasekera

حروب الشرق الأوسط والتركيز على الأهداف البعيدة

دفعت الأحداث المروعة والصادمة التي وقعت مؤخرا في قطاع غزة وجنوب إسرائيل المنطقة إلى مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر. والأسوأ أن النتيجة النهائية لهذه الدورة الأخيرة من العنف والخسائر البشرية التي ستتسبب فيها تظل، في هذه الأوقات الغامضة، غير واضحة. ولذلك، عندما يواجه القادة مثل هذه الأزمة الأمنية المتعددة الأوجه، يصبح لزاما عليهم أن يحافظوا على تركيزهم ثابتا على أهدافهم طويلة المدى، لتصور النتائج الدائمة التي يطمحون إلى تحقيقها لشعوبهم.

وعلى غرار الطريقة التي أعادت بها هجمات 11 سبتمبر/أيلول تشكيل العالم، فإن هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، والأعمال الانتقامية اللاحقة، سيتركان علامة لا تمحى في التاريخ، وسوف ترسم الحدود ما قبل ذلك الحدث وما بعده. وبينما يتكشف هذا الصراع، ستظل هناك أسئلة عديدة عالقة دون إجابات فورية، ولكن من الأهمية بمكان أن لا نغفل عن الديناميكيات الإقليمية الدائمة والسياق الأكبر. ومن المهم بنفس القدر أن نظل متيقظين للفرص التاريخية المحتملة التي قد تنشأ بمجرد أن ينقشع غبار هذه الأزمة الحالية.

وقد أثارت مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، على قناة "فوكس نيوز" الشهر الماضي جدلا جديدا حول احتمالات التوصل إلى صفقة تطبيع محتملة بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل؛ فحين سُئل عن علاقة المملكة مع إسرائيل والمحادثات الأخيرة، أجاب: "نقترب أكثر يوما بعد يوم".

وولّدت تعليقات ولي العهد، إلى جانب التقارير المنتظمة عن المحادثات الدبلوماسية السرية والزيادة في الزيارات العلنية، مثل زيارة وزير السياحة الإسرائيلي حايم كاتز للمشاركة في مؤتمر منظمة السياحة العالمية للأمم المتحدة في السعودية، ولّدت جدلا في واشنطن العاصمة وحول العالم، عن مدى السرعة التي يمكن أن تُبرم بها صفقة بين السعودية وإسرائيل والمكونات اللازمة لتحقيق اختراق تاريخي.

وبدأ البعض يثير تساؤلات حول ما إذا كانت حالة العداء التي استمرت لعقود بين إسرائيل وجيرانها قد انتهت بالفعل. وتستند هذه التساؤلات حول حقيقة أن إسرائيل خاضت ثلاثة حروب كبرى ضد جيرانها في الأعوام 1948 و1967 و1973، بالإضافة إلى حروب ونزاعات أخرى خاضتها على مدى 75 عاما منذ تأسيس إسرائيل. ولكن خلال الأربعين عاما الماضية، أدت سلسلة من الاتفاقات بين إسرائيل وجيرانها إلى تغيير تدريجي في البيئة الإقليمية الأوسع، وقلب الموازين نحو السلام وبعيدا عن الحروب التقليدية، وفقا لهذا الرأي. وقد تبدو هذه الرؤية ساذجة بعض الشيء في أعقاب هجمات 7/10 والحرب الدائرة اليوم، ولكن يظل من المهم دراسة هذا النقاش بالتفصيل، لمعرفة ما قد ينتظرنا بعد انتهاء الصراع الحالي.

وحدث أكبر اختراق حتى الآن عام 1979، عندما وقّعت إسرائيل اتفاق سلام مع مصر، الدولة العربية الأكثر اكتظاظا بالسكان. وعُلّقت عضوية مصر لمدة عقد تقريبا في جامعة الدول العربية بسبب إبرامها اتفاق السلام بشكل منفصل


وحدث أكبر اختراق حتى الآن عام 1979، عندما وقّعت إسرائيل اتفاق سلام مع مصر، الدولة العربية الأكثر اكتظاظا بالسكان. وعُلّقت عضوية مصر لمدة عقد تقريبا في جامعة الدول العربية بسبب إبرامها اتفاق السلام بشكل منفصل، ولكن هذا الاتفاق فتح حقبة جديدة من المحادثات بشكل متزايد بين عدة دول عربية وجيرانها خلال الثمانينات والتسعينات. وبعد انتهاء حرب الخليج عام 1991، قادت الولايات المتحدة عملية جمعت عددا من الدول معا في مدريد، وذلك في الوقت الذي كانت تجري فيه جولات مختلفة من المحادثات بين إسرائيل وكثير من دول المنطقة. وكانت حقيقة أن الولايات المتحدة تُعتبر القوة التي لا منافس لها في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، جزءا مهما من هذه المعادلة.

وكانت أهم نتيجتين ملموستين لجهود صنع السلام في التسعينات هما اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994، وعملية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي أدت إلى إنشاء سلطة فلسطينية تتمتع بالحكم الذاتي في أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة بصلاحيات محدودة للغاية.

وكان الهدف من عملية أوسلو بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وزيادة الدعم السياسي لعملية السلام على المستوى الشعبي. لكن الأمر أسفر عن نتائج معاكسة تماما في كلا الهدفين، إذ تقلصت الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتناقص الدعم الشعبي لدى كلا الشعبين لعدة أسباب معقدة. وكان عدم التوصل إلى حل عادل ومستدام لهذا الصراع أحد أسباب ديمومة العنف والتطرف الهمجي في الأراضي المقدسة.

استغرق الأمر عقدين آخرين قبل أن يحدث اختراق كبير آخر في خريف عام 2020، حين شهد العالم توقيع اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب.

وخلال هذه الفترة، جرت محادثات مكثفة لفتح العلاقات بين إسرائيل وسوريا لم تؤت ثمارها بالكامل، وكانت هناك أيضا محادثات إقليمية متعددة الأطراف حول كثير من القضايا المتعلقة بالأمن الإنساني مثل الموارد المائية، وقضايا البيئة، واللاجئين، والتنمية الاقتصادية، والحد من التسلح، وغيرها من القضايا. ولم تسفر هذه المحادثات عن انفتاحات كبيرة جديدة، ولكنها أسهمت في خلق روابط وعلاقات حول قضايا لا تزال ذات أهمية حتى يومنا هذا.

عالم ومنطقة جديدين تماما بين 2000- 2020

استغرق الأمر عقدين آخرين قبل أن يحدث اختراق كبير آخر في خريف عام 2020، حين شهد العالم توقيع اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب. وحدث الكثير في الشرق الأوسط والعالم الأوسع في تلك الفترة ما بين عامي 2000 و2020، مما أدى إلى تغيير المشهد بشكل كبير، وكان هناك أربعة تحولات رئيسة بارزة:

- زيادة قوة إسرائيل مقابل ضعف الفلسطينيين وانقسامهم: اندلعت الانتفاضة الثانية في فلسطين، مما أضفى دافعا أقوى لفصل الفلسطينيين وعزلهم. وزادت حدة العزلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم استمرار إسرائيل في توسيع مستوطناتها في الأراضي المحتلة وزيادة وجودها في الأراضي المتنازع عليها في القدس الشرقية. وانسحبت إسرائيل من قطاع غزة وجنوب لبنان، اللذين احتلتهما للحفاظ على منطقة أمنية، لكن هذه الانسحابات لم تؤد إلى استقرار هادئ.

وتزايدت الانقسامات الفلسطينية، مع استيلاء حركة "حماس" الإسلامية على السلطة في قطاع غزة، وإحكام منظمة "فتح" لقبضتها على السلطة الفلسطينية المتمركزة في رام الله بالضفة الغربية، والتي بدأت تضعف تدريجيا وتفتقر للشرعية الشعبية.

Nash Weerasekera

ونهض اقتصاد إسرائيل بشكل كبير، فتضاعف حجمه أربع مرات بفعل التقدم التكنولوجي والاستثمارات القوية في رأس المال البشري. واحتفظت إسرائيل بقوة عسكرية لا منافس لها في المنطقة. "كنا نخشى القوة العربية، ولكننا الآن نخشى الضعف العربي"، هذا ما قاله لي أحد كبار المسؤولين الإسرائيليين السابقين أثناء زيارة قمت بها لإسرائيل خلال هذه الفترة، موضحا أنه في السنوات الخمس والعشرين الأولى من تاريخها، واجهت إسرائيل تهديدات من جيوش تقليدية كبيرة، ولكن التحدي الأكبر جاء بشكل متزايد من الدول الفاشلة في المنطقة. إن الهجوم الذي شنه عناصر "حماس" وجماعات ارهابية ضد المدنيين الأبرياء لا يظهر سوى ضعف هذه الأطراف وعدم شرعيتها، لأن الاعتماد على تكتيكات شبيهة بتكتيكات تنظيم "داعش" لتحقيق أي أجندة هو طريق لا يؤدي بنا إلى أي مكان، ويبين أن هذه الجماعات لا تمتلك رؤية للمستقبل.

منذ "الثورة" عام 1979، عملت إيران على إجهاد نظام الأمن في الدول الإقليمية، ولكنها في العقدين الماضيين، اتخذت موقفا أكثر عدوانية سعت من خلاله لتشكيل المشهد الإقليمي لصالحها.

- تزايد التهديد الإقليمي من جانب إيران: خلال الفترة بين عامي 2000 إلى 2020، زادت إيران أيضا من نفوذها وقدرتها على تهديد إسرائيل والكثير من الدول العربية، وخاصة في منطقة الخليج. ومنذ "الثورة" عام 1979، عملت إيران على إجهاد نظام الأمن في الدول الإقليمية، ولكنها في العقدين الماضيين، اتخذت موقفا أكثر عدوانية سعت من خلاله لتشكيل المشهد الإقليمي لصالحها، وبدأت في العمل للحصول على قدرات نووية، وهو جهد ما زال مستمرا حتى يومنا هذا. وساهمت الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق عام 2003 في تنامي قوة إيران ونفوذها الإقليميين، حيث أنهت سياسة الاحتواء المزدوج لإيران والعراق وساهمت في تفاقم مشاكل الدول الفاشلة وزيادة مناطق عدم الاستقرار التي استغلتها شبكات الإرهاب من الدول الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، مهد التهديد الإيراني الطريق أمام محادثات هادئة بين إسرائيل وكثير من دول الخليج، وتركزت هذه المحادثات على التعاون ضد ما اعتبروه عدوا مشتركا.

- العقبات المتزايدة أمام نفوذ أميركا الإقليمي والعالمي: أثارت هجمات 11 سبتمبر/أيلول رد فعل عسكريا من الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق ومواقع أخرى. ولكن سلسلة الأخطاء التي كان من الممكن تجنبها والتي قامت بها على التوالي أربع إدارات رئاسية أميركية متعاقبة، إضافة إلى غياب إطار استراتيجي متماسك لسياسات الشرق الأوسط، بدأت تثير الشكوك حول مكانة أميركا في المنطقة، بل وفي العالم أيضا. لقد ترك التذبذب في اتجاه السياسة داخل الإدارات الأميركية وفيما بينها قادة المنطقة في حيرة من أمرهم، وبخاصة خلال الانتفاضات العربية عام 2011، عندما كانت ردود الولايات المتحدة غير واضحة ومتناقضة في كثير من الأحيان. وفي الوقت نفسه، رأى كثير من الشركاء الإقليميين أن الولايات المتحدة لا تسير على خط واحد معهم فيما اعتبروه تهديدا وجوديا تمثله إيران. وفي المقابل، كانت الصين طوال هذه الفترة تواصل صعودها المطرد، في حين تبنت روسيا موقفا أكثر حزما في مجالات مثل الصراع السوري.

أُبرمت اتفاقات أبراهام 2020، وأدى التحول البطيء للصفائح التكتونية السياسية مع مرور الوقت إلى هذا المشهد الجديد، حالها تماما حال تغيرات الصفائح التكتونية الجيولوجية التي تنتقل تدريجيا ولكنها لا تصبح واضحة تماما إلا أثناء الأحداث الزلزالية.

- تزايد الثقة بالنفس والحزم بين نخبة من القادة العرب: على مدى العقدين الماضيين، صعد جيل جديد من القادة إلى السلطة في العالم العربي، وبرز بينهم عدد من القادة الذين يتميزون بطموح كبير في بعض دول الخليج. وبدأ مركز الثقل الأساسي في العالم العربي، الذي كانت تشكله على الدوام مصر الأكبر عددا من حيث السكان، ينتقل نحو الخليج، حيث استخدم هذا الجيل الشاب من القادة الاستراتيجيات والموارد لتعزيز دوله والتصرف بشكل أكثر حزما لتحقيق مصلحته الذاتية. ومع تحول المشهد العالمي إلى عالم متعدد الأقطاب على نحو متزايد، تكشفت ديناميكية إقليمية جديدة في الشرق الأوسط.

وعلى خلفية هذه العوامل الأساسية الأربعة، ومعها كثير من العوامل الأصغر، يواصل الشرق الأوسط تحوله التدريجي نحو السلام، مبتعدا عن الصراع الإقليمي. كما أن القرار الذي اتخذته جامعة الدول العربية في الخرطوم عام 1967، والمعروف بـ"اللاءات الثلاث"- لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، ولا مفاوضات مع إسرائيل- فقد مكانته في هذا المشهد الاستراتيجي المتحول.

وفي هذا السياق، أُبرمت اتفاقات أبراهام 2020، وأدى التحول البطيء للصفائح التكتونية السياسية مع مرور الوقت إلى هذا المشهد الجديد، حالها تماما حال تغيرات الصفائح التكتونية الجيولوجية التي تنتقل تدريجيا ولكنها لا تصبح واضحة تماما إلا أثناء الأحداث الزلزالية. وها هي واحدة من هذه اللحظات حدثت للتو في المنطقة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وما زالت تهز المنطقة بشكل مريع.

غالبا ما تمت مناقشة اتفاقات 2020 على أنها اتفاقات تطبيع وليست اتفاقات سلام لسببين رئيسين. أولا، لم تكن اثنتان من دول الخليج موجودة كدولتين حديثتين مستقلتين عندما تأسست إسرائيل، ولم تشاركا في الحروب العربية الإسرائيلية خلال السنوات الأولى لقيام إسرائيل. ولم يحصل المغرب على استقلاله الكامل عن فرنسا إلا عام 1956، مع انتهاء حقبة الاستعمار الغربي. ثانيا، حافظت هذه الدول على علاقات واتصالات طويلة الأمد لعقود من الزمن، إلى حد أن البعض في واشنطن العاصمة وصف مازحا توقيع اتفاقات التطبيع هذه بأنها "إخراج لها من الدرج".

بناء الجسور في الشرق الأوسط

يمكن أن نتذكر في المستقبل صيف وأوائل خريف عام 2023 باعتبارهما الفترة التي بدأ فيها محللو سياسة الشرق الأوسط في ملاحظة علامات ملموسة على التحول الأكثر أهمية في العقود الأخيرة: احتمال التوصل إلى اتفاق أميركي – سعودي يتضمن تطبيعا مع إسرائيل، وهما قوتان رئيستان. ولا يزال موعد مثل هذا الاتفاق ومدى شموليته غير مؤكدين حتى الآن. ولا تزال أسئلة كثيرة دون إجابة، مثل ما إذا كان بإمكان مثل هذا الاتفاق الثنائي أن يدعم الفلسطينيين بشكل أفضل في تحقيق الشعور بالعدالة والكرامة؟ وكيف يمكن أن يكون رد فعل الجهات الفاعلة مثل إيران وشبكاتها الوكيلة؟

من المفيد أن ننظر إلى الجهود النبيلة الطويلة الأمد لتحقيق سلام عربي إسرائيلي عادل ودائم وشامل على أنها أقرب إلى بناء جسر مصمم ليخدم طوال العمر.

وثمة– فوق ذلك– سؤال محوري آخر يستحق التأمل وهو ما إذا كان مثل هذا الاتفاق قادرا على إعادة تشكيل المشهد الإقليمي الأوسع، وتمكين الشرق الأوسط من العمل كقناة أكثر قوة واستدامة بين الاقتصادات الرائدة في العالم، بينما يعمل في الآن نفسه على تعزيز إمكاناته الاقتصادية الإقليمية. إن استعارة الجسر تشكل إطارا قيما هنا، ومن المفيد أن ننظر إلى الجهود النبيلة الطويلة الأمد لتحقيق سلام عربي إسرائيلي عادل ودائم وشامل على أنها أقرب إلى بناء جسر مصمم ليخدم طوال العمر.

لقد ساهمت الاتفاقات السابقة بين إسرائيل ودول مثل مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب في بناء أجزاء من هذا الجسر للتكامل الإقليمي. ومع ذلك، ظلت هذه الاتفاقات غير مكتملة ولم تحقق كامل إمكاناتها. لا تزال هناك نقطتا ضعف مهمتان:

 أولا، لا يزال وضع ما يقرب من 14 مليون فلسطيني، يقيم ثلثهم تقريبا في الأراضي المحتلة، دون حل، مما يمثل نقطة ضعف خطيرة. وإهمال حقوقهم واهتماماتهم، كما يميل البعض داخل الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية، لن يعزز البيئة الإقليمية اللازمة للازدهار وتحسين الظروف المعيشية في المنطقة. وقد فُجّر هذا الجزء الضعيف من الجسر بالكامل تقريبا بسبب هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول وما أعقبها، وسيتعين على الجميع بذل جهود ضخمة لإعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع.

ثانيا، هناك نقطة ضعف أخرى في بناء هذا الجسر تكمن في تلك الأطراف التي تهدد دوما بنسفه، وهو التهديد الذي يأتي أولا من القادة الحاليين في طهران، الذين يتشبثون بالماضي، ومعهم شركاؤهم ووكلاؤهم في مجموعات مثل "حزب الله"، وحكومات مثل نظام الأسد في سوريا، وهؤلاء لا يزالون يشكلون تحديات خطيرة للعالم العربي، على الرغم من جهود التطبيع الأخيرة. بالإضافة إلى ذلك، تعمل العناصر المتطرفة داخل الشبكات الإرهابية مثل تنظيم "داعش" جاهدة إلى إرجاع المنطقة والعالم لقرون. ومن الجدير بالذكر أن أعمال العنف الأكثر دموية في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة لم تنبع من خطوط الصدع العربية الإسرائيلية، بل اندلعت في حروب أهلية وصراعات في أماكن مثل سوريا والعراق واليمن. في هذه المناطق، عانى كثير من الناس بسبب آيديولوجيات أولئك الذين يتوقون إلى العودة للماضي.

وما يزيد من تعقيد هذه الديناميكيات الإقليمية هو التنافس الجيوسياسي المتزايد بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، مع احتمال التلاعب بالشرق الأوسط باعتباره بيدقا في هذه المنافسة.

ولا شك في أن بناء التحالفات عبر الانقسامات الطويلة الأمد يستغرق وقتا طويلا، ولا يحدث بناء الثقة بين عشية وضحاها، ولا يمكن الآن أن نقدم جوابا بسيطا على سؤال ما إذا كان عصر العداء بين إسرائيل وجيرانها العرب قد انتهى.

ولكن على الرغم من ذلك كله، بين أيدينا مسودة خطة صالحة لتحقيق سلام شامل ودائم، هي تلك التي طرحتها المملكة العربية السعودية في مبادرة السلام العربية عام 2002. وفي حين أن بعض جوانب هذا الاقتراح ربما تكون قد تجاوزتها أحداث لاحقة، ومن غير المرجح أن تتبنى الحكومة الإسرائيلية الحالية عناصر أساسية فيها، فلا بد من الاعتراف بأن المشهد السياسي المتطور في كثير من الأماكن يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في وقت أقرب مما كان متوقعا.

إن خط الصدع الأساسي في الشرق الأوسط اليوم لم يعد يفصل بين عرب وإسرائيليين؛ بل إنه يقع بين أولئك الذين يتصورون المستقبل ويسعون جاهدين إلى إدخال مجتمعاتهم إليه مع الحفاظ على تراثهم الغني وهم يبنون الجسور مع الآخرين، وأولئك الذين يظلون غارقين في الماضي، ويفتقرون إلى الأفكار الملهمة أو العملية للمستقبل بينما يديمون الانقسام والخلاف.

ولا شك في أن بناء التحالفات عبر الانقسامات الطويلة الأمد يستغرق وقتا طويلا، ولا يحدث بناء الثقة بين عشية وضحاها، ولا يمكن الآن أن نقدم جوابا بسيطا على سؤال ما إذا كان عصر العداء بين إسرائيل وجيرانها العرب قد انتهى. الجواب ليس تماما، ولكن التقدم يسير على قدم وساق. وسوف تصل إلى وجهتها في نهاية المطاف إذا تحلى القادة ذوو المبادئ الذين يتمتعون بالقدر الكافي من البصيرة والجرأة لمناصرة القضية، ومن ثم التوصل إلى اتفاق دائم يجعل الحياة أفضل للجميع.

ولكن لنتذكر: لن يؤدي أي شيء أقل من التسوية الكاملة والشاملة والعادلة إلى خلق البيئة الإقليمية اللازمة لتحقيق الرخاء على المدى الطويل.

font change

مقالات ذات صلة