صادرات الخليج غير النفطية رافعة التحول نحو اقتصادات مستدامة

السعودية والإمارات تتصدران دول المنطقة والصين والهند شركاء رئيسيون

المجلة
المجلة

صادرات الخليج غير النفطية رافعة التحول نحو اقتصادات مستدامة

أظهرت بيانات حديثة حول صادرات دول مجلس التعاون الخليجي تحسنا ملموسا في قيمة الصادرات غير النفطية، مما يعزز الثقة بوجود فرص حقيقية لتنويع مصادر الدخل السيادي بعد عقود من الاعتماد شبه الكامل على إيرادات النفط التي امتدت لأكثر من سبعين عاما.

ففي المملكة العربية السعودية، سجلت الصادرات غير النفطية نموا بنسبة 17,8 في المئة خلال الربع الثاني من عام 2025، في تطور ينسجم مع مستهدفات "رؤية 2030" الهادفة إلى توسيع القاعدة الاقتصادية والارتقاء بحجم الإيرادات السيادية غير النفطية. أما دولة الإمارات، فقد حققت نموا لافتا بلغت نسبته 34,7 في المئة من قيمة الصادرات غير النفطية خلال النصف الأول من العام نفسه، مما يعكس نجاح سياساتها في دعم القطاعات الإنتاجية وتعزيز تنافسيتها في الأسواق العالمية.

تشمل الصادرات غير النفطية في دول الخليج قطاعات اقتصادية متنوعة أبرزها الخدمات المالية، والصناعات التحويلية، والخدمات السياحية. ويسعى العديد من هذه الدول إلى تطوير صناعاته التحويلية وتعزيز البنية التحتية السياحية، إلى جانب تنشيط الخدمات المالية والاستثمار المتزايد في قطاعات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

ومن الطبيعي أن تتفاوت نتائج هذه الجهود من دولة خليجية إلى أخرى، تبعا لاختلاف القدرات الإدارية والرؤى السياسية والميزات النسبية التي يتمتع بها كل بلد. ومع ذلك، فإن اتجاهات التنمية الجديدة باتت واضحة الملامح، إذ بدأت النتائج تظهر على أرض الواقع، وتشير إلى تحسن متزايد في مساهمة الأنشطة غير النفطية في اقتصادات المنطقة. بل إن بعض التقديرات يشير إلى أن هذه المساهمة مرشحة لتجاوز مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المقبلة، وهو ما يمثل تحولا هيكليا مهما في نماذج التنمية الخليجية.

نمو غير نفطي متسارع

بلغت قيمة الصادرات غير النفطية لدولة الإمارات في النصف الأول من عام 2025 نحو 369,5 مليار درهم، أي ما يعادل 100,6 مليار دولار، مسجلة نموا قدره 34,7 في المئة، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2024. ويعد هذا المعدل الأعلى في تاريخ البلاد المعاصر.

خلال عام 2024، بلغت قيمة الصادرات السعودية غير النفطية نحو 82 مليار دولار، بزيادة قدرها 13,1 في المئة عن عام 2023، مما يؤكد تسارع وتيرة التحول الاقتصادي ضمن مستهدفات "رؤية 2030"

وفي سلطنة عمان، بلغت قيمة الصادرات غير النفطية خلال النصف الأول من السنة الجارية نحو 3,5 مليارات دولار، بزيادة بلغت 1,9 في المئة، مقارنة بالنصف الأول من العام المنصرم، وهو نمو متواضع نسبيا لكنه يعكس استقرارا في أداء القطاعات غير النفطية رغم التحديات الاقتصادية الإقليمية.

أما المملكة العربية السعودية، فقد واصلت تحقيق نتائج إيجابية، إذ سجلت الصادرات غير النفطية نموا بنسبة 13,4 في المئة في الربع الأول من عام 2025، وارتفعت إلى 17,8 في المئة في الربع الثاني، كما سبقت الإشارة. وخلال عام 2024، بلغت قيمة هذه الصادرات نحو 82 مليار دولار، بزيادة قدرها 13,1 في المئة عن عام 2023، مما يؤكد تسارع وتيرة التحول الاقتصادي ضمن مستهدفات "رؤية 2030".

أما قطر، فقد بلغت قيمة صادراتها غير النفطية في عام 2024 نحو 20 مليار دولار، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة خليجيا بعد كل من السعودية والإمارات.

أ.ف.ب.
ميناءالعاصمة القطرية الدوحة، 20 مارس 2022

وفي الكويت، لا تزال الجهود مستمرة لتعزيز الصادرات غير النفطية وتنويع القاعدة الإنتاجية، وتشير بيانات النصف الأول من عام 2025 إلى أن قيمتها بلغت نحو 1,6 مليار دينار كويتي، أي ما يعادل 5,2 مليارات دولار.

أما البحرين، فقد تمكنت خلال عام 2024 من تحقيق صادرات غير نفطية بلغت قيمتها نحو 4,7 مليارات دينار بحريني، أي ما يعادل 12,5 مليار دولار، وهو أداء يعد جيدا بالنظر إلى حجم الاقتصاد البحريني واعتماده النسبي على القطاعات الخدمية والصناعية المحدودة.

المنتجات غير النفطية

تتكوّن الصادرات غير النفطية للمملكة العربية السعودية في معظمها من الآلات والمعدات الكهربائية ومنتجات الصناعات الكيماوية، إضافة إلى السيارات ومواد البناء والمنتجات الغذائية والمعادن الثمينة واللدائن والمطاط. وتعكس هذه المكونات تنوع القاعدة الصناعية في المملكة وتطور قطاعاتها التحويلية خلال الأعوام الأخيرة.

يشهد القطاع السياحي في المنطقة نموا متسارعا جعله أحد المصادر الرئيسة للإيرادات الخارجية

أما دولة الإمارات العربية المتحدة، فتشمل صادراتها غير النفطية بشكل رئيس اللؤلؤ والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة، إلى جانب قطع الغيار ومركبات النقل. ويُعتقد أن جزءا مهما من هذه الصادرات يُصنَّف ضمن إعادة التصدير، إذ لا تزال الإمارات ودول الخليج الأخرى تشكل مراكز إقليمية رئيسة لإعادة التصدير نحو أسواق مجاورة مثل إيران والعراق، بفضل موقعها الجغرافي وبنيتها اللوجستية المتطورة.

في الكويت، تتصدر منتجات الصناعات الكيماوية والآلات والأجهزة الكهربائية قائمة الصادرات غير النفطية، وهو الاتجاه نفسه الذي تسجله قطر، حيث تشكل هذه المواد والسلع الجزء الأكبر من صادراتها غير النفطية.

أ.ف.ب.
المركز المالي لمدينة دبي، 25 مارس 2010

أما عمان، فتعتمد بشكل متزايد على صادراتها غير النفطية، التي تشمل بدورها منتجات الصناعات الكيماوية والمعادن ومصنوعاتها، إلى جانب الأنشطة الصناعية والحرفية يتخصص بها عدد من العمانيين.

وفي البحرين، تعد صناعات الألمنيوم من أبرز دعائم الصادرات غير النفطية منذ تأسيس شركة "ألبا للألمنيوم"، إذ تأتي صادرات الألمنيوم في المرتبة الثانية بعد منتجات إعادة التصدير، تليها مواد البناء وسلع أخرى. لكن ماذا عن صادرات الخدمات التي تعد، في المفهوم الاقتصادي، جزءا أساسيا من الصادرات الوطنية؟

من الواضح أن دول الخليج كافة عززت حضورها في القطاع المصرفي والمالي، وعملت على تطوير خدماتها التجارية والاستشارية من خلال توسيع تعاملاتها مع دول الجوار والأسواق العالمية. وإلى جانب ذلك، يشهد القطاع السياحي في المنطقة نموا متسارعا جعله أحد المصادر الرئيسة للإيرادات الخارجية، إذ تستقطب دول الخليج ملايين الزوار سنويا الذين ينفقون على الإقامة والطعام والنقل والترفيه، مما ينعكس مباشرة في إيرادات الشركات الوطنية ويسهم في تنشيط الدورة الاقتصادية.

شراكات تجارية متنامية

تتسم الأسواق التي تتعامل معها دول الخليج في نطاق صادراتها غير النفطية بأهمية متزايدة في المشهد الاقتصادي العالمي. فإلى جانب التجارة البينية بين دول مجلس التعاون، التي تشمل تبادلا واسعا لسلع ومنتجات محلية أو خليجية المنشأ فضلا عن عمليات إعادة التصدير، ترتبط دول الخليج بعلاقات تجارية نشطة مع قوى اقتصادية آسيوية كبرى مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية وماليزيا.

تعد الصين الشريك التجاري الأول للصادرات غير النفطية لكل من السعودية والإمارات، تليها الهند في المرتبة الثانية، ثم اليابان وكوريا الجنوبية

تعكس هذه الشراكات تنوع وجهات التصدير الخليجية، واتساع حضور المنطقة في سلاسل الإمداد العالمية، وهو ما يعزز مكانتها كمحور تجاري رئيس. فعلى سبيل المثل، تعد الصين الشريك التجاري الأول للصادرات غير النفطية لكل من السعودية والإمارات، تليها الهند في المرتبة الثانية، ثم اليابان وكوريا الجنوبية.
وإلى جانب هذه القوى الاقتصادية الآسيوية، توجد أسواق أخرى وإن كانت أقل حجما في التعامل التجاري، مثل ماليزيا ومصر، التي تستورد من دول الخليج سلعا ومنتجات غير نفطية.

تجدر الإشارة إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي دأبت خلال السنوات الأخيرة على إبرام اتفاقيات تجارية مع عدد من شركائها الرئيسيين في آسيا. فقد تم توقيع اتفاقيات تعاون اقتصادي وتبادل تجاري، إلى جانب مفاوضات متقدمة لعقد اتفاقية تجارة حرة مع الصين، في خطوة تهدف إلى تعزيز انسياب السلع والخدمات وتشجيع الاستثمارات المتبادلة. وفي الوقت نفسه، تعمل دول الخليج على تعميق علاقاتها التجارية مع الهند استنادا إلى روابط تاريخية متينة وتكامل متزايد في المصالح الاقتصادية. أما مع اليابان، فتجري مباحثات ترمي إلى إبرام اتفاقية شاملة تغطي الاستثمار المتبادل وتنمية التجارة غير النفطية.

أ.ف.ب.
مركز الملك عبد الله المالي في الرياض، 14 أغسطس 2025

يضاف إلى ما سبق أن العلاقات الاقتصادية المتنامية بين دول الخليج ودول آسيا انعكست أيضا في زيادة حركة السفر والسياحة من مواطني تلك الدول إلى المنطقة. فقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا ملحوظا في أعداد الزوار الآسيويين إلى دول الخليج، مدفوعا بتحسن مستويات الدخل في دولهم.

وفي المقابل، عملت دول الخليج على تطوير أنظمة الدخول والزيارة لتصبح أكثر مرونة وانفتاحا، بما يمكنها من الاستفادة من هذا الزخم السياحي.

آليات تعزيز الصادرات والتنافسية

من المعلوم أن تجارة النفط تمثل مجالا تحت إدارة الحكومات في دول الخليج، بينما تشكل تجارة السلع والخدمات غير النفطية الساحة الأوسع أمام شركات ومؤسسات القطاع الخاص لإبراز قدراتها التنافسية وتعزيز مساهمتها في الاقتصاد الوطني.

سيكون من المفيد أن تركز برامج تنمية الصادرات على رفع مساهمة العمالة الوطنية والخليجية في الصناعات غير النفطية، عبر برامج تدريب وتأهيل متخصصة تعزز الكفاءة والإنتاجية

وبات من الضروري أن تعمل الحكومات الخليجية على توفير حوافز قانونية ومالية وإجرائية تشجع على توسيع قاعدة الصادرات غير النفطية، بما يسهم في رفع حصتها في ميزان التجارة الخارجية. وتعد أنظمة تمويل الصادرات من أبرز الأدوات التي تعمل عليها المؤسسات التشريعية والمالية في الدول المتقدمة، نظرا لدورها الحيوي في دعم تنافسية الصادرات وتنويع الأسواق الخارجية. ومن هذا المنطلق، يمكن دول الخليج أن تستفيد من التجارب الناجحة في الدول الصناعية التي تعتمد اقتصاداتها على التصدير، عبر تأسيس أنظمة فاعلة لتمويل الصادرات.

وقد تتخذ هذه الأنظمة أشكالا متعددة، مثل إنشاء مؤسسات متخصصة بتمويل الصادرات، أو تعزيز دور المصارف الوطنية والخليجية في تمويل الأنشطة التصديرية، أو حتى تخصيص محافظ مالية حكومية لدى المصارف لدعم تمويل الصادرات غير النفطية. وتسهم مثل هذه الآليات في تمكين القطاع الخاص من التوسع في الأسواق العالمية وتحسين ميزان المدفوعات الخليجي.

هناك إجراءات إضافية يمكن أن تسهم بفاعلية في رفع مساهمة الصادرات غير النفطية في اقتصادات دول الخليج. من أبرز هذه الإجراءات إزالة العوائق الجمركية والإدارية التي تواجه السلع الخليجية في الدول المستوردة، وذلك عبر إبرام اتفاقيات تجارية ثنائية ومتعددة الأطراف تضمن سهولة النفاذ إلى الأسواق الخارجية.

.أ.ف.ب
أعلام الدول المشاركة في قمة مجلس التعاون الخليجي في قصر بيان في مدينة الكويت في 5 ديسمبر 2017.

وفي الوقت نفسه، يمكن تعزيز الحوافز الموجهة لمؤسسات القطاع الخاص لتمكينها من تطوير قدراتها الإنتاجية والتصديرية، من خلال برامج دعم فني ومالي وتشريعي تساعدها في تحسين الجودة والتنافسية في الأسواق العالمية.

التعاون بين دول الخليج

يتطلب تطوير أنظمة الصادرات غير النفطية في دول الخليج تعزيز التعاون الإقليمي وتنظيم اقتصادات الصناعات التصديرية على أسس الجدوى والميزة النسبية، مع توزيع الأنشطة الإنتاجية جغرافيا بين دول المنطقة بما يحقق التكامل في ما بينها. كما يستحسن الاستفادة المشتركة من الاتفاقيات التجارية التي تبرمها أي دولة خليجية مع شركاء خارجيين، من خلال تعميم مزاياها على بقية الدول الأعضاء لتوسيع نطاق الاستفادة وتعزيز الموقف التفاوضي الخليجي.

وفي السياق ذاته، سيكون من المفيد أن تركز برامج تنمية الصادرات على رفع مساهمة العمالة الوطنية والخليجية في الصناعات غير النفطية، عبر برامج تدريب وتأهيل متخصصة تعزز الكفاءة والإنتاجية. ويشمل ذلك قطاعات الصناعات التحويلية والزراعة والسياحة والخدمات المالية، بوصفها ركائز أساسية لتنويع القاعدة الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة.

لا شك أن الصادرات غير النفطية تمثل مجالا خصبا للتنويع الاقتصادي في دول الخليج، وهي تتطلب مزيدا من التركيز والدعم خلال المرحلة المقبلة. فمهما كانت مساهمتها الحالية في الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة خليجية، فإن الاستراتيجيات التنموية المعتمدة في المنطقة قادرة، إذا ما نفذت بفاعلية، على رفع هذه المساهمة وتعزيز دور الصادرات غير النفطية بوصفها ركيزة أساسية لتحقيق التوازن في هيكل الاقتصاد الخليجي.

font change

مقالات ذات صلة