يجمع الكاتب السعودي علي المجنوني في أعماله بين وعي نقدي متقد وحساسية شعرية خاصة، إذ يكتب بنفس متجدد يختبر حدود الكتابة ويغامر في تخطي القوالب الجاهزة، متنقلا بين الأجناس الأدبية بجرأة فكرية ورؤية جمالية واسعة. ما يميز تجربته، قدرته على تحويل الأسئلة النظرية إلى نصوص حية، قريبة من القارئ ومشبعة بأفق فلسفي يتجاوز المباشرة.
تنبني كتاباته على مزج عناصر الحكي بالتأمل، وعلى إعادة مساءلة البديهيات عبر ألعاب لغوية مبتكرة، ليقدم مشروعا مغايرا في الأدب العربي المعاصر، يسعى إلى إنتاج كتابة تقاوم التصنيف وتؤسس لمساحة حرة بين الشعر والفكر والسرد.
يغامر علي المجنوني في كتابه الجديد، "تمارين معجمية"، الصادر عن "منشورات تكوين" في الكويت (2025)، باكتشاف اللغة عبر أدوات شعرية وسردية وفلسفية، فيما يبدو الكتاب أشبه بمختبر تجريبي توضع فيه الكلمات تحت المجهر، فترصد وهي تتبدل ألوانها وتشيخ وتفقد بعض مرادفاتها أو تنبثق لها أجنحة جديدة.
داخل معجم مفتوح
يقترب الكاتب من اللغة كما يقترب عالم أنثروبولوجيا من قبيلة نائية، أو مثلما يقترب شاعر من كائن أسطوري، فتغدو اللغة في هذا السياق جزءا من أدوات الكتابة وجوهرها في الوقت نفسه، فهي النسيج الذي تتشكل منه الرؤية. وتوحي النصوص بأن الكلمة تتخطى حدود العلامة لتصبح ذاكرة وسيرة وكيانا اجتماعيا، ومن هنا يتأسس ما يميز هذا العمل ويمنحه فرادته.


