شيء سحري يجعل من القطط مصدرا حلميا وغامضا للصداقة، لا يقتصر على الحضور المادي في المنزل، بل يتعداه إلى حضور تخييلي فاتن في الكتابة. لا يقف الأمر عند الأناقة البديعة التي أغدقتها الطبيعة السنورية على القطط، وإنما يتخطاه إلى أشكال السلوك الغريب الذي ينطوي عليه نمط عيش هذا الحيوان المثير.
حظيت القطط بتقديس حد التأليه في حضارات مدهشة في ما سبق من تاريخ الإنسانية، فاستأثرت بقيمة لاهوتية رفيعة على نحو خاص عند الفراعنة، وكان الطراز الأمثل لذلك هو القطة الشهيرة باستت، التي اقترنت باللبوءة سخمت. باستت، التي جسدها امرأة فاتنة ورأسها قطة، كانت ترمز إلى الخصوبة والحب، وارتقت إلى درجة إلهة، بل وعبدت في مدينة بوباستيس، كما خصص لها عيد احتفالي عند المصريين القدماء.
أوليت القطط عناية مفرطة في تلك الحقبة، وشملها شرف التحنيط بالطريقة ذاتها التي حنطت بها رموز السلالات الفرعونية الحاكمة. لم ينحصر تقديسها عند الفراعنة كاستثناء، بل نظر إليها بالتأليه نفسه في ثقافات حضارات أخرى، كما عند الصينيين القدامى الذين جعلوا من القطة لي شو ربة خصوبة تقدم إليها القرابين في نهايات مواسم الحصاد، والشيء نفسه في الهند مع القطة ساست، التي ترمز إلى ربة الأمومة.
الأثر السحري والسوداوي
بعكس هذه الصورة المقدسة للقطط في متخيل هذه الحضارات العجائبية، كان للقطط أيضا حضور سوداوي في تمثلات الشعوب منذ القرون الوسطى، والقطط السوداء بخاصة التي كانت مدعاة لفأل سيء، اقترنت بالشيطان، وقوى الشر عموما. ولعل هذه الخلفية المريبة هي التي جعلت من الكاتب الأميركي إدغار آلن بو ينبغ في رسم مناخ مرعب ارتبط بأشهر قط في تاريخ الأدب، هو القط الأسود، عنوان أهم قصصه التي ذاع صيتها وطبق الآفاق، مضاعفا سحرية العلاقة بين الكتابة والقطط بقوله اللاذع: "أتمنى لو أستطيع الكتابة بغموض القط".






