هل خارت قوى مصارع "السومو" الياباني... اقتصاديا

طوكيو في كبوة معضلات مالية واقتصادية وديموغرافية

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
مصارعان يستعدان لبدء مباراة في "هونوزمو"، وهو معرض احتفالي للسومو، على أرض ضريح ياسوكوني في طوكيو. السومو أحد أقدم التقاليد الرياضية في اليابان وأكثرها احتراما

هل خارت قوى مصارع "السومو" الياباني... اقتصاديا

عام 2023، شهدت اليابان تراجع مكانتها بوصفها القوة الاقتصادية العالمية الثالثة لصالح ألمانيا. يكشف هذا التطور عن أكثر من مجرد تغيير بسيط في الترتيب، مع انخفاض كبير في سعر صرف الين. يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لليابان 4,2 تريليونات دولار، في مقابل 4,5 تريليونات دولار في ألمانيا. وعلى الرغم من النمو الحقيقي الإيجابي بنسبة 1,9 في المئة عام 2023، مقارنة بواحد في المئة عام 2022، لا يمكن للأرخبيل تجاهل أثر ضعف عملته والتحديات الهيكلية الداخلية، والناتج المحقق بالكاد يتجاوز مستوى أزمة ما قبل "كوفيد-19".

يعاني الاقتصاد الياباني من مشاكل أساسية. ويشكل التدهور الديموغرافي المتسارع وانخفاض الإنتاجية عقبتين رئيسيتن. يضاف إلى ذلك الانخفاض المستمر في قيمة الين (-7 في المئة في مقابل الدولار عام 2023)، نتيجة سياسة نقدية شديدة التساهل مقارنة بالتشديد النقدي في أماكن أخرى.

واقع الاقتصاد الياباني

في الفصل الأخير من العام المنصرم، شهد الاقتصاد الياباني انخفاضاً جديداً، مثّل ركوداً تقنياً. على عكس التوقعات، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0,1 في المئة، بعد انخفاض أكبر بنسبة 0,8 في المئة في الفصل السابق. فاجأ هذا الوضع الخبراء الذين توقعوا انتعاشاً طفيفاً. كذلك انخفض استهلاك الأسر واستثمارات الشركات. فقط الصادرات قدمت صورة إيجابية، إذ ساهمت في شكل طفيف في الاقتصاد.

تحتل اليابان الآن مرتبة خلف أميركا والصين وألمانيا، وقبل الهند وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا. هي تنازلت عن المركز الثاني للصين عام 2010، لكنها حافظت على أسعار الفائدة السلبية على مدى 8 سنوات

لا شك أن صعود ألمانيا إلى المرتبة الثالثة عالمياً، على الرغم من انكماش الاقتصاد بنسبة 0,3 في المئة، يسلط الضوء على أهمية التضخم في حساب الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. مع ذلك، قد يكون هذا الموقع موقتاً مع وجود الهند في الأفق، وعلى استعداد لتجاوز البلدين في حلول عام 2025. من الواضح أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي لا يزال مؤشراً رئيساً. الوضع الاقتصادي الصعب في ألمانيا يجعل لقبها كقوة عالمية ثالثة أقل إثارة للإعجاب مما يبدو، فقد أعلنت توقعات صندوق النقد الدولي هذا اللقب منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن في ألمانيا، يرى كثيرون أنه وهم.

أ.ف.ب
شاشة ضخمة تعرض سعر مؤشر نيكي في بورصة طوكيو، 4 مارس 2024.

تحتل اليابان الآن مرتبة خلف الولايات المتحدة والصين وألمانيا، وقبل الهند والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا والبرازيل وكندا. تواجه البلاد صعوبات في مواجهة الركود التقني والاستهلاك المحلي البطيء. وتتزايد الدعوات إلى إجراء إصلاحات اقتصادية، لا سيما لتنشيط التصدير وتحفيز الطلب المحلي. قد يعيد بنك اليابان الحذِر النظر في خططه للتشدد النقدي، التي كان من المتوقع سابقاً أن يبدأ تطبيقها اعتباراً من أبريل/نيسان المقبل، مما يؤكد عدم اليقين الذي يلوح في الأفق في شأن الانتعاش الاقتصادي. لكن اليابان، التي تنازلت عن المركز الثاني للصين عام 2010، حافظت على أسعار الفائدة السلبية على مدى ثماني سنوات. 

يُقال إن الاقتصاد الياباني قد انكمش في شكل غير متوقع بسبب ضعف الاستهلاك المحلي، مما دفع البلاد إلى الركود.

ارتفاع تكاليف المعيشة

انخفض الاستهلاك الخاص بنسبة 0,9 في المئة في الفصل الرابع، بينما يواجه المستهلكون اليابانيون التضخم، بما في ذلك ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود وغيرها من السلع. تستورد اليابان، وفق نيل نيومان، الخبير الاستراتيجي المقيم في طوكيو، متحدثاً إلى شبكة "سي. إن. إن."، 94 في المئة من احتياجاتها الأساسية من الطاقة و63 في المئة من غذائها.

إقرأ أيضا: أنقذوا الصين... الآن

لذلك، سيساهم ضعف الين في شكل كبير في ارتفاع تكلفة المعيشة. وقال نيومان: "كان الاستهلاك الخاص ضعيفاً في شكل خاص، [و]كانت توقعات السوق أنه سيكون مستقراً". وأضاف أن العملة اليابانية انخفضت في شكل ملحوظ بنسبة 6,6 في المئة في مقابل الدولار منذ بداية هذا العام.

انخفض عدد المواليد الجدد بنسبة 5% في عام 2023، ليصل إلى 758,631. ومع وصول الوفيات إلى 1,59 مليون، فقد تم تجاوز عتبة التوازن الطبيعي، أي الفرق بين الاثنين

صحيفة "نيهون كيزاي شيمبون" الاقتصادية

من المهم ملاحظة أن الأزمة المالية قد تزداد سوءاً لليابانيين في أعقاب الزلزال الذي هز شبه جزيرة نوتو في محافظة إيشيكاوا الوسطى في الأول من يناير/كانون الثاني، مما تسبب في وفاة أكثر من 200 شخص وجرح أكثر من ألف شخص. وفق نيومان، يميل المواطنون إلى التوقف عن الإنفاق أثناء الكوارث الطبيعية، وهو أمر لن يحسن الوضع على الأرجح.

الاعتبارات الديموغرافية

يستمر الانخفاض الديموغرافي في اليابان بلا هوادة، بل يتسارع. هذا هو الاستنتاج المستمد من إحصاءات وزارة الصحة في البلاد، المنشورة في 27 فبراير/شباط. وفق هذه الأرقام، على ما ذكرت صحيفة "نيهون كيزاي شيمبون" الاقتصادية، انخفض عدد المواليد الجدد بنسبة خمسة في المئة عام 2023 مقارنة بعام 2022، ليصل إلى 758,631.

ومع وصول الوفيات إلى 1,59 مليون، فقد تم تجاوز التوازن الطبيعي، أي الفرق بين الاثنين، عتبة تقلص الكتلة السكانية بواقع 800 ألف شخص للمرة الأولى. وعلقت الصحيفة قائلة: "إن تراجع القوة الوطنية أبعد ما يكون عن التوقف". 

.أ.ف.ب
بطل السومو الكبير أو "يوكوزونا" هاكوهو من منغوليا يؤدي تحية حفل دخول الحلبة في ضريح ميجي في طوكيو في 9 يناير 2018.

يصاحب هذا الانخفاض الديموغرافي غير المفاجئ، نقص في القوى العاملة في بعض القطاعات، فضلاً عن وجود تحد كبير تواجهه المؤسسات على صعيد تقديم المساعدة إلى المسنين، الذين تتزايد أعدادهم باستمرار. وقد أدلى رئيس وزراء البلاد، فوميو كيشيدا، بنفسه بهذه الملاحظة العام المنصرم بإعلانه أن البلاد "على وشك أن تكون غير قادرة على الحفاظ على وظائفها الاجتماعية" وأنها "ببساطة لا تستطيع الانتظار أكثر من ذلك لحل قضية انخفاض معدل المواليد".

من المتوقع أن تبقى نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي مرتفعة، لتصل إلى 243,8 في المئة عام 2025

التوقعات والعلاجات

على الرغم من هذه الفترة المظلمة، لا يزال بعض الاقتصاديين متفائلين ويعتقدون بأن الركود لا بد أن يهدأ في الأشهر المقبلة، نظراً إلى استقرار معدل التضخم ونمو الأجور المتوقع. وتتضمن المجموعة الجديدة من التدابير الاقتصادية التي أُعلِنت في نوفمبر/تشرين الثاني، تقديمات تهدف إلى تخفيف أثر ارتفاع الأسعار ودعم الاستثمار المتوسط الأجل في مختلف المجالات، مثل الأمن الاقتصادي والتحولات البيئية والرقمية والتعليم. ينطوي ذلك على منح نقدية للأسر ذات الدخل المنخفض وخفوضات مؤقتة في ضريبة الدخل وضريبة الإقامة، بتكلفة نحو 1,1 تريليون ين (0,2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) ونحو أربعة تريليونات ين، على التوالي، أو 7,33 مليار دولار و26,67 مليار دولار، على التوالي، وفق تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.  

كما مُدِّد العمل بالدعم الحالي لتعويض أثر ارتفاع أسعار الوقود والكهرباء والغاز حتى أبريل/نيسان 2024، مع استمرار تطبيق الدعم المتعلق بالكهرباء والغاز بأسعار مخفضة اعتباراً من مايو/أيار 2024 فصاعداً. 

تفترض هذه التوقعات أن الدعم سيظل قائماً حتى نهاية عام 2024 لكنه سينخفض تدريجياً بمرور الوقت، إلى جانب زيادة سنوية في الإنفاق الدفاعي تبلغ نحو تريليون ين (6,67 مليارات دولار) في 2024-2025.

إقرأ أيضا: شبح هيروشيما يُخيم فوق الحرب الروسية-الأوكرانية

ومن المتوقع أن ينخفض المبلغ المخصص للإعانات في الموازنة بسبب انتهاء التدابير المتعلقة بجائحة كوفيد-19 والخفض التدريجي للإعانات المرتبطة بالأسعار عام 2024، فضلاً عن الإلغاء التدريجي للإعانات ككل عام 2025. ومن المتوقع أن تبقى نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي مرتفعة، لتصل إلى 243,8 في المئة عام 2025

font change

مقالات ذات صلة