ألعاب الفيديو... صرف آلاف الموظفين وتموضع جديد بعد "كوفيد"

ما ازدهر في "زمن الكمامة" والاختناق في المنازل لم يعد صالحا اليوم

Shutterstock
Shutterstock
الشباب مدمنون على ألعاب الفيديو الحديثة

ألعاب الفيديو... صرف آلاف الموظفين وتموضع جديد بعد "كوفيد"

لا تزال التداعيات الاقتصادية لجائحة "كوفيد-19" ملموسة على أكثر من مستوى، بعد عامين من بدء انحسارها، أكان ذلك على مستوى "الاقتصاد الكلي"، أم "الجزئي"، متمثلا في قطاعات عدة لا تزال تجرجر أذيال الخسائر. فإذا كانت قطاعات مثل السياحة والسفر، والفنادق والمعارض، عادت الى أرقامها القياسية السابقة، فإن العكس صحيح أيضا لقطاعات ازدهرت في "زمن الكمامة" وعادت لتتموضع في حجم أسواقها الطبيعة، مثل خدمة "زووم" ومثيلاتها من وسائل التواصل، وألعاب الفيديو التي لاقت إقبالا كبيرا في أوقات الاختناق الكبير في المنازل.

في أكثر الأوقات تأزما واختناقا كانت شاشة التلفزيون و"نتفليكس" وألعاب الفيديو متنفس الناس للترفيه عن أنفسهم مع عائلاتهم وأصدقائهم خلال شهور الحظر الطويلة، والموت الذي حصد ملايين من البشر.

إقرا أيضا: غوردون براون يكتب لـ "المجلة": آن الأوان لإبرام اتفاق عالمي لمواجهة الوباء

طوال سنوات، من 2020 الى 2022، تعززت مبيعات الشركات المعنية بقطاع الألعاب وإيراداتها وارتفعت أسهمها، واجتذبت المستثمرين الذين أغرقوا الصناعة بالأموال ودفعوا الشركات إلى التوسع الظرفي وعلى نحو غير مدروس في بعض الأحيان.

خلف المشهد الوردي، المتمثل في سوق قيمته 200 مليار دولار سنويا، صورة رمادية بدأت في 2023 مع تسريح عدد كبير من العاملين في صناعة الألعاب، التي تعاني من أكبر تباطؤ لها منذ 30 عاما

واستمر هذا الازدهار حتى أواخر العام المنصرم، مع النجاحات المحققة ومراكمة الأرباح، لا سيما لألعاب مثل "ذا لجند أوف زلدا-تيرز أوف ذا كينغدوم"، و"بالدورز غايت 3"، و"ألان وايك 2" و"مارفلز سبايدرمان" وغيرها الكثير.

أ.ف.ب.

 إلا أن تحت عباءة المشهد الوردي، المتمثل في سوق تبلغ قيمته 200 مليار دولار سنوياً، صورة رمادية بدأت في 2023 مع تسريح عدد كبير من العاملين في هذه الصناعة، وقد تزداد قتامة مع تقدم السنة الجارية وعلى نطاق واسع وشبه شامل، لدى الشركات، صغيرة أكانت أم كبيرة. إذ تعاني صناعة ألعاب الفيديو من أكبر تباطؤ لها منذ 30 عاما، حيث وصل النمو المدفوع بألعاب الهواتف الذكية إلى أقصى حدوده مسجلا نموا بأقل من 1 في المئة العام المنصرم وتراجعا في الانفاق على هذه الألعاب 2 في المئة إلى نحو 107 مليارات دولار في العام نفسه، وسط انحسار للألعاب التي تعتمد على التحكم مثل "بلاي ستايشن" و"نينتاندو" و"أكس بوكس".  

تشير تقديرات القطاع إلى الاستغناء عن 6,500 عامل في شركات ألعاب الفيديو العام المنصرم، فيما يشير متابعو تطورات الصناعة إلى أن الرقم أعلى من ذلك. 

فمن شركة "مايكروسوفت" التي سرحت 1900 موظف (تمثل نحو 8 في المئة من إجمالي قسم ألعاب "مايكروسوفت") بعد شرائها شركة "بليزارد أكتيفايشن" في مقابل 75 مليار دولار، إلى مجموعة "إمبرايسر" التي تخلت عن نحو 900 موظف وأغلقت مطور الألعاب البريطاني المخضرم "فري راديكال ديزاين" في ديسمبر/كانون الأول الماضي. 

لا يشبه تسريح الموظفين لدى هذه الشركات المآسي التي رأيناها في الأزمات المالية العالمية، بل هي آثرت الاستغناء عن جزء من قوتها العاملة بهدف إعادة هيكلة أعمالها وتأمين ديمومتها بعد انحسار الجائحة

ومن الأمثلة البارزة أيضا، شركة "إيبيك غايمز" (Epic Games)، المبتكرة للعبة "فورتنايت" (Fortnite)، إحدى أكثر الألعاب نجاحا خلال هذا العقد، التي سرحت 830 موظفا؛ وكذلك شركة "إلكترونيك آرتس" (Electronic Arts)، التي قلصت قوتها العاملة بنسبة 6 في المئة، أي ما يوازي نحو 780 موظفا، وشركة "سوني إنترأكتيف إنترتاينمنت" (Sony Interactive Entertainment) المنتجة للعبة "بلاي ستايشن" العريقة، والتي تعتزم تسريح 900 شخص من موظفيها وإغلاق الـ"بلايستايشن استوديو لندن" بالكامل، بحسب ما أعلنت الشركة على موقعها.

Shutterstock
وحدة تحكم "جويستيك" للعبة "Xbox Series X"

هناك أمثلة أخرى لا تقل أهمية من "يوبيسوفت" (Ubisoft) و"نوتي دوغ" (Naughty Dog) و"سيغا" (Sega) و"يونيتي سوفتوير" (Unity Software) التي أعلنت أنها ستستغني عن ربع موظفيها، أي نحو 1800 موظف، وهذا غيض من فيض قصص أخرى تظهر إلى العلن بين حين وآخر، ناهيك عن شركات ناشئة صغيرة مغمورة قلما يعرف مصيرها.

فائض موظفين وإعادة هيكلة 

لا يشبه تسريح الموظفين لدى عدد من هذه الشركات المآسي التي رأيناها في الأزمات المالية العالمية في تخلص الشركات من آلاف الموظفين إما بسبب إفلاسها وإما لتقليص أعمالها ونفقاتها وإبقائها على قيد الحياة. اذ ينطبق هذا السيناريو على بعض شركات ألعاب الفيديو التي آثرت الاستغناء عن جزء من قوتها العاملة بهدف إعادة هيكلة أعمالها وتأمين ديمومتها في ظل تراجع الإقبال على هذه الألعاب مقارنة بزمن الجائحة، وعودة الناس إلى حياتهم الطبيعية. من الأدلة على ذلك، ما أشار إليه موقع "تويتش تراكر" (twitchtracker.com) بأن عدد المشاهدين المتصلين في الوقت نفسه على المنصة التابعة لـ"أمازون" تجاوز عام 2020 للمرة الأولى معدل المليونين، ثم بلغ ثلاثة ملايين في أبريل/نيسان 2021.

إقرأ أيضا: "موسم الغيمرز" السعودي... قطاع طموح

أما حاليا، فتراجع الحضور على المنصة إلى 2,6 مليون مشاهد متصلين في وقت واحد في المتوسط، وهو معدل أعلى من المستوى الذي كان عليه قبل الوباء. بالقيمة المالية، يتوقع أن يبلغ الإنفاق الإجمالي للمستهلكين على ألعاب الفيديو نحو 55,5 مليار دولار في الولايات المتحدة عام 2022، أي بتراجع نسبته 8,7 في المئة عن العام المنصرم، لكن بزيادة 28 في المئة عن 2019.

لا تنذر حملة صرف الموظفين بوجود ضعف كامن في صناعة ألعاب الفيديو، إنما بنمو مشوه عكس استغلال الشركات للأزمة من دون التحسب لتطورات السوق بعد جائحة "كوفيد-19" والتغيرات الطارئة

وهناك شركات أخرى تعاني فائضا في عمالتها لأسباب شتى، منها الاستحواذ على كيانات أدت إلى مضاعفة عدد الموظفين من موارد بشرية وعلاقات عامة وتسويق ومحاسبة، ممن يؤدون المهمات نفسها من دون الحاجة إلى ذلك، تماما كما هي الحال لدى "مايكروسوفت".

وفي السويد، اضطرت "مجموعة إمبرايسر" الناشرة للألعاب والتي تمتلك 135 استوديوا حول العالم، إلى وقف المطورين لديها وكذلك إلغاء الألعاب وتسريح الموظفين، بعد فترة من التوسع المتسارع، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى اعتماد الشركة على التمويل الخارجي الذي يمكن أن يلغى أو يؤجل خلافا لخطط الشركة واستراتيجياتها.

أ.ب.
عرض جهاز "بلايستايشن VR2" خلال مؤتمر صحافي لشركة "سوني" قبل بدء معرض CES في 4 يناير 2023 في "لاس فيغاس". وكانت "سوني" ألغت نحو 8٪ من قوتها العاملة العالمية

ومع انتهاء فقاعة "كوفيد-19" والتصحيح المرتبط بمستوى الإيرادات الذي بلغ ذروته حاليا، بدأت خيارات الشركات الخاطئة وغير المستدامة تتكشف للعلن مع حملة تسريح الموظفين الحاصلة اليوم. بمعنى آخر، قد لا تنذر هذه الحملة بوجود ضعف كامن في صناعة ألعاب الفيديو، إنما بنمو مشوه عكس استغلال الشركات للأزمة دون أن تؤخذ في الاعتبار تطورات المرحلة وعودة الاستقرار والتغيرات التي تستتبعه.

أثر الاضطرابات الاقتصادية ورفع الفوائد

لا نغفل كذلك عن تأثر الصناعة باضطرابات الاقتصاد العالمي لا سيما بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة التي رفعت التكاليف من جهة، والتي لا بد أن يكون لها انعكاساتها على رغبة الناس في الإنفاق على ألعاب الفيديو أو تخصيص وقت أطول في استخدامها من جهة أخرى. فكان خيار شركات الألعاب إقصاء المشاريع التي تشكل خطرا على ميزانياتها مع ما يلحقها من موظفين، وإبقاء كل ما هو مضمون لجهة استدامة الأرباح. ولهذا الخيار الأخير متطلباته بعدم الاكتفاء بالألعاب القائمة والعمل على إضافة قائمة من الألعاب الجديدة على الدوام لتفادي خطر أكبر في المستقبل، ألا وهو انعدام التنافسية. 

...ودور الذكاء الإصطناعي المستجد في الألعاب

يلوح في الأفق أيضا تحدّ جديد لعمل الموظفين في هذه الصناعة مع استشراف إمكانات استخدام الذكاء الاصطناعي في تطوير الألعاب وإنتاج محتواها وتحسين أدائها، ونجاح اعتماده من قبل الشركات أو فشلها في القيام بذلك، مع ما يعنيه ذلك من تدنّ لقدرتها على المنافسة. 

إقرأ أيضا: "إنفيديا" والرأسمالية الرقمية "المتوحشة"

ليست صناعة ألعاب الفيديو إلا جزءا صغيرا مما يدور في أروقة الشركات، الأميركية خصوصا، من خفض لعدد الموظفين في القطاعات كافة. فقد سجل شهر يناير/كانون الثاني وحده أعلى مستوى لهذا الخفض منذ 10 أشهر، حيث فقد أكثر من 82,300 موظف وظائفهم في الشركات الأميركية، من عمالقة التكنولوجيا والشركات الناشئة، بالإضافة إلى المصارف وشركات الخدمات المالية، وفقا لتقرير صدر عن شركة "تشالنجر، غراي وكريسمس" (Challenger, Gray & Christmas). 

أما قطاع التكنولوجيا بشكل عام، فقد خسر أكثر من 262,000 وظيفة في عام 2023، وهو الأكبر لجهة تسريح الموظفين مقارنة ببقية القطاعات، منها أكثر من 18 ألف وظيفة في "أمازون" وحدها، و12 ألف وظيفة في "ألفابيت"، و11 ألف وظيفة في "مايكروسوفت".

font change

مقالات ذات صلة