مجلس التعاون الخليجي... ضرورة التعاون الاقتصادي

مطلوب جهود أوسع لتفعيل الوحدة الجمركية وإنجاز السوق المشتركة والتكامل الاقتصادي

غيتي
غيتي
اجتماع القمة الـ 43 لمجلس التعاون الخليجي في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في الرياض، في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2022

مجلس التعاون الخليجي... ضرورة التعاون الاقتصادي

عندما اجتمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي في الدوحة، في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2023، بدا أن الأحداث المروعة في غزة قد طغت على المداولات. لكن هل كان هناك بحث حول القضايا الاقتصادية خلال الاجتماع أو الاجتماعات التمهيدية التي سبقت لقاء القمة؟ لا شك في أن مسائل الاتحاد الجمركي وتطبيقات اتفاقية السوق الخليجية المشتركة قد طرحت. كيف يمكن أن تنجز هذه الأمور من دون تعقيدات وهي مسائل ذات أهمية للتكامل الاقتصادي الخليجي؟

الاتحاد الجمركي

اعتمد الاتحاد الجمركي الخليجي في القمة الثالثة والعشرين التي عقدت في ديسمبر/كانون الأول 2002 في قطر، وتقرر تطبيق نظام الوحدة الجمركية اعتباراً من يناير/كانون الثاني 2003. كما اعتمد نظام الاتحاد الجمركي على تعرفة جمركية موحدة للسلع المستوردة من خارج حدود دول مجلس التعاون الخليجي. كذلك يقوم النظام على أساس نقطة دخول واحدة بحيث لا يجوز تطبيق أي ضرائب جمركية أخرى بعد تلك النقطة. يضاف إلى ذلك انتقال السلع بين دول المجلس من دون قيود جمركية أو غير جمركية، ووجوب معاملة أي سلع ومنتجات من أي دولة خليجية كمنتجات وطنية في أي من دول المجلس. كما تم تحديد نظام تحصيل الرسوم الجمركية وكيفية توزيعها بين الدول ذات الصلة.

أكدت القمة الخليجية الأخيرة تطبيق نظام الوحدة الجمركية وأهمية مضاعفة الجهود لاستكمال متطلبات الاتحاد الجمركي والانتهاء من تحقيق السوق الخليجية المشتركة. ويشير بيان القمة إلى أن هناك تباطؤاً في تحقيق الاتحاد الجمركي كما نصت عليه القرارات التي اعتمدت في القمم السابقة.

لا بد من أن الأنظمة البيروقراطية في الدول الخليجية لا تزال بعيدة عن الكفاءة المطلوبة بما يعزز عملية التوحيد في الأنظمة الجمركية وغيرها من أنظمة ذات صفة اقتصادية. ربما تقوم هذه الأجهزة بدورها المنشود لإنجاز الاتحاد الجمركي لأهميته ولحجم التجارة الخارجية التي تربط دول الخليج بالعالم، وكذلك لأهمية تعزيز التجارة البينية بين دول المجلس.

يمكن للمصارف أن تعمل على التكامل من خلال الاندماج وتحديث تقنيات العمل وبناء مؤسسات ذات أصول كبيرة ورؤوس أموال مهمة بما يتوافق مع أنظمة "بازل" المحدثة

ويمكن أن تكون دول مجلس التعاون مصدراً لإعادة تصدير السلع والبضائع المستوردة من الخارج إلى دول عديدة في المنطقة، خصوصاً دول الجوار، نظراً لما تملكه هذه الدول من إمكانات البنى التحتية المتطورة وقدرات لوجستية، بما يعزز مساهمة إعادة التصدير في الناتج المحلي الإجمالي.

يعمل ميناء دبي على إعادة تصدير الكثير من البضائع والسلع إلى إيران بشكل متواصل وكثيف، كما أن الموانئ في الكويت شهدت عمليات إعادة تصدير إلى العراق بشكل متميز قبل نشوب الحرب العراقية الإيرانية والتعقيدات الأمنية والسياسية التي تلتها.

غيتي
صورة عائلية خلال مؤتمر القمة الثالثة والأربعون لمجلس التعاون الخليجي في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في الرياض، 9 ديسمبر/ كانون الأول 2022

تفعيل السوق المشتركة

أهم القرارات التي اتخذها قادة دول مجلس التعاون الخليجي تلك المتعلقة بتأسيس السوق الخليجية المشتركة التي أقرت في القمة المنعقدة في ديسمبر/كانون الأول 2007، وتقرر تنفيذها اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني 2008. أكدت الوثيقة المتعلقة بالسوق المشتركة حق مواطني دول مجلس التعاون في كل دولة في مزاولة كل الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدماتية، وممارسة المهن والحرف، وتداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات، والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية، وتملك العقار، وتنقل رؤوس الأموال، والمعاملة الضريبية الموحدة، والاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، والتنقل والاقامة. وقد قطعت دول المجلس شوطاً جيداً في تنفيذ الاتفاقية لكن ليس بالزخم المنشود الذي حفز على التوافق على السوق المشتركة.

ربما تكون الظروف الموضوعية التي تتسم بها دول الخليج لا تزال بعيدة عن إمكانات تطبيق ما ورد في الوثيقة. فعلى الرغم من تنفيذ بعض ما ورد في الاتفاقية، مثل التنقل وتملك السهم والعقارات والاستفادة من الخدمات، إلا أن دول الخليج لا تشهد انتقالا كبيرا للبشر بما يمكن من الاستفادة المثلى من بنود الاتفاقية كما يحدث في دول الاتحاد الأوروبي، إذ تؤكد البيانات السكانية للسعودية التي يفوق عدد سكانها الثلاثين مليوناً أن هناك 50 ألف كويتي فقط يقيمون في المملكة، وأن هناك أعدادا قليلة من مواطني دول الخليج الأخرى. 

التكامل الاقتصادي

يتعين على دول الخليج تفعيل آليات التكامل الاقتصادي. أهم وسيلة للتكامل تلك التي ترتبط بالتعاون بين شركات القطاع الخاص وخصوصا الشركات التي تعمل في أنشطة ذات جدوى اقتصادية وتتمتع بميزات نسبية في هذه الدول. ويمكن للمصارف أن تعمل على التكامل من خلال الاندماج وتحديث تقنيات العمل وبناء مؤسسات ذات أصول كبيرة ورؤوس مهمة بما يتوافق مع أنظمة "بازل" المحدثة. ولا بد من أن يكون لهذه المصارف دور مهم في تعزيز التنمية المستدامة من خلال تمويل المشاريع في مختلف القطاعات ومشاريع الاسكان والبنية التحتية ضمن مشروع إصلاح بنيوي في مختلف الدول الخليجية.

هناك أيضا مشاريع مطروحة، منها مشروع الربط الكهربائي ومشروع السكك الحديد، وهي مشاريع مهمة لمستقبل دول الخليج. هذه المشاريع قد تكون قيد التصميم وربما في مراحل التنفيذ الأولى وهي أساسية في عملية التكامل الاقتصادي، وتبقى مشاريع تتطلب أموالاً طائلة، من المفيد أن يتولى القطاع الخاص المساهمة فيها وتمويلها بقروض من المصارف أو على الأقل بمشاركة الحكومات في تملكها وتمويلها. معلوم أن دور القطاع الخاص يظل حيوياً وفعالاً، كما جرى في دول الاتحاد الأوروبي حيث أصبح التكامل مفيداً ومجدياً للشركات المملوكة من القطاع الخاص.

يطرح عدد من الاقتصاديين في دول الخليج مسألة انتقال العمالة بين دول المنطقة وضرورة تعزيز الاعتماد عليها بدلاً من استيراد العمالة الآسيوية

تحفيز العمالة الوطنية

يطرح عدد من الاقتصاديين في دول الخليج مسألة انتقال العمالة بين دول المنطقة وضرورة تعزيز الاعتماد عليها بدلاً من استيراد العمالة الآسيوية وغيرها من دول. لا شك في أن هذا الهدف كبير، ولكن هل يمكن أن توفر العمالة الخليجية احتياجات ايٍّ من دول مجلس التعاون؟ عند استعراض الأوضاع الديموغرافية في أي من دول الخليج، نجد أن العمالة الوافدة من الخارج تشكل نسبة عظيمة في سوق العمل. 

تظهر بيانات المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي أن عدد العاملين في هذه الدول في الربع الثاني من عام 2021 قد بلغ 22,2 مليون عامل منهم 7,9 ملايين من العمالة الوطنية و14,3 مليون من العمالة الوافدة، أي أن العمالة الوطنية تشكل 35,5 في المئة من إجمالي أعداد العاملين. وتتفاوت النسبة بين الدول حيث تصل نسبة العمالة الوطنية في السعودية 44,7 في المئة و36 في المئة في عُمان و8,4 في المئة في البحرين و16,3 في المئة في الكويت و5,8 في المئة في قطر. كما أن نسبة العمالة الوطنية في الإمارات لا تزال متواضعة. يعني ذلك أن المطلوب بذل جهود عظيمة للارتقاء بنسبة العمالة الوطنية وتحفيز المؤسسات الخليجية في أي من الدول لتوظيف الخليجيين كلما كان ذلك متاحاً. في طبيعة الحال قد يكون هناك خليجيون يطمحون للانتقال والعمل في دولة أخرى في المنطقة، لكن أبرز ما يعوق ذلك هي مشكلات السكن وغلاء الأراضي أو ارتفاع تكاليف المعيشة في البلد المضيف وغيرها، مما يتطلب معالجات منهجية لتسهيل إمكان الاستفادة من العمالة الخليجية.

يضاف إلى ذلك أهمية مراجعة الأنظمة التعليمية بما يمكن من توفير مهارات مهنية تغني عن استخدام العمالة الوافدة ضمن برامج متدرجة.

مهما يكن من أمر فإن مجلس التعاون الخليجي يظل إطاراً قابلا للديمومة والتطور بحرص القادة والتفاعل بين شعوب المنطقة. ولا بد من تعزيز الأطر الاقتصادية الجامعة التي تمكن من التكامل والاندماج خلال السنوات المقبلة. تبقى أهمية دور الجامعات والمراكز البحثية ومؤسسات الإعلام للتصدي للقضايا ذات الصلة وبحث المعوقات التي تعطل مسيرة المجلس. هناك قضايا التعليم والدمج بين القطاع الخاص وتطوير السياسات المالية والنقدية بما يمكن من توحيد العملة كما كان مأمولاً قبل سنوات. أي أن المطلوب من النخب الثقافية بذل الجهود الفكرية وتحضير الدراسات العلمية لكل القضايا التي أثيرت خلال مسيرة مجلس التعاون الخليجي منذ تأسيسه في عام 1981. هذه التحديات مهمة لكنها ضرورية لتوفير الأسس التي يمكن لقادة المجلس الاعتماد عليها عند اتخاذ القرارات المستحقة.

font change

مقالات ذات صلة