رهان التحديات وصناعة الهوية في أفلام سعودية وخليجيةhttps://www.majalla.com/node/328377/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%B1%D9%87%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%81%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9
يبدو أن الموسم السينمائي الأخير في منطقة الخليج العربي، يتحسس طريقه نحو مفهوم أوسع للتنوع، لا على مستوى الإنتاج فحسب، أو اختيار الموضوعات، بل في ما يخص العلاقة بين الجمهور والأنواع السينمائية. من الكوميديا إلى الرعب، مرورا بالدراما وعوالم التشويق والإثارة، يكشف المشهد عن صناعة تتحرك نحو تأسيس سوق متكامل، يتجاوز فكرة الحدث العابر إلى صناعة مستدامة تمتلك جمهورها وخطابها الخاص.
خلال العقدين الماضيين سجلت الشاشات الخليجية تناميا ملحوظا، يمكن تلمس نتائجه بوضوح في تطور العلاقة التفاعلية بين صناع الأفلام والجمهور، فالمشاهد الخليجي لم يعتد بعد هذا الزخم من الإنتاج السينمائي المحلي على مستوى شباك التذاكر، ومع تزايد عدد الأفلام ارتفع عدد شاشات العرض، كما هو الحال على سبيل المثل في سوق الإنتاج السعودي. رغم هذه الانسيابية الإنتاجية، لا تزال القيود التي تفرضها السوق المحلية تؤثر في دورة الإنتاج، مما يفرض تحديات مستمرة أمام صناع الأفلام في الخليج، لا سيما في ما يتعلق بوضوح الرؤية الكلية، أو تحديد ملامح لمشروع سينمائي خليجي.
رغم ذلك، ثمة ملمح مهم يمكن تبينه في السينما الخليجية المعاصرة، وهو حرصها على مخاطبة الجمهور المحلي بروح قريبة من تجربته اليومية، مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية لكل دولة خليجية، مما سهل الطريق لعدد من الأفلام، لفتح نافذة على العالم الخارجي من خلال المشاركة في المهرجانات الدولية وتوزيع الأعمال عبر المنصات الرقمية.
تحولات الكوميديا في السينما السعودية
في الوقت الذي تشهد فيه صناعة السينما في المملكة تحولات ملموسة خلال السنوات الأخيرة، لم يكن تصدر الكوميديا المشهد السينمائي السعودي مجرد مصادفة، سواء في الموسم الحالي أو تزايد حضورها في المواسم الماضية، مما يمكن أن يكون مشروعا لنواة قد تشكل في المستقبل موجة كوميدية شعبية في السينما السعودية، ليس فقط لكونها الأقرب إلى المزاج العام، بل لأنها تتيح لهذه السينما فرصة كبيرة للتعبير عن ذاتها بروح محلية، كما تمكنها من التفاعل مع التحولات الاجتماعية المتسارعة من حولها، في ظل اكتفاء غالبية التجارب بتوليفات آمنة ومضمونة، لا تزال هناك أفلام تراهن على كوميديا الموقف في الإضحاك، بدلا من المنهجية السائدة أخيرا في الاعتماد على الإيفيهات. في هذا السياق، يأتي فيلم "شباب البومب" كإحدى أكثر التجارب الشبابية حضورا، وكان تعرف اليه الجمهور من طريق الشاشة الصغيرة قبل السينما.
يأتي فيلم "شباب البومب" كإحدى أكثر التجارب الشبابية حضورا، وكان تعرف اليه الجمهور من طريق الشاشة الصغيرة قبل السينما
انطلق الموسم الأول من المسلسل في 2012 متخذا من تيمة "الشلة" محور سير وتطور أحداثه. يذكرنا هذا القالب الثابت المتجدد بواحدة من أشهر السلاسل الروائية للكاتب المصري محمود سالم، وهي "المغامرون الخمسة". تتمحور القصة الرئيسة في "شباب البومب" حول مجموعة أصدقاء من الشباب: عامر وشكش. كفتة (فيصل العيسى ومهند الجميلي وسليمان المقيطيب)، ينضم إليهم في المواسم اللاحقة عبد العزيز الفريحي ومحمد الدوسري وعبد العزيز برناوي، في أدوار تركي وياسر وعزوز. يخوضون في كل حلقة، أو على مدار مجموعة من الحلقات المتوالية، مغامرة جديدة تتناول قضية من القضايا الشبابية التي تتقاطع مع المجتمع السعودي والعربي. حلقات موجهة، لا يخلو الكثير منها من توعوية مباشرة في بعض الأحيان.
ملصق فيلم "شباب البومب"
نجح هذا الفريق في تمثيل قطاع عريض من الشباب، كما نجح المسلسل في تطوير تلك الشخصيات عبر مواسمه، مما جعلها تبدو أقرب إلى شخصيات حقيقية لدى جمهورها، تكبر معهم في العمر والأفكار على السواء، لذلك لم يكن من الغريب أن يحتل المسلسل الصدارة في كل عام محققا أرقام مشاهدة قياسية، وهو ما مهد لانتقاله من الشاشة الصغيرة إلى السينما في العام الماضي، قبل أن يتكرر الأمر هذا الموسم في جزء جديد بعنوان "شباب البومب 2"، من تأليف عبد الله الوليدي واحمد الزهراني. وقد تعامل السيناريو في أحداثه مع التاريخ المعروف سلفا للشخصيات كما قدمها المسلسل عبر مواسمه.
الفيلم من إخراج حازم فودة، الذي نجح في الحفاظ على إيقاع حيوي وسريع، منتقلا بخفة بين المشاهد والأماكن، ومستعينا في الوقت ذاته بتوليفة موسيقية راقصة عبر استدعاء لا ينقطع للأغنيات الشبابية الشهيرة إلى جانب أغنيات جديدة ورقصات جماعية أضفت على المشاهد حيوية تتناسب مع روح الجيل الذي يخاطبه الفيلم.
رغم الاحتفاء الواضح من المخرج باستخدام التصوير الجوي (الدرون)، في عدد كبير من المشاهد، حتى كاد الأمر أن يتحول إلى استعراض بصري، إلا أنه في أحيان أخرى بدا ملائما لروح الفيلم الشبابية، خاصة في مشاهد الحركة والمطاردات وسباقات السيارات، التي نفذت بمساعدة فريق أجنبي متخصص في مشاهد "الأكشن". ومن الملاحظ أن هذا الميل نحو التصوير الطائر بات أقرب لسمة مشتركة في كثير من التجارب الشبابية، في محاولة لخلق بعد بصري مغاير يوازي الطموح المتصاعد.
مجموعة أخرى من الأصدقاء، نتابع مغامرتهم المختلفة في فيلم "الزرفة"، من تأليف ابراهيم الخير الله واخراج عبد الله ماجد، الذي يخوض تجربته السينمائية الأولى، بعد عمله لسنوات في إخراج الإعلانات. يخترق الفيلم عالم السجون من خلال حكاية ثلاثة من الشباب، هم معن وسن وحمد يجسدهم (محمد شايف وحامد الشراري وأحمد الكعبي)، يتورطون في عملية سرقة تتبعها محاولة للهروب من السجن. ويحسب لصناع الفيلم جرأتهم في إسناد البطولة إلى مجموعة من مشاهير صناع المحتوى، "يوتيوبر"، من بينهم عبد الله الربيعة، المعروف بأبي ربيعة. فيما تمزج حبكة السيناريو بين عالمين متوازيين، في بناء أشبه بـفيلم داخل فيلم، حرص فيه المخرج على خلق تباين بصري واضح بين المستويين، شمل اختلاف العدسات وتكوينات الصورة وتدرجات الألوان، بل أسلوب الإخراج نفسه.
كذلك لم يخل الفيلم من مساحات إعلانية لعدد من المنتجات التجارية كالسيارات مثلا، إلا أنها افتقرت، في بعض الأحيان، لمشروعيتها الجمالية. ولا شك في أن أسلوب الإعلان التجاري المضمن في نسيج الفيلم، نظام متبع في مختلف سينمات العالم بما فيها هوليوود، فكثيرا ما شاهدنا ساعات وأحذية وملابس ومختلف أنواع السلع الغذائية، تظهر داخل الاطار الدرامي ويتم تداولها بين النجوم والممثلين، غير أن الإشكال لا يكمن في الإعلان نفسه، بل في غياب المبرر الفني أو الدرامي لوجوده. في فيلم "اسعاف" مثلا، تكرر حضور الإعلان أكثر من مرة، لكن في صورة خافتة وغير مباشرة، وهو ما يعد شكلا مثاليا لهذا النوع من التضمين، إذ ينبغي أن يتسلل المنتج إلى المتفرج دون أن يدرك أنه أمام إعلان صريح.
مشهد من فيلم "اسعاف"
يغزل فيلم "إسعاف"، كوميديته من ثيمة مألوفة، لكنه نجح في إدارتها. نتابع من خلالها حكاية الثنائي، عمر وخالد، يقوم بدورهما، إبراهيم الحجاج ومحمد القحطاني، مسعفان من متعثري الحظ، مما يورطهما في سلسلة من المواقف الساخرة، تصدرها الحجاج بأداء عفوي يحسب له، راوح فيه بين العته والدهاء، على هدي من سبقوه في هذا المضمار.
من بين التجارب الإخراجية الأولى، يبرز هذا العام الفيلم البحريني "سمبوسة جباتي" بكونه أحد المشاريع المميزة التي تنبض بروح الهزل والسخرية من الحياة اليومية
الفيلم من إنتاج "الهيئة العامة للترفيه"، عن قصة طلال العنزي وإخراج كولين تيق، وضم فريق التمثيل عددا من الأسماء من بينها فيصل الدوخي وفهد البتيري وبسمة داوود، إلى جانب حضور مجموعة كبيرة من ضيوف الشرف مثل حسن عسيري والمصري أحمد فهمي.
من اللقطة الأولى، يرسم السيناريو عالمه، بزاوية كاميرا هوليوودية تلتقط المشهد من أسفل عربة إسعاف مسرعة، يعلو صوت الصافرة فيغمر بقية المشهد، ناشرا توترا يمتد على طول الطريق الذي تشقه السيارة بين الشوارع. تتخلل هذا الافتتاح رسوم كاريكاتورية متحركة لشخصيات الفيلم، تقدم كفواصل مرحة ترافق أسماء المشاركين، في تلميح مبكر إلى طبيعة العمل. وسرعان ما يكشف المخرج عن خطته الدرامية القائمة على الخداع، فمع وصول العربة إلى مبنى المدرسة، يوهمنا بأن المسعفين في طريقهم لإنقاذ طفل مصاب، يتصاعد التوتر مع تعثرهما في ممرات المدرسة، فيما تتلاحق حركة الكاميرا والموسيقى بإيقاع متسارع، ومع دخولهما الفصل تنقلب التوقعات، لتتكشف المفارقة، حيث لم تكن مهمتهما سوى إلقاء درس في الإسعافات الأولية، حتى هذا يفشلان فيه.
المخرج المصري حازم فودة خلال تصوير مشهد من مسلسل "المرافعة" في القاهرة
سينما خارج الحدود
من بين التجارب الإخراجية الأولى، يبرز هذا العام الفيلم البحريني "سمبوسة جباتي" بكونه أحد المشاريع المميزة التي تنبض بروح الهزل والسخرية من الحياة اليومية. ولعل الحرص على التنوع يأتي في صدارة اهتمامات السينما الخليجية المعاصرة، سواء على مستوى الأسلوب والموضوع، أو من خلال طاقم عمل متعدد الجنسيات. فالفيلم من إخراج الأردني أحمد جلبوش، تأليف وبطولة الكوميدي البحريني أحمد شريف، إلى جانب كل من مرعي الحليان من الإمارات، ومن السعودية زياد العمري، والمصري أحمد فتحي، مما يعكس طموحا خليجيا لجعل الأفلام مرآة لمشهد عربي أوسع، بعيدا من الانغلاق المحلي.
ملصق فيلم "سمبوسة جباتي"
ينطلق الفيلم من أجواء أقرب إلى الكاريكاتورية، حيث يتحرك العالم وفق قوانين لا تدخل في إطار المنطق. يظهر ذلك في البداية من خلال الشخصيتين الرئيستين، فريد ووحيد، اللذين يعملان في مهام بلطجة مخالفة للقانون، لكنها أقرب إلى الكوميديا منها إلى الإجرام. فحين نتأمل نوعية "الجرائم" التي يكلفان بها، ندرك حجم العبث المتعمد. فمثلا، تستأجرهما إحدى السيدات لإجبار خياط على توسيع فستانها الذي رفض تعديله، حتى طلبات الانتقام لا تخلو من الطرافة، حيث يكلفهما آخر الانتقام من حلاق أفسد قصة شعره، فيما يطلب أحد التلاميذ منهما معاقبة زملائه الذين تنمروا عليه، لتكون وسيلتهما في ذلك ضربهم بالعصا على أقدامهم.
هكذا تتوالى المهام، بالروح الساخرة التي تخلط بين الكوميديا والعبث، إلى أن ينتهي بهما الحال في كمين للشرطة، ليكتشفا أن سجلهما يضم 31 شكوى ضدهما، لكن المفاجأة الكبرى لا تأتي من الورطة بل من الجهة الأمنية نفسها التي تعرض عليهما صفقة أكثر غرابة: تسقط عنهما التهم مقابل إقناع أصحاب الشكاوى بالتنازل وجمع توقيعاتهم. وبالفعل ينجحان في هذا، قبل أن تتعطل خطتهما أمام شكوى واحدة لرجل هندي كان يقيم في البحرين، غادر عائدا إلى بلده، يخبرهما الضابط بالأمر، ويمنحهما بياناته مع مهلة أسبوعين للحصول على توقيعه. هنا يتحول الهدف إلى مطاردة غير متوقعة، يتتبعان خلالها الرجل حتى موطنه الأصلي، لتخرج الحبكة من الشوارع المحلية إلى رحلة عابرة للحدود، لا تقل عبثية أو كوميدية عما سبقها.
يبدو أن مخرج الفيلم راهن على تقديم الخلطة البوليوودية الشهيرة، ولكن في قالب عربي خليجي، مستعينا بالثيمات المعهودة من استعراضات غنائية، أو مشاهد الإثارة والحركة المطعمة بالكوميديا، وكسب الرهان، سيما في الحفاظ على ضبط الإيقاع وتوازن المشاهد بين الترفيه والرؤية الإخراجية، مما يعكس وعيه بخطوط الصراع بين تصنيع الأفلام والحرفة السينمائية.
ملصق فيلم "حوبة"
في سياق المبادرات الأولى، يأتي أيضا فيلم "حوبة" بوصفه التجربة الإماراتية الأبرز هذا الموسم في مجال الرعب، حتى أن البعض عده، وفق ما تم تداوله، أول فيلم رعب طويل في تاريخ السينما الإماراتية، وخصوصا بعد أن توج بجائزة أفضل فيلم رعب من مهرجان "فانتاستيك" في دورته الأخيرة بتكساس. الفيلم من إخراج ماجد الأنصاري، الذي يخوض من خلاله أولى تجاربه في هذا اللون، بعد أن قدم سابقا فيلمه "زنزانة" 2015 عن سيناريو أصلي للثنائي لين وراكس سكاي. أما "حوبة"، فشارك الأنصاري في كتابته إلى جانب السيناريست الأميركي جوني ألوارد، مما قد يرسخ تقليدا للتعاون الدولي يتبعه المخرج في صناعة أفلامه، ربما بغرض انفتاحها على تجارب سردية وبصرية تتجاوز حدودها المحلية نحو أفق عالمي أرحب.
في المقابل، يأتي عنوان الفيلم محملا الدلالات المحلية، إذ تستخدم كلمة "حوبة" في اللهجة الإماراتية لوصف الشخص الماكر أو صاحب الخطة الشيطانية، بما يحمله المعنى من تدبير قد ينقلب على صاحبه، ولهذا اختيرت ترجمة العنوان في نسخة العرض الأجنبية بكلمة The Vile. أما على مستوى الموضوع، فانطلقت الحبكة من خلفية شعبية عربية مألوفة، تدور حول السحر الأسود وما يرتبط به من معتقدات متوارثة حول الزوجة الثانية التي تلجأ إلى الشعوذة للإيقاع بزوج متزوج، أو زهرة، تجسدها الممثلة السعودية سارة طيبة، في حين تؤدي الفنانة الإماراتية بدور محمد شخصية الزوجة أماني، التي تنقلب حياتها مع دخول هذا الزائر الملعون إلى بيتها، لتتحول الأحداث إلى رحلة في عوالم الرعب النفسي والتمييز الجندري في آن.
محمد يوسف أوزو
فضاءات متعددة
للحضور المصري مكانة خاصة في المشهد السينمائي الخليجي، فلا يكاد موسم يمر دون مشاركة أحد الوجوه. هذا العام، نجح الممثل محمد يوسف في لفت الأنظار إليه، وهو المعروف في القاهرة بـ"أوزو"، القادم من خلفية مسرحية راسخة، بعد أن تألق في أعمال مثل "نساء السعادة" و"قهوة بلدي"، إلى جانب عدد من المسلسلات الدرامية.
ملصق فيلم "وحش حولي"
يشارك يوسف في بطولة الفيلم الكويتي "وحش حولي" للمخرج محمد سلامة، إلى جانب بشار الشطي، في تجربة تمزج بين الرعب النفسي والتشويق. مجسدا شخصية حجاج السعدي، الوحش الغامض الذي أرعب المدينة الهادئة قبل سنوات، ليعيد الفيلم فتح قضية اغتصاب الأطفال عبر سرد يعتمد على أثر الفعل أكثر من تجسيده المباشر، في توازن بين الواقع والهلاوس البصرية والنفسية.
يصعب إغفال غياب التمثيل النسائي في السينما الخليجية، كما في غيرها من السينمات العربية، لأسباب متعددة، منها ما حققه من المخرجات خلال الأعوام الأخيرة
نجح المخرج في توظيف مشاهد الرعب بوصفها انعكاسا للاضطراب الداخلي لدى بطله، بينما جاءت النهاية محملة نبرة وعظية، أقرب إلى رسالة تحذيرية موجهة. الفيلم جزء ضمن مشروع درامي يتناول قصصا مستوحاة من جرائم حقيقية، يعرض على المنصات.
وسط هذا المشهد، يصعب إغفال غياب التمثيل النسائي في السينما الخليجية، كما في غيرها من السينمات العربية، لأسباب متعددة، منها ما حققه من المخرجات خلال الأعوام الأخيرة، لا تزال أصداء تصريحاتهن السابقة صالحة لوصف مجتمع، النساء فيه غير مرئيات كما تقول هيفاء المنصور، أو في صورة إشارة نايلة الخاجة إلى التمييز. صعوبات كانت دافعا لكثير من الأسماء نحو التجريب والمغامرة.
على جانب آخر، يخوض الفيلم القطري "سعود وينه" لمحمد الإبراهيم مغامرة مختلفة، في عرضه الأول ضمن فعاليات مهرجان الدوحة السينمائي، أواخر الشهر الجاري. كذلك، لم يغب الفيلم القصير عن المشهد الخليجي هذا العام، فمن عمان جاء فيلم "المجهول... غموض اختفاء موسى"، للمخرج محمد الكندي، الذي لا تتجاوز مدته عشرين دقيقة، لكنه يقدم تجربة مختلفة في تناول الغموض والإثارة. يراهن الكندي على إثارة من نوع آخر، تتجه نحو الداخل النفسي للشخصيات لا الخارج الحسي للأحداث، ليصوغ عملا أقرب إلى رحلة روحانية يتقاطع فيها الواقع مع الخيال، في استحضار لروح الأسطورة بوصفها أولى وسائل الإنسان في مواجهة خوفه من المجهول.
مشهد من فيلم "المجهول"
نجح المخرج في توظيف الكثير من اللقطات بما يتناسب مع بيئة الحدث، حيث شكلت الصورة جزءا أساسيا من بناء الدراما، كما لعبت الموسيقى التصويرية دورا لافتا باستنادها إلى الموروث الصحراوي لتعزيز الطابع الأسطوري للفيلم.
يتخذ السيناريو ثلاثة مستويات زمنية للحكاية، تدور حول اختفاء موسى، الشاب القروى البسيط الذي يطلع إلى العيش خارج جلباب والده المزارع، مأخوذا نحو الوجهة الأخرى من البحر، حيث الحياة الجديدة لن تخلو من المغامرة. بين الواقع والخيال، تستحضر الأجواء في الفيلم جانبا خرافيا يمزج بين الجن والعفاريت والأساطير الشعبية.