"المهمة السورية" لمبعوث ترمب تتوسع إلى لبنان

"في حال تدخل "حزب الله" في الحرب سيكون القرار سيئا للغاية"

أ.ف.ب.
أ.ف.ب.
رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون أثناء اجتماعه مع السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا توماس باراك، بيروت، 19 يوينو 2025

"المهمة السورية" لمبعوث ترمب تتوسع إلى لبنان

تنطوي مهمة السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا توماس باراك على أهمية استثنائية واستراتيجية في آن. إنه رجل المهمات الثلاث: السفير الأميركي في تركيا، والموفد الأميركي إلى سوريا، وهو سيتولي جانبا من مهمته السورية ما يتصل بلبنان، ولا سيما لجهة الحدود اللبنانية-السورية، البرية والبحرية وموضوع النازحين السوريين، وقد تتوسع مهمته اللبنانية لتشمل مندرجات تنفيذ اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل، والشأن الاقتصادي اللبناني. ذلك أن تنفيذ الاتفاق يشكل أحد أبرز الأساسات لإعادة ترتيب العلاقة مع سوريا في الأجزاء المشتركة في الحوار المفتوح بين البلدين لحلحلة كل العقد العالقة، بذهنية جديدة مع الحكم الجديد في سوريا، حيث الانفتاح والتواصل لتثبيت حدود مستقرة وتبادل سياسي واقتصادي وفق الاحترام المتبادل لسيادة كل دولة على أراضيها.

وفي معلومات دبلوماسية خاصة بـ"المجلة" ليس هناك توجه أميركي حتى الآن لتعيين خلف للموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس إلى لبنان، أضف إلى ذلك فإن مهمة باراك في بيروت زيدت إليها مسأله أخرى استجدت مع اندلاع الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، وهي إبلاغ لبنان رسالة واضحة بأن لا يتدخل في هذه الحرب وأن يستمر في النأي بنفسه عنها.

توماس باراك جال على الرؤساء في بيروت

وما إن تسلم باراك مهمته في شهر مايو/أيار الماضي في تركيا وسوريا حتى أبلغ السلطات اللبنانية رسميا برغبته زيارة لبنان أيضا. وهو جال على رؤساء الجمهورية اللبنانية جوزيف عون والنواب نبيه بري والحكومة نواف سلام. وهي زيارة كانت منتظرة وتأتي اليوم في توقيت دقيق على إيقاع حرب إيران وإسرائيل، وذلك بعد انتهاء مهمة الموفدة الأميركية المثيرة للجدل مورغان أورتاغوس إلى لبنان، وفي انتظار تسلم السفير الأميركي الجديد في بيروت ميشال عيسى منصبه، ولتعيين السفير الجديد أهمية خاصة في مهمته. ورأى في بيروت أنه في حال تدخل "حزب الله" في الحرب، سيكون القرار سيئا.

لدى تسلم باراك مهمته في كل من تركيا وسوريا أثارت مواقفه جدلا واسعا في الدوائر الدبلوماسية في المنطقة. إذ فاجأت هذه المواقف الدول المعنية محاولة استكشاف القصد من ورائها

ولدى تسلمه مهمته في كل من تركيا وسوريا أثارت مواقفه جدلا واسعا في الدوائر الدبلوماسية في المنطقة. إذ فاجأت هذه المواقف الدول المعنية محاولة استكشاف القصد من ورائها. ما تناوله باراك في حديثه يعبر عن تحول في المقاربة الأميركية لملفات المنطقة. إذ تحاول الإدارة من خلالها إرساء نظرة أكثر شمولية في التعامل مع المنطقة، لا سيما على مثلث تركيا-سوريا-لبنان، وقوامها: انتهاء مرحلة التدخل العسكري الأميركي المباشر، وتشجيع الحوكمة المحلية، وإبراز المرجعية الإقليمية لبلورة الحلول، ودعم الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة، للعب دور أساسي في إرساء الحلول للمنطقة سياسيا واقتصاديا وأمنيا، طبعا بالتنسيق مع واشنطن ومباركتها.

أ.ف.ب.
السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا توماس باراك، بيروت، 19 يوينو 2025

على أن إسرائيل ستكون حاضرة في التسوية في كل هذه الملفات، لأن إرساء النظرة الشمولية سيتم عبر التسويق لحلول أمنية-سياسية-استثمارية كوسيلة لتحقيق الاستقرار بدلا من الحلول العسكرية والعقوبات. وما أثار قلق الدبلوماسيين الذين يعملون لدول المنطقة هو كيفية تنفيذ أفكار باراك، في ظل التساؤلات حول مدى القدرة الذاتية للدول في التخلص من مشاكلها وتعقيدات ظروفها والتطرف الذي يلف أوضاعها ومصير الأقليات فيها. 

أكثر ما كان لافتا لدى تسلمه منصبه ومن دمشق كلام باراك في مقابلة تلفزيونية يوم 2 يونيو/حزيران الماضي أن السياسات الأميركية السابقة تجاه سوريا "لم تنجح" خلال المئة عام المنصرمة، و"عصر التدخل الغربي انتهى". مشيرا إلى أن المنطقة "يجب أن تتولى ترتيب أمنها بنفسها"، وأنه "لن نكون الضامن الأمني للجميع"، لأن على الشركاء الإقليميين بمن فيهم تركيا ودول الخليج أن يتحملوا مسؤوليتهم في ضبط الأمن من دون الاعتماد بالكامل على الصور التقليدية للتدخل الأميركي.

دمج مهمة باراك التركية-السورية

وعند رفع العلم الأميركي على مقر السفير في دمشق، في 29 مايو/أيار الماضي، قال باراك أن الهدف الأميركي ورؤية الرئيس هو أنه "يجب أن نعطي هذه الحكومة الفتية في سوريا فرصة، عبر عدم التدخل، وعدم إطلاق الأوامر، وعبر عدم فرض الشروط، وعبر عدم فرض ثقافتنا على ثقافتكم.

في حال تدخل "حزب الله" في الحرب الاسرائيلية الإيرانية سيكون القرار سيئا للغاية

توماس باراك، السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا

وكان قد أُعلن عن دمج دور المبعوث الخاص إلى سوريا مع المهمة كسفير في تركيا تحقيقا لرؤية إدارة ترمب المعلنة رفع العقوبات. وفتح صفحة جديدة في العلاقة مع دمشق. وجاء التعيين عقب قرار الرئيس ترمب في بداية مايو، تعليق العقوبات الأميركية على سوريا وإعادة الإعمار ومكافحة تنظيم "داعش". 

اتفاق غير عدائي بين سوريا وإسرائيل

وأهداف مهمته هي: دعم تنفيذ إلغاء عقوبات "قيصر" بعد موافقة مجلس الشيوخ خلال 180 يوما، ومكافحة الإرهاب وتفعيل الجهود الإقليمية للقضاء على "داعش" والتصدي للجماعات المتشددة، وهي مسألة ركز عليها باراك خلال لقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع في إسطنبول بحسب وكالة "اسوشييتد برس".  وتعزيز التعاون الإقليمي عبر ربط الجهود الأميركية بالسياسات التركية لا سيما في ملف إعادة الإعمار والنازحين، ودفع سوريا نحو علاقات طبيعية بما في ذلك مع إسرائيل. وانطلاق استثمارات كبرى، إذ إنه خلال زيارته لدمشق في 29 مايو شارك باراك في تدشين مشاريع ضخمة للطاقة و4 محطات غاز ومحطة شمسية بالتعاون مع شركات أميركية وتركية وقطرية. وهو ما يمثل جزءا من خطة إعادة تأهيل البنى التحتية، في سوريا التي تجتهد للنهوض والبناء من جديد.

ويسعى ترمب عبر باراك إلى تحقيق اتفاق غير عسكري وغير عدائي بين سوريا وإسرائيل، يحقق الاستقرار المطلوب للمنطقة. وتركيا في هذا التوقيت اكتسبت نفوذا إقليميا مهماً لدى صعود دور الشرع خلفا للنظام السابق في سوريا. ورافق ذلك رسالة دبلوماسية واضحة من جانب الولايات المتحدة من خلال رفع العلم الأميركي في دمشق بعد 13 عاما على إغلاق السفارة في 2012 بمثابة "إشارة قوية لتطبيع العلاقة"، بالتزامن مع إطلاق مشاريع الطاقة والمبادرات الاستثمارية ومكافحة الإرهاب بشراكة أميركية-تركية. ويدمج باراك دوره البارز والشخصي وعلاقته الشخصية القوية بترمب مع شبكات علاقاته في الشرق الأوسط. الأمر الذي يسمح له بتجاوز الإجراءات التقليدية واستخدام القنوات الخاصة لتحقيق نتائج سريعة في تنفيذ سياسات بلاده.

إقرأ أيضافريد هوف لـ"المجلة": الهدنة بين سوريا وإسرائيل ضرورية… واتفاق السلام بعيد

كذلك فإن رفع العلم هو إشارة ملموسة على نية واشنطن إعادة التفاعل الدبلوماسي مع سوريا، وعلى الرغم من أن السفارة الأميركية لم تفتح بعد رسميا، فإن هذه الخطوة تعتبر إشارة رمزية قوية إلى بدء عملية تطبيع تدريجية في العلاقات، ودعم كبير لسوريا.

اتفاقيات إنشاء محطات توليد كهرباء في سوريا بالشراكة مع شركات قطرية وتركية وأميركية تؤمّن أكثر من نصف احتياجات سوريا للكهرباء، وتفتح الباب أمام دور أميركي فاعل في إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا

يعتبر التوقيع على اتفاقيات لإنشاء محطات توليد كهرباء في سوريا بالشراكة مع شركات قطرية وتركية وأميركية لتأمين أكثر من نصف احتياجات سوريا للكهرباء، أنه يفتح الباب أمام دور أميركي فاعل في إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا، وإعادة تشغيل منشآت النفط في البلاد ما يساعد على التخفيف من معاناة المدنيين، وتوفير فرص استثمارية، وجذب عودة النازحين السوريين إلى بلدهم.

أ.ف.ب
الكهرباء حاجة رئيسية الى لبنان وسوريا

كذلك أعلن باراك عن خطة لتقليص القواعد العسكرية الأميركية في سوريا من ثماني قواعد إلى قاعدة واحدة، مع خفض عدد الجنود من 2000 إلى أقل من ألف جندي. هذا الانسحاب يعكس تحولا من التركيز العسكري إلى التركيز الدبلوماسي والاقتصادي، وتخفيف النزاعات مع تركيا التي كانت تعارض الحضور العسكري الأميركي في الشمال السوري.

توماس باراك لم يكن سياسيا تقليديا، وغالبا ما كان يوصف بأنه معتدل وبرغماتي، وتربطه بترمب صداقة تعود لأكثر من 40 عاما. كان من أكبر داعميه خلال حملته الانتخابية في عام 2016، وترأس لجنة تنصيبه في عام 2017

وأبرز ما تركز عليه واشنطن في الدور الملقى على عاتق باراك في سوريا هو التحول الاستراتيجي من سياسة عسكرية تدخلية ضد مسار النظام السابق، إلى نهج دبلوماسي واقتصادي يركز على "الإنعاش مقابل التهدئة". إنه دور أميركي محوري يعيد بناء النفوذ في سوريا بشكل تدريجي لإحلال التفاوض محل الحرب، في إطار ينعكس على ملفات المنطقة ويُحدث معها تقاطعات تؤدي إلى تسويات للأزمات القائمة على مستوى جيران سوريا بما في ذلك إسرائيل، ولبنان، وتركيا مركز مهمته الأساسية.

من هو توماس باراك؟

جدير بالذكر أن توماس باراك لم يكن سياسيا تقليديا، وغالبا ما كان يوصف بأنه معتدل وبرغماتي وكان في بعض المناسبات ينتقد أسلوب ترمب خلال ولايته السابقة على الرغم من صداقتهما المتينة. إنما كانت مشاركته السياسية بشكل غير مباشر من خلال دعم الحملات الانتخابية، ولعب أدوار سياسية في الكواليس، والتأثير عبر المال والاستثمارات والعلاقات العامة الأميركية والدولية والعربية.

أ.ف.ب.
السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا توماس باراك، بيروت، 19 يوينو 2025

لم يكن باراك من بين غالبية السفراء الأميركيين لدى تركيا والعالم، والذين كانوا من الهيئة الدبلوماسية المهنية أي داخل الملاك الدبلوماسي لوزارة الخارجية. وهو ليس من السياسيين أو الحزبيين، يشبه سلفه السفير جيف فليك لناحية الخلفية الحزبية السياسية، وأعرب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، عن دعمه لباراك، ولا سيما في تولي منصب المبعوث الأميركي لسوريا باعتبار دوره ضروريا لفهم احتياجات المساعدة الإنسانية وأمن الحدود.

وتربط باراك بترمب  صداقة  تعود لأكثر من 40 عاما. وقد كان من أكبر داعميه خلال حملته الانتخابية في عام 2016، وترأس لجنة تنصيب ترمب في عام 2017 ، وهو ما أظهر نفوذه السياسي غير المباشر في إدارة ترمب.

font change

مقالات ذات صلة