لم يكن انخراط "حزب الله" في "جبهة إسناد" غزة ابتداء من 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 سوى تتويج لمساره الطويل الذي شهد تحولا مفصليا لحظة مشاركته في الحرب السورية ابتداء من عام 2012. ربما هي صدفة أن يكون فتح "الحزب" لجبهة جنوب لبنان قد جاء بعد "عودته" من سوريا، بمعنى أنه لم يعد مضطرا للقتال المكثف هناك كما كان يفعل منذ عام 2012، وربما لم يكن من الممكن بالنسبة إليه فتح هذه الجبهة لو كان مستمرا في القتال بسوريا بالوتيرة نفسها. وأيا يكن من أمر فإن سوريا تحضر بقوة في قراءة مسيرة "الحزب"، خصوصا بعد الثامن من أكتوبر 2023، هذا مع تأجيل الإجابة عن سؤال عما إذا كانت "حماس" نفسها ستكون مستعدة لتنفيذ عملية "طوفان الأقصى" لو كانت الحرب في سوريا لا تزال مستعرة كما كانت منذ 2012. إلا أنه في مطلق الأحوال وفي ما يخص "حزب الله" فإنه لا يمكن قراءة انخراطه في "جبهة إسناد" غزة بمعزل عن انخراطه في "جبهة إسناد" نظام بشار الأسد.
فواقع الحال أن ذهاب "حزب الله" للقتال في سوريا ضد الفصائل المعارضة، ودعوته سائر "الفصائل اللبنانية" للحاق به وقتاله هناك، كان إعلانا صريحا وواضحا لوظيفته الإقليمية، أي إنه لم يعد من الممكن النظر إليه كما لو أنه حزب لبناني بحت أو "مقاومة" لبنانية بحتة. بهذا المعنى شكلت الحرب السورية تحولا نوعيا في مسيرة "حزب الله"، وهذا قبل أن يشكل تاريخ الثامن من أكتوبر 2023 تاريخا مفصليا في مسيرته الدراماتيكية. ولكن في الوقت نفسه فإن فتح "الحزب" لجبهة الجنوب في ذلك التاريخ كان تتويجا لمسار خروجه من لبنان إلى الفضاء الإقليمي الواسع، بدءا من سوريا والعراق ووصولا إلى اليمن، وهذا فضلا عن تشغيله خلايا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. وعلى هذا النحو فإن "عودة الحزب" إلى لبنان أضحت صعبة بل ومستحيلة بعد ذهابه إلى سوريا. وحتى لو كان "حزب الله" مصمما على هذه "العودة" بعد أن اعتقد أن الأوضاع في سوريا قد استقرت لصالح نظام بشار الأسد، فإن إطلاق "الحزب" لـ"جبهة الإسناد" إثر عملية "طوفان الأقصى" منعته من ذلك ورسخت صفته الإقليمية وجعلتها طاغية بما لا يقاس على صفته اللبنانية.