كيف تستخدم الشركات الذكاء الاصطناعي التوليدي عمليا؟

اختلافات كبيرة بين القطاعات في نسب التطبيق... تجارب ناجحة وفاشلة

رويترز
رويترز
علامة الذكاء الاصطناعي في المؤتمر العالمي للذكاء الاصطناعي "WAIC"، في شنغهاي، الصين

كيف تستخدم الشركات الذكاء الاصطناعي التوليدي عمليا؟

مضى نحو عام على إطلاق شركة "أوبن إيه. آي." منصة "تشات جي بي تي – 4"، وهي نموذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تطورا لديها والعقل الكامن وراء "تشات جي بي تي"، روبوتها الرائد للمحادثة. في ذلك الوقت، ارتفعت في السوق القيمة الإجمالية لصناعة التكنولوجيا الأميركية، بتعريفها الواسع، بمقدار النصف، وهو ما أوجد ستة تريليونات دولار من القيمة للمساهمين. وأخذ نمو إيرادات بعض شركات التكنولوجيا، يتوافق مع أسعار الأسهم المرتفعة للغاية.

في 21 فبراير/شباط المنصرم، أعلنت شركة "إنفيديا"، التي تصمم الرقائق المستخدمة لتدريب وتشغيل نماذج مثل "جي بي تي -4" نتائج جيدة للغاية في الربع الرابع، مما رفع قيمتها السوقية إلى نحو 2 تريليون دولار. وأدى الهوس بالذكاء الاصطناعي إلى رفع أسعار أسهم شركات التكنولوجيا العملاقة الأخرى، بما في ذلك "ألفابت" (الشركة الأم لشركة غوغل)، و"أمازون"، و"مايكروسوفت"، التي تنفق مبالغ كبيرة على تطوير التكنولوجيا.

في الوقت نفسه، تظل مبيعات برمجيات الذكاء الاصطناعي في شركات التكنولوجيا الكبرى صغيرة. في العام الماضي، كان الذكاء الاصطناعي يمثل نحو خمس النمو في إيرادات "آزور"، قسم الحوسبة السحابية في "مايكروسوفت"، والخدمات ذات الصلة. ولم تكشف شركتا "ألفابت" و"أمازون" عن مبيعاتهما المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، لكن المحللين يشتبهون في أنها أقل من مبيعات "مايكروسوفت". ولكي يستمر ازدهار سوق الأسهم الخاصة بالذكاء الاصطناعي، على هذه الشركات في مرحلة ما تحقيق أرباح حقيقية من بيع خدماتها للعملاء، ويجب على الشركات في كل أنحاء العالم، من المصارف والشركات الاستشارية إلى أستوديوهات الأفلام، أن تبدأ في استخدام أدوات تشبه "تشات جي بي تي" على نطاق واسع. وعندما يتعلق الأمر باعتماد العالم الحقيقي لهذا الذكاء الاصطناعي "التوليدي"، فإن الشركات تتحرك بحذر شديد. مع ذلك، تشير حتى هذه الخطوات الصغيرة إلى الطبيعة المتغيرة لعمل الموظفين في المكاتب.

أحدثت الإنجازات التكنولوجية السابقة ثورة في عمل الناس في المكاتب. فأدى انتشار الآلة الكاتبة إلى إخراج بعض العمال من وظائفهم. وقال أحد المراقبين في سنة 1888: "بمساعدة هذه الآلة الصغيرة، يستطيع العامل إنجاز مراسلات في يوم واحد أكثر مما يستطيع ستة موظفين إنجازه باستخدام القلم، والقيام بعمل أفضل".

Shutterstock
آلة كاتبة قديمة

بعد نحو قرن من الزمان، أدى ظهور الحاسوب إلى التخلص من بعض المهام الإدارية ذات المستوى المتدني، وفي الوقت نفسه رفع إنتاجية الموظفين ذوي المهارات العالية. تشير إحدى الدراسات إلى أن الحاسوب يفسر أكثر من نصف التحول في الطلب على العمالة نحو العمال الحاصلين على تعليم جامعي من سبعينات القرن العشرين إلى تسعيناته. في الآونة الأخيرة، أدى بروز العمل من المنزل، الذي حفزته جائحة "كوفيد – 19" وأتاحته تقنية مؤتمرات الفيديو، إلى تغيير الإيقاعات اليومية للموظفين الإداريين.

في فبراير الماضي افادت نحو 5 في المئة فقط من الشركات الأميركية من كل الأحجام إنها استخدمت الذكاء الاصطناعي. وتعتزم 7 في المئة أخرى اعتماده في غضون ستة أشهر

هل يحفز الذكاء الاصطناعي التوليدي حدوث تغييرات عميقة مماثلة؟

الدرس المستفاد من الاختراقات التكنولوجية السابقة هو أنها تستغرق وقتا طويلا حتى تؤتي ثمارها في الاقتصاد بأكمله. ويحتاج العامل العادي في شركة متوسطة إلى وقت للاعتياد على أساليب العمل الجديدة. هكذا لم تتحقق مكاسب الإنتاجية من الحاسوب الشخصي إلا بعد مرور عقد من الزمن على الأقل من توفره على نطاق واسع.

لم يترجم بالضرورة ارتفاعا في الانتاجية

ولا يوجد دليل حتى الآن على حدوث طفرة في الإنتاجية ناجمة عن الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد بأكمله. وفقاً لمسح حديث أجرته مجموعة بوسطن الاستشارية، قال غالبية المديرين التنفيذيين إن الأمر سيستغرق عامين على الأقل "لتجاوز الضجيج الإعلامي" المثار حول الذكاء الاصطناعي. وخلص بحث حديث أجرته شركة "أوليفر وايمان" الاستشارية، إلى أن اعتماد الذكاء الاصطناعي "لم يترجم بالضرورة ارتفاعا في مستويات الإنتاجية - حتى الآن".

ذلك أمر غير مفاجئ. فمعظم الشركات لا تستخدم حاليا "تشات جي بي تي" أو "جيميني" من "غوغل" أو "كوبايلوت" من "مايكروسوفت" أو غيرها من الأدوات المماثلة بطريقة منهجية، حتى لو كان الموظفون الأفراد يلعبون بها.

Shutterstock
دمج الذكاء الاصطناعي مع الكتابة اليدوية على لوحة المفاتيح

وقد سأل مسح يجريه مكتب الإحصاء الأميركي كل أسبوعين عشرات الآلاف من الشركات عما إذا كانت تستخدم شكلاً من أشكال الذكاء الاصطناعي. ويشمل ذلك النوع التوليدي الجديد والنوع الأقدم الذي كانت الشركات تستخدمه قبل سنة 2023 كل المجالات، من تحسين نتائج البحث على الإنترنت إلى توقّع احتياجات المخزون. وفي فبراير/شباط الماضي، قالت نحو 5 في المئة فقط من الشركات الأميركية من كل الأحجام إنها استخدمت الذكاء الاصطناعي. وتعتزم 7 في المئة أخرى من الشركات اعتماده في غضون ستة أشهر.

اختلاف النسب والنجاح في التطبيق

تخفي الأرقام اختلافات كبيرة بين القطاعات: تقول 17 في المئة من الشركات في صناعة المعلومات، التي تشمل التكنولوجيا والإعلام، إنها تستخدمه لصنع المنتجات، مقارنة بـ 3 في المئة من الشركات الصناعية و5 في المئة من شركات الرعاية الصحية.

عندما بدأ مكتب الإحصاء بالسؤال عن الذكاء الاصطناعي في سبتمبر/أيلول 2023، كانت الشركات الصغيرة أكثر ميلاً لاستخدام التكنولوجيا من الشركات الكبيرة، ربما لأن قلة بيروقراطيتها تجعل اعتمادها أسهل على الشركات الصغيرة. اليوم، أصبح الذكاء الاصطناعي أكثر انتشارا في الشركات الكبرى (التي تضم أكثر من 250 موظفا)، التي لديها القدرة على استخدام فرق مخصصة بالذكاء الاصطناعي ودفع تكاليف الاستثمارات اللازمة. وأظهر استطلاع للرأي أجراه بنك "مورغان ستانلي" للشركات الكبرى، أنه بين بداية سنة 2023 ونهايتها، ارتفعت حصة مشاريع الذكاء الاصطناعي التجريبية من 9 في المئة إلى 23 في المئة.

طرحت "سبوتيفاي" للموسيقى، منسق أغان (دي جيه) يعمل بالذكاء الاصطناعي، ويختار الأغاني ويطلق مزاحا سخيفا. وأطلقت "أمازون" تطبيق "روفوس"، كمساعد للتسوق بالذكاء الاصطناعي لم يطلبه أي متسوق في الواقع

تجري بعض الشركات العملاقة تجارب محمومة لمعرفة ما ينجح وما لا ينجح. وهي توظف آلاف الخبراء في مجال الذكاء الاصطناعي، وتقترح بيانات من منصة "إنديد" للبحث عن الوظائف. في العام الماضي، قال جيمي ديمون، رئيس بنك "جيه بي مورغان تشيس"، إن البنك لديه بالفعل "أكثر من 300 حالة استخدام للذكاء الاصطناعي في الإنتاج اليوم". وتقول شركة "كابجيميني" الاستشارية إنها "ستستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي في "غوغل كلاود" لتطوير مكتبة غنية تضم أكثر من 500 حالة استخدام صناعية". وتدعي شركة "باير"، وهي شركة كيميائية ألمانية كبيرة، أن لديها أكثر من 700 حالة استخدام للذكاء الاصطناعي التوليدي.

الاهتمام بالمظاهر الأكثر انتشارا

يمكن تقسيم هذا "التوسع في حالات الاستخدام"، كما سماه أحد المستشارين، ثلاث فئات كبيرة: الاهتمام بالمظاهر، وأدوات للعاملين ذوي المهارات المنخفضة إلى المتوسطة، وأدوات للموظفين القيمين في الشركة. أكثر هذه الفئات شيوعا الاهتمام بالمظاهر.

تقول كريستينا ماك إلهيران من جامعة تورونتو إن العديد من الشركات تعيد تسمية جهود التحول الرقمي العادية بأنها "برامج ذكاء اصطناعي توليدي" لتبدو أكثر تطورا. وأدخلت "برستو"، وهي شركة تبيع تكنولوجيا المطاعم، مساعدا يقوم على الذكاء الاصطناعي التقليدي لتلقي الطلبات في مطاعم تقديم الخدمة للعملاء في سياراتهم، لكن 70 في المئة من هذه الطلبات تحتاج إلى بشر للمساعدة. وطرحت "سبوتيفاي"، وهي شركة بث للموسيقى على الإنترنت، منسق أغان (دي جيه) يعمل بالذكاء الاصطناعي، ويختار الأغاني ويطلق مزاحا سخيفا. في الآونة الأخيرة، أزالت "إنستاكارت"، وهي شركة لتوصيل البقالة، أداة تنتج صورا لمأكولات، بعدما عرض الذكاء الاصطناعي صورا غير شهية أو جذابة للعملاء. وتقوم شركات التكنولوجيا الكبرى أيضا بإدراج إنجازاتها الرائدة في الذكاء الاصطناعي في عروضها الموجهة للمستهلكين. وأطلقت "أمازون" تطبيق "روفوس"، وهو مساعد للتسوق يعمل بالذكاء الاصطناعي لم يطلبه أي متسوق في الواقع. وأضافت "غوغل" الذكاء الاصطناعي إلى تطبيق الخرائط، مما يجعل المنتج تجربة و"مغامرة"، أيا كان ما يعنيه ذلك.

أ.ف.ب
جناح شركة "مايكروسوفت" في المؤتمر العالمي "MWC"، أكبر تجمع سنوي لصناعة الاتصالات، في برشلونة، 26 فبراير 2024.

ويمكن أن تكون الأدوات المخصصة للعمال ذوي المهارات المنخفضة أكثر فائدة على الفور. فهناك بعض التطبيقات البسيطة لأشياء مثل خدمة العملاء تنطوي على ذكاء اصطناعي جاهز للاستخدام. فمعظم أسئلة العملاء بسيطة وتتعلق بعدد قليل من الموضوعات، مما يسهل على الشركات تدريب روبوتات الدردشة للتعامل معها. ربما أثمر بعض هذه المبادرات بالفعل. شركة "أمادوكس" تنتج برامج لمساعدة شركات الاتصالات في إدارة فواتيرها وخدمات العملاء. وتقول الشركة إن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي قلل وقت التعامل مع مكالمات العملاء بنحو 50 في المئة. وتقول شركة "سبركلر"، التي تقدم منتجات مماثلة، إن أحد عملائها من شركات السلع الفاخرة شهد أخيرا "تحسنا بنسبة 25 في المئة" في درجات تقييم خدمة العملاء.

تبدو المهام الإدارية الروتينية مهيأة لإدخال تغيير جذري من طريق الذكاء الاصطناعي. فمن "أهم الأمثلة" على حالات الاستخدام البالغ عددها 700 في شركة "باير" المهام العادية مثل "الحصول بسهولة على البيانات من ملفات إكسل" و"إنشاء مسودة أولى باستخدام وورد".

استخدامات المصارف والمحامين والمحققين

وتستخدم بعض الشركات الذكاء الاصطناعي التوليدي كأداة بحث أكثر. وفي "ناسداك"، وهي شركة للخدمات المالية، يساعد الذكاء الاصطناعي محققي الجرائم المالية في جمع الأدلة لتقييم المعاملات المصرفية المشبوهة. ووفقا للشركة، من شأن ذلك أن يختصر العملية التي يمكن أن تستغرق ما بين نصف ساعة وساعة إلى ثلاث دقائق.

في "بنك أوف نيويورك ميلون"، يعالج نظام يعمل بالذكاء الاصطناعي البيانات لمحللي المصرف ليلاً ويقدم إليهم مسودة أولية للعمل عليها في الصباح الباكر

إن منح أدوات الذكاء الاصطناعي للعاملين القيمين في الشركة، الذين تتسم احتياجاتهم بالتعقيد، أقل انتشاراً حتى الآن، لكنه أصبح مرئياً أكثر أيضاً. كان المحامون من أوائل من استخدم تلك الأدوات. فقد تعاونت شركة "ألين آند أوفري"، وهي شركة كبيرة للمحاماة، مع شركة "هارفي" الناشئة، التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي، لتطوير نظام يستخدمه محاموها للمساعدة في كل شيء، من الدراسات النافية للجهالة إلى تحليل العقود.

وتستخدم البنوك الاستثمارية الذكاء الاصطناعي لأتمتة جزء من عمليات البحث الخاصة بها. ففي "بنك أوف نيويورك ميلون"، يعالج نظام يعمل بالذكاء الاصطناعي البيانات لمحللي البنك ليلاً ويقدم إليهم مسودة أولية للعمل عليها في الصباح. ويقول البنك: "لذا بدلا من الاستيقاظ في الرابعة صباحاً لكتابة بحث، يستيقظون في السادسة". إنها منفعة صغيرة لكنها سارة. وتستخدم شركة "سانوفي" الفرنسية لصناعة الأدوية تطبيقا يعمل بالذكاء الاصطناعي لتزويد المديرين التنفيذيين معلومات فورية حول العديد من جوانب عمليات الشركة.

أنظر إنفوغراف: الدول العشر الأولى في استثمارات الذكاء الاصطناعي

تستخدم بعض الشركات التكنولوجيا لتطوير البرمجيات. يوجد لدى "غيت هاب كوبايلوت" من "مايكروسوفت"، وهي أداة لكتابة أكواد البرامج بالذكاء الاصطناعي، 1.3 مليون مشترك. ويوجد لدى "أمازون" و"غوغل" منتجات منافسة. وأفيد أن شركة "أبل" تطور منتجا مماثلا. وتقول "فورتيف"، وهي تكتل تكنولوجي، إن شركاتها العاملة "تشهد تسارعا في وقت تطوير البرمجيات يزيد على 20 في المئة باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي". وقال تشيرانتان ديساي، الرئيس التنفيذي للعمليات في "سيرفيس ناو"، وهي شركة لبرمجيات الأعمال، إن "غيت هاب كوبايلوت" تزيد إنتاجية مطوري شركته بنسبة تقل عن 10 في المئة. وبمساعدة أدوات الذكاء الاصطناعي، انتقلت "كونكتيفاي"، وهي شركة هندية ناشئة، من إصدار أربعة تطبيقات في الشهر إلى سبعة. وتشير دراسات مسحية أجرتها "مايكروسوفت" إلى أن قلة ممن بدأوا باستخدام "كوبايلوت" يرغبون في التخلي عنه.

Shutterstock
تنافس في تطبيقات الذكاء الاصطناعي على الهاتف المحمول

تقول شركة "بنترست" للتواصل الاجتماعي إنها حسنت ملاءمة نتائج بحث المستخدمين بمقدار عشر نقاط مئوية بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي. وفي مكالمة هاتفية حديثة في شأن الأرباح، قال رئيسها، بيل ريدي، إن النماذج الجديدة كانت أكبر 100 مرة من تلك التي استخدمتها شركته من قبل. ولفتت "لوريال"، إحدى أكبر شركات مستحضرات التجميل في العالم، انتباه المستثمرين إلى أنها تحسن "بيتيك"، وهي أداة داخلية لقياس وتحسين إعلانات الشركة والترويج لها. وتدعي "لوريال" أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يحقق بالفعل "زيادات في الإنتاجية تصل إلى 10-15 في المئة لبعض علاماتنا التجارية التي استخدمته".

لا يعني ذلك أن تلك العلامات التجارية ستحتاج إلى عدد من العمال يقل بنسبة 10- 15 في المئة. فعلى غرار الثورات التكنولوجية السابقة، يبدو أن المخاوف من حدوث كارثة في الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي في غير محلها. ويظهر حتى الآن أن التكنولوجيا تستحدث وظائف أكثر مما تلغي. فقد وجد مسح نشره بنك "إفركور آي إس آي" في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، أن 12 في المئة فقط من الشركات تعتقد أن الذكاء الاصطناعي التوليدي قد حل محل العمالة البشرية أو سيحل محلها في غضون 12 شهرا. ومع أن بعض شركات التكنولوجيا تدعي أنها جمدت التوظيف أو تخفض عدد الموظفين بسبب الذكاء الاصطناعي، فإن هناك قليلا من الأدلة على ارتفاع معدلات تسريح العمال في جميع أنحاء العالم المتقدم.


يحظر نحو ربع رؤساء الشركات الأميركيين استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي تماما في العمل. ومن الأسباب المحتملة لترددهم، القلق في شأن بيانات شركاتهم وتسرب الملكية الفكرية

ينتج الذكاء الاصطناعي التوليدي أيضا أنواعاً جديدة من الأعمال المكتبية. فهناك شركات، مثل "نستله"، وهي تكتل متخصص في تقديم منتجات من القهوة إلى طعام القطط، و"كيه بي إم جي"، وهي شركة استشارية، توظف "مهندسين لأدوات الذكاء الاصطناعي" خبراء في الحصول على إجابات مفيدة من روبوتات الدردشة العاملة بالذكاء الاصطناعي. وتوظف إحدى شركات التأمين "مهندسين شارحين" للمساعدة في فهم مخرجات أنظمة الذكاء الاصطناعي. وثمة شركة للسلع الاستهلاكية أدخلت أخيرا الذكاء الاصطناعي التوليدي في فريق المبيعات ولديها الآن "مدير لروبوتات المبيعات" لمراقبة الآلات.

عواقب لا يمكن التنبؤ بها

مع أن مثل هذه التطورات لن تترجم إلى إحصاءات إنتاجية إجمالية لمدة من الوقت، فإنها تؤثر بالفعل على ما يفعله الموظفون الإداريون. بعض التأثيرات جيدة بوضوح. فالذكاء الاصطناعي يتيح للشركات إدخال التحول الرقمي على البيانات الداخلية وتنظيمها، من مراجعات الأداء إلى سجلات الاجتماعات، التي ظلت متناثرة في السابق. وأفاد المجيبون على دراسات مسحية أجراها المستشار راندي بين أن تحسينات كبيرة في إنشاء "ثقافة بيانات وتحليلات" داخلية، يجد كثير من الشركات صعوبة شديدة في رعايتها.

ربما يكون لاعتماد الذكاء الاصطناعي أيضا عواقب لا يمكن التنبؤ بها. فمع أن أدوات كتابة أكواد البرامج بالذكاء الاصطناعي تساعد مهندسي البرمجيات في أداء وظائفهم، فقد وجد تقرير صادر عن "غيت كلير"، وهي شركة برمجيات، أن جودة هذا العمل انخفضت في العام الماضي. ربما يستخدم المبرمجون الذكاء الاصطناعي لإنتاج المسودة الأولى ليكتشفوا أنها مليئة بالأخطاء أو تفتقر إلى الإيجاز. نتيجة لذلك، ربما يمضون وقتا أقل في كتابة أكواد البرامج، لكنهم يمضون وقتا أطول في مراجعتها وتنقيحها. وإذا شهدت شركات أخرى شيئا مماثلا، فربما ترتفع كمية المخرجات في مكان العمل الحديث – لأن الذكاء الاصطناعي ينتج مزيدا من رسائل البريد الإلكتروني والمذكرات – مع أن تلك المخرجات تصبح أقل فائدة في إنجاز المهام.

أ.ب.
شعار شركة "أوبن أي. آي." أمام صورة دماغ وحواسيب اثناء عرض نموذج لتحويل النص إلى صورة "Dall-E"، في بوسطن، 8 ديسمبر 2023.

يشير الاستطلاع الذي أجرته شركة "آي بي إم"، وهي شركة تكنولوجيا، إلى أن العديد من الشركات تتوخى الحذر في شأن اعتماد الذكاء الاصطناعي لأنها تفتقر إلى الخبرة الداخلية في هذا الموضوع. وتشعر شركات أخرى بالقلق من أن بياناتها منعزلة ومعقدة للغاية بحيث يتعذر جمعها معا. ويحظر نحو ربع رؤساء الشركات الأميركيين استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي تماما في العمل. ومن الأسباب المحتملة لترددهم القلق في شأن بيانات شركاتهم. وفي التقارير السنوية، حذرت "شركة بلاكستون"، عملاق الأسهم الخاصة، و"إيلي ليلي"، وهي شركة الأدوية، المستثمرين من الأخطار المرتبطة بالذكاء الاصطناعي مثل احتمال تسرب الملكية الفكرية إلى صانعي نماذج الذكاء الاصطناعي. وفي العام الماضي، أوضحت ماري هيلين برينز وير، وهي مسؤولة تنفيذية في شركة "أورانج" للاتصالات، أن الشركة وضعت حواجز لحماية البيانات قبل البدء بتجربة برنامج "كوبايلوت" من شركة "مايكروسوفت".

إقرأ أيضا: ترف الحوكمة في الذكاء الاصطناعي

في نهاية المطاف، لا يزال الذكاء الاصطناعي التوليدي بحاجة إلى تحسين لكي ترى مزيد من الشركات أنه حالة يمكن اتخاذ قرار حاسم فيها. في نوفمبر/تشرين الثاني، أطلقت "مايكروسوفت" برنامجا مساعدا، "كوبايلوت"، لبرامجها الإنتاجية مثل "وورد" و"إكسل". ووجد بعض المستخدمين الأوائل أنه أخرق على نحو مفاجئ وعرضة للتعطل – بالإضافة إلى كونه مرهقا، حتى للأشخاص المهرة في استخدام "أوفيس". ويظل العديد من رؤساء الشركات حذرين من استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي في العمليات الأكثر حساسية إلى أن تتوقف النماذج عن اختلاق الأمور. وقد وجدت شركة طيران كندا نفسها أخيرا في مأزق بعدما قدم برنامجها للمحادثة الآلية الذي يعمل بالذكاء الاصطناعي معلومات خاطئة لأحد الركاب عن سياسة شركة الطيران لاسترداد النقود. كان ذلك محرجا للناقلة، لكن من السهل أن نتصور شيئاً أسوأ من ذلك بكثير. مع ذلك، كان على الآلة الكاتبة أيضاً أن تبدأ من مكان ما.

font change

مقالات ذات صلة