مقترحات لحل شامل بعد مأساة غزة

ضرورة ان يدعم مجلس الأمن مؤتمر مصر والتسوية

مقترحات لحل شامل بعد مأساة غزة

في حين أن الصور التي ترد من حملة القصف الوحشي التي تشنها إسرائيل على غزة مؤلمة للغاية، إلا أن هناك فرصة تولد من رحم كل أزمة. والآن، أكثر من أي وقت مضى، تظهر الحاجة إلى إنشاء دولة فلسطينية لها كافة مقومات البقاء.

من رحم كل أزمة تولد فرصة. وهذا ينطبق على المأساة الحالية التي تجتاح غزة. وينطبق أيضا على الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي المتفاقم منذ عقود. والشرق الأوسط، وخاصة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مليء بالكثير من الفرص الضائعة.

فعلى الرغم من أن حرب 1973 استطاعت تحقيق سلام بين مصر وإسرائيل، إلا أنها لم تنتج سلاما شاملا، ولم يتمكن الشعب الفلسطيني من الحصول على حقه الثابت في تقرير المصير. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى عدم الاهتمام من الجانب الإسرائيلي، الذي حقق هدفه الاستراتيجي المتمثل في تحييد أي تهديد عسكري من أكبر وأقوى دولة عربية. وأصبح قادرا على توجيه اهتمامه إلى احتلال الأراضي العربية الأخرى التي احتلها عام 1973، وهي الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومرتفعات الجولان السورية.

عندما كانت إسرائيل تحت الضغط، كان جل همها تعديل ظروف الاحتلال وحسب. وينطبق هذا بشكل خاص على الضفة الغربية وقطاع غزة. وعندما بات الضغط الناجم عن احتلال غزة غير محتمل بالنسبة لها، انسحبت من هناك. وشكلت غزة عبئا ثقيلا على إسرائيل، بسبب كثافتها السكانية العالية وعدم وجود موارد طبيعية يمكن استغلالها كمبرر لاستمرار الاحتلال، ولذلك، كان الانسحاب هو القرار الذكي. ولكن الانسحاب بالنسبة لإسرائيل لا يعني التخلي عن السيطرة. فالاحتلال له مظاهر مختلفة، لكن جميعها يعني في جوهره السيطرة على شعب في منطقة محددة.

ومع أن إسرائيل انسحبت من غزة، إلا أنها حولتها إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، كما وصفته منظمة العفو الدولية. فهي تسيطر على البحر والجو في غزة. كما أنها تسيطر على إمدادات الكهرباء والمياه. لكن الأهم من ذلك هو أنها تسيطر على حرية حركة أهل غزة...

لا يمكن إنكار أن ما حدث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول هو حدث زلزالي أثر على المنطقة بأكملها، وعلى إسرائيل بشكل خاص؛ إذ فشلت كل القوة العسكرية والتكنولوجيا المتقدمة التي تمتلكها إسرائيل في حماية شعبها

لذلك عندما ثار أهل غزة، كما حدث في الأعوام 2008، 2012، 2014، 2019 و2021، أطلقت إسرائيل عقابا جماعيا في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي. وكان هناك ما لا يقل عن 18 انتهاكا من هذا النوع لاتفاقات جنيف والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ولكن، ليس هناك أي مبرر لقتل المدنيين الإسرائيليين أو أخذهم كرهائن. والأهم من ذلك، أنه لا يوجد أي مبرر لإسرائيل للإبقاء على قبضتها الخانقة غير الإنسانية على سكان غزة لأكثر من خمسة عشر عاما، والبحث الدائم عن أي عذر لقصف غزة وإعادتها إلى العصر الحجري. ولكن فلسطينيي غزة، وعلى الرغم من العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل عليهم، واصلوا تمردهم ضدها.

وما حدث في غزة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول مجرد صورة لسلسلة مظلمة وقبيحة من الأحداث التي تجري منذ عام 2005 عندما انسحبت إسرائيل من غزة. وهو أيضا جزء من سلسلة أطول من الأحداث التي شهدها العالم منذ اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي في أعقاب إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 على الأراضي الفلسطينية، وربما لفترة أطول.

لا يمكن إنكار أن ما حدث يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول هو حدث زلزالي أثر على المنطقة بأكملها، وعلى إسرائيل بشكل خاص؛ إذ فشلت كل القوة العسكرية والتكنولوجيا المتقدمة التي تمتلكها إسرائيل في حماية شعبها. 

وكما قال صديقي دانييل بارينبويم، الموسيقار العالمي الشهير، في مقال نشر مؤخرا في صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية، "سيحظى الإسرائيليون بالأمن عندما يشعر الفلسطينيون بالأمل، هذه هي العدالة".

إلا أن هذا الأمر لن يحدث إلا إذا تمكن الفلسطينيون من ممارسة حقهم في تقرير المصير، وإنشاء دولة لها كافة مقومات البقاء على أراضيهم المحتلة منذ 5 يونيو/حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. 

آمل أن يكون العالم قد استفاق من الوهم الذي تمكنت إسرائيل من فرضه عليه، وهو أن المشكلة الفلسطينية سوف تختفي بكل بساطة إن هم تركوا إسرائيل تديرها.

وبعد أن يتجاوز العالم صدمة السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ينبغي على كافة الدول تسخير كل جهودها لاقتناص الفرصة للتوصل إلى حل حقيقي للصراع. إذ بدأ الرأي العام الدولي بوضع ما يحدث في غزة في سياقه المناسب، وحتى تلك الدول التي قدمت الدعم غير المشروط لإسرائيل في البداية، بدأت بإعادة تقييم مواقفها ببطء أيضا.

AFP
مدرعات اسرائيلية قرب قطاع غزة في 16 اكتوبر

وإذا ما تحقق التهديد الإسرائيلي بشن هجوم عسكري بري، فإن الوضع في المنطقة سيصبح أكثر تعقيدا بشكل لا متناه. ورغم أن لا أحد يرغب في اشتعال المنطقة، إلا أن التاريخ حافل بالأمثلة التي يسير فيها العالم نائما نحو صراعات كبرى، وهذا ما يجب منعه بأي شكل من الأشكال.

وهناك بالفعل تحركات داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث قُدم اقتراحان، الأول قدمته البرازيل التي ترأس مجلس الأمن حاليا، ويتناول هذا المقترح الجوانب الإنسانية للوضع في غزة. أما المقترح الثاني، فقدمته روسيا، ويؤكد أيضا على الحاجة إلى إجراءات فورية لمعالجة الوضع الإنساني الذي يتدهور بسرعة، ولكنها تدعو أيضا إلى وقف فوري لإطلاق النار.

آمل أن يكون العالم قد استفاق من الوهم الذي تمكنت إسرائيل من فرضه عليه، وهو أن المشكلة الفلسطينية سوف تختفي بكل بساطة إن هم تركوا إسرائيل تديرها

وهناك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة على الجبهتين: من ناحية وقف فوري غير مشروط لإطلاق النار ومساعدات إنسانية فورية. لكن ذلك لن يكون كافيا أيضا لمنع تكرار مأساة جديدة. وعلى الاحتلال أن ينتهي، ليس فقط في غزة، ولكن في الضفة الغربية أيضا، والجولان ومزارع شبعا.

لن أتوهم حدوث هذا بتتابع سريع؛ إذ كانت هناك محاولات كثيرة على مر العقود الماضية، لكنها لم تؤت أكلها. العملية ستكون طويلة وصعبة للغاية، ولكننا بحاجة إلى اغتنام الفرصة لإعطائها الزخم اللازم. والمطلوب من المجتمع الدولي إعادة التأكيد على المعايير المتفق عليها بالفعل لتحقيق السلام الشامل، وإنشاء آلية لتحقيق هذه الغاية.

Reuters
مسعفون ينتظرون الاذن بالدخول الى قطاع غزة من مصر

في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول، دعت مصر إلى عقد مؤتمر إقليمي ودولي في الشرق الأوسط، وهي مبادرة تستحق الإشادة وتأتي في وقت مناسب وتحتاج إلى إعداد دقيق، إلا أنها لا يمكن أن تتحقق ما دام القتال مستمرا؛ فالأمر الملح الآن هو منع حدوث عملية عسكرية برية إسرائيلية على غزة. لا يجب السماح بحدوث مثل هذا الأمر أبدا. لنتذكر أن الجيش الأميركي العظيم استغرق 300 يوما لهزيمة داعش في الموصل، وهو وضع يمكن مقارنته بمدينة غزة ومحيطها القريب من حيث السكان والكثافة.

ما يمكن القيام به الآن هو إطلاق عملية في مجلس الأمن تهدف أولا للإعلان في أقرب وقت ممكن عن دعمه لعقد مثل هذا المؤتمر. وثانيا، اعتماد قرار يؤكد معايير تسوية شاملة في الشرق الأوسط.

هذه المعايير معترف بها دوليا بالفعل وتنعكس في مختلف وثائق مجلس الأمن، وأهمها: القراران 242 و338، ومبادرة السلام العربية، وحل الدولتين.

يمكن لمصر أن تقود هذه العملية باعتبارها الدولة التي اقترحت عقد المؤتمر، إضافة للسعودية باعتبارها صاحبة مبادرة السلام العربية، والمغرب كرئيس للجنة منظمة المؤتمر الإسلامي المعنية بالقدس، وأخيرا وليس آخرا الإمارات العربية المتحدة كممثلة للعرب في مجلس الأمن.

ومن المرجح أن تقاوم إسرائيل هذا الأمر. ولكن الوقت حان لترجمة أقوالها إلى أفعال، خاصة وأنها عبّرت علنا عن دعمها لحل الصراع ضمن هذه المعايير مرارا على مدى السنوات الماضية.

لا يمكننا أن نضيع الوقت. يجب أن نغتنم هذه الفرصة. ستختبر النيات الحقيقية لأولئك الذين يعارضون مثل هذه المبادرة. فهل سيعملون على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية حقيقية، أم إنهم سيشاركون في تعديل شروط الاحتلال غير القانوني فقط.

font change

مقالات ذات صلة