رام الله- بعد عامين من القتال المتواصل في غزة، وضعت هدنة شرم الشيخ الموقعة في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2025، برعاية مصرية–قطرية–تركية–أميركية، حدا مؤقتا للحرب الأطول والأكثر دموية وتعقيدا في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، غير أن هذه الهدنة لم تُنتج نصرا حاسما لأي من الطرفين، بل كشفت حقيقة جديدة في معادلة القوة: لا أحد ينتصر في حرب استنزاف مفتوحة بين جيش نظامي قوي ومتفوق وحركة مقاومة غير تقليدية، وأن إسرائيل و"حماس" خرجتا من الميدان بخسائر متفاوتة، لكن مشتركة في جوهرها. إذ يمكن القول إن الطرفين يتقاسمان الخسارة، وإن تفاوتت النسب والمظاهر.
فإسرائيل، رغم تفوقها العسكري والاستخباري والتكنولوجي الهائل، فقدت ما تبقّى من ردعها الاستراتيجي أمام حركة مسلحة محاصرة، أما "حماس" ورغم الدمار الواسع الذي حلّ بقطاع غزة، فقد خرجت بصورة "المقاتل الصامد" الذي واجه الجيش الإسرائيلي لأطول فترة في تاريخ المواجهات الفلسطينية والعربية-الإسرائيلية منذ عام 1948. وهكذا، لم تكن الهدنة نهاية حرب، بل بداية مرحلة جديدة في إعادة تعريف الردع في الشرق الأوسط، مرحلة لا تُقاس فيها القوة بعدد الدبابات أو الصواريخ، بل بقدرة الأطراف على البقاء والصمود في صراع بلا منتصر.
ومنذ تأسيسها، بنت إسرائيل سياستها الأمنية على ما يُعرف بـ"عقيدة الردع"، القائمة على مبدأ أن أي تهديد لأمنها سيُواجَه بقوة ساحقة تمنع تكراره مستقبلا، لكن حرب غزة (2023–2025) نسفت هذه العقيدة من جذورها، ففي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 انهارت أسطورة الأمن الإسرائيلي عندما نجحت "حماس" في اختراق الحدود، وتنفيذ هجوم غير مسبوق أسفر عن مقتل وأسر المئات، في أكبر فشل استخباري في تاريخ إسرائيل، ومنذ تلك اللحظة فقدت إسرائيل الركيزة الأولى لردعها القائمة على إيمان مواطنيها والإقليم بقدرتها على منع المفاجآت، وعلى مدار عامين من القتال الكثيف، لم تنجح تل أبيب في تحقيق أهدافها المعلنة؛ لا بالقضاء على "حماس"، ولا استعادة الردع، ولا استرجاع الأسرى دون أثمان سياسية وأمنية باهظة، وكانت النتيجة أن إسرائيل انتصرت عسكريا في المعارك الجزئية، لكنها انهزمت استراتيجيا في الوعي العام، داخل المنطقة وخارجها، وانهارت صورتها كقوة لا تُقهر.