الأساس الاستراتيجي لتطوير العلاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة والسعودية

القصر الملكي السعودي/ أ ف ب
القصر الملكي السعودي/ أ ف ب
ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان مستقبلا الرئيس الاميركي دونالد ترمب لدى وصوله الى الرياض في 13 مايو

الأساس الاستراتيجي لتطوير العلاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة والسعودية

فيما سلطت العناوين الرئيسة من المحطات الثلاث في جولة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الشرق الأوسط– خلال الأشهر الأولى من ولايته الثانية– الضوء على وابل من الصفقات الاقتصادية والتجارية، مما دفع البعض إلى تسميتها بـ"جولة البهرجة الربيعية"، فقد شهدت الرحلة أيضًا تحولات استراتيجية هامة في السياسة الأميركية. ولعل أبرز هذه التحولات وأطولها أثرا هو تعميق الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية علاقتهما الثنائية في مجالات متعددة، من الطاقة والرعاية الصحية، إلى البنية التحتية والتقنيات الناشئة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي. لقد بات البلدان يربطان مصيريهما بطرق كانت لتبدو مستبعدة قبل عقد واحد فقط.

وكما هو الحال في جميع الزيارات الرئاسية رفيعة المستوى، يكمن الاختبار الحقيقي في متابعة هذه الاتفاقيات وتنفيذها، وفي كيفية تفاعلها مع تطورات الأوضاع في المنطقة– بما في ذلك المفاجآت الحتمية التي لطالما ميزت مشهد الشرق الأوسط– والتي ستُحدّد ملامح المدى الذي يمكن أن تبلغه هذه الشراكة الثنائية.

الأمن قبل الرخاء

لا يزال الشرق الأوسط أحد أكثر المناطق تقلبا واشتعالا في العالم. فقد شهد العام الماضي أول مواجهة عسكرية مباشرة بين إسرائيل وإيران، إلى جانب حرب شرسة بين إسرائيل وحركة "حماس" في غزة، وأخرى مدمرة بين "حزب الله" وإسرائيل في لبنان أودت بحياة الكثيرين. وزادت الأوضاع توترا الهجمات التي شنّها الحوثيون على حركة الملاحة العالمية في البحر الأحمر، إلى جانب التهديد المستمر الذي تشكله شبكات إرهابية مثل تنظيم "داعش"– ما يجعل البيئة الاستراتيجية الإقليمية محفوفة بالشكوك وعدم الاستقرار.

إذا ما جرى تنفيذ هذه الصفقة بالكامل، فستشتري السعودية منظومات قتالية وخدمات عسكرية من أكثر من اثنتي عشرة شركة دفاع أميركية

وفي مثل هذا السياق، يصبح الأمن شرطا أساسيا لتحقيق أي شكل من أشكال الرخاء المشترك. وهو ما دفع إدارة ترمب إلى جعل الملف الأمني حجر الزاوية في علاقتها المتنامية مع المملكة العربية السعودية. وبحسب وثيقة رسمية صادرة عن البيت الأبيض، تُعدّ صفقة الدفاع المخطط لها، والبالغة قيمتها 142 مليار دولار، والتي تندرج ضمن حزمة أوسع من الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة تصل إلى 600 مليار دولار، أكبر اتفاقية دفاعية في التاريخ.

رويترز
ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان مرحبا بالرئيس الاميركي دونالد ترمب يتبادلان نسختين من مذكرة التفاهم الموقعة بينهما في 13 مايو في الرياض

وإذا ما جرى تنفيذ هذه الصفقة بالكامل، فستشتري السعودية منظومات قتالية وخدمات عسكرية من أكثر من اثنتي عشرة شركة دفاع أميركية. وتؤكد وثيقة البيت الأبيض أن "هذه الصفقة تمثل استثمارا كبيرا في دفاع المملكة وأمنها الإقليمي، بُني على أساس الأنظمة والتدريب الأميركيين."
وتنقسم مبيعات الدفاع المتفق عليها إلى خمس فئات رئيسة:
1. تطوير القوات الجوية وقدراتها الفضائية
2. الدفاع الجوي والصاروخي
3. الأمن البحري والساحلي
4. تحديث أمن الحدود والقوات البرية
5. تحديث أنظمة المعلومات والاتصالات

رغم أهمية اتفاق الدفاع الثنائي المُعلن، فقد أشار مراقبون إلى أن الإطار العام ما يزال يفتقر إلى التفاصيل الدقيقة، بما في ذلك الشروط التعاقدية وجداول التسليم المحتملة

وكما هو معتاد في صفقات الدفاع من هذا النوع، تتضمن الخطة المقترحة تدريبا ودعما موسّعين للقوات المسلحة السعودية، بما في ذلك تطوير الأكاديميات العسكرية والخدمات القتالية التابعة لها. ورغم أهمية اتفاق الدفاع الثنائي المُعلن، فقد أشار مراقبون إلى أن الإطار العام ما يزال يفتقر إلى التفاصيل الدقيقة، بما في ذلك الشروط التعاقدية وجداول التسليم المحتملة.
وتنفيذ حزمة دفاعية بهذا الحجم سيستغرق سنوات، حتى مع تسريع الإجراءات. وخلال هذه الفترة، قد تشهد المنطقة تطورات حادة بالنظر إلى طبيعة التبدلات المتواصلة في الشرق الأوسط. ومن بين المتغيرات التي يُتوقّع أن تؤثر في مسار الاتفاق، التقلّبات في الاقتصاد العالمي وأسواق الطاقة، والتي قد تعيد تشكيل أولويات المملكة وخطط إنفاقها الدفاعي، علما أن ميزانية الدفاع السعودية لعام 2025 تُقدّر بنحو 78 مليار دولار.
وقد تثير صفقة بهذا الحجم جملة من التحفظات، أبرزها المخاوف من تسرب التكنولوجيا إلى خصوم الولايات المتحدة، مثل الصين، فضلا عن القلق المتجدد من احتمال تأثير المبيعات على "التفوق العسكري النوعي" الذي تحرص إسرائيل على الحفاظ عليه في المنطقة، وهو مبدأ راسخ في السياسة والقانون الأميركيين.
وكان زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر (عن نيويورك)، من بين أوائل من عبّروا عن هذه المخاوف، قائلاً إن الرئيس ترمب "سيمنح الضوء الأخضر لبيع أكثر تقنيات الرقائق الأميركية حساسية مقابل وعود مبهمة بمزيد من الاستثمار الأجنبي". ومن المرجّح أن ينضم إليه عدد من أعضاء الكونغرس الذين لطالما أبدوا تحفظاتهم على صفقات السلاح المبرمة مع دول الخليج، ولا سيما السعودية، خلال السنوات الأخيرة.
أما الانقسامات الحادة التي تشهدها الساحة السياسية الأميركية، إلى جانب الفوارق الضئيلة في التوازن الحزبي داخل الكونغرس، فتعني أن النزاعات الأيديولوجية والحزبية القديمة قد تلقي بظلالها على مصير هذه الصفقة وعلى إمكانية تنفيذها كما طُرحت خلال جولة ترمب.
ومن المسائل الأخرى التي تستوجب المتابعة الدقيقة: ما الأساس الاستراتيجي الذي ستقوم عليه هذه الشراكة الأمنية، وفي أي سياق إقليمي ستتبلور؟ فالمشهد الشرق أوسطي يشهد تحوّلات جذرية. ومن اللافت أن الحزمة الدفاعية المعلنة لا ترقى إلى مستوى اتفاق أمني رسمي من النمط الذي سعت إليه الرياض طوال السنوات الماضية، وهو السعي الذي تكثّف في عام 2023، عقب تجديد السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، في اتفاق بارز أعلنته الصين في مارس/آذار من العام ذاته.
وفيما يلي ثلاثة أمور تنبغي متابعتها بشكل حثيث في أعقاب جولة ترمب التاريخية في الشرق الأوسط عام 2025.

من أبرز المفاجآت التي حملتها جولة ترمب في المنطقة كان إعلانه رفع العقوبات المفروضة على سوريا، الدولة التي ظلت معزولة على مدى عقود بسبب دعمها للإرهاب

إيران: السؤال الأكبر– هل يُبرم الاتفاق؟


يظل التحدي الاستراتيجي الأبرز للأمن الإقليمي متمثلا في إيران وشبكة وكلائها الذين دأبوا على تقويض استقرار النظام الإقليمي والدولي على مدار عقود. وقد أولت إدارة ترمب في مستهل ولايتها الثانية أولوية خاصة للملف النووي الإيراني، حيث أسفرت أربع جولات من المفاوضات عن مؤشرات أولية تُبشر بإمكانية التوصل إلى اتفاق، وسط تنامي الحديث عن مدى تراجع نفوذ إيران الإقليمي، وإمكانية أن يفتح هذا التراجع الباب لنقاشات أوسع حول سلوكها في المنطقة.

 أ ف ب
اطفال فلسطينيون ينتظرون استلام الطعام في مطبخ خيري في بيت لاهيا شمال غزة في 8 مايو

ومثلما حدث مرارا في العقد الماضي، فإن المفاوضات مع قادة الجمهورية الإسلامية قد تطول ويتخللها الكثير من الضبابية، إلا أن التوصل إلى اتفاق– ولو اقتصر على الجوانب النووية فقط– يمكن أن يُحدث تحولا جذريا في الأساس الذي بُنيت عليه الحزمة الدفاعية الأميركية–السعودية، ويُعيد تشكيل سياقها الإقليمي برمّته، خاصة إذا ساهم في تجنب اندلاع حرب واسعة النطاق.

فلسطين: متى تتوقف المذبحة؟


النقطة الخلافية الثانية التي تُلقي بظلالها الثقيلة على المشهد الإقليمي هي استمرار غياب مسار واضح لتسوية الصراع الإسرائيلي–الفلسطيني، في وقت تتدهور فيه الأوضاع الإنسانية والأمنية لملايين الفلسطينيين في غزة، ما يقوّض آفاق الرخاء والأمن المشترك التي يطرحها ترمب في إطار اتفاقيات إبراهام الموسعة. وبحسب جميع التقديرات، فإن دولا محورية في المنطقة– وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية– لن تتحرك نحو التطبيع مع إسرائيل ما لم تُوقف الحرب في غزة ويتم التوصل إلى مسار جاد لتحقيق حل الدولتين.

سوريا: بين العودة إلى الاستقرار واحتمالات الانهيار


من أبرز المفاجآت التي حملتها جولة ترمب في المنطقة كان إعلانه رفع العقوبات المفروضة على سوريا، الدولة التي ظلت معزولة على مدى عقود بسبب دعمها للإرهاب، وانتهاكاتها القمعية، وتحالفها الوثيق مع إيران. ويُعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول المنصرم الحدث الاستراتيجي الأهم الذي شهدته المنطقة خلال العام الماضي، وقد يُشكّل قرار رفع القيود الغربية خطوة فارقة تمهّد لدعم اقتصادي إقليمي واسع النطاق يعيد إدماج سوريا في المنظومة العربية والدولية.

سلك الرئيس ترمب طريقا واضحا في ترسيخ أولوية العلاقة الثنائية مع الرياض ضمن رؤيته الأوسع للشرق الأوسط

لكن، وكما هو الحال مع الملفين الإيراني والفلسطيني، تظل سوريا حجر زاوية في تحديد البيئة الاستراتيجية التي ستُقاس على ضوئها فرص نجاح اتفاقية الدفاع الثنائية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية.

ختاما: استثمار محفوف بالتحديات
سلك الرئيس ترمب طريقا واضحا في ترسيخ أولوية العلاقة الثنائية مع الرياض ضمن رؤيته الأوسع للشرق الأوسط. فهل ستؤتي هذه الخطوة الجريئة، المتمثّلة في مضاعفة الاستثمارات وتعزيز الشراكة الأمنية، ثمارها لكلا الطرفين؟... وحدها تطورات الأشهر المقبلة ستكون كفيلة بالإجابة

font change

مقالات ذات صلة