على بعد آلاف الكيلومترات، ومن وراء شاشات التلفزيون، يتابع المواطن المغاربي الحرب الإسرائيلية الإيرانية دون أن يدرك ربما أن بعد المسافات قد يعني الأمن من الصواريخ، لكن قد لا يجعله في منأى من التداعيات الاقتصادية والمعيشية لهذه الحرب إن طالت، فقد يطال صداها عقر داره في تفاصيل حياته اليومية، في محطة المحروقات أو في المراكز التجارية، إذ قد يغدو تأمين السلع الغذائية والاستهلاكية الهاجس الأول لحكام دول المغرب العربي الخمس من نواكشوط إلى الرباط مرورا بليبيا والجزائر وتونس.
يتزايد القلق في دوائر الحكم المغاربية تحسبا لتحول حرب إسرائيل وإيران إلى صدمة نفطية واقتصادية تضرب اقتصاد دولهم، ستكون الثالثة في أقل من نصف عقد، وذلك بعد صدمة جائحة "كوفيد-19" التي زلزلت اقتصادات العالم، ثم تلتها صدمة الحرب الروسية الأوكرانية التي ضربت معدلات النمو وفاقمت نسب التضخم، ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة منذ عقود في معظم الدول المغاربية، وأثرت على السياسات النقدية والفوائد.
وعلى الرغم من جرعة التفاؤل الحذر في بعض التقارير عن الآثار الاقتصادية الممكنة للحرب في الشرق الأوسط من خلال استبعاد السيناريو الأسوأ ، مثل التقرير الأخير لوكالة وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، فإن ذلك لم يبدد مخاوف حكومات الدول المغاربية وتوجساتها من حرب طويلة الأمد، باعتبارها قد تمس أعمدة الاستقرار الاقتصادي الثلاثة، وهي أسعار النفط وتكلفة الغذاء وشروط التمويل، وما قد يترتب على ذلك من ضغط على موازنات تونس والمغرب وموريتانيا، فيما قد تكون الجزائر، وكذلك ليبيا، الدولتين المغاربيتين الوحيدتين المصدرتين للنفط، من بين المستفيدين من الحرب الراهنة.
الجزائر وليبيا من أكبر المستفيدين
بين ليلة وضحاها، انقلبت النقاشات في الدول المغاربية من النقيض إلى النقيض بشكل يكاد لا يصدق في مضامينها قبل انطلاق الحرب وبعده، إذ ارتكز المزاج الاقتصادي المغاربي، بين الزمنين، على محاور نقاش مخالفة تماما للواقع الحالي. ففي الجزائر، كان النقاش يتمحور قبل بدء الحرب حول مصادر التمويل الممكنة لسد عجز تاريخي في الموازنة سيصل إلى 62 مليار دولار، مع ما يثيره تراجع أسعار النفط من رعب لدى السلطات الجزائرية، فيما كانت الدولة التونسية تتنفس الصعداء مع توفير نحو 1,5 مليار دينار (510 ملايين دولار) من تراجع أسعار النفط مقارنة بالسعر المرجعي لبرميل النفط الذي بُنيت على أساسه موازنة 2025.