عام التحولات الاقتصادية في الخليج... من النفط إلى الاستثمار

النمو ودعم التنوع في صلب استراتيجيات المنطقة

إدوارد رامون
إدوارد رامون

عام التحولات الاقتصادية في الخليج... من النفط إلى الاستثمار

واجهت دول الخليج عاما مليئا بالتحديات الاقتصادية، وفي الوقت نفسه شهدت إنجازات مهمة عززت إمكانات التنويع الاقتصادي. تعتمد هذه الدول بشكل رئيس على الإيرادات النفطية كمصدر للدخل السيادي، وقد واجهت تراجع الأسعار وعدم تجاوب أسواق النفط، على الرغم من الأزمات الأمنية المتكررة في المنطقة واتفاقات "أوبك+" لخفض الإنتاج، التي ربما أدت إلى فقدان بعض المنتجين التقليديين حصصهم لصالح منتجين جدد خارج المنظومة.

مع ذلك، تمكنت دول مثل السعودية والإمارات، والى درجة ما سلطنة عمان، من تعزيز صادراتها غير النفطية، بينما واصلت الكويت وقطر والبحرين دعم القطاعات غير النفطية لتعزيز التنويع والإصلاح الهيكلي.

وتظل دول الخليج لاعبا أساسيا في الاقتصادات العربية، إذ دعمت الاقتصاد المصري وتسعى حاليا لدعم الاقتصاد السوري بعد التغيير السياسي هناك. وفي الوقت نفسه، تترقب دول الخليج أن تعمل الحكومة اللبنانية على استعادة الاستقرار السياسي والأمني، وإصلاح البنية الاقتصادية، وتحرير النظام المصرفي من تبعات الإدارة السياسية السابقة، بما يعيد الثقة للمستثمرين ويعزز الأوضاع الاقتصادية.

نتائج القطاع المصرفي الخليجي

أبرز مؤشرات أداء الاقتصاد الخليجي لعام 2025، حتى الشهور التسعة الأولى من العام، تظهر قوة القطاع المصرفي. فقد تمكنت المصارف الخليجية المدرجة في الأسواق المالية، وعددها 53 مصرفا، من تحقيق أرباح صافية بلغت 47,9 مليار دولار خلال هذه الفترة، بزيادة قدرها 9,9 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام المنصرم. ويعكس هذا النمو تحسن بيئة الائتمان المصرفي، مما يشير إلى تحسن أوضاع المؤسسات في مختلف القطاعات الاقتصادية وتنامي أعمالها، الأمر الذي يدفعها للاستدانة لتمويل توسعاتها.

شهدت أسواق النفط خلال 2025 انخفاضات متعددة في الأسعار، واستقرت عند نحو 65 دولارا للبرميل، وهو مستوى لا يكفي لدعم الموازنات في ظل ارتفاع الإنفاق

توزعت هذه الأرباح بشكل ملحوظ بين دول الخليج، حيث سجلت المصارف الإماراتية أعلى مستوى بأرباح بلغت 18,2 مليار دولار، تلتها السعودية بـ17,4 مليار دولار، ثم قطر بـ6,4 مليارات دولار، والكويت بـ4,2 مليارات دولار، وعمان بمليار دولار، بينما بلغت أرباح المصارف البحرينية 724 مليون دولار. ويظهر من النتائج أن المصارف الإماراتية والسعودية والقطرية والكويتية كانت الأكثر ربحية، إذ ضمت قائمة أعلى 20 مصرفا من حيث الأرباح.

مسارات النفط مع تراجع الأسعار

تبقى دول الخليج من أهم المصدرين للنفط والغاز الطبيعي، حيث تعتمد اقتصاداتها على إيرادات مبيعات هذه الموارد لتغذية الخزينة العامة وتمويل الإنفاق الجاري والرأسمالي. خلال عام 2025، شهدت أسواق النفط انخفاضات متعددة في الأسعار، التي استقرت تقريبا نحو 65 دولارا للبرميل، وهو مستوى لا يكفي لدعم الموازنات في ظل ارتفاع الإنفاق، مما يجعل الاعتماد على الإيرادات النفطية وحدها يؤدي حتما إلى حدوث عجوزات مالية.

أ.ف.ب.
لحظة إدارج أسهم أرامكو في البورصة السعودية، الرياض 11 ديسمبر 2019

انخفض إنتاج النفط في دول الخليج بفعل قرارات "أوبك" و"أوبك+" الرامية إلى رفع الأسعار، إلا أن هذه المحاولات ربما أسفرت عن تراجع حصص بعض المنتجين، مما أتاح لدول خارج المنظومة توريد إمدادات للأسواق المستهلكة. وفي الوقت نفسه، لم تؤد التوترات الأمنية والحرب في أوكرانيا وحرب غزة والحصار على صادرات إيران، إلى تحسين فرص ارتفاع الأسعار، بينما تمكن النفط الروسي المحاصر من الوصول إلى الصين والهند ودول أخرى.

بلغ معدل إنتاج دول الخليج من النفط نحو 17 مليون برميل يوميا خلال السنة الجارية، تتصدرها السعودية التي يمكن أن يصل إنتاجها إلى نحو 11 مليون برميل يوميا وفق الحصة المقررة لها. مع ذلك، أصبحت السوق النفطية الآن أكثر اعتمادا على الطلب العالمي منها على قرارات المنظمات، إذ تعتبر سوقا للمشترين في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تواجه الدول المستهلكة، مثل الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية.

يقدر صندوق النقد الدولي أن نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج بلغ نحو 3,8 في المئة خلال عام 2025

إضافة إلى ذلك، يواجه الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) تحديات بيئية متزايدة، في ضوء أهداف الأمم المتحدة والدول للحد من الانبعاثات الكربونية والسعي لإزالة الكربون من النفط (Decarbonization) أو الانتقال إلى مصادر طاقة بديلة صديقة للبيئة. على الرغم من ذلك، أثبت عام 2025 مرة أخرى أن النفط والغاز لا يزالان يمثلان ركيزة أساسية في اقتصادات الطاقة، حيث يوفران نحو 50 في المئة من متطلبات الكهرباء والتدفئة والصناعات التحويلية، بينما يستخدم نحو 71 في المئة من استهلاك النفط العالمي في قطاع النقل والمواصلات من خلال البنزين والديزل.

أهمية المصادر البديلة

تواصل دول المنطقة جهودها لتنويع الاقتصاد وتطوير مصادر دخل بديلة، حيث بذلت خلال عام 2025 جهودا مضنية لتعزيز القطاعات الحيوية وزيادة حجم الصادرات غير النفطية ودخلها. وتشير البيانات الرسمية إلى تطور ملحوظ في هذا المجال، مع ارتفاع قيمة الصادرات غير النفطية خلال السنوات الماضية.

Shutterstock
المركز المالي في العاصمة القطرية الدوحة

ويشير صندوق النقد الدولي إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج بلغ نحو 3,8 في المئة خلال عام 2025، ويشمل النشاط غير النفطي قطاعات الصناعات التحويلية والخدمات السياحية والبنية التحتية. وتأتي هذه النتائج نتيجة تركيز دول المنطقة على توسيع القاعدة الاقتصادية، وتعزيز مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي. كما تحمل هذه الأنشطة أهمية كبيرة لإمكاناتها في خلق فرص عمل للمواطنين وتمكينهم من اكتساب مهارات جديدة تواكب احتياجات السوق.

الاستثمارات الأجنبية

شهد عام 2025 زخما في الاجتماعات والمؤتمرات المتعلقة بالاستثمار المباشر في دول الخليج، حيث استضافت السعودية فاعليات عدة، كان أبرزها المؤتمر الذي عقد في الرياض يومي 13 و14 أكتوبر/تشرين الأول في رعاية وزير التجارة ماجد بن عبد الله القصبي، بالإضافة إلى النسخة التاسعة من "مبادرة مستقبل الاستثمار 2025" التي أقيمت خلال الفترة من 27 إلى 30 أكتوبر/تشرين الأول. وقد طرح المشاركون من متحدثين ومستثمرين سعوديين وأجانب تساؤلات حول أنظمة الاستثمار وحقوق الملكية وقوانين التوظيف والخدمات اللوجستية وفرص التصدير والضرائب المستحقة على الأرباح، وغيرها من المواضيع ذات الصلة.

هل سيكون للاستثمار الأجنبي المباشر دور محوري في تنويع القاعدة الاقتصادية الخليجية؟

وعلى الرغم من هذا النشاط، تراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة في دول الخليج خلال عام 2025 بسبب الأوضاع الأمنية الإقليمية وتراجع أسعار النفط، إلا أن قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المنطقة قد تصل إلى أكثر من تريليون دولار في نهاية 2025، بعدما بلغت نحو 894 مليار دولار في نهاية 2024. ويظل السؤال المهم: هل سيكون للاستثمار الأجنبي المباشر دور محوري في تنويع القاعدة الاقتصادية؟

أ.ف.ب.
ياسر الرميان محافظ صندوق الاستثمارات يلقي كلمة خلال النسخة الثالثة مبادرة مستقبل الاستثمار، في الرياض 28 أكتوبر 2025

تعتبر الإدارات الاقتصادية الخليجية الاستثمار الأجنبي المباشر، إلى جانب توظيفات القطاع الخاص، أداة أساسية لرفع الكفاءة وتحسين بيئة العمل. وقد تم تعديل قوانين عديدة لتعزيز جاذبية المنطقة، لا سيما قانون الاستثمار في السعودية الذي أتاح حقوق ملكية أفضل لغير السعوديين، بما يشمل تملك السكن والعقار في العديد من مناطق البلاد. ويعد عام 2025 نقطة انطلاق لتعزيز جهود الحكومات في دعم القطاعات غير النفطية، وتسهيل تأسيس الشركات، وتمكين توظيف الأموال. ومع ذلك، يظل هناك تباين في جاذبية الاقتصادات الخليجية، حيث تتفوق بعض الدول على أخرى وفق معايير الاستثمار وثقة المؤسسات الدولية في فاعلية القوانين والأنظمة السائدة.

أداء الاقتصاد الكلي

أظهر تقرير صادر عن البنك الدولي مطلع ديسمبر/كانون الأول 2025، أن النمو الاقتصادي في دول الخليج جاء إيجابيا، حيث سجل اقتصاد الإمارات أعلى معدل نمو بنسبة 4,8 في المئة، تلتها السعودية بنسبة 3,8 في المئة، والبحرين 3,5 في المئة، وعمان 3,1 في المئة، وقطر 2,8 في المئة، والكويت 2,7 في المئة. ويقدر إجمالي الناتج المحلي لدول الخليج بنحو 2,37 تريليون دولار، مما يضعها في المرتبة العاشرة عالميا، مع استحواذ السعودية وحدها على 53 في المئة من قيمة الناتج الخليجي.

ويظل الاقتصاد الخليجي المحرك الأهم في المنظومة العربية، إذ من المتوقع أن يبلغ الناتج الإجمالي للدول العربية نحو 3,8 تريليونات دولار في 2025، مما يعني أن دول الخليج تمثل نحو 62 في المئة من إجمالي الناتج العربي.

تقترب قيمة أصول الصناديق السيادية لدول الخليج من 5 تريليونات دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 7 تريليونات دولار في عام 2030، وهي تكتسب أهمية استراتيجية لتعزيز التنويع الاقتصادي

ولا شك أن مساهمة القطاع النفطي تشكل جزءا مهما من هذا الواقع، إلا أن الإدارات الاقتصادية في دول الخليج تمكنت من تطوير اقتصاداتها بمرونة وانفتاح، مع دعم القطاع الخاص والاستثمار في مختلف القطاعات الحيوية، مما يعكس نجاح جهود التنويع الاقتصادي وتعزيز القدرة الإنتاجية في المنطقة.

ما دور الصناديق السيادية؟

تقترب قيمة أصول الصناديق السيادية لدول الخليج من 5 تريليونات دولار، ومن المتوقع أن تصل هذه الأصول إلى نحو 7 تريليونات دولار في عام 2030. وتكتسب هذه الأصول أهمية استراتيجية لدول الخليج، إذ يمكن أن تسهم في تعزيز قدراتها على التنويع الاقتصادي، مع استثمار الأموال في أدوات متنوعة تشمل أسهم حقوق الملكية والسندات بمختلف أنواعها والعقارات، إضافة إلى شركات تعمل في قطاعات حيوية مثل الطاقة البديلة والذكاء الاصطناعي والخدمات.

أ.ف.ب.
مقر شركة أدنوك،27 يوليو 2022

وتتوزع هذه الاستثمارات عبر عدد من الدول، أبرزها الولايات المتحدة واليابان والدول الأوروبية، مع انتعاش الاستثمارات الجديدة للصناديق في الصين خلال عام 2025. وتسهم العوائد الناتجة من هذه الاستثمارات في تعزيز قدرة دول الخليج على مواجهة المتغيرات في اقتصاديات الطاقة، خصوصا تراجع أسعار النفط والغاز على المدى القصير.

تتطلب إدارة الصناديق السيادية مراعاة المتغيرات السياسية والاقتصادية في الدول المضيفة للاستثمارات، مع إمكان التكيف مع القوانين الاقتصادية، وكذلك أخذ المنازعات الدولية في الاعتبار، لا سيما ما يتعلق بإدارة الولايات المتحدة لعلاقاتها مع الصين ودول الاتحاد الأوروبي في شأن التعرفات الجمركية. وفي هذا السياق، أكدت القمة الخليجية في "قمة الصخير"، التي انعقدت في البحرين في الثالث من ديسمبر/كانون الاول 2025، قضايا سياسية وأمنية واقتصادية تمثل تحولا مهما في نهج دول الخليج تجاه محيطها الإقليمي والدولي.

تفعيل أنظمة الاتحاد الجمركي

أكدت القمة الخليجية أخيرا في جانبها الاقتصادي ضرورة تفعيل أنظمة الاتحاد الجمركي، مع التشديد على أهمية تنظيم توريد تجارة الخدمات عبر الحدود. كما شدد البيان على تعزيز الصناعات التحويلية في دول مجلس التعاون، ووضع قواعد واضحة لتملك العقارات. وفي ما يتعلق بالبنية التحتية، أبرز البيان الحاجة إلى إنجاز مشاريع هيئة الطيران المدني لدول الخليج، ومقرها الإمارات، وتفعيل اتفاقية ربط مجلس التعاون عبر مشروع السكك الحديد.

ويعكس بيان القمة عزم قادة دول الخليج على تحقيق التكامل الاقتصادي البنيوي، وتطوير القوانين والأنظمة التي تحكم الأعمال الاقتصادية. وبطبيعة الحال، تظل تطلعات شعوب المنطقة مرتفعة، لكن إذا تم تحقيق الأهداف الواردة في البيان ضمن إطار زمني مناسب، فإن دول الخليج ستكون قد عززت بشكل ملموس إمكانات الوحدة الاقتصادية خلال عام 2025.

font change

مقالات ذات صلة