عمدة "حي المال" في لندن: الاقتصاد يلعب دورا رئيسا في تهدئة التوترات

في حديث لـ"المجلة" تناول العلاقات البريطانية-السعودية والاستثمارات في الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة

غيتي
غيتي

عمدة "حي المال" في لندن: الاقتصاد يلعب دورا رئيسا في تهدئة التوترات

غني عن التعريف أن المملكة المتحدة مركز مالي دولي ومحوري في العالم، وأحد أكبر مصادر التمويل. إنها بوابة عالمية لشركات الخدمات المالية والمصرفية والتجارية والمهنية، وهي توفر مركزاً مالياً مفتوحاً يتميز بقوانين صارمة وبشبكات دولية لا مثيل لها، وبوفرة كبيرة لرؤوس الأموال السائلة، وبحضور دائم للمستثمرين الدوليين.

تشغل المملكة المتحدة المرتبة الأولى في الابتكار على مستوى الخدمات المالية والمصرفية والمهنية، من خلال نظام معرفي واسع يضم أكثر من 40 جمعية علمية رئيسية، و70 مؤسسة للتعليم العالي، و130 معهدًا بحثيًا. من هنا تستطيع الشركات ورواد الأعمال الوصول إلى منظومة فريدة من نوعها. تجمع بين الدعم القوي للسياسات والحوكمة والتمويل المستدام والتكنولوجيا والوصول إلى الأسواق العالمية والكفاءات.

يوظف قطاعا الخدمات المالية والمهنية معا نحو 2,3 مليون شخص في كل أنحاء المملكة المتحدة، ويوجد ثلثا هذه الوظائف خارج لندن. ويعمل في "حي المال" وحده اليوم 615 ألف شخص، ويشكل المقيمين فيه نحو 2 في المئة من سكان المملكة المتحدة، ويساهم في 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

في القصر التاريخي الجميل في حي المال والأعمال في لندن، قبالة بنك إنكلترا، حاورت "المجلة" اللورد العمدة لـ "حي المال" مايكل ماينلي، وهو الشخصية الرئيسة التي تلعب دور السفير الدولي للمملكة المتحدة في قطاع الخدمات المالية والمهنية، ويرأس "مؤسسة مدينة لندن"، الهيئة الإدارية المشرفة على "The City" في الميل المربع الشهير في العاصمة البريطانية.

Shutterstock

لا يتقدم أحد على الملك داخل حدود المدينة، لكن يستضيف اللورد العمدة خلال فترة ولايته رؤساء دول وحكومات وزوارا أجانب آخرين رفيعي المستوى نيابة عن الملك تشارلز الثالث وحكومة صاحب الجلالة.

خلال ولايته، يتطلع ماينيلي إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي خصوصا، وإيجاد فرص أعمال جديدة، وهو إذ يؤمن بأهمية بناء الشراكات للنجاح، سيعمل على الترويج لمبادرته المتمثلة في "التواصل من أجل الازدهار" (Connect to Prosper) التي ستجمع رواد الفكر في المجالات العلمية والأكاديمية والتجارية في مسعى لمساهمة مدينة لندن في إيجاد حلول للتحديات العالمية.

رسائل من لندن الى الخليج

تعتبر منطقة الخليج حيوية جدا بالنسبة للمملكة المتحدة، وهي تشكل رابع أكبر شريك تجاري للمملكة من بعد الولايات المتحدة والصين وسويسرا، بحجم تجارة إجمالي يبلغ 65 مليار جنيه إسترليني، منها 17,4 مليارا مع السعودية التي تصل استثماراتها في المملكة المتحدة إلى نحو 65 مليار جنيه إسترليني.

وتوفر دول مجلس التعاون الخليجي بوابة مهمة إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي منطقة تمثل أكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتحتوي على عدد من أسرع الاقتصادات نموا في العالم. ويمثل التحول الرقمي السريع في دول الخليج فرصة عظيمة للقطاع التكنولوجي الرائد في المملكة المتحدة.

قبيل رحلته إلى الرياض، أشاد اللورد العمدة ماينلي، برؤية السعودية 2030 ووصفها بأنها "مذهلة وطموحة"، وهو سيشارك في المنتدى الاقتصادي العالمي ويلتقي بعدد من الوزراء والمسؤولين والشخصيات ورجال الأعمال، وسلط الضوء على بعض القطاعات الرئيسة التي يمكن أن تستثمر فيها المملكة المتحدة.

هنا أبرز ما جاء في المقابلة مع "اللورد العمدة" مايكل ماينيلي:

• ما الجديد الذي يحتاج المستثمرون معرفته عن "حي المال" في 2024، ومناخ الاستثمار القائم حاليا في لندن، ولا سيما بعد "بريكست"؟

- لطالما تفوقت لندن في العلوم والتكنولوجيا والأسواق الجديدة. ربما يشعر المستثمرون بالقلق في شأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، لكننا شهدنا نموا فعليا، على الرغم من خسارتنا بعض الوظائف في أعقاب "بريكست" عام 2016. في تلك السنة 2016، كان يعمل في حي المال في لندن 525 ألف شخص، وأصبح لدينا الآن 615 ألفا. ومع أن ذلك يشكل نحو 2 في المئة من سكان المملكة المتحدة، فإن مساهمتنا تبلغ 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

في عام 2016، كنا ندير ما يزيد قليلا على 12 في المئة من الأصول العالمية، وبعد ثماني سنوات، أصبحنا ندير نحو 15 في المئة، مع أن المملكة المتحدة لا تشكل سوى 1 في المئة من سكان العالم.

إذا كنت ترغب في ترتيب مجالات الخبرة، أرى أن القوة العاملة في لندن تنقسم ثلاثة أقسام متساوية تقريبا - يعمل الثلث في الشؤون المالية، وثلث آخر في العلوم والهندسة والتكنولوجيا، والثلث الأخير في الفنون والإعلام والثقافة والشحن على غير المتوقع. وتضعنا خبراتنا المتنوعة لجهة التخصصات، في طليعة معظم المجالات التي يبدي الناس اهتماما في الاستثمار فيها.

عندما يتعلق الأمر بالاستثمار في المدينة، لا يعني ذلك أننا في حاجة إلى المال، بل نحن مركز كبير للتبادل على الصعيد العالمي. المستثمرون الكبار الذين يسعون إلى منبر دولي مناسب، يحضرون أموالهم إلى هنا. وبعد ذلك نقوم بتوزيعها في أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وأميركا الجنوبية والولايات المتحدة والصين وأوستراليا/ آسيا.

ندعم كل آليات السلام، ما يجري في البحر الأحمر مضر بالتجارة، واننا نريد عودة الهدوء إلى الوضع في الشرق الأوسط

لا شك في أن المشاريع البريطانية ومشاريع البنية التحتية مثيرة للاهتمام أيضا. لكن دورنا محايد وعالمي إلى حد كبير، إذ نحاول تحقيق أفضل النتائج لعملائنا الذين يأتون إلى هنا للاستثمار.

كيف تنظرون من هنا، في "حي المال"، الى التوترات الحاصلة في الشرق الأوسط الآن، ما هي رسالتكم، خصوصافي ضوء  الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر؟ أي دور يمكن أن تؤديه الأعمال في الصراعات؟

- رسالتنا واضحة، نحن نقدم دعمنا الكامل للسلام ولكل الآليات التي تقود إليه. من الواضح أن ما يجري في البحر الأحمر مضر بالتجارة، لكن الأهم من ذلك أننا نريد عودة الهدوء إلى الوضع في فلسطين وإسرائيل والشرق الأوسط.

أ.ف.ب.
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يلتقط صورة تذكارية مع عمدة مدينة لندن مايكل ماينيلي، أثناء حضوره المأدبة التقليدية التي تقام عادة على شرف سلفه المنتهية ولايته، ويلقي فيها سوناك كلمة في "غيلدهول" في 13 نوفمبر 2023.

• أي دور للأعمال والتجارة؟

- يلعب الاقتصاد دورا رئيسا في تهدئة التوترات، كلما زادت تجارتك مع الآخرين، ازدادت الاستثمارات المشتركة، واتسعت شبكة علاقاتك، وقل احتمال حدوث الصراعات. وبينما يبحث الناس دائما عن الفرصة الجديدة التالية للاستثمار، مثل الذكاء الاصطناعي، فإن الأهم من ذلك أن نستثمر معا في مكان ما. على سبيل المثل، إذا أقمنا شراكة للاستثمار في زامبيا. أنت تعرف زامبيا جيدا، وأنا أعرف مجال طاقة الرياح جيدا، أتعلم منك، وتتعلم مني. ومن ثم تتاح للمشروع فرصة أكبر للنجاح.

رؤية السعودية 2030 مذهلة وطموحة. يمكننا التعاون في تكنولوجيا الهيدروجين، ومجالات البيولوجيا والرعاية الصحية والذكاء الاصطناعي، ونتعلم تحلية المياه 

• أنت في صدد التوجه الى الشرق الأوسط، تحديدا الرياض التي تمضي قدما في تنفيذ رؤية 2030. ماذا تحمل الى رجال الأعمال هناك والمستثمرين العرب وفي دول مجلس التعاون الخليجي خصوصا؟ ما القطاعات التي تعتقد أن المملكة المتحدة تستطيع المشاركة فيها هناك؟

- رؤية السعودية 2030 مذهلة وطموحة. إنه لأمر رائع أن تنظر المملكة العربية السعودية بعمق في مستقبلها، وأنا أشيد بذلك. أراها رؤية راقية لما يمكن أن تحققه أمة يبلغ عدد سكانها أكثر من 32 مليون نسمة.

ما الذي يمكننا المساعدة فيه؟ يمكن في البنى التحتية، حيث لدينا خبرات واسعة، هذا أحد المجالات. ومن أفضل الأمور في "رؤية 2030" استحداث وظائف جيدة وذكية للسعوديين. ويمكن أن تكون العلوم والتكنولوجيا حقلا آخر للتعاون. والعكس صحيح، علينا أن نشارك أكثر في المشاريع السعودية. على سبيل المثل، في العودة إلى أهمية تبادل المعرفة، يمكننا أن نتعلم الكثير من السعوديين في مجالات مثل تحلية المياه.

وأعتقد أن هناك إمكانات كبيرة في توجه المملكة نحو تكنولوجيا الهيدروجين، بالإضافة إلى مجالات البيولوجيا والرعاية الصحية.
في أثناء زيارتي للمملكة العربية السعودية، سأزور عددا من المصارف وشركات التأمين، كما سنشارك على مدى يوم في المنتدى الاقتصادي العالمي، في جلسة مناقشة حول كيفية إدارة مدينة خضراء عمرها 2000 عام مثل لندن وبعض ما تعلمناه من ذلك. وأتمنى أيضا أن أكتسب أفكارا جديدة ممن ينشئون مدنا جديدة تماما.

سألتقي أيضا مع المسؤولين عن الذكاء الاصطناعي في المملكة. لدينا نهج لتنظيم الذكاء الاصطناعي باستخدام معايير الـ"أيزو"، وهناك 25 دولة تشارك في هذا الأمر بالفعل.

الذكاء الاصطناعي وصناعاته الهائلة

• في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، هناك العديد من شركاته في المملكة المتحدة وأوروبا، وأطلقت السعودية شركاتها أيضا، وهي تستضيف بالفعل العديد من عمالقة التكنولوجيا الذين يستثمرون بكثافة في المنطقة. ماذا في جعبتكم للتعاون في هذا المجال؟

- منطقة الخليج، ككل، هي رابع أكبر شريك تجاري لنا - هناك الولايات المتحدة وأوروبا والصين ثم الخليج. لذا فإنها منطقة حيوية للغاية بالنسبة لنا. وتبلغ التجارة الإجمالية بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي 65 مليار جنيه إسترليني.

في ما يتعلق بسؤالك عن الذكاء الاصطناعي، أعتقد أننا وصلنا إلى عصر الانتشار، لكن الأمر ليس جديدًا، وكنا نعلم أن لدينا تحديات أخلاقية مع الذكاء الاصطناعي، لكن معايير "أيزو" (ISO) موجودة منذ عقود.

نحن نستخدم الذكاء الاصطناعي في مدينة لندن منذ عقود، ولآليات الدعم الموجهة أهمية كبرى هنا منذ أواخر الثمانينات. أنت تتحدث عن نحو 40 عاما، والأبحاث المنشورة عن الذكاء الاصطناعي ليست جديدة. لكن صارت هذه التكنولوجيا شديدة الاندماج في الشركات، بحيث إننا بعد خمس سنوات لن نتحدث عن شركات الذكاء الاصطناعي، بل عن الشركات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي، لحل مشكلة صحية، أو تقديم مشورة مالية أفضل، على سبيل المثل. لذلك أعتقد أننا سنشهد انتشارا واسعا للذكاء الاصطناعي، لكنه يحتاج إلى تنظيم حتما بوصفه تكنولوجيا، وسيأتي هذا التنظيم بشكل أو بآخر. وسأتحدث عن كيفية القيام بذلك من دون إعاقة التجارة.

• ماذا عن صناعات هذه التكنولوجيا وأعني الرقائق الميكروية. ماذا عن أطر التعاون؟

- سأتحدث عن الاستثمار في الرقائق وأشباه الموصلات في أثناء وجودي هناك (السعودية). إنها صناعة كبيرة كما أشرت. عندما نتحدث عن الذكاء الاصطناعي، أعتقد أن الاستثمارات التجارية الأكثر جدية ستكون في التصنيع. ولكن هذه ليست مجرد رهانات كبيرة، إنها رهانات هائلة. البرمجيات مهمة أيضا في طبيعة الحال. الجميع يعمل على جانب البرمجيات لتقليل الاعتماد على الرقائق. ثم هناك أيضا استهلاك الطاقة وما إلى ذلك، لذا فإنه مجال غني وتنافسي بالتأكيد.

Shutterstock
منطقة المصارف والشركات الكبرى، وتبدو ناطحات السحاب التي تميز وسط لندن.

• ما دمنا تحدثنا عن منطقة الخليج ككل، أين تقف مفاوضات اتفاقات التجارة الحرة لدول مجلس التعاون الخليجي؟

- نحن، كـ"سيتي أوف لندن"، لم نشارك في التفاوض في شأن اتفاق التجارة الحرة، الحكومة المركزية كانت المعنية بذلك. لكني أرى أن أهمية اتفاق التجارة الحرة لا يكمن في الاتفاق نفسه وإنما في مسار الإعداد له. فهذا تحديدا ما يسمح لك بمناقشة الاحتكاكات التجارية أو ما يمكن أن ينجم عنها. ولطالما كنت من مؤيدي اتفاق التجارة الحرة الأول لأنه أبرم بسرعة كبيرة، حتى لا يعيق التجارة.

صارت تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي شديدة الاندماج في الشركات، بحيث إننا بعد خمس سنوات لن نتحدث عن شركات الذكاء الاصطناعي، بل عن الشركات التي تستخدمه

نرى الأمر على هذا النحو، لنفترض مثلا أنني كنت رجل أعمال لديه تجارة سابقة مع المملكة العربية السعودية، والآن ترغب الحكومة باتفاق تجارة حرة. هذا سيجعل الأمور أفضل، إذ يكون لدينا آلية يمكننا التحدث من خلالها. لذا عندما أواجه مشكلة، ولنفترض أنني أعمل في مجال مستحضرات التجميل وأحاول التصدير، لكنني لا أجري اختبارات على الحيوانات، في حين يشترط إجراء اختبارات على الحيوانات. يمكننا عندئذ التباحث في الأمر والاستنتاج، أنه ربما لا حاجة إلى إجراء اختبارات على الحيوانات في هذه الحالة لأنك تكون قد أجريت اختبارات كافية بالفعل. ذلك يساعد في تسهيل العملية التجارية. ولكن إذا وضعت كل شيء على الطاولة وحاولت التفاوض عليه مقدما، فسينتهي بك الأمر إلى تعقيد مجرى الأمور على نحو كبير. لذا أؤيد اتفاق التجارة الحرة لأنه يسمح بمواصلة النقاش بطريقة منظمة.

• هل يمكنك أفادتنا ببعض الأرقام أو الإحصاءات عن مستقبل علاقتكم الاقتصادية مع السعودية؟

- استثمارات المملكة العربية السعودية في المملكة المتحدة تبلغ نحو 65 مليار جنيه إسترليني، لذا فإنها علاقة جيدة وصحية بالتأكيد. يتوجه الاستثمار إلى عدة مجالات، مثل الفنادق والسياحة نحو 20 في المئة، والنقل والتخزين نحو 15 في المئة، والخدمات المالية نحو 13 في المئة. كذلك، المملكة المتحدة هي أكبر شريك تجاري للسعودية في أوروبا، إذ تبلغ قيمة التجارة بيننا 17,4 مليار جنيه إسترليني.

أنا في الواقع أحاول اصطحاب شركة بريطانية معي في هذه الرحلة، ترغب في إنشاء مركز رئيس للخدمات اللوجستية يوفر بضعة آلاف وظيفة. ونعتقد أن تلك طريقة جيدة لنا للتواصل مع الخارج، عبر الشرق الأوسط وصولا إلى الهند، التي تشهد ازدهارا مماثلا.

علينا أن نعامل الجميع بإنصاف

• نسمع أحيانا أصواتا في المملكة المتحدة تعارض بعض الاستثمارات الخليجية هنا في المملكة المتحدة. تنتقد مثلا السعودية أو قطر لاستثمارات محددة في كرة القدم مثلا أو المنتجعات الفندقية. ما رأيك في ذلك؟

- سمعت اعتراضات من بعض الأشخاص على الاستثمار الأجنبي بشكل عام. وذلك أمر طبيعي في أي بلد. لكنني لم أسمع أحدا يقول، "نحن لا نحب الاستثمار السعودي". الاستثمار الأجنبي مهم للغاية، وإذا كنت تهتم بالمعاشات التقاعدية والمستقبل، فعليك تنويع الاستثمارات. وكلما صغر حجم الدولة، ازدادت حاجتها إلى الاستثمار في الخارج كما تقتضي مصلحتها على المدى الطويل. على سبيل المثل، توجد 80 في المئة من استثمارات كندا في الخارج. على العالم أن يدرك أن هذا النوع من الاستثمار المتبادل هو السبيل للحد من الأخطار.

السبب وراء قدوم المستثمرين إلى لندن على مر السنين هو التزامنا بمعاملة جميع القادمين بشكل عادل. نظامنا القانوني وسيادة القانون هما الضامنان لحماية حقوق الملكية، هذه هي الأمور المهمة. علينا أن نعامل الجميع بإنصاف.

أ.ف.ب.
اللورد العمدة مايكل ماينيلي.

• يتميز "حي المال" هنا بخبرات واسعة في الصناعة المالية ومنها "فنتك". كيف تنظرون الى مجالات تبادل الخبرات مع دول مجلس التعاون الخليجي للانتقال من القطاع المصرفي التقليدي إلى التكنولوجيا المالية بكل مجالاتها؟

- في الواقع، سبقت التكنولوجيا المالية ظهور أو استخدام هذا المصطلح. جئت إلى المدينة في عام 1984 لوضع أجهزة الكمبيوتر في المصارف والمؤسسات المالية الأخرى. هذه هي التكنولوجيا المالية. لقد كانت هذه عملية مستمرة لرقمنة المصارف، كما يسمونها. بدأ ذلك منذ عقود، ولا يزال مستمرا. الآن نرى مصارف رقمية بالكامل. وأعتقد أن ذلك متقدم جدا في قطاع التجزئة.

أعتقد أن مستقبل التكنولوجيا المالية يكمن إلى حد كبير في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة. يمكن أن يؤدي تقديم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للخدمات المصرفية إلى إطلاق العنان لعدد كبير من رواد الأعمال، وهو أمر أعتقد أنه سيكون حاسما للسعوديين الذين يعملون عادة لدى الحكومة في عدد قليل جدا من الشركات الكبرى. وسيساعد قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في التنمية الفكرية للعمال، لذا أشجع هذا الأمر.

السعودية تقود منهج الهيدروجين الأخضر، لدينا التزام سعودي حتى عام 2060 للتحول إلى صافي صفر كربون، ولدينا التزام صيني بذلك في العام نفسه. علينا العمل، ولدينا 34 عاما كحد أقصى

على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في الطاقات المتجددة، لا يزال الطريق طويلا قبل أن تتمكن الدول من الاعتماد على الطاقة المتجددة بشكل أساسي. يتحدث الخبراء عن 50 سنة على الأقل. في ضوء تجربة المملكة المتحدة في مجال الاقتصاد الأخضر والاستدامة عموما، والاستثمار والتمويل الأخضر خصوصا، كيف يمكن تحقيق التوازن برأيك بين التحول إلى الطاقة المتجددة وحاجة الاقتصادات والصناعات العالمية إلى الوقود الأحفوري؟

- عندما يتعلق الأمر بانبعاثات الغازات الدفيئة، أميل إلى تقسيمها إلى خمس فئات أساسية. الأولى، هي إنتاج الطاقة الأولية، وتشكل نحو 20 في المئة من الانبعاثات. وتختلف هذه النسبة قليلا من بلد إلى آخر. ثم هناك المباني السكنية والتجارية، ثم وسائل النقل، ثم الزراعة. في الفئات الأربع الأولى، المشكلة قابلة للحل. أما الزراعة، فهي تتسم بالفوضى بشكل كبير، وليس لدي أي إجابات في هذ الشأن.
من جانبنا كمدينة لندن، ساهمنا في مؤتمر "كوب 3" عام 1997، وجرى الاتفاق خلال قمة "كيوتو" على وجوب استخدام أسواق الكربون. تغطي أسواق الكربون حاليا 23 في المئة من الانبعاثات العالمية. بالتأكيد، أود أن أرى هذه النسبة ترتفع إلى 80 في المئة.

لدينا 34 سنة للتحول الى الطاقة المتجددة

في ما يتعلق بإنتاج الطاقة الأولية، فقد أثبتنا أنه يمكن القيام بذلك من خلال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. يثير ذلك مشكلتين أخريين. الأولى، هو عدم توازن الشبكات، التي كانت معتادة نوعًا ما على مصدر طاقة كبير ومستقر.

أ.ف.ب.

 المشكلة الثانية التي نواجهها في مجال الطاقة المتجددة هو التخزين. لطالما واجهنا مشكلة تخزين الكهرباء. أقول دائمًا إن الفرق بين الطاقة المتجددة وطاقة الوقود الأحفوري هو أن الأخير يمكن تخزينه، في حين أن الطاقة المتجددة إما أن تستخدمها مباشرة أو تهدر. لذلك، أعتقد أن الهيدروجين ومشتقاته ستكون مهمة للغاية. وأعتقد أن السعودية، وربما منطقة الخليج بأكملها، تقود هذا المنهج. وأعتقد أننا أثبتنا قدرتنا على القيام بذلك في أوروبا، ونحن نقترب من ذلك. لدينا التزام سعودي حتى عام 2060 للتحول إلى صافي صفر كربون، ولدينا التزام صيني بذلك في العام نفسه. وبالتالي يتعين علينا العمل على ذلك، لدينا 34 عاما كحد أقصى.

هنا في المدينة، طرحت فكرة ما يسمى خدمة رصيد ترجمة الكربون (City carbon translation credit service )، التي تتيح للناس شراء أرصدة كربون (Carbon credits) حقيقية في أسواق نظام تداول الانبعاثات (Emissions Trading System – ETS) لدينا. تبلغ قيمة هذه الأسواق على مستوى العالم 950 مليار دولار. يمكنك المراهنة على الـ23 في المئة من المشاركين الطوعيين في أسواق الكربون الذين تحدثت عنهم سابقاً. وقد حدث تطور آخر مثير حقًا في أسواق الكربون الطوعية مؤخرًا، في الأشهر القليلة الماضية. فقد بدأ الناس في أسواق التأمين في لندن بتأمين الأرصدة ليقولوا إنهم، في حال لم يتم تحقيق أهداف الكربون، فإن الجهات المعنية ستدفع لهم تعويض. لقد بدأنا نرى هذا السوق ينضج، ونرى بعض التطور في منطقة الخليج.

font change

مقالات ذات صلة