إعلان نيويورك عن "حل الدولتين"... خريطة طريق تنتظر جدولا زمنيا

لم يعارض القرار سوى عشر دول من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل

رويترز
رويترز
تعرض الشاشات عدد الأصوات أثناء تصويت أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة على القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك، الولايات المتحدة، 12 سبتمبر 2025

إعلان نيويورك عن "حل الدولتين"... خريطة طريق تنتظر جدولا زمنيا

تجاوز مسار تأسيس الدولة الفلسطينية محطة جديدة مهمة. ففي الثاني عشر من سبتمبر/أيلول، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة، وبواقع 142 صوتا، قرارا يؤيد "إعلان نيويورك بشأن التسوية السلمية لمسألة فلسطين وتنفيذ حل الدولتين"، الذي تم تبنيه في يوليو/تموز الماضي.

لم يعارض القرار سوى عشر دول، من بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، فيما امتنعت اثنتا عشرة دولة عن التصويت. ومن اللافت أن خمسة وعشرين عضوا من الاتحاد الأوروبي أيدوا القرار، بينما انفردت المجر بالتصويت ضده، وامتنعت جمهورية التشيك عن التصويت.

لا يزال هناك الكثير من العمل الضروري لتحقيق التنفيذ الكامل لقرار الجمعية العامة لعام 1947، الذي نص على تقسيم فلسطين الخاضعة للانتداب إلى دولتين، فلسطينية وإسرائيلية، ويُعد الأساس القانوني لإنشاء دولة إسرائيل.

يتضمن الإعلان "خريطة طريق" تحدد محطات واضحة وتدابير محددة– إيجابية وسلبية– يمكن للدول الأعضاء اتخاذها للمضي نحو تأسيس الدولة الفلسطينية. إلا أن الإعلان، للأسف، لا يحدد جداول زمنية واضحة لتنفيذ تلك التدابير.

ومع اعتماد الإعلان، بات من الضروري الانتقال إلى مرحلة التنفيذ، وهو ما يستدعي ربط التدابير المحددة بجداول زمنية دقيقة. وتكمن المسألة في تحديد ماهية هذه التدابير وتوقيت تنفيذها، ففي حين يمكن تنفيذ بعض هذه التدابير على الفور، يتطلب بعضها تحضيرات مسبقة ولا يمكن تطبيقه فورا.

يجب بذل جهود لاعتماد قرار يتضمن المعايير المتفق عليها دولياً للتسوية، بما في ذلك قيام دولة فلسطينية

المحطة التالية البارزة ستكون في الثاني والعشرين من سبتمبر/أيلول، خلال القمة المرتقبة على مستوى القيادات، والتي يُتوقع أن يشارك فيها عدد من رؤساء الدول والحكومات، من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان. ومن المتوقع أن تعلن خلال الاجتماع دول مهمة، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، اعترافها الرسمي بالدولة الفلسطينية. وتشير التوقعات إلى أنه بحلول ذلك التاريخ، ستكون نحو 160 دولة من أصل 193 عضوا في الأمم المتحدة قد اعترفت بدولة فلسطين، وهو رقم يقترب كثيراً من عدد الدول التي تعترف بإسرائيل (164 دولة). وسيشكل هذا الإعلان أول خطوة ملموسة في مرحلة التنفيذ.

كان جان مونيه، السياسي الفرنسي البارز وأحد مهندسي الاتحاد الأوروبي، يقول: "عندما يبدو أن المشكلة مستعصية على الحل، غيّر السياق"! وهذا بالضبط ما تحتاجه عملية حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. فلم يعد من الممكن التعامل مع إسرائيل وكأن الأمور تسير على نحو طبيعي، خصوصاً في ضوء سلوكها المشين منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. فقد انتهكت إسرائيل كل مبدأ من مبادئ القانون الدولي والإنساني، من خلال انتهاكها لسيادة عدد من الدول، وتجاهلها التام لحياة البشر.

أ ف ب
ناشط يرفع قبضته ويلوح بالأعلام الفلسطينية بينما يتجمع مع آخرين لدعم أسطول يحمل مساعدات إنسانية ونشطاء يتعهدون بمحاولة "كسر حصار غزة"، في أجاسيو، على جزيرة كورسيكا الفرنسية في البحر الأبيض المتوسط، في 12 سبتمبر 2025

وللمساعدة في اختيار التدابير المناسبة، ينبغي أخذ النقاط التالية بعين الاعتبار:

أولا: لم يعد لدينا وقت لممارسة ترف الانتظار، فالفلسطينيون يشهدون بأعينهم، وبشكل شبه يومي، تلاشي حلم دولتهم. ولذلك لا بدّ لهذا المسار أن يتوقف. والشعب الإسرائيلي، نفسه، بحاجة ماسّة إلى أن يدرك بنفسه العواقب الكارثية لسياسات الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو.

ثانيا: يجب أن يكون واضحا أن حكومة نتنياهو ليست طرفا صالحا للخوض في أي عملية سلام. فقد أعلن نتنياهو صراحة أنه لن يسمح بقيام دولة فلسطينية، وأنه يسعى إلى إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط بالقوة العسكرية، بما في ذلك فرض رؤيته الخاصة للأمن الإقليمي.

ثالثا: ستظل مواقف إدارة ترمب غير قابلة للتنبؤ. لذلك، لا ينبغي للمجتمع الدولي أن يتأثر كثيرا بما يُتوقع أن تتخذه الإدارة الأميركية من مواقف، بل عليه أن يسعى إلى الأفضل ويتأهب للأسوأ. ومع ذلك، لا ينبغي لهذا الغموض أن يثني غالبية المجتمع الدولي عن اتخاذ التدابير التي يراها مناسبة لتحقيق قيام الدولة الفلسطينية.

يمكن اتخاذ خطوات ملموسة على مستوى الأمم المتحدة، وكذلك على المستوى الثنائي، بما في ذلك مع الولايات المتحدة.

في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يمكن اعتماد قرار يتضمن مجموعة من العقوبات المحددة، على الأقل تلك التي أعلنتها إسبانيا، للحد من قدرة إسرائيل على مواصلة حربها ضد الفلسطينيين، وكذلك كبح طموحاتها للهيمنة على المنطقة. ويمكن أن تشمل هذه التدابير حظر نقل الأسلحة، والامتناع عن تزويد الطائرات الحربية بالوقود، ومنع السفن المحملة بالأسلحة أو الوقود من الرسو، وإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات التي تنقل معدات دفاعية إلى إسرائيل، وغير ذاك. فإذا ما أصرت إسرائيل على الاستمرار في سياساتها الحالية، ينبغي تحديد تاريخ دقيق لاتخاذ إجراءات لتعليق أنشطتها في الجمعية العامة. وهناك سابقة لذلك: جنوب أفريقيا في ظل نظام الفصل العنصري.

وإلى جانب الجمعية العامة، ينبغي النظر في اتخاذ إجراءات عبر مجلس الأمن. ويجب بذل جهود لاعتماد قرار يتضمن المعايير المتفق عليها دولياً للتسوية، بما في ذلك قيام دولة فلسطينية، إلى جانب الدعوة إلى هيكل أمني إقليمي. ويمكن أيضاً دعوة المجلس إلى إدراج شخصيات وكيانات إسرائيلية ضمن قوائم العقوبات. علاوة على ذلك، يجب أن لا تُعفى إسرائيل من مسؤولية تمويل إعادة إعمار غزة، لأنها هي من يتحمل مسؤولية الدمار الهائل الذي ألحقته بالقطاع. وفي هذا السياق، يمكن دعوة المجلس إلى السماح بتصدير عائدات الغاز الطبيعي الإسرائيلي تحت رقابة صارمة، على أن تُودع في حساب ضمان تابع للأمم المتحدة لتعويض الضحايا الفلسطينيين والمساهمة في جهود إعادة الإعمار. وهناك سابقة لذلك في برنامج "النفط مقابل الغذاء" الذي طُبّق في العراق.

الكثير من الدول تشعر بالقلق من رد فعل إسرائيل تجاه أي خطوة تتخذها الجمعية العامة للأمم المتحدة أو الدول الفردية للاعتراف بالدولة الفلسطينية

ولا ينبغي لحقيقة أن الولايات المتحدة ستعارض هذه التدابير على الأرجح أن تكون سببا للتراجع، إذ يمكن الآن تقديم مشاريع قرارات، ثم تأجيل التصويت عليها إلى حين توافر الظروف الملائمة لاعتمادها. إن مجرد مناقشة المجلس لهذه الإجراءات يُعد إنجازا يمكن البناء عليه لاحقا. ومن الواضح أن جميع المبادرات المذكورة أعلاه ستكون لها تبعات على ميزانية الأمم المتحدة، نظراً للمعارضة المتوقعة من الولايات المتحدة. لذا، يتعين على الدول الأعضاء أن تضع في اعتبارها التحسب لمثل هذا الاحتمال.

رويترز
أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة يصوتون على قضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين، في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك، الولايات المتحدة، 12 سبتمبر 2025

على المستوى الثنائي، يمكن للدول أن تختار من العقوبات الواردة في الإعلان ما يتناسب مع ظروفها الخاصة، لكن عليها على الأقل أن تعتمد تلك التي تحول دون استمرار إسرائيل في شن حروبها. وفي الوقت ذاته، من المهم البحث عن سبل لإشراك الولايات المتحدة- رغم معارضتها- في جوهر الإعلان، بما في ذلك اقتراح بديل لرؤية إسرائيل للأمن الإقليمي.

قد يرى البعض أن السعي في المسارين المقترحين في آن واحد أمر غير واقعي، وربما حتى غير مجدٍ. لكنني أرى العكس تماما. فهذه الخطوات من شأنها أن تشجع الشعب الإسرائيلي على تغيير حكومته، وقد تدفع إدارة ترمب إلى إعادة النظر في موقفها، لا سيما في ظل تراجع الدعم الشعبي لها كما أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة.

أدرك أن الكثير من الدول تشعر بالقلق من رد فعل إسرائيل تجاه أي خطوة تتخذها الجمعية العامة للأمم المتحدة أو الدول الفردية للاعتراف بالدولة الفلسطينية. ومن المتوقع أن تمضي إسرائيل، بطريقة أو بأخرى، نحو ضم الضفة الغربية، وأن تتخذ إجراءات عقابية ضد أي دولة تعارضها. لهؤلاء أقول: لن يكون ثمة فرق، لأن حكومة نتنياهو ستعلن، في جميع الأحوال، ضم أجزاء من الضفة الغربية، وستواصل تنفيذ سياسة الطرد في غزة.

ولكن التزام الصمت لم يعد مقبولا أخلاقيا.

font change

مقالات ذات صلة