المملكة المتحدة وأفاق التجارة الحرة مع الخليج

73 مليار دولار قيمة تبادل السلع والخدمات في عام 2024

رويترز
رويترز
برج "غيركن" وسط مركز الأعمال في لندن، 21 نوفمبر 2025

المملكة المتحدة وأفاق التجارة الحرة مع الخليج

تعد المملكة المتحدة من أهم حلفاء دول الخليج سياسيا وأمنيا، وكان الاهتمام البريطاني بمنطقة الخليج بدأ منذ القرن التاسع عشر أو قبله بقليل، حين كان التركيز على حماية خطوط التجارة مع الهند التي كانت تعتبر أهم المستعمرات البريطانية. وعندما تم اكتشاف النفط، تعززت العلاقات، فعملت شركة البترول البريطانية في اكتشاف النفط في الكويت وعدد آخر من إمارات الخليج بعد أن كانت قد وطدت أنشطتها في إيران والعراق مباشرة أو من خلال شركات تابعة لها. وكانت بريطانيا قبل اكتشاف النفط بعقود، قد عقدت اتفاقيات حماية مع الإمارات المتصالحة، دولة الإمارات العربية المتحدة لاحقا، ومع البحرين والكويت، وهذه الأخيرة عقدت معاهدة الحماية في عهد الشيخ مبارك الصباح عام 1899.

بدأت اكتشافات النفط وتوقيع معاهدات الامتياز في عام 1908 مع إيران ومع البحرين عام 1932. وقعت الكويت اتفاقية الامتياز عام 1934 وتم اكتشاف النفط في البلاد عام 1938، لكن الانتاج توقف في المنطقة بعد نشوب الحرب العالمية الثانية في عام 1939 ولم يتم استئنافه إلا في عام 1946 بعد نهاية الحرب. ظلت بريطانيا في كل الأوقات هي المهيمنة على الحياة السياسية في منطقة الخليج، فأدارت اقتصاداتها البسيطة وعمدت إلى استخدام الروبية الهندية كأداة للتعامل النقدي.

تحولات لاحقة مع إيرادات النفط

بعد أن تحسنت الأوضاع الاقتصادية وتدفقت إيرادات النفط، أصبحت دول المنطقة تمتلك امكانات مالية تؤهلها لاستثمار فوائضها. بدأت الكويت أعمال الاستثمار فأسست صندوقا سياديا في عام 1953 استثمر في بريطانيا لحساب الحكومة الكويتية. ثم تعززت فرص الاستثمار أمام دول الخليج ورجال الأعمال الخليجيين في بريطانيا، فوظفت الأموال في البنوك والمشاريع العقارية ومؤسسات صناعية وخدمية ومراكز تسويق.

تعد المملكة المتحدة من أهم الشركاء التجاريين مع دول الخليج، وتعمل على تأكيد أولوية علاقاتها التجارية معها. بلغت التجارة بين بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي بلغت 73 مليار دولار في عام 2024

بفعل العلاقات السياسية التي ترسخت بين الخليج والمملكة المتحدة، ارتفعت قيمة التجارة، فاستوردت بريطانيا النفط وصدرت السلع والبضائع التي تتمتع بالطلب المناسب في منطقة الخليج. ووجد الخليجيون في بريطانيا مكانا آمنا ومناسبا للإقامة والسياحة، واشترى الكثير من الأفراد شققا ومساكن في لندن ومدن أخرى في المملكة المتحدة.

والأهم من كل ما سبق ذكره، أن مواطنين خليجيين تمكنوا من اكمال دراساتهم الجامعية في الجامعات البريطانية الموزعة على مختلف المدن وتخصصوا في مجالات الطب والهندسة والادارة والاقتصاد والمحاسبة والآداب. ولاحقا أدى تنامي الثروات لدى الصناديق السيادية لدول الخليج، فعززت مكانة لندن كمركز لإدارة الاستثمار، فأصبح للكويت مكتب للاستثمار، وعملت بلدان خليجية أخرى لإدارة استثماراتها مع لندن بالتعاون مع مؤسسات بريطانية نافذة ومتمكنة.

تنمية التجارة البريطانية-الخليجية

تعد المملكة المتحدة من أهم الشركاء التجاريين مع دول الخليج، وهي تعمل على تأكيد أولوية علاقاتها التجارية معها. وتذكر بيانات موثوق بها أن التجارة بين بريطانيا ودول مجلس التعاون الخليجي الست بلغت 73 مليار دولار في عام 2024. وعلى سبيل المثل بلغت قيمة التجارة مع دولة الإمارات في نهاية الربع الأول من هذا العام، لفصول أربعة، 22.8 مليار جنيه استرليني أو 31.3 مليار دولار، ومثلت الصادرات البريطانية 14.9 مليار جنيه أو 19.6 مليار دولار، في حين بلغت الواردات 8.9 مليار جنيه أو 11.7 مليار دولار.

أ.ف.ب.
رئيس الحكومة البريطانية يصافح ولي العهد الكويتي الأمير صباح خالد الصباح، في نيويورك 26 سبتمبر 2024

وتوزعت الصادرات البريطانية بين الآلات الميكانيكية والمولدات والسيارات ومعدات الاتصالات الهاتفية، في حين تشكلت الواردات من النفط واللؤلؤ والمعادن الثمينة ومواد الحديد. السعودية، أيضا، شكلت شريكا تجاريا مهما مع بريطانيا خلال عام 2024 وبلغت قيمة التجارة بين البلدين 7.05 مليار دولار.

اتفاقية التجارة الحرة

بدأت المملكة المتحدة مفاوضات مع دول الخليج للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة FTA في يونيو /حزيران 2022، وركزت بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي على أهمية التوافق مع التجمعات الاقليمية لتعزيز دورها الاقتصادي والارتقاء بالعلاقات التجارية والتدفقات الاستثمارية. الهدف من الاتفاقية، تسهيل تدفق السلع المصنعة والمنتجات الزراعية وتعزيز دور المؤسسات المالية البريطانية في أداء الخدمات المالية لدول المنطقة ومواطنيها. وجرت جولات عديدة من المفاوضات منذ عام 2022 في لندن والرياض.

تسعى المملكة المتحدة للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة مع دول الخليج للمساهمة بسد الفجوة المالية التي تعاني منها بريطانيا

وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز

ظلت اللقاءات مستمرة وواكبها عقد مؤتمرات ذات صلة، منها قمة الاستثمار التي حضرها أكثر من 450 من رجال الأعمال البريطانيين، بينهم ممثلون لبنوك وشركات متخصصة مثل الخطوط الجوية البريطانية BA في الرياض في ديسمبر/كانون الأول، 2024. وظل رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر ووزير الخارجية ديفيد لامي على تواصل مع المسؤولين الكبار في دول الخليج، منهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان،  وسلطان عمان هيثم بن طارق، وغيرهما من المسؤولين الخليجيين لتسريع التقدم في المفاوضات في شأن التجارة الحرة. وبموجب تصريحات أخيرا لوزير التجارة البريطاني كريس براينت، فإنه من المأمول التوصل إلى الاتفاقية قبل نهاية ديسمبر/كانون الأول من هذا العام.

أهداف المملكة المتحدة

وأوضحت وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز أن مساعي المملكة المتحدة للتوصل إلى اتفاقية تجارة حرة مع دول الخليج، تهدف إلى سد الفجوة المالية التي تعاني منها بريطانيا. وأشار جاسم البديوي، الأمين العام لدول مجلس التعاون الخليجي إلى أن اتفاقية التجارة الحرة العتيدة مع بريطانيا "تمثل فرصة استراتيجية للارتقاء بالعلاقات الاقتصادية". علما أن هناك فرصا لتعزيز الاستثمارات المتبادلة ورفع مستوى الشراكات في مجالات تكنولوجية، من شأنها ترسيخ التطورات الاقتصادية والفنية في دول الخليج والاستفادة من خبرات الشركات البريطانية.

أ.ف.ب.
من اليمين رئيس الحكومة البريطاني كير ستارمر، يستقبل ولي العهد البحريني ورئيس مجلس الوزراء سلمان بن حمد آل خليفة، في لندن 19 يوليو 2025

يأتي ذلك ضمن مساعي دول الخليج لتنويع القاعدة الاقتصادية. ويأمل البريطانيون أن ترتفع قيمة الصادرات البريطانية. التجارة الحرة تعني  تحرير السلع والبضائع من القيود الجمركية وإلغاء الحمائية  التي تعطل تدفق الواردات بين الدول. وهي تعني في الوقت نفسه وضعا تفضيليا للصادرات البريطانية في دول الخليج مقابل تسهيل تدفق الصادرات الخليجية في بريطانيا وتحرير التدفقات الاستثمارية من قيود البيروقراطية والقانونية التي لم تعد مجدية.

معالم اتفاقية التجارة المقترحة

تشير بنود الاتفاقية إلى خفض الرسوم الجمركية وتسهيل الاجراءات. كما أنها تؤكد أهمية تطوير التجارة في السلع والبضائع المتعلقة بالطاقة وتطوير الخدمات المالية بين الجانبين وتعزيز فرص التعاون في مجالات التكنولوجيا. لا شك أن الاقتصاد البريطاني المعتمد منذ زمن طويل على قطاع الخدمات، وخصوصا الخدمات المالية والسياحي، قد تضرر بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، لذلك فإن تطوير العلاقات مع دول الخليج والهند وغيرها من كتل اقتصادية، يمثل تعويضا إلى حد ما عن العلاقات مع الاتحاد الأوربي. من جهتها، يمكن دول الخليج أن توظف الاتفاقية من أجل الارتقاء بصادراتها إلى المملكة المتحدة وفي الوقت نفسه تعزيز الاستثمارات في بريطانيا مقابل الاستفادة من خبرات الشركات البريطانية في تطوير قطاعي الصناعة والطاقة.

font change

مقالات ذات صلة